مسؤولة كردية تحذر من «وضع كارثي» في مخيم الهول

يحوي 72 ألفاً... و«المهاجرات المتطرفات» أودعن قسماً خاصاً

مارة في أحد شوارع مخيم الهول (الشرق الأوسط)
مارة في أحد شوارع مخيم الهول (الشرق الأوسط)
TT

مسؤولة كردية تحذر من «وضع كارثي» في مخيم الهول

مارة في أحد شوارع مخيم الهول (الشرق الأوسط)
مارة في أحد شوارع مخيم الهول (الشرق الأوسط)

تحوّل مخيم الهول، الواقع أقصى شمال شرقي سوريا، إلى ملاذ آمن للفارين من مناطق «داعش» سابقاً. واليوم، يضم المخيم الواقع على بعد 45 كيلومتراً شرق محافظة الحسكة، 72 ألفاً، 90 في المائة منهم نساء وأطفال، وهناك قسم خاص بعائلات وأطفال مقاتلي التنظيم الإرهابي.
هذه البقعة الجغرافية أصبحت مكاناً للرعب ويُشكّل قاطنو المخيم عبئاً كبيراً على الإدارة الذاتية الكردية التي تتحمل مسؤوليات الأمن والحراسة، لا سيما بعد تصاعد التهديدات التركية بشن عملية عسكرية، شرق نهر الفرات. ورفضت معظم الدول استعادة رعاياها المحتجَزين في الهول، الذين كانوا قد التحقوا بـ«داعش» وعاشوا تحت سطوته، لكن دولاً قليلة تسلمت أفراداً من عائلات من يُسمون «الجهاديين»، مثل المغرب وأوزبكستان وكازاخستان وروسيا، بينما تسلمت دول أخرى أعداداً محدودة، بينها السودان وفرنسا والنروج والدنمارك والولايات المتحدة.
وتقول مديرة المخيم ماجدة أمين، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، بمكتبها في المخيم: «يبلغ تعداد مخيم الهول 71905 آلاف شخص، وهم 20600 عائلة، حيث يبلغ تعداد العراقيين منهم 30875 شخصاً بما في ذلك 8746 عائلة. أما السوريون فهم 30593 شخصاً، وتبلغ تعداد العائلات 8983».
وفي هذا المكان القريب المحاذي للحدود العراقية، اعتدت نساء «مهاجرات» بسبب تطرفهن والأفكار الخاصة بالتنظيم المتشدد، على أخريات لعدم التقيد باللباس الشرعي أو خروج بنات صغار من دون نقاب، وقد أحرقن خيمهن وطعنّ عناصر من الحراسة، الأمر الذي دفع إدارة المخيم والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إلى تخصيص قسم خاص داخل «الكامب» للسيدات المهاجرات وأطفالهن. ويخضع هذا القسم لحراسة مشددة ويمنع الخروج والدخول إلا بإذن خطي من إدارة المخيم.
وتابعت ماجدة أمين كلامها قائلة: «يبلغ تعداده (القسم الخاص) 10732 نسمة، منها 3177 امرأة والباقي أطفال. نقدم الخدمات الأساسية والحراسة، والمنظمة الوحيدة التي تدخل إلى هذا القسم هي منظمة الصليب الأحمر الدولي». وكشفت المسؤولة الكردية أن جميع المنظمات الدولية والإنسانية رفضت العمل في هذا القسم بحجة معايير العمل لديها. وأوضحت: «نجهل هذه المعايير، لكن بسبب تقصيرها يزداد الوضع سوءاً. غياب المطابخ والحمامات والمراحيض والرعاية الصحية يزيد من الشكاوى، وقد طلبنا من (منظمة) أطباء بلا حدود وغيرها العمل في هذا القسم ولكن دون جدوى». وتقع بلدة الهول شرق محافظة الحسكة السورية، وتخضع حالياً لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من التحالف الدولي. وتحولت وجهة للاجئين العراقيين في أعقاب حرب الخليج في تسعينات القرن الماضي، حيث أنشأت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مخيماً على مشارف البلدة، بالتنسيق مع الحكومة السورية.
وفي خصوص أبرز التحديات والعقبات التي تواجه إدارة المخيم بسبب الأعداد الكبيرة لقاطنيه، تقول ماجدة أمين: «هؤلاء بحاجة إلى خدمات أساسية وتوفير الرعاية الطبية، مثلاً المطابخ الموجودة لا تغطي نصف الحاجة الاستيعابية، أما الحمامات والمراحيض فتغطي 10 في المائة فقط». وترد إلى إدارة المخيم شكاوى بشكل يومي لوجود كثير من أفراد العائلات، لا سيما السيدات، ممن لا يدخل الحمام للاستحمام سوى مرة واحدة في الأسبوع، علماً بأن درجات الحرارة تصل إلى مستويات مرتفعة وقد جاوزت 45 درجة مئوية هذا الصيف. وتضيف ماجدة أمين: «حتى اليوم لا يوجد فرن آلي لتوفير مادة الخبز، بالإضافة إلى غياب المشافي المتخصصة. نقوم بإسعاف الحالات المرضية الحرجة إلى مستشفيات المدن المجاورة، وقد بات ذلك يشكل عبئاً ثقيلاً عليها».
وبعد ظهور تنظيم «داعش» في سوريا والعراق المجاور بدءاً من يناير (كانون الثاني) 2014، نشطت حركة النزوح إلى الهول مجدداً، خصوصاً من الموصل في شمال العراق، ليعج المخيم ثانية باللاجئين العراقيين والنازحين السوريين الذين تضررت مناطقهم من الحرب الدائرة في البلاد، لا سيما من مدينتي الرقة ودير الزور.
وأشارت المسؤولة الكردية ماجدة أمين إلى وجود تنسيق عالي المستوى بين الإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا، والحكومة العراقية، بخصوص وضع اللاجئين العراقيين الموجودين في المخيمات السورية، بإشراف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وقالت: «منذ بداية العام الحالي، توقفت رحلات إعادة العراقيين الراغبين بالعودة إلى بلدهم لأسباب تتعلق بالجانب العراقي، ومنذ شهر تنتظر قائمة من ألف شخص سُمح لهم بالعودة، ولكن لم يصل إلينا شيء (لبدء إعادتهم)».
وتدخل وجهاء عشائر وشيوخ عربية وطالبوا بالسماح لإخراج النساء السوريات برفقة أطفالهن، لا سيما المتحدرات من مناطق الإدارة الذاتية في شمال سوريا وشرقها. وأوضحت ماجدة أمين أنهم بدأوا العمل بنظام «الكفالة»: «قبل العيد الماضي، أخرجت دفعة من 800 شخص يتحدرون من الرقة والطبقة، وخرجت دفعة ثانية من 200 شخص من مناطق دير الزور، ودفعة ثالثة من 150 شخصاً من منبج، وهناك قوائم كثيرة ستخرج قريباً، بحسب القوائم المرسلة من العشائر العربية».
وتزود «لجنة الصليب الأحمر الدولي» المخيم بـ500.000 لتر من المياه النظيفة التي تنقل إليه عبر الصهاريج يومياً، كما قامت بتركيب 235 خزاناً كبيراً للمياه. كذلك ركبت 328 وحدة مرحاض لتغطية المناطق التي توسع إليها المخيم. ومع ذلك، ما زال الوصول إلى المراحيض ومرافق الاغتسال يشكل تحدياً كبيراً، خصوصاً للفئات الأكثر ضعفاً، كالنساء والفتيات والعجزة والمعاقين، بحسب ماجدة أمين.
وتوفر مفوضية اللاجئين الخيم والأغطية وتبني المطابخ ووحدات الحمامات والمراحيض، وتسجل قوائم الأسماء بالتنسيق والتعاون مع إدارة المخيم. وقالت أمين في هذا الإطار إن «هناك أكثر من 3 آلاف عائلة بحاجة إلى خيام. تسكن هذه العائلات اليوم في خيام جماعية، وهي بأمسّ الحاجة إلى وجود مكان مستقل لها، على الأقل خيمة يسكن فيها أفراد الأسرة أنفسهم». ولفتت إلى أن أكثر المنظمات الداعمة والعاملة في المخيم «منظمة (بلومند) الأميركية التي تشرف على توزيع المساعدات العينية والغذائية، ومركز مار يعقوب بالحسكة الذي افتتح مركزاً صحياً يحتوي على 30 سريراً، والهلال الأحمر الكردي الذي فتح نقطة طبية بقدرة استيعابية تصل إلى 20 سريراً». كما افتتحت «منظمة الصليب الأحمر الدولي» مستشفى تخصصياً يحتوي على 30 سريراً في المرحلة الأولى، ويضمّ غرفة للطوارئ وغرفة للعمليات الجراحية وجناحاً للرعاية ما بعد العمليات ومختبراً وبنكاً للدم.
وتضيف ماجدة أمين: «الأمراض الثلاثة الأكثر انتشاراً هي عدوى الجهاز التنفسي والإسهال والأنيميا. من المشاهد المألوفة أن نرى كثيراً من المصابين مستلقين بجروحهم المضمدة على مداخل الخيام في محاولة لتجنب أشعة الشمس».
ووصفت مديرة المخيم الوضع بأنه «شديد الصعوبة وكارثي» في مخيم الهول، لوجود عشرات الآلاف من الأشخاص أغلبهم من النساء والأطفال في حاجة حقيقية إلى المساعدة، حيث تعرض القسم الأكبر منهم لفظائع وشهدوا حروباً ومشاهد موت يعجز عنها الوصف ومعاناة بدنية ونفسية.
وتقول: «هؤلاء يحتاجون إلى الأمان والمأوى والغذاء والرعاية الصحية والصرف الصحي، يفتقر المخيم لمراكز ومؤسسات تعليمية وترفيهية، وبإمكانات بسيطة قمنا بافتتاح حديقة كمتنفس لهذه الأسر والأطفال الذين يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة».
وبإمكان قاطني مخيم الهول الخروج منه وفق قوانين وضوابط وحالات محددة. وعن هذه الحالات تشير ماجدة أمين إلى وجود ثلاثة أشكال من هذه الأذونات: «الأول إذن صحي عندما تستدعي الحالة نقلها إلى مستشفى تخصصي من خلال تقرير طبي صادر من النقاط الطبية بالمخيم. أما الإذن الثاني، وهو الزيارات العائلية، وتقدم الأسرة طلبها بعد أن يأتي طلب خطي من الأقرباء المضيفين، ويتم تحديد الأيام التي يُسمح لهم فيها بالخروج والعودة». غير أن الإذن الثالث المتعلق بزيارة زوجات مقاتلي تنظيم داعش المحتجزين لدى «قوات سوريا الديمقراطية» فإنه يخضع لإجراءات معقدة. وقالت مديرة مخيم الهول في ختام حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الإجراءات معقدة وقد تطول، نظراً إلى حساسية التحقيق، بالإضافة إلى وجود كثير من العائلات المهاجرة التي تطالب بزيارة ذويها، وهذه إجراءات قد تستغرق أياماً أو أسابيع».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.