سيراليون تطلق حملة وطنية لمكافحة «إيبولا» بإمكانيات شبه معدومة

متطوعون يتنقلون بين المنازل لتحذير الناس.. ونقص العيادات دفع السلطات لوضع المصابين في مركز احتجاز

متطوع يشرح لأحد السكان الطرق اللازمة لتفادي الإصابة بمرض إيبولا في حي بمدينة فريتاون أمس (أ.ب)
متطوع يشرح لأحد السكان الطرق اللازمة لتفادي الإصابة بمرض إيبولا في حي بمدينة فريتاون أمس (أ.ب)
TT

سيراليون تطلق حملة وطنية لمكافحة «إيبولا» بإمكانيات شبه معدومة

متطوع يشرح لأحد السكان الطرق اللازمة لتفادي الإصابة بمرض إيبولا في حي بمدينة فريتاون أمس (أ.ب)
متطوع يشرح لأحد السكان الطرق اللازمة لتفادي الإصابة بمرض إيبولا في حي بمدينة فريتاون أمس (أ.ب)

انطلقت أكثر الحملات الحكومية طموحا وعدوانية ضد وباء إيبولا الذي يجتاح مناطق من غرب أفريقيا، مع إصدار حكومة سيراليون أمرا لكافة مواطني البلاد أول من أمس بلزوم منازلهم لمدة 3 أيام، وعلقت كل الأعمال التجارية، وأخلت الشوارع في محاولة لوقف انتشار المرض.
حشدت الحكومة ضباط الشرطة، والجنود، ونحو 30 ألف متطوع للانتقال من منزل إلى منزل، واصفة حملتها ضد وباء إيبولا بكونها مسألة حياة أو موت، أملا في توعية الناس بمخاطر ذلك الوباء وتحديد الأشخاص الذين قد ينقلون المرض إلى المحيطين بهم. وأدلى رئيس الدولة إرنست باي كوروما بخطاب إذاعي استثنائي مساء الخميس كشف فيه عن الخطة الوطنية الجديدة لمكافحة لمرض وقال، إن «بعضا من الأمور التي نطالبكم بها حقا عسيرة، غير أن الحياة أفضل كثيرا من تلك الصعوبات».
منذ البداية، كانت حدود الحملة الحكومية واضحة للغاية، إذ سرعان ما اصطدمت التحذيرات والتعبئة والنصائح بواقع تصاعد حالات الإصابة في البلاد كما أن الإمكانيات المتوفرة للتعامل مع المرض شبه منعدمة.
لا يوجد مركز موسع لعلاج مرضى الإيبولا في العاصمة فريتاون، وبالتالي تطلب وضع الكثير من المرضى في مركز احتجاز حتى يتسنى نقلهم إلى منشأة تبعد ساعات عن ذلك المركز، وذلك إذا توفرت سيارة الإسعاف التي يمكنها نقلهم وإذا توفر مكان لاستقبالهم في تلك المنشأة. وأظهرت الخطة الوطنية لمكافحة المرض وجود حالة من اليأس بين حكومات غرب أفريقيا، خصوصا في الدول الثلاث الأكثر تضررا جراء الوباء، وهي غينيا، وليبيريا، وسيراليون، حيث يتصارع الجميع مع الوباء الذي حصد حتى الآن أرواح أكثر من 2.600 شخص من دون أدنى أثر على التراجع.
وفي حين طوقت حكومات البلدان الثلاث مساحات واسعة من الأراضي أملا في احتواء الوباء المتفشي، فإنها لم تحاول القيام بأي شيء حيال ما يجري هناك. وتقول الحكومة في سيراليون إنها ترغب في زيارة كل منطقة سكنية في البلاد التي يبلغ تعداد سكانها نحو 6 ملايين نسمة، بهدف إرشاد الناس حول كيفية منع انتقال المرض ومعرفة من يقوم بإيواء المرضى، مع عواقب قد تكون بالفعل مميتة.
وقال رولاند موناش، ممثل منظمة اليونيسيف، التي تدعم الجهود الحكومية، وتوفر المال، والمشورة «ظللنا نرسل الرسائل لإنقاذ حياة الناس من خلال الإذاعة والتلفزيون والمواد المطبوعة، غير أن كل ذلك لا يكفي. إننا نحتاج إلى نقل المعلومات إلى حيث يعيش الناس».
شوهدت امرأة، في شوارع العاصمة أول من أمس، تستلقي وهي ملتفة حول نفسها في وضعية الجنين. بدت عيناها مغلقتين، وحالتها غير متزنة ومستلقية على صحائف من الورق المقوى بجوار بالوعة مفتوحة أمام واجهة المحال المغلقة. وقال متطوعو مكافحة الإيبولا من على مسافة حذرة إنها تعاني من حمى مرتفعة. ولم تسفر ساعات من الاتصال عن وصول أي سيارة من سيارات الإسعاف. تجمع حشد صغير، بينهم عناصر الشرطة وجنود شاهرين أسلحتهم، والمستشارون الرئاسيون، والمتفرجون الذين يلتقطون صورا بهواتفهم الجوالة للمرأة العاجزة عن الحركة. وقال أحد الموظفين الطبيين إن «هناك جثتين أخريين في الجوار تحتاج لمن يهتم بهما، غير أنه لم تكن هناك أي سيارات للإسعاف». وقال الحسن كامارا، أحد المتطوعين إنهم لا يستجيبون. يقولون إنهم مشغولون بالكثير من الحالات الآن.
وأخيرا، وصلت سيارة إسعاف متهالكة بعد 5 ساعات من الاتصالات المتواصلة، حسبما أفاد المتطوعون. غير أن المسعفين المجهزين بمعدات فقيرة رفضوا أخذ المرأة من على الأرض، إذ ليس لديهم رذاذ الكلور وقالوا إنهم غير مسؤولين عن ذلك. جلجل صوت أغنية ضد الإيبولا من مذياع السيارة، واستلزم الأمر سيارة إسعاف أخرى، ورئيس إحدى نوادي الدراجات الذي جاء مسرعا مرتديا سترة واقية، من أجل نقل المرأة المريضة بحثا عن مركز رعاية طبية يستقبلها.
ينتقل المتطوعون من منزل إلى آخر لتحذير الناس حول مخاطر المرض. وصارت شوارع العاصمة المزدحمة خالية من المارة، وأغلقت المتاجر والمحال، ونادرا ما ترى المشاة على الطرق الرئيسة. قال الدكتور ديفيد نابارو، وهو مبعوث رفيع المستوى لمنظمة الأمم المتحدة للعمل في جهود أزمة مرض الإيبولا، إنه صدم للفجوة الشاسعة بين انتشار المرض والإمكانيات المتوفرة لمكافحته. يجب على العالم زيادة الجهود المبذولة على الأرض عدة مرات. ويمكن أن يشمل ذلك القدرة على علاج ما يقرب من 9 آلاف إلى 10 آلاف حالة داخل تلك الدول في أي وقت. وللوصول إلى ذلك، ينبغي ضخ المزيد من الأشخاص والأموال إلى تلك الدول، بطبيعة الحال، ولكن نحتاج كذلك إلى تنظيم رائع وإمدادات لوجيستية لا نمتلك منها شيئا الآن، حسبما قال نابارو.
أما الدكتور دان لوسي، وهو طبيب أميركي متطوع في مركز احتجاز مرضى الإيبولا في مستشفى بالعاصمة فريتاون، فوصف الوضع بالرهيب، وقال عقب عودته إلى بلاده «ليست هناك أسرة ولا مساحة كافية. حينما ترى ذلك للوهلة الأولى، تقول إن الأمر لا يطاق. لا يمكن أن يكون الوضع بهذا السوء. كان أمرا لا يصدق، إن التجارب القاسية في الحياة ليست مثل ما رأيت هناك».
* خدمة «نيويورك تايمز»



للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
TT

للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

سحب الفرنسيون من تشاد، الثلاثاء، مقاتلات عسكرية من طراز «ميراج 2000»، ليصبح البلد الأفريقي مترامي الأطراف والحبيس في قلب القارة السمراء، خالياً من أي مقاتلات فرنسية لأول مرة منذ أن نال استقلاله عن باريس قبل 6 عقود.

اليوم، أصبحت سماء تشاد هادئة من أزيز «الميراج» الفرنسية، وأغمضت العين الفرنسية التي ظلّت لعقود طويلة رقيباً لا يغفل على أرض تشاد الشاسعة، الممتدة من صحراء أوزو الحارقة شمالاً، وصولاً إلى أحواض بحيرة تشاد الرطبة في أقاصي الجنوب.

الطائرة التي تُمثّل فخر الصناعة العسكرية الفرنسية، ظلّت لسنوات طويلة صاحبة الكلمة الأولى في السماء التشادية، والسلاح الحاسم الذي تدخّل لقلب موازين السياسة أكثر من مرة، خصوصاً حين حاصر المتمردون القادمون من الشمال الرئيسَ الراحل إدريس ديبي في 2006 و2019.

بداية الرحيل

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

في حدود منتصف نهار الثلاثاء، كان الجنود الفرنسيون في قاعدة «غوسي» العسكرية في عاصمة تشاد إنجامينا، يتبادلون الابتسامات الباهتة مع أقرانهم التشاديين، فطغت على أجواء الوداع حميمية مصطنعة، وهم يستعدون لركوب طائرات «الميراج»، في رحلة ذهاب دون عودة، نحو فرنسا.

رفع الطيار العسكري الفرنسي يده بتحية عسكرية صارمة، من وراء زجاج طائرته النفاثة، وألقى نظرة أخيرة، ثم حلّق عالياً لتكون بذلك بداية انسحاب فرنسي من بلد دخله أجداده مستعمرين مطلع القرن العشرين، أي قبل 120 عاماً.

الجيش الفرنسي قال في بيان مقتضب تعليقاً على سحب طائراته العسكرية، إن القرار جاء بعد أن قررت تشاد إنهاء العمل باتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع فرنسا، يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأضاف أن «وجود هذه الطائرات كان تلبية لحاجة سبق أن عبّر عنها الشريك (التشادي)».

فيما قال مصدر فرنسي إن وجود المقاتلات الفرنسية في تشاد لم يعُد مبرّراً بعد إنهاء التعاون العسكري بين البلدين، وأضاف أن «فرنسا تنهي نشر مقاتلاتها في قاعدة (غوسي) الجوية في إنجامينا. والجيش الفرنسي اتخذ قراراً بسحب طائراته الحربية».

رحيل تدريجي

وزير خارجية تشاد، عبد الرحمن كليم الله، نشر تغريدة مقتضبة على موقع «إكس»، قال فيها: «إنه بعد الانسحاب النهائي لمقاتلات (الميراج) الفرنسية وطائرة الدعم والإسناد، نفذت المرحلة الأولى من سحب القوات الفرنسية في تشاد».

كما نشرت الخارجية التشادية بياناً قالت فيه: «إن هذا الحدث يُمثل خطوة كبيرة في تنفيذ الجدول الزمني المتفق عليه بين الطرفين» بخصوص مغادرة القوات الفرنسية، قبل أن تشير إلى أنه «سيتم الترحيل التدريجي للقوات البرية خلال الأسابيع المقبلة».

ويوجد في تشاد نحو ألف جندي فرنسي، كانوا موجودين بموجب اتفاق تعاون عسكري موقع منذ عقود، وجرى تجديده عام 2019، ولكن تشاد قررت الشهر الماضي أن تنهيه من جانب واحد من أجل «تجسيد السيادة» على أراضيها.

وفي هذا السياق، قالت الخارجية التشادية إن الشعب التشادي «يتطلّع إلى مستقبل تحظى فيه السيادة الوطنية بالاحترام الكامل، وتتولى فيه القوات المسلحة الوطنية بشرف وكفاءة الدفاع عن أراضيها وأمن مواطنيها».

ولكنها في الوقت نفسه، شدّدت على «فكّ الارتباط (مع فرنسا) يتم بروح من الاحترام المتبادل والحوار البنّاء للحفاظ على العلاقات الثنائية بين تشاد وفرنسا في المجالات الاستراتيجية الأخرى ذات الاهتمام المشترك».

لجنة مشتركة

جنديان تشاديان خلال مناورات مع سلاح الجو الفرنسي (أرشيف الجيش الفرنسي)

ورغم أن البلدين لم يُعلنا أي تفاصيل حول الجدول الزمني لسحب القوات الفرنسية، فإن المصادر تؤكد تشكيل «لجنة مشتركة» تتولّى الإشراف على العملية، وقد عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول يوم الجمعة الماضي، دون إعطاء أي تفاصيل.

في هذه الأثناء، وصفت صحف فرنسية واسعة الانتشار من بينها «لوموند» ما يجري بأنه «صفعة موجعة» تتلقّاها فرنسا في بلد ظلّ لعقود يمثل حليفاً استراتيجياً في أفريقيا، واليوم يُعدّ آخر مركز نفوذ لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، حيث سبق أن انسحبت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ويصر الفرنسيون على أن ما يحدث في تشاد مختلف عما جرى في دول الساحل الأخرى؛ حيث وقعت قطيعة تامة مع باريس.

ويقول مصدر وصفه الإعلام الفرنسي بأنه قريب من الملف: «إن التشاديين لم يطلبوا سحب القوات بشكل فوري، وبهذه السرعة»، وأضاف: «نحن من أراد التحكم في الانسحاب» تفادياً لأي مفاجآت.