ولّى عهد الهنود والطليان وجاء عهد اللبنانيين والأتراك

عدد المطاعم النباتية يرتفع بنسبة 69 في المائة في بريطانيا

ولّى عهد الهنود والطليان وجاء عهد اللبنانيين والأتراك
TT

ولّى عهد الهنود والطليان وجاء عهد اللبنانيين والأتراك

ولّى عهد الهنود والطليان وجاء عهد اللبنانيين والأتراك

يعاني قطاع المطاعم في بريطانيا والكثير من الدول الصناعية من وتيرة التغييرات السريعة التي تلامس طبيعة القطاع والطريقة التي يعمل بها وما يؤمّنه للزبائن بشكل عام. وتأتي هذه المعاناة من العوامل الجديدة التي دخلت على عالم الطعام مع توسع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، وخصوصاً «فيسبوك» و«يوتيوب» و«إنستغرام»، وتأثير هذه الشبكات على عالم الطعام والطبخ بشكل عام، إضافة إلى الاهتمام الكبير هذه الأيام بعالم الصحة والأطعمة المفيدة والضارة للجسم، وتطور الكثير من الظواهر المطبخية المهمة على خط الطعام، مثل ظاهرة الـ«فيغين» واشتداد عود النباتيين، والخلط أو التلاقح بين مكونات المطابخ التقليدية، وأخيراً دخول العلم على خط إنتاج المواد الجديدة والأفكار الحديثة والجذابة للشباب.
بأي حال، فقد كشفت الأرقام الأخيرة التي نشرتها شركتا البحث والاستشارات في لندن «سي جي إيه» و«اليكس بارتنرز»، عن أن رواد المطاعم بدأوا في هجرة المطاعم التقليدية المرغوبة في بريطانيا، كالمطاعم الإيطالية والهندية والصينية لصالح المطاعم التي تقدم المآكل والأطباق الشرق أوسطية، وبالتحديد مطابخ حوض المتوسط والمطاعم الكاريبية والنباتية المتخصصة.
وأشارت الأرقام إلى أن أعداد المطاعم الإيطالية والهندية والصينية انخفضت بنسبة 3.4 في المائة هذا العام حتى نهاية شهر يونيو (حزيران)، وأن معدل عدد المطاعم التي أغلقت أبوابها أسبوعياً وصل إلى 18 مطعماً. وهو الانخفاض السادس على التوالي لهذا النوع من المطاعم.
ويبدو أن الهجرة لهذه المطاعم التقليدية، تترافق مع الاهتمام المتزايد والمرتفع من قبل الناس العاديين بمطابخ ومطاعم أخرى أقل شهرة وتقليدية خلال السنوات القليلة الماضية، وعلى رأس هذه المطاعم، المطاعم الكاريبية والشرق أوسطية، وهو تغيير كبير وتحول رئيسي على خريطة الطعام في بريطانيا. وتشير الأرقام التي نشرتها المؤسستان، إلى أن عدد المطاعم الكاريبية ارتفع بنسبة 144 في المائة منذ يونيو عام 2014 ليصل إلى 177 مطعماً، وقد ساهم في هذا الارتفاع افتتاح سلسلة «تيرتل باي» الأميركية المتخصصة 40 مطعماً جديداً في بريطانيا.
كما أن عدد المطاعم النباتية التي لا تقدم أطباق اللحوم على اختلافها ارتفع خلال تلك الفترة بنسبة 69 في المائة ليصل إلى 88 مطعماً. وتشير الأرقام إلى أن 24 مطعماً جديداً من هذا النوع افتتح خلال السنة الماضية فقط. ويتوقع أن يكون قطاع المطاعم النباتية من أقوى القطاعات من ناحية النمو خلال السنوات المقبلة نتيجة الاهتمام العام بها وبما تقدمه من أطباق.
وقد ارتفع عدد المطاعم التركية بنسبة 60 في المائة خلال السنوات الخمس الماضية ليصل إلى 668 مطعماً.
لا يخفى على المهتمين بعالم الطعام الثورة التي تشهدها لندن في عالم المطاعم التركية المهمة والكبيرة والفاخرة في الكثير من المناطق، وخصوصاً شمال العاصمة لندن والمدن الكبرى كمانشستر وبيرمنغهام وليدز وليفربول في إنجلترا. وتركز الكثير من هذه المطاعم على التنوع في لائحة الطعام والكثير من الأطباق النباتية وأطباق اللحوم المشكّلة، كما تركز على الأسعار التنافسية المقبولة والطبيعية العائلية لخدماتها وأجوائها الممتازة.
أما المطاعم الشرق أوسطية فقد نمت خلال السنوات الخمس الماضية بنسبة لا تقل عن 60.7 في المائة ليصل عددها إلى 270 مطعماً.
إلى جانب المطاعم النباتية، يمكن القول إن هذا النوع من المطاعم من أكثر المطاعم نمواً وطلباً من قبل الجمهور بشكل عام، وقد ساهمت المطاعم اللبنانية والسورية الجديدة في هذا النمو؛ لما تتمتع به من شهرة ممتازة على صعيد الأطباق الطيبة المذاق والأطباق النباتية واللحومية على حد سواء. ولا بد من الذكر أن الكثير من المطاعم الفلسطينية والسورية في السنوات القليلة الماضية قدمت خدماتها تحت المظلة اللبنانية الأكثر شهرة.
وتشير الأبحاث الأخيرة إلى أن هناك عشرة مطابخ تشهد نمواً متواصلاً في البلاد، وواحد من هذه المطابخ هو المطبخ اللبناني.
وعلى جانب هذا النجاح المنقطع النظير للمطابخ المتوسطية، قفزت المطاعم اليابانية، وخصوصاً المطاعم التي تقدم السوشي، قفزة لا بأس بها إلى الأمام، حيث وصلت نسبة نمو هذه المطاعم إلى 27 في المائة ليصل عدد المطاعم إلى 626 مطعماً.
وقد لعبت سلاسل كبيرة مثل «يو سوشي» و«واغاماما» في عملية النمو الأخيرة هذه. ويقول الخبراء، إن هناك إمكانية أكبر للنمو لمثل هذا النوع من المطاعم في البلاد، حيث يزداد الطلب على السوشي يومياً في أوساط جميع الطبقات الاجتماعية.
وأشارت الأرقام الأخيرة التي نشرتها شركتا البحث والاستشارات في لندن «سي جي إيه» و«اليكس بارتنرز»، إلى أن عدد المطاعم الإيطالية ارتفع بنسبة 8.4 في المائة خلال الفترة نفسها ليصل إلى 2815 مطعماً، ويعزى ذلك جزئياً إلى الانهيار المالي الذي عانت منه مطاعم الطباخ البريطاني المعروف جيمي أوليفير والتي أغلقت 22 متجراً هذا العام. ومع هذا تراجع عدد المطاعم الإيطالية بنسبة 3.2 في المائة خلال السنة الماضية.
المطاعم الهندية بدورها - كما سبق وذكرنا - عانت أيضاً من الانخفاض كما هو الحال مع الإيطالية رغم أهميتها وتاريخيتها في المشهد المطبخي البريطاني منذ سنوات طويلة ووجود جاليات آسيوية وهندية كبيرة في البلاد. وأشارت الأرقام الأخيرة إلى أن نسبة الانخفاض في عدد المطاعم كانت 2.6 في المائة ليصل عدد المطاعم إلى 5959.
إلا أن الانخفاض الأخطر والأكثر سرعة في هذا المضمار، كان في عدد المطاعم الصينية، حيث انخفض بنسبة 7.3 في المائة ليصل عدد المطاعم إلى 2074 مطعماً منذ عام 2014.
وأشار البحث الأخير أيضاً إلى أن مجموعات المطاعم بشكل عام سجلت نمواً ممتازاً خلال السنوات الخمس الماضية وتراجعاً متواضعاً خلال السنة الماضية، وفي حين ارتفعت شعبية بعض المطابخ في هذا الإطار تراجعت شعبية بعض المطابخ الأخرى. وكانت مجموعات المطابخ الأميركية والمكسيكية، وخصوصاً مجموعات مطاعم الهامبرغر الأكثر نمواً بين مثيلاتها، حيث وصلت نسبة نمو المجموعات الأميركية إلى 58.5 في المائة والمكسيكية إلى 36.4 في المائة. وكان السبب الرئيسي للنمو المكسيكي هو التغير الجوهري في توجهات رواد المطاعم التي ترى المطبخ المكسيكي مفيداً للصحة.
كما سجلت المجموعات الإيطالية أيضاً نمواً ملحوظاً بنسبة 8.4 في المائة خلال السنوات الخمس الماضية رغم تراجعها بنسبة 3.2 في المائة العام الماضي.



الفول المصري... حلو وحار

طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
TT

الفول المصري... حلو وحار

طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك، وفي كل الأحوال البصل الأخضر أو الناشف المشطور حلقات ضيف مائدتك، إن راق لك ذلك.

فطبق الفول «حدوتة» مصرية، تُروى كل صباح بملايين التفاصيل المختلفة، لكي يلبي شهية محبيه لبدء يومهم. فقد يختلف طعمه وفق طريقة الإعداد من «قِدرة» إلى أخرى، وطريقة تقديمه حسب نوعيات الزيت والتوابل، إلا أن كلمة النهاية واحدة: «فول مدمس... تعالى وغمس».

"عربة الفول" تقدم الطبق الشعبي بأصنافه التقليدية (تصوير: الشرق الأوسط)

سواء قصدت «عربة فول» في أحد الأحياء أو اتجهت إلى مطاعم المأكولات الشعبية، ستجد طبق الفول في انتظارك، يستقبلك بنكهاته المتعددة، التي تجذبك لـ«تغميسه»، فالخيارات التي يتيحها ذلك الطبق الشعبي لعشاقه عديدة.

من ناحية الشكل، هناك من يفضلون حبة الفول «صحيحة»، وآخرون يرغبونها مهروسة.

أما عن ناحية المذاق، فيمكن تصنيف أطباق الفول وفق الإضافات والنكهات إلى العديد من الأنواع، ولعل الفول بالطحينة أو بالليمون، هما أكثر الإضافات المحببة لكثيرين، سواء عند إعداده منزلياً أو خارجياً. أما عن التوابل، فهناك من يفضل الفول بالكمون أو الشطة، التي تضاف إلى الملح والفلفل بوصفها مكونات رئيسية في تحضيره. بينما تأتي إضافات الخضراوات لكي تعطي تفضيلات أخرى، مثل البصل والفلفل الأخضر والطماطم.

طبق الفول يختلف مذاقه وفق طريقة الإعداد وطريقة التقديم (مطعم سعد الحرامي)

«حلو أم حار»؟، هو السؤال الأول الذي يوجهه جمعة محمد، صاحب إحدى عربات الفول الشهيرة بشارع قصر العيني بالقاهرة، للمترددين عليه، في إشارة إلى نوعَيْه الأشهر وفق طريقتي تقديمه التقليديتين، فطبق فول بالزيت الحلو يعني إضافة زيت الذرة التقليدي عند تقديمه، أما «الحار» فهو زيت بذور الكتان.

يقول جمعة لـ«الشرق الأوسط»: «الحار والحلو هما أصل الفول في مصر، ثم يأتي في المرتبة الثانية الفول بزيت الزيتون، وبالزبدة، وهي الأنواع الأربعة التي أقدمها وتقدمها أيضاً أي عربة أخرى»، مبيناً أن ما يجعل طبق الفول يجتذب الزبائن ليس فقط نوعه، بل أيضاً «يد البائع» الذي يمتلك سر المهنة، في ضبط ما يعرف بـ«التحويجة» أو «التحبيشة» التي تضاف إلى طبق الفول.

طاجن فول بالسجق (مطعم سعد الحرامي)

وبينما يُلبي البائع الخمسيني طلبات زبائنه المتزاحمين أمام عربته الخشبية، التي كتب عليها عبارة ساخرة تقول: «إن خلص الفول أنا مش مسؤول»، يشير إلى أنه مؤخراً انتشرت أنواع أخرى تقدمها مطاعم الفول استجابة للأذواق المختلفة، وأبرزها الفول بالسجق، وبالبسطرمة، وأخيراً بالزبادي.

كما يشير إلى الفول الإسكندراني الذي تشتهر به الإسكندرية والمحافظات الساحلية المصرية، حيث يعدّ بخلطة خاصة تتكون من مجموعة من البهارات والخضراوات، مثل البصل والطماطم والثوم والفلفل الألوان، التي تقطع إلى قطع صغيرة وتشوح وتضاف إلى الفول.

الفول يحتفظ بمذاقه الأصلي بلمسات مبتكرة (المصدر: هيئة تنمية الصادرات)

ويلفت جمعة إلى أن طبق الفول التقليدي شهد ابتكارات عديدة مؤخراً، في محاولة لجذب الزبائن، ومعه تعددت أنواعه بتنويع الإضافات والمكونات غير التقليدية.

بترك عربة الفول وما تقدمه من أنواع تقليدية، وبالانتقال إلى وسط القاهرة، فنحن أمام أشهر بائع فول في مصر، أو مطعم «سعد الحرامي»، الذي يقصده المشاهير والمثقفون والزوار الأجانب والسائحون من كل الأنحاء، لتذوق الفول والمأكولات الشعبية المصرية لديه، التي تحتفظ بمذاقها التقليدي الأصلي بلمسة مبتكرة، يشتهر بها المطعم.

طاجن فول بالقشدة (مطعم سعد الحرامي)

يبّين سعد (الذي يلقب بـ«الحرامي» تندراً، وهو اللقب الذي أطلقه عليه الفنان فريد شوقي)، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إن الأنواع المعتادة للفول في مصر لا تتعدى 12 نوعاً، مؤكداً أنه بعد التطورات التي قام بإدخالها على الطبق الشعبي خلال السنوات الأخيرة، فإن «لديه حالياً 70 نوعاً من الفول».

ويشير إلى أنه قبل 10 سنوات، عمد إلى الابتكار في الطبق الشعبي مع اشتداد المنافسة مع غيره من المطاعم، وتمثل هذا الابتكار في تحويل الفول من طبق في صورته التقليدية إلى وضعه في طاجن فخاري يتم إدخاله إلى الأفران للنضج بداخلها، ما طوّع الفول إلى استقبال أصناف أخرى داخل الطاجن، لم يمكن له أن يتقبلها بخلاف ذلك بحالته العادية، حيث تم إضافة العديد من المكونات للفول.

من أبرز الطواجن التي تضمها قائمة المطعم طاجن الفول بالسجق، وبالجمبري، وبالدجاج، والبيض، و«لية الخروف»، وبالموتزاريلا، وباللحم المفروم، وبالعكاوي. كما تحول الفول داخل المطعم إلى صنف من الحلويات، بعد إدخال مكونات حلوة المذاق، حيث نجد ضمن قائمة المطعم: الفول بالقشدة، وبالقشدة والعجوة، وبالمكسرات، أما الجديد الذي يجرى التحضير له فهو الفول بالمكسرات وشمع العسل.

رغم كافة هذه الأصناف فإن صاحب المطعم يشير إلى أن الفول الحار والحلو هما الأكثر إقبالاً لديه، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية التي تدفع المصريين في الأغلب إلى هذين النوعين التقليديين لسعرهما المناسب، مبيناً أن بعض أطباقه يتجاوز سعرها مائة جنيه (الدولار يساوي 48.6 جنيه مصري)، وبالتالي لا تكون ملائمة لجميع الفئات.

ويبّين أن نجاح أطباقه يعود لسببين؛ الأول «نفَس» الصانع لديه، والثاني «تركيبة العطارة» أو خلطة التوابل والبهارات، التي تتم إضافتها بنسب معينة قام بتحديدها بنفسه، لافتاً إلى أن كل طاجن له تركيبته الخاصة أو التوابل التي تناسبه، فهناك طاجن يقبل الكمون، وآخر لا يناسبه إلا الفلفل الأسود أو الحبهان أو القرفة وهكذا، لافتاً إلى أنها عملية أُتقنت بالخبرة المتراكمة التي تزيد على 40 عاماً، والتجريب المتواصل.

يفخر العم سعد بأن مطعمه صاحب الريادة في الابتكار، مشيراً إلى أنه رغم كل المحاولات التي يقوم بها منافسوه لتقليده فإنهم لم يستطيعوا ذلك، مختتماً حديثه قائلاً بثقة: «يقلدونني نعم. ينافسونني لا».