الحمية الغذائية «الشخصية»... وهم أم حقيقة؟

شكوك علمية حول دور الجينات في عمليات إنقاص الوزن

الحمية الغذائية «الشخصية»... وهم أم حقيقة؟
TT

الحمية الغذائية «الشخصية»... وهم أم حقيقة؟

الحمية الغذائية «الشخصية»... وهم أم حقيقة؟

قبل عقد من اليوم، بدأ العلماء في استكشاف مجال «علوم الجينات التغذوية» nutrigenomics الواعدة، مدعومين بنجاح مشروع «الجينوم البشري» وانخفاض كلفة التسلسل الجيني. لكن، هل يمكن للتغذية الشخصية، مزوّدة بالمعلومات اللازمة عن حمض الشخص النووي، أن تساعد في الوقاية وحتى العلاج من الأمراض المرتبطة بالغذاء؟

فروقات جينية
إن النتائج الصادرة عن دراسات أجريت في هذا الإطار في جامعات كثيرة، أهمّها هارفارد وستانفورد كانت مقنعة؛ إذ تبيّن أن الفروق الجينية تعرّض الأفراد إلى خسارة معدلات مختلفة من الوزن نتيجة اتباع أنواع مختلفة من الحميات الغذائية. وأدت هذه النتائج إلى نشوء سريع لسوق قيمتها ملايين الدولارات تعتمد على تسويق حميات غذائية عمادها الحمض النووي DNA - based diets.
لكن الأبحاث المتتابعة فشلت في إظهار أي فروق نسبية لافتة في خسارة الوزن بين الأشخاص الذين يعانون من الوزن الزائد الذين يتناولون «الغذاء الصحيح والمناسب لنوعهم الجيني» وبين الآخرين.
في الحقيقة، إن التوصل إلى تأثير الجينات على السمنة كان ولا يزال صعباً؛ مما دفع بالكثير من الدراسات إلى اعتماد نسب مئوية عشوائية تتراوح بين 35 و85 في المائة. وتوصل خبراء التغذية ومنذ زمن بعيد إلى نتيجة مفادها أن استراتيجيات خسارة الوزن تختلف بين شخص وآخر، وأن الأفراد يظهرون فروقاً صادمة في استجاباتهم لمختلف الحميات الغذائية. ولكن ما هو سبب الاختلاف الكبير في عملية التمثيل الغذائي للفرد الواحد؟
بهدف الإجابة عن هذا السؤال، بدأ تيم سبيكتر وسارة بيري، المتخصصان في علم الوبائيات من جامعة «كينغز كوليدج» في لندن، بالتعاون مع أندرو تشان من كلية الطب في جامعة هارفارد، بحثاً جديداً وطموحاً. ويعتبر هذا البحث الذي انطلق العام الماضي ويحمل اسم «بريدكت» Predict (توقّع)، الدراسة العلمية الأكبر والأكثر شمولية في العالم للبحث في الاستجابات الفردية تجاه الغذاء.

نظام غذائي شخصي
وللمرة الأولى، وثّقت النتائج الأولية لهذه الدراسة والتي عرضت أخيراً في المؤتمر السنوي للجمعية الأميركية للتغذية، اختلافات كبيرة ومفاجئة في فاعلية معالجة المشاركين للدهون والكربوهيدرات، حتى بين التوائم المتطابقة. كما أظهرت أن فاعلية التمثيل الغذائي لنوع محدد من الطعام لدى شخص معيّن ليست مؤشراً على شكل استجابة الشخص نفسه لنوع طعام آخر.
رأى إريك توبول، عالم الجينات من معهد «سكريبس ريسرتش ترانزليشنل» في لا جولا، كاليفورنيا، والذي لم يشارك في الدراسة، أن «العلماء يقتربون أكثر من إمكانية تزويد كل فرد بالنظام الغذائي المثالي المناسب له. لم نصل بعد، لكن الدراسة الجديدة تشكّل خطوة كبيرة أخرى نحو هذا الهدف».
عمل سبيكتر لسنوات على استكشاف أسباب الفروق الفردية لجهة خطر الإصابة بالأمراض، ومن بينها تلك المرتبطة بالغذاء. وفي عام 1992، أنشأ سجلّ «توينز يو كي» البحثي الذي يضمّ اليوم أكثر من 13000 توأم متطابق وشقيق. واستنتج الباحث أن الجينات تساهم بـ70 في المائة من خطر إصابة الفرد بالسمنة.
بعد هذا النجاح، بدأ سلسلة من الدراسات التي تهدف إلى تحديد العوامل التي تؤثر على نسبة الـ30 في المائة المتبقية. في عام 2014، أطلق سبيكتر مشروع «ذا بريتيش غات» British Gut project الذي يضمّ عدداً كبيراً من المشاركين، لفهم تنوّع ميكروبات الجهاز الهضمي واستجابتها لتدخلات غذائية مختلفة وتأثيرها على الوزن، ولاحظ أنه حتى التوائم المتطابقة في السجل المذكور تتشارك نحو 50 في المائة فقط من بكتيريا الأمعاء.

دراسة بريطانية
بعدها، بدأ سبيكتر في مشروع «بريدكت» لمعرفة كيف تساهم اختلافات استجابة الأفراد للدهون والنشويات في السمنة. والمعروف أن تناول أطعمة تحتوي على الدهون والكربوهيدرات يؤدي إلى ارتفاع وهبوط معدلات الغلوكوز والأنسولين والدهون الثلاثية في الدم. بدورها، تسبب الارتفاعات العالية والمتكررة والطويلة الأمد منها في الالتهابات وزيادة الوزن وأمراض القلب والسكري.
شملت الدراسة 700 توأم متطابق و300 متطوّع بريطاني، إلى جانب 100 مشارك من الولايات المتحدة، وجمعت بيانات حول جميع العوامل التي قد تؤثر على عملية التمثيل الغذائي، ومنها النبيت الجرثومي المعوي، ومدّة النوم، والتمارين الرياضية، وتركيبة الجسم الدهنية. لكن النتائج الأولية حلّلت ارتفاع وهبوط معدلات الأنسولين والغلوكوز وثلاثي الغليسريد في الدم فقط بعد تناول المشاركين وجبات موحّدة.
استنتج الفريق أن الجينات تلعب دوراً محدوداً في كيفية معالجة الإنسان للدهون والكربوهيدرات. وتبيّن أن نحو نصف معدّل ومدّة مستوى غلوكوز ما بعد الوجبة في الدم ارتبط بالتأثير الجيني مقابل أقلّ من 30 في المائة لمستويات الأنسولين والدهون الثلاثية بين التوائم المتطابقة. ويبدو أن العوامل الأكثر تأثيراً على التمثيل الغذائي في الجسم مرتبطة بالمحيط كالنوم والتوتر وممارسة الرياضة وتنوع وكثافة النبيت الجرثومي المعوي لكلّ فرد.
من جهتها، قالت بيري، إن «هذه النتائج مثيرة للاهتمام بالنسبة للعلماء والأفراد؛ لأنها أظهرت لنا أن الأمر غير مرتبط بالجينات، وبالتالي يمكن تغييره».
وشرحت أن حصة الكربوهيدرات والدهون في وجبة ما تقف خلف 40 في المائة فقط من استجابة الشخص لهذا الطعام. كما تدعم هذه النتائج «الرسالة القائلة إننا يجب أن نركّز على منطلقات متكاملة في أسلوب حياتنا بدل الاعتماد على الأطعمة والأغذية الفردية».
لم تظهر الصورة المفصلة لاختلافات التمثيل الغذائي إلّا أخيراً نتيجة انتشار التقنيات كالتعلّم الآلي وأجهزة الاستشعار القابلة للارتداء والتسلسل الجيني؛ مما ساهم في تصاعد الاهتمام بهذا المجال. وفي فبراير (شباط)، أطلق المعهد السويسري الاتحادي للتكنولوجيا في لوزان، دراسة كبيرة ستستمر لسنوات كثيرة للبحث في التغذية الخاصة أو الفردية.
من جهته، قال تيم كولفيلد، الذي يشارك في دراسات القوانين والسياسات الصحية في جامعة ألبرتا في كندا، إن «هذا البحث مذهل ومهمّ. لكن إذا أراد التاريخ أن يقول لنا شيئاً، سيقول لنا إنه على الأرجح لن يؤدي إلى تطوير مجال التغذية».

مقاييس غذائية
وأضاف، أن المقاييس الغذائية للنظام الغذائي الصحي معروفة جيداً وتوصي بالتركيز على تناول الحبوب الكاملة والخضراوات الورقية الخضراء وغيرها، وما يكفي من الزيوت الصحية والمأكولات البحرية، إلى جانب التخفيف من اللحوم الحمراء والنشويات المكررة. لكن المشكلة، على حدّ تعبير كولفيلد، ليست في أن الإرشادات خاطئة أو غير مناسبة للأفراد، بل بعدم التزام الناس باتباعها. ونبّه الباحث إلى أن مجرّد التركيز على خيارات الشخص الغذائية أو عملية التمثيل الغذائي لديه قد يؤدي إلى تشتيته عن عوامل مهمّة أخرى تساهم في وباء السمنة، لافتاً إلى «الدور الذي قد تلعبه أشياء كثيرة معقّدة مرتبطة بمحيطنا والاقتصاد الاجتماعي والبيئة الغذائية والتسويق ومستوى نشاطنا... الكثير من الأشياء».
يمكن القول إن «بريدكت» كدراسة لا تزال في مراحلها الأولى، أي مهما كثرت التوصيات الفردية التي تقدّمها، لا تزال تفتقر إلى الدليل الذي يثبت أنها قادرة على تحسين صحة الشخص أكثر من الإرشادات الغذائية المعتمدة... لكن ما يميزها هو أن إطارها ودقتها يعتمدان لأول مرة.
من جهته، قال توبول، من كينغز كوليدج، إن «الدراسة لا تزال في حاجة إلى المزيد من العمل والجهود، وهي لا توازي دراسات الوقاية من أمراض القلب أو السرطان أو غيرها من المشاكل. لكن هذا لا ينفي أن النجاح في تحويل (الطعام إلى دواء) سيكون إنجازاً مهماً».
وللوقت الحالي، قدّم كولفيلد نصيحة غير تقنية مفيدة للأشخاص الباحثين عن تغذية خاصة: راقبوا في كل مرة تدخلون فيها الحمّام وزن أجسامكم على الميزان، مشيراً إلى أن «هذا الرقم أكثر مصداقية ودلالة على صحتكم المستقبلية من أهم المعلومات التي قد تحصلون عليها من الشركات التي تستهدف المستهلك مباشرة».

- خدمة «نيويورك تايمز»



الذكاء الاصطناعي... الثورة القادمة في طب الأسنان الجنائي

الذكاء الاصطناعي... الثورة القادمة في طب الأسنان الجنائي
TT

الذكاء الاصطناعي... الثورة القادمة في طب الأسنان الجنائي

الذكاء الاصطناعي... الثورة القادمة في طب الأسنان الجنائي

لطالما كان مجال طب الأسنان العدلي أو الجنائي ميداناً حيوياً في علم الطب الشرعي، إذ يقدم الأدلة الأساسية التي تساعد في كشف الجرائم وحل الألغاز القانونية.

الأسنان لتحديد الهوية

وتجرى التحقيقات الجنائية لحل الألغاز القانونية من خلال:

> تحديد الهوية: يتم استخدام الأسنان وبصمات الأسنان لتحديد هوية الأفراد في حالات الكوارث الطبيعية، الحوادث، أو الجرائم، خصوصاً عندما تكون الجثث مشوهة أو متحللة.

> تحليل علامات العضّ: يساعد تحليل علامات العض الموجودة على الأجساد أو الأشياء في تحديد الجناة أو الضحايا من خلال مقارنة العلامات مع أسنان المشتبه بهم.

> تقييم العمر: يمكن لطب الأسنان الجنائي تقدير عمر الأفراد بناءً على تطور الأسنان وتركيبها، مما يساعد في قضايا مثل الهجرة غير الشرعية وحالات الاستغلال للأطفال.

> فحص الجثث المجهولة: يتم استخدام تقنيات طب الأسنان لفحص الجثث المجهولة والتعرف عليها من خلال السجلات الطبية للأسنان.

> الأدلة الفموية: يمكن للأدلة المستخرجة من الفم والأسنان أن توفر معلومات حول نمط حياة الأفراد، مثل النظام الغذائي والعادات الصحية، التي قد تكون ذات صلة بالقضايا الجنائية.

> الكشف عن التزوير والتزييف: يمكن تحليل التركيبات السنية والأسنان المزيفة لتحديد التزوير والتزييف في الأدلة الجنائية.

> التشخيص المسبق: يستخدم طب الأسنان العدلي في تشخيص الإصابات الفموية وتحليلها لتحديد ما إذا كانت ناتجة عن أعمال جنائية أو غيرها.

دور الذكاء الاصطناعي

ومع التقدم السريع في التكنولوجيا، يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً متزايداً في تعزيز هذا المجال وجعله أكثر دقة وفاعلية. وسنستعرض كيف يغير الذكاء الاصطناعي ملامح طب الأسنان العدلي ودوره المحوري في تحسين عملية التشخيص وتقديم الأدلة الجنائية.

> الذكاء الاصطناعي في تحليل الأدلة، يتيح الذكاء الاصطناعي تحليل البيانات الضخمة بسرعة ودقة، وهو ما كان يستغرق أياماً أو حتى أسابيع لفرق من الأطباء والمختصين. أما الآن، فباستخدام خوارزميات التعلم الآلي، يمكن تحليل الصور الفموية والأشعة السينية وتحديد الهوية من خلال بصمات الأسنان بوقت قياسي قد لا يتجاوز الساعة.

> التشخيص الدقيق، يسهم الذكاء الاصطناعي في رفع مستوى الدقة في التشخيص من خلال تحليل البيانات الفموية مثل تحديد هوية العضات والعمر والجنس للضحايا من خلال الأسنان وعظم الفك وتحديد الأنماط غير المرئية بالعين المجردة. ويساعد هذا الأطباء في تمييز الحالات العادية من الحالات الحرجة التي قد تكون ذات صلة بالجرائم أو الحوادث.

> تحديد الهوية، يُعد تحديد الهوية من خلال الأسنان من أهم تطبيقات طب الأسنان العدلي، خصوصاً في حالات الكوارث أو الجثث غير معروفة الهوية. وبفضل الذكاء الاصطناعي، يمكن مقارنة البيانات الفموية بسرعة مع قواعد بيانات السجلات الطبية الرقمية، مما يسهل عملية التعرف على الضحايا بدقة عالية. كما مكنت خوارزميات الذكاء الاصطناعي من إعادة بناء الوجه بعد حوادث الغرق أو الحريق أو الطائرات لسهولة التعرف على الضحايا.

ومع استمرار تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، نتوقع أن يصبح طب الأسنان العدلي أكثر تطوراً وفاعلية، فالذكاء الاصطناعي لا يقلل من الوقت والجهد فحسب، بل يساهم أيضاً في تقليل الأخطاء البشرية وتحقيق نتائج أكثر دقة ومصداقية. بفضل التعاون بين الخبراء في مجالات التكنولوجيا والطب الشرعي، يتم تطوير تطبيقات جديدة لتحديد العمر والجنس وحتى الأصل العرقي بناءً على تحليل الأسنان.

وعلى الرغم من الفوائد العديدة للذكاء الاصطناعي في طب الأسنان العدلي، هناك تحديات يجب التغلب عليها. ومن بين هذه التحديات ضرورة تحسين دقة الخوارزميات وتجنب التحيزات التي قد تؤثر على النتائج. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة لضمان الخصوصية وحماية البيانات الشخصية للمرضى.

وتنفيذ الذكاء الاصطناعي بشكل فعال في طب الأسنان العدلي، يجب على المؤسسات التعليمية توفير التدريب اللازم للأطباء والمختصين في هذا المجال. يشمل ذلك تعليمهم كيفية استخدام الأدوات التكنولوجية الجديدة، وفهم كيفية تفسير النتائج التي تنتج عن الخوارزميات الذكية.

وتبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي في هذا السياق بوضوح أهمية التقنية في تحسين حياتنا وجعل مجتمعاتنا أكثر أماناً وعدالةً.