«السيادي» السوداني لـ«الشرق الأوسط»: لم نصل إلى مرحلة إعلان الطوارئ

الفكي سليمان أكد توفر الأموال لمواجهة كارثة السيول... و{نعالج ملفي محاربة الفساد وتحسين الأوضاع المعيشية}

محمد الفكي سليمان
محمد الفكي سليمان
TT

«السيادي» السوداني لـ«الشرق الأوسط»: لم نصل إلى مرحلة إعلان الطوارئ

محمد الفكي سليمان
محمد الفكي سليمان

كشف عضو مجلس السيادة السوداني، محمد الفكي سليمان، عن تراكم ملفات مؤجلة كثيرة على طاولة المجلس، ومهام عاجلة عليه القيام بها لحين تشكيل الحكومة، الأسبوع المقبل.
وقال الفكي في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، أمس، إن هناك نقاشاً بنّاء جرى في أول اجتماع بين مجلس السيادة ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك تناول ملامح برامج الحكومة المقبلة، والتدخل لمجابهة القضايا العاجلة، مثل السيول والأمطار التي تجتاح مناطق واسعة من البلاد، والصراع الأهلي في مدينة بورتسودان، لأنها قضايا لن تنتظر تشكيل الحكومة.
وحذر الفكي من مخاطر تنتج عن الزيادات المطردة في مناسيب مياه النيل والسيول والأمطار في غضون الأيام المقبلة، ودعا لوضع «الدفاع المدني» تحت غرفة طوارئ مركزية لمواجهة الأوضاع، بيد أنه نفى أن تكون الأوضاع وصلت إلى مرحلة «إعلان حالة الطوارئ»، لكنه قال إنها من اختصاصات رئيس الوزراء وتقييمه للأوضاع، وتابع: «متى ما رأى أنه بحاجة إلى (مجلس السيادة) لمواجهة هذه المخاطر، فسيكون هنالك تحرك مشترك لعدم وجود الحكومة».
وأوضح الفكي وجود نصوص غير مضبوطة في «الوثيقة الدستورية»، تحتمل أكثر من تفسير، ما يخلق بعض التباينات، بيد أنه قال: «لذلك اتفقنا، رغم وجود نصوص تؤكد على أحقية (قوى إعلان الحرية والتغيير) في تعيين رئيس القضاء والنائب العام، على اعتماد النقاش للوصول إلى توافق، ونأمل في الإسراع بتشكيل المجلس التشريعي».
وقال الفكي إن التداول بشأن تعيين رئيس القضاء والنائب العام، لن يخرج عن الأسماء التي رشحتها «قوى إعلان الحرية والتغيير»، بما في ذلك أسماء تم تداولها في وقت سابق رشحتها «قوى الحرية والتغيير»، وتابع: «سنصل إلى اتفاق حولها».
وأوضح الفكي أن الحكومة التنفيذية ستشكل في فترة وجيزة، بعد تعيين رئيس الوزراء، الذي يملك صلاحيات واسعة في الموافقة على الوزراء، لا سيما أن «قوى إعلان الحرية والتغيير» قطعت شوطاً كبيراً في ترشيح الأسماء للوزارات.
وبشأن المعالجات الاقتصادية الملحّة، قال الفكي: «الإجراءات الاقتصادية التفصيلية سيتحدث عنها وزير المالية ورئيس الوزراء، أما فيما يلي الملامح الرئيسية في الوقت الحالي، ولكن هناك ملفان معني بهما مجلس السيادة، وهما تحسين الوضع الاقتصادي، وإعلان الحرب على الفساد»، وتابع: «الدولة وضعت يدها على أموال ضخمة، سيُعلن عن حجمها، الأيام المقبلة»، وأضاف: «إذا استطعنا محاربة الفساد وتحقيق السلام، نكون قد أوقفنا الصرف الأكبر على ملف الحرب وتبديد الأموال».
وقطع عضو مجلس السيادة بحدوث تحسُّن كبير في الأوضاع الاقتصادية والنقدية، ووجود حصيلة أموال مطمئنة مودعة في بنك السودان المركزي، خلافاً لما هو موجود على الواقع، وتابع: «التنوير الاقتصادي الذي جرى في اجتماعات مجلس السيادة كشف أن هنالك تحولات كبيرة مقبلة».
وقال الفكي إن المجلس سيُقسم إلى ملفات، لكل عضو ملف، للقيام بصلاحيات إشرافية على الأقاليم والتواصل مع الأجهزة، لكن صلاحيات المجلس لا تزال بانتظار لائحته، وتابع: «سينعقد يوم السبت المقبل (غداً) اجتماع لمجلس السيادة، يقدم فيه تنوير عن الملف الاقتصادي».
وشدد الفكي على تصفية دولة النظام السابق؛ بوصفها واحدة من أهم مسؤوليات مجلس الدولة بوجهها السياسي، وتم نقاشها في اجتماعات المجلس، وتابع: «مطلوب من المجلس توفير الإرادة السياسية القادرة على تصفية الدولة العميقة، وفي مقدمتها مكافحة الفساد»، وتابع: «هذا الأمر ستقوم به مؤسسات القضاء والنيابة العامة والمراجع العامة، ليأخذ طبيعته»، وأضاف: «لكن ما لم يتم تفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن، فلن يحدث استقرار في البلاد».
وأوضح الفكي أهمية تسريع تعيين رئيس القضاء والنائب العام، وتكوين الأجهزة المرافقة للبدء في المحاسبة على الجرائم التي ارتكبها النظام السابق، وتكوين المفوضيات المساندة، مثل مفوضية استرداد الأموال المنهوبة المنصوص عليها في «الوثيقة الدستورية».
واستبعد الفكي حدوث تشاكس داخل المجلس بين العسكريين والمدنيين، لأن مصير الطرفين مشترك، وقال: «لا يمكن إنجاز هذه الملفات ما لم تتوفر إرادة سياسية موحدة، وحدة المصير تتطلب العمل مع بعض، حتى لو لم تكن هنالك رغبة في العمل معاً».
وتابع: «إذا أردنا عبور هذه المرحلة، يجب علينا العمل معنا كممثلين للشعب، ومع ذلك لا يمكن أن نتراجع خطوة عن مطالب الثورة الأساسية في الحرية والسلام والعدالة»، وأضاف: «هذا واجبنا ومطالب الشعب الذي قدَّمَنا»، واستطرد: «العسكريون في (مجلس السيادة)، ليثبتوا أنهم شركاء في الثورة مطالَبون بالعمل معنا يداً بيد، والضمانة الكبرى التي نقدمها لهم، ويقدمونها لنا، أننا نجلس الآن على طاولة واحدة».
وقطع الفكي بأن الصلاحيات الممنوحة لرئيس الوزراء فيما يتعلق بتكوين حكومته واختيار وزرائه مطلقة، وأضاف: «هو أكد أنه لن يقبل بأي مرشحين لا يستوفون معايير الكفاءة والإيمان بقيم الثورة»، وتابع: «هذه رسالة تؤكد أن دوره سيكون واضحاً، باعتباره مرشحاً للثورة»، واستطرد: «(قوى الحرية والتغيير) قطعت الشوط الأصعب بتفويض صلاحيات إدارة الدولة لبعض الأشخاص، ونحن ملزمون بتنفيذ برنامج (الحرية والتغيير)، وقد أكدنا على هذا الأمر خلال اجتماعنا معهم، وطالبناهم بدعمنا من دون تدخل مخلّ».
وبشأن الصرف على جهاز الدولة ومخصصات المسؤولين في السلطات الانتقالية، قال الفكي: «يجب أن تكون في حدود المعقول، بما يسمح للمسؤول بتأدية واجبه، ويجب ألا يكون مبالَغاً فيها بحيث تستفزّ شعباً يعيش أزمات ونكبات أوصلهم لهذه المواقع عبر ثورة»، وأضاف: «لا بد من اختفاء الممارسات البذخية السابقة، وأن تكون المخصصات في حدود ما يسمح للمسؤول بتأدية عمله، وأي زيادة في المخصصات، فإن الشعب ورقابة الصحافة الحرة وقوى الثورة و(الحرية والتغيير)، يراقبون».
وتابع الفكي: «لا بد من الحد من مخصصات الدستوريين وإعادة هيكلة الترهل، عبر لوائح حكومية تحدد أوجه الصرف، وكيفية التصرف في الأموال والممتلكات التي كان يستغلها النظام السابق»، وتابع: «هذه مسؤولية ومهام الحكومة، ويجب أن توفرها، لتدعم المرافق العامة في الدولة».
وأوضح الفكي أن الثورة حالت دون حدوث كارثة في البلاد، وتابع: «لو استطعنا خلال الفترة الانتقالية وقف الفساد وتحقق السلام، وتوفير الأموال التي كانت تُصرف على الحرب، نكون قطعنا شوطاً كبيراً».
وفيما يتعلق بالتواصل مع الحركات المسلحة، قال الفكي إن هناك قنوات مفتوحة مع الحركات المسلحة وحواراً من دون سقف معها يمكن أن تحدث اختراقاً كبيراً في هذا الملف بالقريب العاجل، وتابع: «ليس هناك ما يحول دون مشاركتهم في الأجهزة الانتقالية، لأن وجودهم مهم، ولا بد من وجود الحركات المسلحة خلال الفترة الانتقالية لإحلال السلام».
وأضاف: «هناك حركات مسلحة أكدت أنها ستفاوض الحكومة المدنية، وقضية التفاوض من الملفات التي تتبع للمجلس السيادي والجهاز التنفيذي معاً».
وفيما يتعلق بعلاقات السودان الخارجية، قال الفكي إن «إعلان الحرية والتغيير» حدد أن مصالح البلاد العليا هي الموجّه الرئيسي لعلاقاتها الخارجية، وأضاف: «وليس مصلحة مجموعة أو تيار».
وقال الفكي إن مصير الرئيس المعزول عمر البشير سيُدرج في أول حديث حول الإصلاح القضائي، وأضاف: «هناك تباينات تتعلق بتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية، ووجهات نظر مختلفة، لكن لأنه في السجن، فالموضوع ليس من بين القضايا الملحّة، مثل السيول والأمطار».



المدارس الأهلية في صنعاء تحت وطأة الاستقطاب والتجنيد

الحوثيون يجبرون طلاب المدارس على المشاركة في أنشطة تعبوية (إعلام حوثي)

جانب من استهداف حوثي لطلبة المدارس في ضواحي صنعاء (فيسبوك)
الحوثيون يجبرون طلاب المدارس على المشاركة في أنشطة تعبوية (إعلام حوثي) جانب من استهداف حوثي لطلبة المدارس في ضواحي صنعاء (فيسبوك)
TT

المدارس الأهلية في صنعاء تحت وطأة الاستقطاب والتجنيد

الحوثيون يجبرون طلاب المدارس على المشاركة في أنشطة تعبوية (إعلام حوثي)

جانب من استهداف حوثي لطلبة المدارس في ضواحي صنعاء (فيسبوك)
الحوثيون يجبرون طلاب المدارس على المشاركة في أنشطة تعبوية (إعلام حوثي) جانب من استهداف حوثي لطلبة المدارس في ضواحي صنعاء (فيسبوك)

كثفت الجماعة الحوثية من استهداف قطاع التعليم الأهلي ومنتسبيه في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، من خلال إجبار الطلبة والمعلمين في عدد من المدارس الأهلية على المشاركة فيما تسميه الجماعة «تطبيقات عسكرية ميدانية»؛ بغية تجنيدهم للدفاع عن أجندتها ذات البعد الطائفي.

وبحسب مصادر تربوية يمنية تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، دشنت الجماعة الحوثية خلال الأيام القليلة الماضية حملات تجنيد للطلاب والكادر التربوي من أجل استقطاب مقاتلين جدد إلى صفوفها.

الانقلابيون أخضعوا طلاباً وتربويين في صنعاء للتعبئة الفكرية والعسكرية (إكس)

ويفرض الانقلابيون الحوثيون على مديري المدارس الخاصة في صنعاء اختيار 15 طالباً و10 تربويين من كل مدرسة في صنعاء؛ لإلحاقهم بدورات تعبوية وعسكرية. كما تتوعد الجماعة - طبقاً للمصادر - الرافضين لتلك التوجيهات بعقوبات مشددة تصل إلى حد الإغلاق وفرض غرامات مالية تأديبية.

وأثار الاستهداف الحوثي الأخير للمدارس موجة غضب ورفض في أوساط الطلبة والمعلمين وأولياء الأمور، فيما اتهم التربويون الجماعة بالمضي في استغلال مؤسسات التعليم بعد تجريفها للحشد والتجنيد.

واشتكى أولياء الأمور في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من استهداف أطفالهم بعد أخذهم عنوة من فصول الدراسة دون معرفتهم إلى أماكن مجهولة لتدريبهم على القتال وغسل أدمغتهم بالأفكار المتطرفة، تمهيداً للزج بهم إلى الجبهات.

ونتيجة لذلك الاستهداف، شهد عدد من المدارس الأهلية في صنعاء غياباً ملحوظاً للطلبة والمعلمين الذي رفضوا استمرار الحضور، جراء ما يقوم به الانقلابيون من إجبار على الالتحاق بالدورات القتالية.

وأفادت مصادر تربوية في صنعاء بأن عدداً كبيراً من أولياء الأمور منعوا أبناءهم من الذهاب للمدارس، خصوصاً تلك المستهدفة حالياً من قبل الجماعة، وذلك خوفاً عليهم من الخضوع القسري للتجنيد.

تعبئة مستمرة

أجبر الانقلابيون الحوثيون مديري مدارس «التواصل» و«منارات» و«النهضة» «ورواد»، وهي مدارس أهلية في صنعاء، على إيقاف الدراسة ليوم واحد بحجة عقد اجتماعات معهم. كما ألزمت الجماعة من خلال تلك الاجتماعات المدارس بتوفير ما لا يقل عن 25 طالباً وتربوياً من كل مدرسة للمشاركة فيما تسميه الجماعة «تطبيقات عسكرية ميدانية».

وشهدت إحدى المناطق في ضواحي صنعاء قبل يومين تدريبات عسكرية ختامية لدفعة جديدة تضم أكثر من 250 طالباً ومعلماً، جرى اختيارهم من 25 مدرسة في مديرية الحيمة الداخلية بصنعاء، وإخضاعهم على مدى أسابيع لدورات قتالية ضمن ما تسميه الجماعة «المرحلة الخامسة من دورات (طوفان الأقصى)».

اتهامات لجماعة الحوثي بإجبار مدارس على تقديم مقاتلين جدد (إعلام حوثي)

ونقلت وسائل إعلام حوثية عن قيادات في الجماعة تأكيدها أن الدورة ركزت على الجانب التعبوي والقتالي، استجابةً لتوجيهات زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي؛ استعداداً لما يسميه «مواجهة الأعداء وتحرير الأقصى».

يتزامن هذا التحرك الانقلابي مع استمرار معاناة عشرات الآلاف من المعلمين والتربويين في كافة المناطق تحت سيطرة الجماعة؛ بسبب انقطاع رواتبهم منذ عدة سنوات، مضافاً إليها ارتكاب الجماعة سلسلة لا حصر لها من الانتهاكات التي أدت إلى تعطيل العملية التعليمة بعموم مناطق سيطرتها.

وكانت الجماعة الحوثية أخضعت في أواخر أغسطس (آب) الماضي، أكثر من 80 معلماً وتربوياً في مديرية الصافية في صنعاء لدورات تعبوية وقتالية، كما أرغمت المدارس الأهلية في صنعاء، في حينها، على إحياء مناسبات ذات منحى طائفي، تُضاف إلى أنشطة تعبوية سابقة تستهدف أدمغة وعقول الطلبة بهدف تحشيدهم إلى الجبهات.

وتتهم عدة تقارير محلية وأخرى دولية جماعة الحوثي بأنها لم تكتفِ بتدمير قطاع التعليم في مناطق سيطرتها، من خلال نهب مرتبات المعلمين واستهداف وتفجير المدارس وإغلاق بعضها وتحويل أخرى لثكنات عسكرية، بل سعت بكل طاقتها لإحلال تعليم طائفي بديل يحرض على العنف والقتل والكراهية.