أول رئيس عربي لكلية الإعلام جامعة «ماكروميديا» الألمانية: لا أتخوف من دخول الروبوتات مجال الإعلام

الدكتور محمد بدر يقود مشروعاً لتطوير محتوى المجال ليتوافق مع التطور التكنولوجي

الدكتور محمد بدر
الدكتور محمد بدر
TT

أول رئيس عربي لكلية الإعلام جامعة «ماكروميديا» الألمانية: لا أتخوف من دخول الروبوتات مجال الإعلام

الدكتور محمد بدر
الدكتور محمد بدر

رحلة شغف بالإعلام وعوالمه قادت الدكتور محمد بدر (40 عاماً) ليصبح أصغر وأول رئيس عربي لواحدة من كليات الإعلام المهمة في أوروبا في جامعة «ماكروميديا» للعلوم التطبيقية بميونيخ، فضلاً عن الإشراف سنوياً على عشرات الرسائل الأكاديمية المتنوعة، بالاشتراك مع جامعة ويستمنستر البريطانية.
عمل بدر على تطوير مناهج الإعلام الدراسية لمواكبة التغيرات المتسارعة في المجال التكنولوجي، رافعاً شعار «you change»، ونال جائزة أفضل أستاذ جامعي بالكلية… «الشرق الأوسط» حاورته هاتفياً بشأن رؤيته لتطور صناعة الإعلام ومستجداته مهنياً، خصوصاً في مجالي الصحافة والتلفزيون، وأهم متطلباته في المستقبل... وهنا نص الحوار:
> درست التجارة الدولية بجامعة الإسكندرية، وفي أثناء توليك العمل الإعلامي بأكاديمية الفنون المصرية بروما، اتجهت لعالم الميديا... لماذا هذا التحول؟
- أعتبر أن البداية الدراسية لي كانت في إيطاليا، ثم تابعت الدراسة في ألمانيا، وتدرجت في السلم الأكاديمي، ثم حصلت على درجة الماجستير 3 مرات، ودكتوراه في مجالات الإعلام المختلفة، لدراسة أسواق الميديا في العالم. وحالياً، أتولى منصب رئيس كلية الإعلام «ماكروميديا» التي تضم ألفي طالب من مختلف الجنسيات. والإعلام تخصص واسع جداً ولا محدود، ولا يجب أن يدرس الطالب الإعلام لمجرد الحصول على لقب إعلامي، بل يجب أن تكون لديه رؤية لما سيكون عليه عقب تخرجه.
> كيف يتم ذلك في كلية «ماكروميديا»؟
- لدينا 9 أقسام متخصصة، منها: إدارة الإعلام والوسائط، وصناعة الأفلام، والصحافة الرياضية، والصحافة الدولية، وإدارة الأحداث الرياضية، وإدارة الإحداث بشكل عام. ويخضع الطلاب لمقابلة شخصية، نقيس من خلالها رؤيتهم حول طبيعة مهنة الصحافة، ومستقبلها والآليات التي ستتحكم بها، ومتطلبات العمل الإعلامي في الإذاعة والتلفزيون، بل نظل نتابع طلابنا حتى بعد التخرج، ونرى ما وصلوا إليه، وهل صادفوا صعوبات أو عقبات تتطلب منا تغييراً وتعديلاً بطرق التدريس؟ يتم ذلك من خلال 7 فصول دراسية، منها موسم خارج ألمانيا، وفيه لا بد أن يدرس الطالب في جامعة أخرى، حيث إن لدينا شراكات مع جامعات حول العالم، من أميركا حتى كوريا الجنوبية. ويتخرج لدينا قادة الإعلام وصناعه في ألمانيا وأوروبا، قادرين على تحليل الأسواق، ودراسة آليات عمل المنافسين، وتغيير الصورة الذهنية أو رسم الاستراتيجيات.
> ماذا يميز هذه الجامعة عن الجامعات الأخرى؟
- نركز على التحليلات المستقبلية، ووضع سيناريوهات لكيفية تطوير المحتوى الإعلامي ليتوافق مع التطور التكنولوجي في العالم، وليس على نطاق المحتوى الإعلامي المحلي هنا في ألمانيا. الأدوات كلها متاحة لدينا، ولا بد أن يكون طالب الإعلام متمرساً بتحليل المضمون، وتحليل البيانات الضخمة (Big data)، فنحن لا نعمل بمعزل عنها، ولا بد أن يكون دارساً لعلم المعلومات، فلم يعد التعليم الإعلامي الأكاديمي التقليدي له قيمة في ظل هذا التحول التكنولوجي. وأؤكد أننا نؤهل الطالب لأن يعمل في سياق مهني تتراجع فيه العاطفة، ولا تسيطر على المحتوى الذي يقدمه، وكيف يحافظ على الحيادية، بالتوازي مع السياسية الإعلامية لمؤسسته.
> كيف ترى ما فرضته شبكات التواصل الاجتماعي على العمل الإعلامي؟
- لا شك أن السوشيال ميديا أصبحت مصادر أولية للإعلام، وميداناً لتحليل الحدث من منظورات مختلفة، فقد تغيرت طريقة صياغة الخبر والمحتوى بشكل عام، بل أصبح المحتوى تفاعلياً معتمداً على تفاعلية المستخدم بشكل كبير، وهذا يعني أن التغيير التكنولوجي لوسائل الإعلام واجب لمواكبة التطور التكنولوجي، وإلا ستفقد المؤسسة الجمهور المستهدف لها، وبالتالي سيذهب لمؤسسات أخرى. إن الإعلام بما أنه لا حدود له، فإن الإبداع فيه أيضاً آفاقه لا محدودة، وكذلك هو الحال بالنسبة لطلاب الإعلام، فالمجالات التي يتيحها التقدم التكنولوجي لهم كثيرة، واستهداف الجمهور لم يعد محلياً فقط، بل عالمياً، لذا فإن من يتميز سيجد صدى عالمياً لجهده.
> برأيك هل يمكن تقييد «السوق الإعلامية» بحدود معينة؟
- التنافسية أصبحت كبيرة جداً في هذه السوق، كما أن رغبات المستهلكين للمواد الإعلامية تزايدت، وأصبحت التطلعات كبيرة، فلدينا «بريميوم مودل» و«فريميوم مودل». وفي هذا السياق، فإن وجود الاندماجات، سواء أفقياً أو رأسياً، له جانبان إيجابيان، هما: الربحية للمستثمرين، خصوصاً لو أن المؤسسة مطروحة في البورصة؛ وأيضا مصلحة المستخدم في الحصول على كثير من المحتوى الحصري المتميز، وتقديمه في إطار يعطي قيمة ترفيهية ومعلوماتية أيضاً، لأن مفهوم الاستهلاك هنا لاعب أساسي. وهناك مبدعون مستقلون يمكنهم نشر إبداعهم في 5 دقائق، ويمكنهم الحصول على ملايين المتابعين (الفولورز) الذين يمكنهم بكل بساطة التحكم في مستقبل شركات وتحريك الرأي العام.
إذن، سلسلة القيمة في المنتج الإعلامي باتت متغيرة، لذا فإن المحتوى يجب أن يحترم ويقدر المستهلك أو الجمهور الذي يخاطبه، فلم يعد احترافياً وجود فوضى إعلانية أو محتوى غير متقن، وهو ما يحدث في بعض الفضائيات والمواقع العربية، وهذا إهدار لوقت المستهلك، وإهدار لأموال المعلن، وإهدار لصناع الحملة الإعلانية. ويجب أن نعرف أن وسائل الإعلام بات لديها خيارات متعددة، وكلها تحقق الربحية، فلم تعد الحاجة ماسة للإعلانات، بل يمكن تعويضها بالاشتراكات ودعم القراء أو المشاهدين. أيضاً لا نغفل في هذا السياق أن التوزيع تغيرت آلياته وأشكاله، حتى السينما أصبحت في وضعية تنافسية كبيرة، فيجب أن تكون العلاقة بين المؤسسة الإعلامية والمشاهد قائمة على احترام المشاهد وعقليته لأن الميديا أصبحت قائمة في اتجاه أرقام وقياسات متابعة لمؤشرات الأداء.
> حدثني عن تأسيس قسم خاص للصحافة الرياضية بالجامعة.
- نحرص على تنظيم فعاليات تجمع طلاب القسم بمسؤولين في «الفيفا»، كأكبر هيئة في عالم كرة القدم، والاستفادة من خبراتهم والتعلم من خلال الاحتكاك بهم، وبذلك يصبح الطالب هنا على علم بالتعامل مع المصادر الرئيسية في مستقبله المهني. كذلك نظمنا أيام «Industry days» للتعرف على طرق صناعة المحتوى مع كبرى الوكالات العالمية، وكيفية تسويقه، وكيف بات من الأهمية أن تعزز المؤسسات الإعلامية الصحافية والتلفزيونية حضورها على السوشيال ميديا، وأن تعتمد كبرى الوكالات على صحافيين متخصصين في تحليل الأخبار السياسية، أو تحليل الأخبار الرياضية، وغيرها من الأقسام، وآخرين في السوشيال ميديا، وهكذا، وذلك لمواجهة تأثيرات شبكات السوشيال ميديا على صناعة الأخبار، مع الحرص التام على إثراء منصاتها الإلكترونية الجماهيرية بالتوازي مع المنصات التي تغذي المشتركين.
> برأيك، ما مدى تأثير إشكالية ارتفاع البطالة في مجالات العمل الإعلامي التقليدية على هذا التطور؟
- في الصحافة التقليدية بالطبع لن يجد الخريج مكاناً له، خصوصاً أنه يفتقر للخبرة، ولا يملك أدوات الصحافي المحترف، وليس لديه قراء، وهكذا، بينما يجب أن يدرس المهارات التقنية والبرمجة في إطار تصوره لتطور الصناعة. ولا أتخوف من دخول الروبوتات المجال الإعلامي، فحالياً نعمل مع التطبيقات بكل تجلياتها، وبعد أعوام سنعمل مع الذكاء الاصطناعي، والأفق مفتوح لكل شيء... تحديات ومكونات السوق أمام طلاب الإعلام في العالم كله، فالمحلية لم تعد موجودة، وهنا نحن ندرس سوق الصحافة والإعلام في أميركا وأستراليا وأوروبا وغيرها لأن التحليل لم يعد محصوراً في دولة بعينها، بل يشمل العالم كله. لدينا الاتصالية وإنترنت الأشياء ومدن ذكية وبيوت ذكية، والواقع المدمج والواقع المعزز والواقع الافتراضي والتقنيات السحابية، وهذا يغير في العلاقات الاجتماعية، ومفهوم الاستهلاك وعاداته وأساليبه وصناعة القيمة وآليات السوق، وسلسلة القيمة أصبحت قصيرة للغاية، فالمحتوى بمجرد إتاحته على الموقع يصل للجمهور، ونعرف رد الفعل عليه لحظياً، وهذا ما يجب أن يعيه صناع القرار ويضعوه نصب أعينهم.
> كيف نعالج مشكلة الأخبار الزائفة وانتشارها السريع؟
- مشكلة الأخبار الزائفة مرتبطة بمستوى وعي المستخدم نفسه، فمهم أن نعرف الأسباب وراء صناعتها، ومن يصدق الأخبار، ولا بد من تحليل مصدر الأخبار، وكم عددها، ومن يصنعها، وتصل لمن. الأخبار الزائفة صناعة تستهدف جمهوراً معيناً، ولا بد لمتخذ القرار أن يتابع تأثيرها على الجمهور والرأي العام. كصناع إعلام، لا بد من دراسة هذه الأخبار بصفة دورية، وتحليل أهدافها، وتكون مهمتنا العمل على الهدف نفسه، بتقديم محتوى أعلى جودة، ونحولها لأخبار مهدرة، أي نعيقها من تحقيق هدفها.



كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
TT

كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)

أوردت تقارير، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أن ناشري الأخبار كثّفوا ظهورهم على «غوغل ديسكوفر» بهدف زيادة حركات المرور على مواقعهم، وهذا بعدما تراجعت وسائل التواصل الاجتماعي عن دعم ظهور الأخبار منذ مطلع العام. إذ اتجهت «غوغل» إلى نموذج الملخّصات المعزّز بالذكاء الاصطناعي بديلاً عن ترشيح روابط الأخبار من مصادرها، ما أدى إلى تراجع الزيارات تدريجياً. غير أن خبراء ناقشوا الأمر مع «الشرق الأوسط» عدُّوا هذا الاتجاه «رهاناً محفوفاً بالمخاطر، وقد لا يحقق نموذج عمل مستداماً». أبحاث أجرتها «نيوز داش»، وهي أداة متخصصة في تحسين محركات البحث (SEO) موجهة للناشرين والمواقع الإخبارية، أظهرت أن «غوغل ديسكوفر» بات يمثل في المتوسط 55 في المائة من إجمالي حركة المرور الآتية من «غوغل» للناشرين، مقارنة بـ41 في المائة، في دراسة سابقة، ما يعني أن «ديسكوفر» أضحى القناة الكبرى التي تجلب الزيارات إلى مواقع الأخبار.

جدير بالذكر أن «غوغل ديسكوفر» هو موجز للمقالات يظهر على نظامي «أندرويد» و«آبل» عند فتح «غوغل» للتصفّح. ووفق محرّك البحث، فإن المقالات المُوصى بها تُحدَّد وفقاً لاهتمامات المستخدم وعمليات البحث السابقة، ومن ثم، فإن ما يظهر لدى المستخدم من ترشيحات هو موجز شخصي جداً، لذا يحقق مزيداً من الجذب.

محمد الكبيسي، الباحث ومدرب الإعلام الرقمي العراقي المقيم في فنلندا، أرجع تكثيف بعض المواقع الإخبارية وجودها على «غوغل ديسكوفر» إلى احتدام المنافسة الرقمية بين المنصّات للوصول إلى الجمهور. وأوضح: «منطقياً، تسعى مواقع الأخبار إلى الظهور على منصات متعدّدة، مما يعزز فرص الوصول والتفاعل مع الأخبار دون الحاجة للبحث المباشر».

وحدَّد الكبيسي معايير ظهور المقالات على «غوغل ديسكوفر» بـ«جودة المحتوى، والتحديث المستمر، وتوافق SEO، والملاءمة مع اهتمامات المستخدمين وسلوكهم السابق في استخدام وسائل الإنترنت، إضافة إلى الالتزام بمعايير الإعلام والصحافة المهنية».

ومن ثم، بعدما رأى الباحث العراقي تكثيف الاهتمام بأداة «غوغل ديسكوفر» حلاًّ مؤقتاً للمرحلة الحالية، شرح أنه «يمكن القول عموماً إن (غوغل ديسكوفر) قد يُسهم في زيادة معدلات الزيارات للعديد من المواقع الإخبارية، لكن ذلك يعتمد على أهمية المحتوى وملاءمته اهتمامات الجمهور». أما عن الحلول المستدامة فاقترح الكبيسي على صُناع الأخبار تحقيق المواءمة مع تطوّرات المنصات ومواكبة التحديثات؛ لتجنب التبِعات التي قد تؤدي إلى تقليل الظهور أو انخفاض معدلات الوصول».

من جهته، يقول الحسيني موسى، الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة الـ«سي إن إن» العربية، إن «غوغل ديسكوفر» لا يقبل أي مقالات؛ لأن لديه معايير صارمة تتعلق بجودة المحتوى ومصداقيته. وتابع أن «الظهور على (غوغل ديسكوفر) يشترط تقديم معلومات دقيقة تلبّي اهتمامات المستخدمين وتُثري معرفتهم، مع استخدام صور عالية الجودة لا تقل عن 1200 بيكسل عرضاً، وعناوين جذابة تعكس مضمون المقال بشكل شفاف بعيداً عن التضليل». ثم أضاف: «يجب أن تكون المواقع متوافقة مع أجهزة الهواتف الذكية؛ لضمان تجربة مستخدم سلسة وسريعة، مع الالتزام الكامل بسياسات (غوغل) للمحتوى».

وعلى الرغم من أن معايير «غوغل ديسكوفر» تبدو مهنية، عَدَّ موسى أن هذا «الاتجاه لن يحقق مستقبلاً الاستقرار للناشرين... وصحيح أن (غوغل ديسكوفر) يمكن أن يحقق زيارات ضخمة، لكن الاعتماد عليه فقط قد لا يكون واقعاً مستداماً».

ورأى، من ثم، أن الحل المستدام «لن يتحقق إلا بالتنوع والتكيف»، لافتاً إلى أنه «يُنصح بالتركيز على تقديم محتوى ذي قيمة عالية وتحويله إلى فيديوهات طولية (فيرتيكال) مدعومة على منصات التواصل الاجتماعي لجذب المزيد من المتابعين وبناء قاعدة جماهيرية وفية».