تباطؤ الاقتصاد الألماني يَسُرّ اليمين المتطرف

«البديل» يبحث عن قضية جديدة بعد تراجع أزمة الهجرة

صورة لإعلان انتخابي لصالح حزب البديل في برلين الشرقية (نيويورك تايمز)
صورة لإعلان انتخابي لصالح حزب البديل في برلين الشرقية (نيويورك تايمز)
TT

تباطؤ الاقتصاد الألماني يَسُرّ اليمين المتطرف

صورة لإعلان انتخابي لصالح حزب البديل في برلين الشرقية (نيويورك تايمز)
صورة لإعلان انتخابي لصالح حزب البديل في برلين الشرقية (نيويورك تايمز)

على الرغم من الطفرة الاقتصادية التي دامت عشر سنوات في ألمانيا، فقد تمكن حزب يميني متطرف من أن يصبح المعارض الرئيسي في البرلمان، ودخل جميع الهيئات التشريعية في البلاد، وهو اليوم يسعى للفوز بالمركز الأول في الانتخابات المحلية المقررة الشهر المقبل. وبعد سنوات الازدهار، بدأ الاقتصاد الألماني في التباطؤ.
وفي الوقت الذي برز فيه التيار الشعبوي في مختلف أنحاء أوروبا على خلفية اضطرابات اقتصادية ومستويات بطالة مرتفعة، فإن تراجعاً اقتصادياً في إحدى أكثر الديمقراطيات الليبرالية ثراءً واستقراراً في القارة قد يعزز فرص نجاح حزب «البديل من أجل ألمانيا».
وفي هذا الصدد، قالت ياشا مونك، الخبيرة في الحركات الشعبوية ومؤلفة كتاب «الشعب في مواجهة الديمقراطية»، إن «الأزمات الاقتصادية تغذي الخوف من المستقبل وتنمّي الشعور بالانحدار وبأن النخبة سبب في فشل الشعب. هذه هي الأرض الخصبة للشعبويين».
غير أن مارسيل فراتشير، الخبير الاقتصادي الألماني المرموق والأستاذ بجامعة «هومبولت» في برلين، عرض الأمر بشكل أكثر صراحة، قائلاً إن «التباطؤ الاقتصادي يصب في صالح حزب (البديل من أجل ألمانيا)». وأشار فراتشير، الذي يرأس أيضاً المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية، إلى دراسة جديدة أعدها معهده تُظهر أن حزب «البديل من أجل ألمانيا» أقوى بكثير في المناطق المعوزة اقتصادياً وهيكلياً. وأضاف أن «عدم المساواة والاستقطاب الإقليميين يمثلان تهديداً للديمقراطية»، متابعاً أنه «مع التباطؤ الاقتصادي، ستتعرض المناطق الأضعف هيكلياً للهزات بشكل أكبر، مما سيزيد من التفاوتات الإقليمية ويزيد من محاولات الاستقطاب».
هذا صحيح بالنسبة إلى أوروبا على نطاق واسع كما هو الحال بالنسبة إلى ألمانيا على وجه الخصوص. فقد ظهرت إشارات في الأسواق العالمية الأسبوع الجاري تدلّ على أن فترة النمو الاقتصادي الاستثنائي في أكبر اقتصاد في أوروبا ستنتهي.
وإلى جانب الاقتصاد، فإن التداعيات السياسية للتباطؤ تثير القلق بالقدر نفسه. فاقتصاد ألماني أضعف لا يهدد فقط بفتح طريق أوسع لحزب «البديل من أجل ألمانيا»، بل إنه يقلل أيضاً من تأثير برلين والمستشارة أنجيلا ميركل على وجه التحديد، في وقت تحتاج فيه القيادة الألمانية إلى معالجة المشكلات المتعددة للاتحاد الأوروبي، بما في ذلك رحيل بريطانيا المقرر في 31 أكتوبر (تشرين الأول)، وكذلك قضايا التجارة العالمية.
وقال جونترام وولف، وهو خبير اقتصادي ألماني يشغل منصب مدير معهد أبحاث «بروجيل» في بروكسل، إن «هذا الأمر سيعزز وضع القيادة الألمانية، لكنه قد يُضعف من موقفها التفاوضي. عندما تصبح أضعف اقتصادياً، سيضعُف موقفك التفاوضي».
يُعدّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» الذي فاز بأقل من 13% في الانتخابات الوطنية الأخيرة، أضعف من القوميين المتطرفين في البلدان المجاورة مثل فرنسا وإيطاليا، حيث تعاني الأجور من الركود وتخطت البطالة بين الشباب نسبة 10% منذ سنوات.
لكن ستيفن كامبيتر، رئيس اتحاد عمال ألمانيا، استبعد المقارنات القاتمة بعشرينات القرن العشرين عندما عززت البطالة الجماعية والتضخم المفرط من موقف النازيين. وقال كامبيتر، المحافظ الذي كان ذات يوم وزيراً في وزارة المالية: «لا أرى بطالة جماعية في طريقنا في أي وقت قريب. لا أشارك هستيريا الأسواق، فألمانيا بلد مستقر اقتصادياً».
لكن مع ارتفاع حدة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، قد تبدأ الشركات قريباً في الشعور بالضيق، حسب الاقتصاديين. فقد انكمش الاقتصاد الألماني بنسبة 0.1% من أبريل (نيسان) إلى يونيو (حزيران) وقد يتقلص مرة أخرى الربع الجاري، مستوفياً التعريف التقني للركود، حيث بدأت التعريفة التجارية للرئيس ترمب في التأثير. وتتوقع الحكومة الآن أن يتوسع الاقتصاد بنسبة 0.5% فقط العام الجاري، مقارنةً بـ1.5% العام الماضي.
وفي صدفة مشؤومة، أظهر استطلاع نُشر الأسبوع الجاري، أن غالبية الألمان أصبحوا الآن غير راضين عن الديمقراطية.
وقال بيتر ألتماير، وزير الاقتصاد المحافظ في الائتلاف الحاكم للسيدة ميركل، إن «الأرقام الحالية تدعو للاستيقاظ والحذر». وتعد ألمانيا ثالث أكبر دولة مصدّرة في العالم، وهي عرضة بشكل خاص للشكوك التي تؤثر على التجارة الدولية بسبب تعريفة ترمب وكذلك احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في خريف العام الجاري. ووفق تقرير جرى تسريبه من وزارة المالية الألمانية، تَعدّ برلين الآن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر «أمراً مرجحاً للغاية».
وقال كلاوس دويتش، كبير الاقتصاديين في اتحاد الصناعات الألمانية: «لدينا مجموعة كاملة من المشكلات الدولية»، محذراً من أن هذا قد يقدم حجة أخرى إلى أقصى اليمين. وأضاف: «سوف يقولون: لا شيء يعمل والصناعات الكبيرة تطرد الموظفين والعولمة تخلق المشكلات». في المقابل، قالت ياشا مونك إن أحد الأسباب التي جعلت ألمانيا أكثر مقاومة للمد الشعبوي بعد الأزمة المالية عام 2008 هو أن الاقتصاد صمد جيداً.
تأسس حزب «البديل من أجل ألمانيا» عام 2013 كطرف مناهض لليورو في أعقاب أزمة الديون اليونانية، ثم حصل على دفع كبير بعد أن رحبت ميركل بأكثر من مليون مهاجر إلى البلاد ما بين عامي 2015 و2016.
وبعد إثارة المخاوف بشأن المهاجرين والجريمة وفقدان السلطات الألمانية السيطرة على البلاد، أصبح «البديل» أول حزب يميني متطرف منذ الحرب العالمية الثانية يدخل البرلمان الوطني في عام 2017، وأصبح منذ ذلك الحين جزءاً من المشهد السياسي على المستوى المحلي والإقليمي أيضاً.
ولكن مع تراجع معدلات الهجرة في نشرات الأخبار، شرع الحزب في البحث عن أزمة جديدة ليركّز عليها. تقول مونك: «لقد أدت قضية اللاجئين إلى زيادة أعداد الناخبين لصالح حزب (البديل من أجل ألمانيا) حتى الآن، ولكن هذه القضية في تراجع. قد يكون التباطؤ أمراً مرحباً به المرة القادمة».
في المقابل، يرى بعض المراقبين أن الاقتصاد سيكون من الصعب استغلاله لصالح حزب «البديل من أجل ألمانيا» إذ إنه، على عكس الهجرة، ليست لديه استجابة سياسية جذرية ليقدمها للناخبين ليميزه عن الأحزاب التقليدية. وقال فراتشير في هذا الصدد إنه «فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية، ليس لدى حزب (البديل من أجل ألمانيا) شخصية واضحة».
يلاحظ آخرون أن الصعوبات الاقتصادية في السنوات الأخيرة كانت تميل إلى مساعدة الشعبويين اليساريين مثل سيريزا في اليونان، أكثر من اليمين المتطرف في أوروبا.
وقال هولغر شميدينغ، كبير خبراء الاقتصاد في بنك «بيرنبرغ»، إن الشعبوية اليمينية المتطرفة، على النقيض من ذلك، «كثيراً ما ازدهرت في حال النمو الاقتصادي القوي». فقط «فكِّر في ترمب أو في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي».
- خدمة «نيويورك تايمز»



تدشين قاعدة دفاعية أميركية مضادة للصواريخ الباليستية في بولندا

وفد يضم الرئيس البولندي وضيوف آخرين يغادرون سطح نظام الدفاع الصاروخي «إيجيس آشور» بمناسبة حفل تدشين هذا النظام في بولندا 13 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
وفد يضم الرئيس البولندي وضيوف آخرين يغادرون سطح نظام الدفاع الصاروخي «إيجيس آشور» بمناسبة حفل تدشين هذا النظام في بولندا 13 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

تدشين قاعدة دفاعية أميركية مضادة للصواريخ الباليستية في بولندا

وفد يضم الرئيس البولندي وضيوف آخرين يغادرون سطح نظام الدفاع الصاروخي «إيجيس آشور» بمناسبة حفل تدشين هذا النظام في بولندا 13 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
وفد يضم الرئيس البولندي وضيوف آخرين يغادرون سطح نظام الدفاع الصاروخي «إيجيس آشور» بمناسبة حفل تدشين هذا النظام في بولندا 13 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

افتُتحت رسمياً، اليوم (الأربعاء)، في بولندا، قاعدة تشكّل جزءاً من نظام دفاعي أميركي مضاد للصواريخ الباليستية يثير ريبة موسكو، استكمالاً لنظام موجود بالفعل في تركيا ورومانيا وإسبانيا.

وقال وزير الدفاع البولندي، فلاديسلاف كوشينياك كاميش، خلال مراسم في قاعدة «ريدجيكوفو» في شمال البلاد، بحضور عدد من كبار السياسيين البولنديين والقادة العسكريين الأميركيين: «هذا حدث ذو أهمية تاريخية لأمن بولندا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وزير الدفاع البولندي فلاديسلاف كوشينياك كاميش يتحدث إلى الضيوف خلال حفل التدشين الرسمي لنظام الدفاع الصاروخي «إيجيس آشور بولندا» 13 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وبدأ العمل في هذا الموقع منذ يوليو (تموز) الماضي، في إطار مشروع الدفاع الجماعي لحلف شمال الأطلسي، وهو جزء من شبكة رادارات وصواريخ اعتراضية، بدأت واشنطن إنشاءها قبل خمسة عشر عاماً، وتهدف إلى الحماية من تهديدات الصواريخ الباليستية المتأتية من خارج منطقة أوروبا والمحيط الأطلسي، خصوصاً من إيران.

ولطالما أثار انتشار هذه الشبكة في أوروبا ردود فعل سلبية من روسيا التي ترى فيها خطراً على أمنها، رغم تأكيدات حلف شمال الأطلسي بأنها ليست موجهة ضدها.

واحتجت موسكو مجدداً، الأربعاء، على هذه القاعدة المقامة على بُعد 230 كيلومتراً من جيب كالينينغراد الروسي.

السفير الأميركي في بولندا يتحدث إلى الضيوف خلال حفل التدشين الرسمي لنظام الدفاع الصاروخي «إيجيس آشور بولندا» في 13 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وحذّر الناطق باسم «الكرملين»، دميتري بيسكوف، من أن «هذا تقدم للبنية التحتية العسكرية الأميركية في أوروبا نحو حدودنا»، و«سيؤدي ذلك إلى اتخاذ إجراءات مناسبة لضمان التكافؤ».

وتشمل العناصر الرئيسية لهذه الدرع المضادة للصواريخ، بالإضافة إلى القاعدة في بولندا، موقعاً مشابهاً في رومانيا، ومدمرات تابعة للبحرية الأميركية متمركزة في روتا بإسبانيا، وراداراً للإنذار المبكر في كوريجيك بتركيا.

وينتشر حالياً أكثر من 10 آلاف جندي أميركي في بولندا، إحدى الدول الأكثر دعماً لجارتها أوكرانيا.