مرحلة سياسية جديدة مع عودة الحريري والأولوية للوضع الاقتصادي

TT

مرحلة سياسية جديدة مع عودة الحريري والأولوية للوضع الاقتصادي

يستعد لبنان للدخول في مرحلة سياسية جديدة مع عودة رئيس الحكومة سعد الحريري من واشنطن بعدما أجرى محادثات ناجحة شملت وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ومسؤولين أميركيين آخرين وانتقال رئيس الجمهورية ميشال عون إلى المقر الصيفي للرئاسة في قصر بيت الدين، ويُفترض كما يقول مصدر وزاري مطلع لـ«الشرق الأوسط» أن تفتح الباب أمام الالتفات إلى الوضع الاقتصادي باعتباره أولى الأولويات التي تستدعي إخراجه من التأزّم الذي يلاحقه ولو على مراحل.
ويلفت المصدر الوزاري إلى أن انتقال الرئيس عون إلى بيت الدين تلازم مع بداية انفراج يدفع في اتجاه إعادة تفعيل العمل الحكومي بدءاً من معالجة الأزمة الاقتصادية التي كانت حاضرة بامتياز في محادثات الحريري في واشنطن، التي أبدت حرصها بلسان بومبيو على الحفاظ على الاستقرار في لبنان ودعم الجهود الرامية إلى إخراج الوضع الاقتصادي من التأزّم مع أن هناك من بادر إلى التشكيك بها إلى أن فوجئ بأن حملات التشكيك لم تكن واقعية.
ويؤكد المصدر أن انتقال عون إلى بيت الدين تلازم أيضاً مع بوادر انفراج في علاقته برئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط في ضوء تقديره بأن هذه العلاقة تشكّل عنصر الاستقرار في الجبل وتحمي المصالحة الدرزية - المسيحية فيما الاختلاف معه سيرتد سلباً ليس على الجبل فحسب، وإنما على كل لبنان. ويرى أن وقف تعطيل جلسات مجلس الوزراء انعكست إيجابياً على مجمل الوضع الداخلي، ويقول إن التسوية التي تم التوصل إليها لوقف السجال حول حادثة الجبل قوبلت بعدم ارتياح من قبل رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل، لشعوره بأنها جاءت من خارج حساباته السياسية.
ويعتبر المصدر الوزاري أن مجرد الدخول في خلاف مع جنبلاط والرهان على محاصرته يعني أن الجبل لن ينعم بالاستقرار وأن التعويض عنه بتقوية موقع النائب طلال أرسلان سيقود حتماً إلى تهديد المصالحة لافتقادها إلى الشريك الدرزي القوي للمسيحيين في توفير الحماية لها وتحصينها.
ويكشف المصدر نفسه أن الرئيس عون لم يتردد في اتخاذ موقف داعم للمخرج الذي ابتدعه رئيس المجلس النيابي نبيه بري من دون التريث في حسم موقفه ريثما يجري مشاورات مع بعض الأطراف تمهيداً لإبداء موافقته النهائية. ويعتقد أن عون أراد من خلال موافقته على اقتراح بري الذي كان وراء وقف مسلسل تعطيل جلسات مجلس الوزراء، تمرير رسالة لمن يعنيهم الأمر بأنه هو صاحب القرار وأنه لا ضرورة للتشاور مع باسيل الذي يتهمه خصومه بأنه يتصرف وكأنه «الرئيس الظل».
ويؤكد المصدر الوزاري أن لمسات بري كانت وراء إعادة التواصل ولو بحدود معينة بين «التقدمي» و«حزب الله» والذي تجلى في اتصال المعايدة الذي أجراه مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في «حزب الله» وفيق صفا بكل من الوزيرين أكرم شهيب ووائل أبو فاعور والوزير السابق غازي العريضي، أعقبته مشاركة وفد من «التقدمي» في الاحتفال الذي أقامه الحزب لمناسبة الذكرى الثالثة عشرة للعدوان الإسرائيلي على لبنان.
ويضيف أن بداية التواصل بينهما تدفع في اتجاه التعويل على دور بري في فتح قنوات الحوار بينهما وبرعايته أيضاً، ويؤكد بأن هذا الحوار سيعيد التفاهم بينهما إلى ما كان عليه في السابق لجهة تنظيم الاختلاف ووضع آلية سياسية لصموده وعدم العودة بعلاقتهما إلى نقطة الصفر.
ويوضح المصدر الوزاري أن قيادة «حزب الله» لعبت دوراً في توفير الغطاء لإنجاح مبادرة بري بدعم غير مشروط من الحريري، ويؤكد أن تحرك بري لدى عون وأرسلان أدى إلى معاودة مجلس الوزراء لعقد جلساته، وإن كان الأخير اضطر للموافقة على مضض واعداً نفسه بأنه سيحصل على «جائزة ترضية» مع طرح التعيينات على جدول أعمال الحكومة.
أما لماذا أبدى «حزب الله» كل هذه المرونة وضغط لعقد جلسة مجلس الوزراء، مع أن طرح حادثة الجبل على جدول الأعمال لإحالته على المجلس العدلي غاب كلياً عن الجلسة؟
يجيب المصدر الوزاري: «إن الحزب ضغط على أرسلان لسحب شروطه لعقد الجلسة، وفي نيته توجيه رسالة من خلال موقفه هذا إلى المجتمع الدولي أنه لا صحة لما يقال بأن الحزب يضع يده على البلد، وبالتالي فهو الذي يسيطر على القرار ويقف وراء تعطيل جلسات مجلس الوزراء. ويؤكد أن الحزب أراد أن يرد على هذه الاتهامات من زاوية أنه يشكّل عامل استقرار في المعادلة السياسية وكانت له اليد الطولى في الضغط على حلفائه لتهيئة الأجواء أمام انعقاد جلسة هادئة للحكومة».
ويضيف: «إن الحزب يريد الالتفاف على الدفعة الجديدة من العقوبات بإدراج اسمَي رئيس كتلة (الوفاء للمقاومة) النائب محمد رعد وزميله في الكتلة أمين شري على لائحة العقوبات، إضافة إلى الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة لوقف التمييز بين جناحيه العسكري والمدني، وبالتالي انتهز فرصة وقف تعطيل الجلسات ليقول للمجتمع الدولي بأن من يُتّهم بالإرهاب ويُدرج اسمه على لائحة العقوبات كان وراء إعادة تفعيل العمل الحكومي.
ويرى المصدر الوزاري أن «حزب الله» بادر إلى التحرك في أكثر من اتجاه لإعادة الروح إلى مجلس الوزراء لأن استمرار تعطيل جلساته سيوفر مادة سياسية وإعلامية دسمة لخصومه في الداخل والولايات المتحدة الذين كانوا يتحضّرون لإلقاء المسؤولية عليه في شل العمل الحكومي في ظل التأزم الاقتصادي وتفاقم الأوضاع المعيشية التي تدفع بالبلد إلى الانهيار ما لم يتم تداركها في إيجاد الحلول لكل هذه الأزمات. كما أن «حزب الله» بحسب المصدر الوزاري لا يريد التفريط بالحماية السياسية التي يتمتع بها والتي لا يزال في حاجة إليها لمواجهة الضغوط التي تستهدفه.



«الرئاسي اليمني» يُطلق حرباً على الفساد في المؤسسات الحكومية

مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)
مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)
TT

«الرئاسي اليمني» يُطلق حرباً على الفساد في المؤسسات الحكومية

مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)
مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)

في خطوة غير مسبوقة تهدف إلى مواجهة الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية وحماية المال العام، أعلن مجلس القيادة الرئاسي في اليمن حزمة من الإجراءات المنسقة لمكافحة الفساد وغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعزيز المركز القانوني للدولة، وذلك بعد تلقي المجلس تقارير من الأجهزة الرقابية والقضائية حول قضايا فساد كبرى وقعت في الأعوام الأخيرة.

وأفاد الإعلام الرسمي بأنه، بناءً على توصيات من رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، صدرت توجيهات مستعجلة لاستكمال إجراءات التحقيق في القضايا قيد النظر، مع متابعة الجهات المتخلفة عن التعاون مع الأجهزة الرقابية.

وشدد مجلس الحكم اليمني على إحالة القضايا المتعلقة بالفساد إلى السلطة القضائية، مع توجيهات صريحة بملاحقة المتهمين داخل البلاد وخارجها عبر «الإنتربول» الدولي.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي (سبأ)

وأمر العليمي -حسب المصادر الرسمية- بتشكيل فريق لتقييم أداء هيئة أراضي الدولة وعقاراتها، التي تواجه اتهامات بتسهيل الاستيلاء على أراضيها من قِبل شخصيات نافذة. كما شدد على إلغاء جميع التصرفات المخالفة للقانون وملاحقة المتورطين.

وبينما تشير هذه الخطوات الجادة من مجلس القيادة الرئاسي إلى التزام الحكومة اليمنية بمكافحة الفساد، وتحسين الأداء المؤسسي، وتعزيز الشفافية، يتطلّع الشارع اليمني إلى رؤية تأثير ملموس لهذه الإجراءات في بناء دولة القانون، وحماية موارد البلاد من العبث والاستغلال.

النيابة تحرّك 20 قضية

ووفقاً لتقرير النائب العام اليمني، تم تحريك الدعوى الجزائية في أكثر من 20 قضية تشمل جرائم الفساد المالي، وغسل الأموال، وتمويل الإرهاب، والتهرب الضريبي. ومن بين القضايا التي أُحيلت إلى محاكم الأموال العامة، هناك قضايا تتعلّق بعدم التزام بنوك وشركات صرافة بالقوانين المالية؛ مما أدى إلى إدانات قضائية وغرامات بملايين الريالات.

كما تناولت النيابة العامة ملفات فساد في عقود تنفيذ مشروعات حيوية، وعقود إيجار لتوليد الطاقة، والتعدي على أراضي الدولة، وقضايا تتعلق بمحاولة الاستيلاء على مشتقات نفطية بطرق غير مشروعة.

مبنى المجمع القضائي في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن (سبأ)

ومع ذلك، اشتكت النيابة من عدم تجاوب بعض الجهات الحكومية مع طلبات توفير الأدلة والوثائق، مما أدى إلى تعثر التصرف في قضايا مهمة.

وأوردت النيابة العامة مثالاً على ذلك بقضية الإضرار بمصلحة الدولة والتهرب الجمركي من قبل محافظ سابق قالت إنه لا يزال يرفض المثول أمام القضاء حتى اليوم، بعد أن تمّ تجميد نحو 27 مليار ريال يمني من أرصدته مع استمرار ملاحقته لتوريد عشرات المليارات المختلسة من الأموال العامة. (الدولار يساوي نحو 2000 ريال في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية).

وعلى صعيد التعاون الدولي، أوضحت النيابة العامة أنها تلقت طلبات لتجميد أرصدة أشخاص وكيانات متورطين في غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وبينما أصدرت النيابة قرارات تجميد لبعض الحسابات المرتبطة بميليشيات الحوثي، طلبت أدلة إضافية من وزارة الخزانة الأميركية لتعزيز قراراتها.

تجاوزات مالية وإدارية

وكشف الجهاز المركزي اليمني للرقابة والمحاسبة، في تقريره المقدم إلى مجلس القيادة الرئاسي، عن خروقات جسيمة في أداء البنك المركزي منذ نقله إلى عدن في 2016 وحتى نهاية 2021. وتضمنت التجاوزات التلاعب في الموارد المالية، والتحصيل غير القانوني للرسوم القنصلية، وتوريد إيرادات غير مكتملة في القنصلية العامة بجدة وسفارتي اليمن في مصر والأردن.

وأفاد الجهاز الرقابي بأن التجاوزات في القنصلية اليمنية في جدة بلغت 156 مليون ريال سعودي، تم توريد 12 مليون ريال فقط منها إيرادات عامة، في حين استولت جهات أخرى على الفارق. أما في مصر فتم الكشف عن استيلاء موظفين في السفارة على 268 ألف دولار من إيرادات الدخل القنصلي باستخدام وثائق مزورة.

وفي قطاع الكهرباء، كشف تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة عن مخالفات جسيمة في عقود توفير المشتقات النفطية، تضمّنت تضخيم تكلفة التعاقدات وإهدار المال العام بقيمة تزيد على 285 مليون دولار. كما أشار التقرير إلى اختلالات في عقود السفينة العائمة لتوليد الطاقة التي تضمنت بنوداً مجحفة وإعفاءات ضريبية وجمركية للشركة المتعاقد معها.

وتحدّث الجهاز الرقابي اليمني عن اعتداءات ممنهجة على أراضي الدولة، تشمل مساحة تزيد على 476 مليون متر مربع، وقال إن هذه الاعتداءات نُفّذت بواسطة مجاميع مسلحة وشخصيات نافذة استغلّت ظروف الحرب لنهب ممتلكات الدولة. كما تم تسليم أراضٍ لمستثمرين غير جادين تحت ذرائع قانونية؛ مما تسبّب في إهدار أصول حكومية ضخمة.

وحسب التقارير الرقابية، تواجه شركة «بترومسيلة» التي أُنشئت لتشغيل قطاع 14 النفطي في حضرموت (شرق اليمن)، اتهامات بتجاوز نطاق عملها الأساسي نحو مشروعات أخرى دون شفافية، إلى جانب اتهامها بتحويل أكثر من مليار دولار إلى حساباتها الخارجية، مع غياب الرقابة من وزارة النفط والجهاز المركزي.