تركيا تصعّد لهجتها في شرق المتوسط... وماكرون يحذر من رد فرنسي ـ أوروبي

استمرار حملة اعتقال عسكريين ومدنيين بدعوى الارتباط بغولن

TT

تركيا تصعّد لهجتها في شرق المتوسط... وماكرون يحذر من رد فرنسي ـ أوروبي

عادت تركيا إلى تصعيد لهجتها بشأن أزمة قيامها بالتنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط، مجددة رفضها أي اتفاقيات تستثنيها والقبارصة الأتراك، وتتغافل حقوقهما في ثروات المنطقة.
وناقش اجتماع اللجنة التنفيذية لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم، خلال اجتماع ترأسه الرئيس رجب طيب إردوغان في أنقرة، أمس، تطورات أعمال البحث والتنقيب، التي تقوم بها 3 سفن تركية في شرق المتوسط قبالة سواحل قبرص. وقال المتحدث باسم الحزب إن «وجود تركيا في شرق المتوسط يتوافق مع كل بند من بنود القانون الدولي».
وفي الوقت ذاته، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في مؤتمر صحافي مشترك في بيروت مع نظيره اللبناني جبران باسيل، أمس، إن بلاده لا تقبل بأي اتفاق حول موارد شرق البحر المتوسط يستثنيها، وما يسمى بـ«جمهورية شمال قبرص التركية»، التي لا تعترف بها سوى أنقرة، مضيفاً أن أعمال التنقيب عن النفط والغاز، التي تقوم بها تركيا شرق المتوسط، تجري في جرفها القاري، وفي المناطق التي حصلت فيها على ترخيص من شمال قبرص، وموضحاً أن تركيا تقوم بأنشطة لحماية حقوق القبارصة الأتراك، وأنها ستواصل ذلك حتى النهاية، و«لا نقبل أي اتفاق يستثني تركيا والقبارصة الأتراك».
في السياق ذاته، كان الرئيس رجب طيب إردوغان، قد تعهد خلال لقائه في أنقرة أول من أمس مع أرسين تتار، رئيس وزراء ما يسمى «جمهورية شمال قبرص» التركية، بأن تواصل بلاده أعمال التنقيب عن الغاز شرق البحر المتوسط، معتبراً أنه «لا يمكن إقامة أي مشروع في المنطقة يتجاهل تركيا».
في المقابل، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن فرنسا والاتحاد الأوروبي لن يتهاونا مع تصرفات تركيا غير القانونية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص في شرق المتوسط، معرباً عن تضامن فرنسا مع اليونان، التي قال إنها تواجه زيادة في التحديات في منطقة شرق البحر المتوسط، بسبب تصرفات تركيا في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص.
من جهة ثانية، أصدر المدعي العام في تركيا، أمس، مذكرة اعتقال بحق 34 عسكرياً من القوات الجوية، و52 مدنياً من العاملين في القطاع التعليمي، بتهمة الانتماء لحركة «الخدمة» التابعة للداعية فتح الله غولن، التي تتهمها أنقرة بالمسؤولية عن محاولة انقلاب.
وبعد نحو 3 أعوام من محاولة الانقلاب، احتجزت السلطات أكثر من 77 ألف شخص لحين محاكمتهم، وفصلت أو أوقفت عن العمل 150 ألفاً، تقريباً، من العاملين في الحكومة، والجيش، ومؤسسات أخرى. كما اعتقلت الشرطة التركية 26 محامياً خرجوا في مظاهرة بمدينة أزمير (غرب)، احتجاجاً على إقالة السلطات 3 رؤساء بلديات ينتمون لـ«حزب الشعوب الديمقراطي» الموالي للأكراد.
وأثار القرار ردود فعل غاضبة، لم تقتصر على الداخل التركي، بل تجاوزته إلى مواقف الاتحاد الأوروبي والمنظمات الحقوقية الدولية، التي أكدت أن الخطوة تعكس عدم احترام الرئيس رجب طيب إردوغان وحكومته للإرادة الشعبية. وقد أصدر «حزب الشعوب الديمقراطي»، أحد أبرز أحزاب المعارضة في تركيا، بياناً شديد اللهجة، قال فيه إن ما حدث «انقلاب سياسي واضح المعالم».
وعلقت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية على قرار حكومة الرئيس إردوغان بإقالة رؤساء بلدية منتخبين، قائلة إن قرار حكومة إردوغان ينتهك بشكل صارخ حقوق الناخبين، ويعيق الديمقراطية المحلية.
كانت وزارة الداخلية التركية قد أصدرت الاثنين قراراً بعزل رؤساء بلديات ديار بكر وماردين ووان، المنتمين لـ«حزب الشعوب الديمقراطي»، والفائزين بتلك المناصب في الانتخابات المحلية في مارس (آذار) الماضي، بسبب ما قالت إنه «انتماؤهم لتنظيم إرهابي»، في إشارة إلى «حزب العمال الكردستاني» (المحظور).



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.