جبل طارق تطلق ناقلة «غريس 1» وسط تباين إيراني ـ بريطاني حول الضمانات

أصدرت المحكمة العليا في جبل طارق أمس قراراً بمغادرة الناقلة الإيرانية «غريس 1» بعد شهر على احتجازها على يد البحرية الملكية البريطانية، بانتهاك العقوبات الأوروبية على سوريا. وقدّمت الحكومة الإيرانية تعهداً مكتوباً بألا تفرغ حمولتها في الموانئ السورية، قبل أن تسمح سلطات جبل طارق بمغادرة الناقلة، وتجاهلت طلب الولايات المتحدة في اللحظات الأخيرة لمصادرتها الناقلة.
وأكدت إيران خطياً أن حمولة «غريس 1» ليست متوجهة إلى سوريا التي تخضع لحظر أوروبي، وطلبت السلطات البريطانية في جبل طارق بالتالي من المحكمة رفع الحجز عنها، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
وعقدت المحكمة العليا في جبل طارق جلستين أمس للنظر في السماح للناقلة الإيرانية بالإبحار. وعقب الجلسة الثانية، قالت صحيفة «جبل طارق كرونيكل» إن الحكومة المحلية أعلنت أنها اتخذت القرار بعدما تلقت ضمانات مكتوبة من الحكومة الإيرانية بأن الناقلة لن تفرغ حمولتها في سوريا. لكن الطرف الإيراني نفى أن يكون قدّم ضمانات خطية حول ذلك. وأفادت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن السفير الإيراني لدى لندن، حميد بعيدي نجاد، بأن إيران «لم تقدم أي ضمانات لإطلاق الناقلة (غريس 1)» وقال: «قضية أي تعهد وضمان ليست مطروحة، لقد أعلنّا منذ البداية أن الناقلة لم تكن متجهة إلى سوريا، وإيران لم ترتكب مخالفات تعارض القانون الدولي، وفي المقابل بريطانيا هي من انتهكت القوانين الدولية».
وقالت الخارجية البريطانية، في بيان، إنها اطلعت على انتهاء الإجراءات القانونية في جبل طارق، والخطوات التي أخذت السلطات لمنع وصول شحنة السفينة إلى سوريا، في خرق للعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي
وأكدت الخارجية البريطانية تلقي حكومة جبل طارق ضمانات من إيران بأن الناقلة «غريس 1» لن تتوجه إلى سوريا. وطالبت إيران «أن تلتزم بالضمانات التي قدّمتها، ولذلك لن نقف مكتوفي الأيدي، ولن نسمح لإيران أو لغيرها بتجاوز عقوبات الاتحاد الأوروبي الحيوية التي فُرضت على نظام نشرَ أسلحة كيميائية ضد شعبه».
ورفضت الخارجية البريطانية أي مقارنة أو صلة بين قيام إيران بمصادرة سفن الشحن التجارية في مضيق هرمز، وتنفيذ سلطات جبل طارق للعقوبات المفروضة على سوريا من قبل الاتحاد الأوروبي. ودعت إيران إلى ضرورة احترام حرية ملاحة النقل البحري والالتزام بالقانون الدولي.
في الأسبوع الماضي، أعلنت المملكة المتحدة أنها ستنضم إلى تحالف أمن الملاحة، بقيادة الولايات المتحدة، لحماية السفن التجارية التي تمر عبر طريق الشحن الرئيسي في مضيق هرمز.
وتأجل إعلان القرار لجلسة ثانية، بعدما قال ممثل النيابة العامة في جبل طارق، جوزف ترياي، إن الولايات المتحدة طلبت من سلطات هذه المنطقة مصادرة ناقلة النفط الإيرانية «غريس 1» التي تحتجزها منذ شهر للاشتباه بنقلها نفطاً إلى سوريا.
وقال ناطق باسم حكومة جبل طارق إن «وزارة العدل الأميركية طلبت مصادرة (غريس 1)، مشيرة إلى عدد من الأسباب التي تجري دراستها». ولم توضح النيابة العامة على ماذا يستند طلب وزارة العدل الأميركية، الذي وصل قبل قليل من المحكمة.
وقبل إعلان القرار، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن رئيس المحكمة، القاضي أنطوني دادلي، أنه «لولا هذا الطلب الذي تسلمناه لكانت السفينة غادرت» جبل طارق. لكن دادلي، قال بعد ساعات، إنه لم يتلق أي طلب خطيّ أميركي لتمديد الحجز على السفينة.
ورغم تراجع الادعاء العام في جبل طارق، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أمس، إن محاولة «قرصنة» أميركية فشلت بعد أن أمرت المحكمة العليا في جبل طارق، الخميس، بالإفراج عن ناقلة نفط إيرانية، رغم طلب أميركي باحتجازها. وكتب على «تويتر»: «بعد أن فشلت في تحقيق أهدافها من خلال الإرهاب الاقتصادي، بما في ذلك حرمان مرضى السرطان من الأدوية، حاولت الولايات المتحدة إساءة استخدام القانون لسرقة ممتلكاتنا في عرض البحر». ورأى أن «محاولة القرصنة هذه تؤكد ازدراء إدارة (الرئيس الأميركي دونالد) ترمب للقانون».
بدوره، وصف سفير إيران في لندن الحكم بأنه «هزيمة مذلة» للولايات المتحدة. وكتب حميد بعيدي نجاد على «تويتر»: «منذ دقائق... تم الإفراج عن الناقلة التي تحمل النفط الإيراني من الاحتجاز غير القانوني». وأضاف أن «الولايات المتحدة بمحاولاتها الجبانة في اللحظة الأخيرة سعت إلى إبقاء الناقلة قيد الاحتجاز، وواجهت هزيمة مذلة».
وفي الوقت نفسه، أعلن ناطق باسم حكومة جبل طارق أن قبطان السفينة وأفراد الطاقم الثلاثة الذين كانوا على متن ناقلة النفط «غريس 1» وأفرج عنهم بكفالة، أُطلق سراحهم رسمياً.
وتدور مواجهة بين طهران وواشنطن، منذ انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب العام الماضي من الاتفاق النووي المبرم في 2015 وإعادة فرضه عقوبات على طهران، بسبب انتقادات الإدارة الأميركية لـ«دورها الإقليمي المزعزع للاستقرار وتطويرها صواريخ باليستية».
وأدى احتجاز ناقلة النفط وتصاعد الخلافات الدبلوماسية التي نجمت عن ذلك إلى تقويض جهود الدول الأوروبية التي تحاول إنقاذ الاتفاق النووي مع إيران. وأشعل أزمة بين لندن وطهران. واحتجزت قوات «الحرس الثوري» ناقلة النفط البريطانية «ستينا إيمبيرو» في 19 يوليو (تموز) بتهمة «بعدم احترام قواعد الملاحة البحرية الدولية» في مضيق هرمز، بعد ساعات قليلة من تهديد ورد على لسان المرشد الإيراني علي خامنئي بالرد المماثل على احتجاز الناقلة الإيرانية.
وفي نهاية الشهر الماضي، اعتبر مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي احتجاز بريطانيا ناقلة «غريس 1» «انتهاكاً للاتفاق النووي»، وقال: «على الدول المشاركة (في الاتفاق النووي) ألا تضع العراقيل في طريق تصدير النفط الإيراني». وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني لمّح إلى استعداد بلاده لتبادل الناقلات، لكن وزير الخارجية البريطاني دومنيك راب رفض المقترح الإيراني في مناسبتين، واتهمها بارتكاب «قرصنة الدولة».
وأثارت تغريدات عن موقع «تانكر تراكرز»، الاثنين الماضي، حول تلقيه إشارات بتغيير وجهة الناقلة الإيرانية في الأسبوع الخامس على احتجازها، تكهنات حول انفراجة في قضية الناقلة. وقال مسؤول مساعد مدير مؤسسة الموانئ والملاحة البحرية في إيران، خلال مؤتمر صحافي: «آمل أن يتم حل هذه المشكلة في مستقبل قريب»، وأن «تتمكن السفينة من مواصلة طريقها، مع رفع علم إيران»، لافتاً إلى أن «بريطانيا أبدت اهتماماً أيضاً لحل المشكلة، وتم تبادل الوثائق للمساعدة في حل المشكلة».
وفي المقابل، نأت الحكومة البريطانية، الثلاثاء، بنفسها عن قضية الناقلة «غريس 1»، وقالت إن «التحقيقات الجارية بشأن (غريس1) مسألة تخص حكومة جبل طارق»، ورفضت الإدلاء بأي تصريح آخر في ظل استمرار التحقيق.
وقبل ساعات من محكمة أمس، كانت صحيفة «ذا صن» البريطانية قد نقلت عن مصادر مقربة من رئيس وزراء جبل طارق، فابيان بيكاردو، أن منطقة جبل طارق التابعة لبريطانيا ستفرج الخميس عن ناقلة نفط إيرانية كانت قوات مشاة البحرية الملكية البريطانية قد احتجزتها في البحر المتوسط في يوليو الماضي.
ولم يطلب بيكاردو تجديد أمر احتجاز الناقلة «غريس 1»، وقال إنه يكفيه الآن أنها لن تتوجه إلى سوريا.
ونقلت الصحيفة، عن مصدر مقرب من بيكاردو، قوله: «ما من سبب يدعونا للإبقاء على (غريس 1) في جبل طارق، ما دمنا لم نعد تعتقد أنها تخرق العقوبات على النظام السوري».
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، قالت حكومة بيكاردو: «نواصل السعي إلى خفض التصعيد في المشكلات المطروحة منذ بدء التمديد لاحتجاز السفينة لناقلة النفط (غريس 1)».