«السيادي» السوداني يقيل محافظاً ومدير أمن بعد عنف عرقي

«الحرية والتغيير» تناشد المنظمات الدولية تقديم العون لمتضرري السيول

«السيادي» السوداني يقيل محافظاً ومدير أمن بعد عنف عرقي
TT

«السيادي» السوداني يقيل محافظاً ومدير أمن بعد عنف عرقي

«السيادي» السوداني يقيل محافظاً ومدير أمن بعد عنف عرقي

طلبت قوى «إعلان الحرية والتغيير» من حكومتها إعلان السودان منطقة كوارث طبيعية، ومناشدة المنظمات الطوعية الدولية والإقليمية والمحلية لتقديم العون للمتضررين من كوارث السيول والفيضانات والأمطار الأخيرة. وفي أثناء ذلك، أقال مجلس السيادة والي (محافظ) ولاية البحر الأحمر المكلف، ومدير الأمن، على خلفية أحداث عنف عرقية، وعين والياً بديلاً.
ومن جهتها، دعت قوى إعلان الحرية والتغيير الحكومة لاتخاذ التدابير اللازمة بمواجهة ارتفاع منسوب المياه في نهر النيل، وتواصل هطول الأمطار، بما في ذلك إعلان السودان منطقة كوارث طبيعية، ومناشدة المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية لتقديم العون والمساعدة للمتضررين في المناطق المنكوبة.
وبحسب مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا)، الأسبوع الماضي، فإن أكثر من 50 شخصاً لقوا مصرعهم بسبب السيول والفيضانات والأمطار، ودمار أكثر من 37 ألف منزل، الأمر الذي أدى لزيادة معدلات شح الغذاء في المناطق المنكوبة.
وحذرت قوى إعلان الحرية، في بيان أمس، من الكارثة الطبيعية التي تهدد البلاد، وقالت: «الوضع لا يزال ينذر بالخطر، مع توقعات بارتفاع مناسيب النيل، واستمرار هطول الأمطار، مما يستدعي اتخاذ الاحتياطات والتدابير اللازمة من قبل الحكومة».
وناشد التحالف السياسي الذي قاد الثورة، ويقود الجهاز التنفيذي، المواطنين أخذ الحيطة والحذر «خاصة في مناطق الهشاشة، والقريبة من مجاري السيول»، وأضاف: «ظلت قوى الحرية والتغيير تتابع باهتمام معاناة المواطنين عقب الضرر الذي أحدثته الأمطار والسيول والفيضانات، من دمار مريع لقراهم ومساكنهم وممتلكاتهم، وفقدان مؤلم للأرواح، ونفوق المواشي والدواب».
من جهة أخرى، أصدر مجلس السيادة أول قرار منذ تشكيله، أقال بموجبه والي ولاية البحر الأحمر المكلف اللواء الركن حسام الدين عبد الفراج، وعين والياً بديلاً، إضافة إلى إقالة مدير أمن الولاية، وذلك على خلفية أحداث عرقية شهدتها الولاية المشاطئة للبحر الأحمر، وأدت لمقتل وإصابة العشرات، وإحراق عدد من المنازل والمنشآت، وفشلت الولاية في حسم هذا النزاع القبلي.
وذكر مصدر لـ«الشرق الأوسط» أنه من المنتظر أن يصدر مجلس السيادة قرارات أخرى تخص ولايتي القضارف وكسلا المتأثرتين بالنزاع العشائري، بعد اتخاذ التدابير والترتيبات اللازمة.
وشهدت ولاية البحر الأحمر أحداث عنف أدت لمقتل 27 شخصاً، وجرح العشرات، وحرق عشرات المنازل، في نزاع بين عشيرتي النوبة وبني عامر. وكانت أحداث مشابهة قد حدثت في الولايتين قبل انتقالها إلى ولاية البحر الأحمر.
وقال مجلس السيادة، في بيان بثه التلفزيون الرسمي أمس، إنه اتخذ خطوات عدة تحفظ هيبة الدولة والسلام الاجتماعي، وتحافظ على الأرواح، جراء الاقتتال القبلي الذي جرى في مدينة بورتسودان، وخلف عدداً من الشهداء والجرحى. وذكر البيان أن الأجهزة المختصة لاحظت استخدام السلاح الناري لأول مرة في الصراع، وألمحت إلى وجود تدخلات خارجية وداخلية الهدف منها تأجيج الصراع ونقله إلى مناطق أخرى.
ووجه المجلس باتخاذ تدابير تحول دون نقل الصراع إلى مدن أخرى، وأمر برفع درجة الاستعداد وسط الأجهزة الأمنية لـ«رصد أي اجتماعات أو لقاءات تعقد لتغذية الصراع»، وقال البيان: «أصدر مجلس السيادة قراراً بإعفاء والي البحر الأحمر المكلف، وتعيين والٍ يعمل على بسط سلطة القانون والأمن وهيبة الدولة، وقرار بإعفاء مدير جهاز الأمن بالولاية».
وأكد المجلس، بحسب البيان، تفعيل حالة الطوارئ المعلنة في البلاد، وتكوين لجنة لتقصي الحقائق، والعمل على الوفاء بالتعويضات، وجبر الضرر. وشدد على حياد الأجهزة الأمنية والنظامية، وتعاملها مع أطراف الصراع، وقال: «كل من يثبت انحيازه لطرف من الأطراف، بسبب الانتماء أو المناصرة، سيتم التعامل معه بحزم». وأعلن المجلس دعمه للحلول السياسية التي تعضد التعايش والسلام الاجتماعي في مدينة بورتسودان، وعموم السودان، وشدد على أهمية المدينة كميناء رئيسي للبلاد، معتبراً أي استهداف لها استهدافاً للأمن القومي في البلاد.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.