زيارة جديدة لحارة نجيب محفوظ

ثمانية عشر نصاً قصصياً باللغتين العربية والإنجليزية

زيارة جديدة لحارة نجيب محفوظ
TT

زيارة جديدة لحارة نجيب محفوظ

زيارة جديدة لحارة نجيب محفوظ

خلال العام الماضي، كشف النقاب عن ثماني عشرة أقصوصة لنجيب محفوظ بين أوراقه القديمة، وعليها تأشيرة تقول: «للنشر في 1994». وأخيراً، نشرت في 2018، بعد اثني عشر عاماً من رحيل مؤلفها. واليوم، تصدر ترجمة إنجليزية لها، تحت عنوان «الحارة»، بقلم روجر آلن. وفي ذيل الكتاب كلمة تمهيدية بقلم إليف شفق، ومقدمة بقلم المترجم روجر آلن، ونص كلمة محفوظ في احتفال منحه جائزة نوبل للآدب في عام 1988، وقد ترجمها إلى الإنجليزية وألقاها نيابة عنه أمام الأكاديمية السويدية في استوكهولم حواريه الكاتب المسرحي القاص الصحافي المصري محمد سلماوي، مع صورة ضوئية لأربع من هذه الأقاصيص بخط محفوظ ذاته: «نصيبك في الحياة» و«السهم» و«همس النجوم» و«العاصفة».
ويشير عنوان المجموعة إلى المكان المركزي الذي تحتله الحارة في عمل محفوظ ابن حي الجمالية في القاهرة القديمة. ويحل روجر آلن في مقدمته المجموعة في سياقها الأوسع من كتابات محفوظ. إنها تمت بنسب إلى «زقاق المدق» و«أولاد حارتنا» و«حكايات حارتنا» و«أصداء السيرة الذاتية». فالحارة عنده (وشخصياتها المهمة، مثل الفتوة وشيخ الحارة وإمام المسجد) كون صغير انطوى فيه العالم الأكبر. إنه ساحة التقاء نقاط القوة والضعف في الطبيعة البشرية، ومسرح الصراعات والعلاقات والانتصارات والهزائم. وثمة أنفاس صوفية، وانشغال بالعلاقة بين الظاهر والباطن في هذه النصوص التي تمثل فن محفوظ في مرحلته الأخيرة. إن الأحداث تدور إزاء خلفية من أماكن بعينها: المسجد، والقبو، والحصن القديم، والنافورة. والحوار أداة رئيسية في تجسيد الدراما الإنسانية. وثمة وحدة مكان وهدف وأسلوب تجمع بين النصوص. إننا خليقون -كما يقول روجر آلن - بأن نشعر بالعرفان لهذه «الهبة غير المتوقعة».
أقاصيص المجموعة بالغة القصر، قد لا تتعدى الأقصوصة منها في بعض الحالات صفحتين أو ثلاث صفحات. هذا فن مركز يستقطر عصير الخبرة، ويقوم على التكثيف والمجاز والقصد في التعبير، وهو يمثل نقلة بعيدة عن الإسهاب السردي والوصفي الذي عهدناه في ملاحم محفوظ القديمة، ابتداء من روايات المرحلة الواقعية حتى الثلاثية الواقعة في أكثر من ألف صفحة؛ الإشارة هنا تغني عن العبارة، والإيماءة تحمل دلالات كثيرة. ويترك القاص لخيال القارئ أن ينطق المسكوت عنه، أو أن يقرأ ما بين السطور.
المواقف في هذه الأقاصيص متنوعة، تشمل أنماطاً بشرية مختلفة، وتصور أحداثاً تبدأ صغيرة ثم لا تلبث أن تكبر وتتعاظم: شحاذ يتنبأ له مجنون الحارة بخير قادم، فيكون هذا الخير هو موت الشحاذ. رجل يدعى شيخون يعود إلى الحارة بعد غياب، ويلعب دور حلال المشكلات والشافي من الأمراض، فيلبسه شيخ الحارة قميص الكتاف تمهيداً لاقتياده إلى مستشفى المجانين. معلم مكروه لقسوته يلقى مصرعه في يوم السوق بسهم لا يدري أحد من أين جاء. عاصفة ترابية ذات شدة لم يعرف لها الناس مثيلاً من قبل تهب على الحارة، فيرتاع أهلها، ولكن قلة بيضاء الثياب تتماسك وتنتظر طلوع الفجر. كومة جنيهات ذهبية يعثر عليها الأبناء بعد موت أبيهم المعلم. مقامر ينوي أن يتوب، وأن يتزوج، ولكن أبواب العائلات توصد في وجهه لسمعته السيئة. فتاة جميلة يرمقها الراوي في شبابه بعين العبادة، ولكنه بعد مر السنين لا يكاد يتعرف عليها، عقب أن أزالت الشيخوخة ملاحتها. بكاء وحزن يتحولان إلى ضحك ورقص وغناء (في أحد أفلام جيمس بوند موقف مشابه، إذ يبدأ الفيلم بجنازة زنجية في الجنوب الأميركي تتحرك في بطء ووقار، وتحدث عملية قتل طعناً بسكين، فتنطلق أبواق مهللة، وتتحول الجنازة إلى فرحة وموسيقى ورقص!).
لقد أسدى روجر آلن إلى قارئ اللغة الإنجليزية معروفاً بترجمته هذه النصوص الجميلة. وآلن مستعرب قدير ومترجم بارز، سبق أن نقل إلى الإنجليزية خمسا من روايات محفوظ، وإحدى مجموعاته القصصية. وترجمته رائقة سلسلة، ولكنها لا تخلو من أخطاء (أي الرجال المهذب، كما يقول الشاعر العربي القديم).
إنه يترجم مثلا من أقصوصة «السهم» جملة «جعل يفحص المعلم منكباً عليه في صمت شامل» إلى «He wept over him، making no sound». وواضح أنه لا يدري أن كلمة «منكباً» تعني: مال عليه ليفحصه، ولا تعني «باكياً». والسبب مفهوم، فالكلمة في مخطوط محفوظ بخطه الدقيق المنمنم العصي على القراءة، ولو من جانب خبير بالخطوط، هي «منكباً»، وليس «باكياً». وفي الأقصوصة نفسها، يكتب محفوظ «ستجيء الشرطة»، فيترجمها آلن إلى «The police… Are going to go crazy»، إذ إنه قرأ كلمة «تجيء» على أنها «تجن»، والعهدة مرة أخرى على خط محفوظ. هذه أمور لا يدركها مستعرب، مهما بلغ من العلم والاجتهاد، وإنما تحتاج إلى عربي رضع لبان هذه اللغة الشريفة منذ نعومة أظفاره، بل في جيناته الوراثية من قبل أن يولد. لكن جهد المترجم مشكور مقدر. هذه - مرة أخرى - هبة غير متوقعة من قلم كاتب عظيم ظل وفياً لمهنة الكتابة حتى آخر أنفاسه.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.