الحريري يستبعد فرض عقوبات على وزراء مسيحيين حلفاء لـ«حزب الله»

الرئيس سعد الحريري خلال تجوله في مطار بيروت أمس (دالاتي ونهرا)
الرئيس سعد الحريري خلال تجوله في مطار بيروت أمس (دالاتي ونهرا)
TT

الحريري يستبعد فرض عقوبات على وزراء مسيحيين حلفاء لـ«حزب الله»

الرئيس سعد الحريري خلال تجوله في مطار بيروت أمس (دالاتي ونهرا)
الرئيس سعد الحريري خلال تجوله في مطار بيروت أمس (دالاتي ونهرا)

استبعد رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري فرض عقوبات أميركية على وزراء مسيحيين في حكومته، لكنه اعترف بأنه لا يمكنه حسم هذا الأمر، مستغرباً المنطق الشعبوي الذي يتم فيه التعاطي مع ملف النفايات، مشدداً على أنه سيكون هناك عمل دؤوب للحكومة في الأيام المقبلة.
كلام الرئيس الحريري جاء خلال تفقده ظهر أمس سير العمل في توسعة مطار رفيق الحريري الدولي والأشغال الحاصلة لتسهيل انتقال المسافرين عبر المطار، والمتوقع اكتمالها خلال أسبوعين، وذلك فور وصوله إلى بيروت عائداً من الولايات المتحدة.
ووعد الحريري «بالمزيد من الأعمال التي سنقوم بها كحكومة، إن كان كوزارة أشغال ووزارة داخلية وكل الوزارات المعنية؛ لكي يتمكن المسافر من استعمال مطار رفيق الحريري بصورة أسهل. لسوء الحظ حصل تأخير، وسبب لنا خسائر. وعلينا أن نعمل على تطويره في المرحلة المقبلة في ضوء الزيادة المتوقعة لأعدد المسافرين».
وفي رد منه على سؤال عما إذا كانت هناك عقوبات أميركية قريبة على مقربين من «حزب الله»، وتحديداً على وزراء مسيحيين؟، قال: «لست أنا من يحدد العقوبات الأميركية، وهذه بعض الاتهامات التي بدأت تصلني منذ البداية، لكني لا أظن أن هذا الأمر يحصل؛ فالحكومة الأميركية واضحة وضوح الشمس بمقاربتها لهذا الموضوع، والعقوبات التي تفرضها على بعض الدول أو الشخصيات أو المؤسسات أو الجمعيات باتت واضحة. وهل لبنان بلد مستهدف؟ نحن لدينا علاقة جيدة جداً مع وزارة الخزانة الأميركية، ونحن نتابع هذه العلاقة بشكل حثيث، وقد ذهبت إلى هناك، وكذلك فعلت جمعية المصارف ووفد نيابي، والجميع تابع هذا الموضوع، وبرأيي أنه إن شاء الله هذا الموضوع لن يحصل، لكني أيضاً لا أستطيع أن أؤكد شيئاً».
وعن التصنيف المالي الجديد المرتقب للبنان، قال: «نعمل منذ فترة على موضوع التصنيف، سواء أنا شخصياً أو فخامة الرئيس أو وزير المالية أو وزير الاقتصاد، وأظن أننا عملنا بشكل جيد جداً. إن موازنة عام 2019 كانت جيدة بالنسبة إلينا فيما خص الأرقام، والآن بدأنا نعمل على إنهاء موازنة عام 2020 ضمن المهل الدستورية، وهذا ما يعطي انطباعاً للمؤسسات الدولية المالية بأن لبنان جدي بالطريق التي يسلكها». وأضاف: «مشكلتنا كانت في السابق أننا نقول أموراً ونقوم بأخرى، أما الآن فقد بدأنا نظهر للمؤسسات أن ما نعد به نقوم به، سواء في القوانين أو الموازنات أو الأرقام التي نريد أن نصل إليها، فيما يخص الموازنة. لذلك؛ آمل أن تكون الأمور إيجابية».
ورد على الانتقادات التي طالت زيارته إلى واشنطن بالقول: «هذه عادة في لبنان، وكل من يقوم بأمر إيجابي يأتي من يقابله بالسلبي».
وأوضح كلامه في واشطن الذي اعتبر فيه أن ما يمس رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، يمس «القوات اللبنانية» و«رئيس البرلمان نبيه بري بالقول: «من يمس بأي فريق سياسي يمس بنا. السؤال عن وليد جنبلاط كان حول ما إذا كان هناك تهديد جسدي له، وأنا حينها أجبت أنه من يمس به شخصياً وجسدياً يمس بنا جميعاً كأحزاب سياسية».
ولفت الحريري إلى أنه بحث في موضوع أزمة النفايات في واشنطن مضيفاً: «سأقولها بوضوح، لا المسلم مستعد أن يستقبل نفايات المسيحي ولا المسيحي كذلك. ألا يدل ذلك على عنصرية بالمنطق؟ ما يحصل مرض. لقد وصلنا إلى وضع معيب والجميع يسير خلف الشعبوية، وليست هذه هي الطريقة التي نحل بها مشكلة النفايات».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.