المصريون يفضلون «التمليك» رغم ارتفاع أسعار العقارات

إحصائيات رسمية تشير إلى أن 62 % من الأسر لديها «مسكن ملك»

الإحصائيات الرسمية تبين أن المصريين يفضلون تملك العقارات (تصوير: عبد الفتاح فرج)
الإحصائيات الرسمية تبين أن المصريين يفضلون تملك العقارات (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

المصريون يفضلون «التمليك» رغم ارتفاع أسعار العقارات

الإحصائيات الرسمية تبين أن المصريين يفضلون تملك العقارات (تصوير: عبد الفتاح فرج)
الإحصائيات الرسمية تبين أن المصريين يفضلون تملك العقارات (تصوير: عبد الفتاح فرج)

رغم توافر ملايين الشقق السكنية في المدن المصرية، ومحاولات الحكومة المصرية، خلال السنوات السابقة، تشجيع نظام الإيجارات السكنية، عبر قانون الإيجار الجديد الصادر عام 1996، بجانب المساعي المستمرة لتعديل قانون الإيجار القديم، فإن المواطن المصري ما زال يفضل السكن التمليك، وربما يتحمل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية من أجل شراء وحدة سكنية، عبر القروض أو التسهيلات التي تمنحها شركات العقارات، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الوحدات السكنية بشكل يراه البعض مبالغاً فيه.
الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع والإعلام السياسي، فسر ارتباط المصريين بالسكن التمليك بالثقافة الزراعية لدى المواطن المصري، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الثقافة الزراعية للمصريين تجعلهم حريصين على تملك الأراضي والمساكن، وتضغط عليهم لشراء مساكن وشقق تمليك، كنوع من المكانة الاجتماعية والعزوة، والاستقرار».
وأضاف صادق أن «المصري لا يطمئن للإيجار، ولديه دائماً خوف من أن يطرد من المسكن الإيجار، على عكس دول أخرى في العالم، ليست لديها مشكلة في السكن المؤجر، وعادة ما يتشارك الشباب سكناً واحداً».
وجاءت نتائج بحث الدخل والإنفاق لعام (2017 - 2018)، التي أعلنها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في بداية شهر أغسطس (آب) الحالي، لتؤكد استمرار المصريين في السعي لتملك الوحدات السكنية، حيث أظهرت نتائج البحث أن «61.6 في المائة من الأسر لديهم مسكن ملك، والباقي 11.5 في المائة إيجار وفقاً لقانون الإيجار القديم، و6.6 في المائة إيجار وفقاً لقانون الإيجار الجديد محدد المدة، و9.4 في المائة تمليك، و10.4 في المائة هبة، و0.5 في المائة ميزة عينية».
من جانبه، قال الدكتور شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «نظام الإيجار الحالي، وفقاً للقانون الجديد محدد المدة، مكلف، فأقل إيجار شهري في المناطق الشعبية يصل إلى 1500 جنيه شهرياً، ما يدفع الناس للتفكير في التمليك»، مشيراً إلى أن «المواطن يحسب تكلفة الإيجار، ويقارنها بالقسط الشهري الذي يمكن أن يدفعه نظير شراء وحدة تمليك، خصوصاً في ظل أنظمة السداد المتنوعة التي توفرها البنوك، أو شركات التطوير العقاري».
وتوفر البنوك المصرية أنظمة مختلفة للتمويل العقاري، ومع ارتفاع نسبة الفائدة، تدخل البنك المركزي المصري عبر مبادرة لدعم التمويل العقاري لمحدودي ومتوسطي الدخل بسعر فائدة منخفض، انتهى تطبيقها بداية العام الحالي. ويطالب المطورون العقاريون بتجديدها لمساعدة المواطن على التملك، وفي المقابل توفر شركات التطوير العقاري عدداً متنوعاً من أنظمة السداد يصل إلى حد التملك دون مقدم، وبقسط يصل إلى 10 سنوات.
وقال الدمرداش إن «التملك في مصر لا يتم بهدف السكن، بل يستخدم كنوع من الاستثمار، حيث تعتبر العقارات مخزناً للقيمة»، مشيراً إلى أن «كثيراً ممن يملكون القدرة الشرائية يقبلون على شراء العقارات بهدف الاستثمار، ونسبة كبيرة ممن يمتلكون مساكن في مصر يمتلكونها بغرض الاستثمار وليس السكن».
وأشار صادق إلى أنه «عادة ما يتم استغلال العقار كنوع من الاستثمار الآمن، خصوصاً في الفترة الحالية، التي تقود فيها الاستثمارات العقارية الاقتصاد المصري»، مشيراً إلى أن «هذه الثقافة وارتفاع الطلب على العقارات تؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير، في ظل صغر مساحة الأراضي التي يتم التنافس عليها».
ويزداد الحرص على السكن التمليك في الريف أكثر من المناطق الحضرية، حيث أوضح البحث أن «23.7 في المائة من أسر الحضر تقيم في مسكن إيجار قديم، مقابل 1.2 في المائة من أسر الريف، ونحو 11.6 في المائة من أسر الحضر تقيم في إيجار جديد، مقابل 2.3 في المائة من الريف، و81.6 في المائة من أسر الريف لديها مسكن ملك، مقابل 38 في المائة من أسر الحضر، بينما 18.7 في المائة من أسر الحضر لديهم مسكن تمليك، مقابل 1.4 في المائة من أسر الريف، ونحو 13.2 في المائة من أسر الريف لديها مسكن هبة، مقابل 7.2 في المائة من أسر الحضر».
وأشار البحث إلى أن 74.5 في المائة من الأسر تعيش في شقة سكنية، منها 87.5 في المائة من أسر الحضر، مقابل 63.4 في المائة في الريف، بينما يقطن 17.3 في المائة في مبنى كامل، منها 7.1 في المائة من الحضر مقابل 25.8 في المائة في الريف».
وقال صادق إن «المصريين يحبون سكن العائلات، وفي كثير من المدن نجد مباني سكنية تسكنها العائلة بالكامل، ففي وقت من الأوقات مثلاً كان رب الأسر يشتري أرضاً في حي مصر الجديدة، ويبني فيه مبنى متعدد الطوابق يكون له ولأولاده عندما يكبرون، وما زال نموذج بيت العائلة موجوداً في كثير من المناطق، خصوصاً في الأرياف».
وتأتي هذه النتائج بالتزامن مع إعلان ارتفاع معدل الفقر في البلاد من 27.8 في المائة في إحصاء عام 2015 - 2016، إلى 32.5 في المائة في إحصاء عام 2017 - 2018، الصادر بداية الشهر الحالي، في أعقاب تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي تضمن انخفاض سعر العملة المصرية، ما ترتب عليه رفع أسعار السلع والخدمات، وتصدرت محافظات الصعيد (جنوب مصر) قائمة الأكثر فقراً، حيث سجلت محافظة أسيوط نسبة فقر بين مواطنيها بلغت 66.7 في المائة، تلتها محافظة سوهاج بنسبة 59.6 في المائة، ثم الأقصر 55.3 في المائة، والمنيا 54 في المائة، ثم قنا 41 في المائة.
وقال صادق إن «العادات والتقاليد أقوى من صعوبة الظروف الاقتصادية، فرغم ارتفاع نسبة الفقر، وارتفاع أسعر العقارات، فإن المواطن المصري حريص على شراء سكن تمليك، حتى وإن ضغط على نفسه اقتصادياً».
وأوضح صادق أن «المواطن المصري في السابق كان يعتبر السكن على ضفاف النيل هو قمة الرفاهية والثراء، واليوم مع انحسار المساحة الموجودة على النيل، بدأ الاتجاه للتجمعات السكنية المغلقة (كمبوند)، التي توفر قدراً كبيراً من الخصوصية والعزلة للطبقات الاجتماعية الثرية».
وتم تحديد معدل خط الفقر بمبلغ 8827 جنيهاً سنوياً، أو 736 جنيهاً شهرياً، أي نحو 1.5 دولار يومياً، فيما بلغ خط الفقر المدقع 5890 جنيهاً سنوياً، أو 491 جنيهاً شهرياً، في حين يقاس معدل خط الفقر العالمي بمبلغ 1.9 دولار يومياً للفرد، وفقاً لإحصاء البنك الدولي عام 2015.
وشهدت أسعار العقارات ارتفاعاً كبيراً في الآونة الأخيرة، حيث تجاوز متوسط سعر المتر في منطقة «التجمع الخامس» (شرق القاهرة) وفقاً لموقع «عقار ماب»، التسعة آلاف جنيه، فيما يتراوح متوسط سعر المتر في أحياء مثل المهندسين والدقي بالجيزة بين 10 و12 ألف جنيه للمتر، ويزداد السعر في الأحياء الراقية، حيث يقترب من 22 ألف جنيه في الزمالك.
وأعلنت شركات التطوير العقاري عن بيع وحدات في العاصمة الإدارية الجديدة بأسعار تتجاوز العشرين ألف جنيه للمتر، ووصل السعر إلى 45 ألف جنيه للمتر في مدينة العلمين الجديدة.
بدوره، أكد الدمرداش أن «أسعار العقارات في مصر مبالغ فيها مقارنة بأسعارها في دول أخرى، أخذاً في الاعتبار المزايا الموجودة في مصر وفي هذه الدول»، مشيراً إلى أن «هناك حالة ركود في السوق العقارية المصرية، رغم كثرة الإعلانات عن مشروعات عقارية جديدة، حيث إن أسعارها لا تتناسب ومعظم فئات الشعب المصري، وهو ما يدفع القائمين على هذه الصناعة للبحث عن حلول تمويلية لتنشيط السوق».



تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
TT

تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس

بعد الانتشار المتزايد لفيروس «كورونا المستجد» في معظم أنحاء العالم، يحذّر خبراء الاقتصاد من التداعيات السلبية التي يشهدها الاقتصاد العالمي خصوصاً بعد الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول ومن بينها إغلاق الحدود وتعليق الرحلات الجوية والبحرية، وهو ما امتد بدوره إلى قطاع العقارات في مصر، حيث تشهد السوق العقارية في البلاد حالياً تراجعاً في نسب المبيعات، بالإضافة إلى إلغاء فعاليات ومؤتمرات تسويقية عقارية.
ويؤكد مستثمرون عقاريون مصريون من بينهم المهندس ممدوح بدر الدين، رئيس مجلس إدارة شعبة الاستثمار العقاري بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن «القطاعات الاقتصادية تشهد تباطؤاً وجموداً حاداً في الآونة الأخيرة، وهذا سيكون له تبعاته على سوق العقار»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أتوقع أن تخرج مصر من الأزمة سريعاً، وبأقل الخسائر نتيجة للإجراءات الاحترازية التي اتخذتها أخيراً للحد من انتشار المرض».
وشهدت سوق مبيعات العقارات في مصر «تراجعاً نسبياً منذ بداية أزمة كورونا»، وفق الخبير والمسوق العقاري محمود سامي، الذي قدّر «نسبة التراجع في مستويات البيع والشراء، بنسبة تتراوح من 20 إلى 30%، في بداية الأزمة، لتصل إلى 50% مع نهاية الأسبوع الماضي، مع اتخاذ مصر وعدد من الدول العربية إجراءات احترازية جريئة للحد من انتشار المرض».
ورغم أن مؤشرات الطلب على شراء العقارات التي تقاس وفق حجم الطلب على المواقع الإلكترونية المخصصة لبيع وشراء العقارات، لم تعكس هذا التراجع في شهر فبراير (شباط) الماضي، وفقاً لمؤشر موقع «عقار ماب» المتخصص في السوق العقارية، بعدما سجل ثبات مستوى الطلب على العقارات في شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير الماضيين، لكن المؤشر أوضح أنه «كان هناك تزايد في الطلب في النصف الأول من شهر فبراير، إلا أن هذا التزايد تراجع في الأسبوعين الأخيرين ليستقر المؤشر عند نفس معدل الشهر السابق»، ولا توجد إحصائيات واضحة عن شهر مارس (آذار) الجاري، والذي تفاقمت فيه أزمة «كورونا».
وعكس ما يؤكده المسوق العقاري محمود سامي، من وجود تراجع في نسب مبيعات العقارات في مصر، يقول الدكتور ماجد عبد العظيم، أستاذ الاقتصاد والخبير العقاري، أن «السوق العقارية في مصر لم تتأثر حتى الآن بأزمة (كورونا)»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ارتباط بين فيروس (كورونا) والعقارات، فمن يريد شراء شقة سيفعل ذلك»، مشيراً إلى أن «السوق العقارية المصرية تعاني من حالة ركود بدأت منذ نحو أربعة أشهر، وتظهر ملامحها في العروض التسويقية التي تقدمها شركات العقارات، ومن بينها زيادة عمولة المسوقين العقاريين، والإعلان عن تسهيلات في السداد تصل إلى عشر سنوات من دون مقدم، والدفعة الأولى بعد التسلم»، لافتاً إلى أن «حالة الركود هذه سببها الرئيسي زيادة المعروض، وارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه».
ورغم أن العاملين في التسويق العقاري لا ينكرون وجود حالة ركود في السوق، فإنهم يرون أن المسألة تزايدت مع الخوف من انتشار «كورونا»، حتى حدث «انكماش في السوق العقارية»، على حد تعبير سامي الذي أوضح أن «شركات التسويق العقاري تأقلمت مع حالة الركود، ونفّذت عمليات إعادة هيكلة وتقليص لعدد الموظفين والمقرات»، مضيفاً: «ما نشهده الآن مختلف، فهناك حالة شلل لم نشهدها من قبل إلا مع ثورتي 30 يونيو (حزيران) 2013، و25 يناير 2011. وإن كان ما نشهده حالياً أكثر حدة، فهناك إلغاء لحجوزات ومواعيد معاينات للوحدات العقارية، وتأجيل لقرارات الشراء بشكل عام حتى انتهاء الأزمة واتضاح الرؤية».
ولا يقتصر تأثير انتشار «كورونا» على حركة البيع والشراء في قطاع العقارات، بل من المتوقع أن «ينعكس التأثير على اقتصاد الشركات العقارية واستثماراتها» حسب بدر الدين، الذي أشار إلى أن «قطاع النفط تأثر بصورة كبيرة خصوصاً بعد إصرار منظمة (أوبك) على عدم تقليل إنتاجها، ليهبط سعر البرميل إلى أقل من 30 دولاراً، ما سبب خسائر للمستثمرين والصناديق العالمية، وترتبت على ذلك انخفاضات في أسعار مواد البناء وبالتالي فإن أي مستثمر لديه مخزون من هذه السلع، سيحقق خسائر بلا شك».
وتماشياً مع قرارات الحكومة المصرية إلغاء التجمعات، تم تأجيل مؤتمر ومعرض «سيتي سكيب مصر للتسويق العقاري»، الذي يعده الخبراء أحد أكبر معارض التسويق العقاري في مصر، والذي كان من المقرر عقده في منتصف الشهر الجاري، لتكتفي الشركات العقارية بالعروض التسويقية التي تقدمها وتعلن عنها إلكترونياً أو تلفزيونياً.
والتأجيل يحمي شركات العقارات من خسائر متوقعة، نظراً لصعوبة حضور العملاء، مما سيؤثر بشكل سلبي على صورة القطاع العقاري، حسب بدر الدين.
ويخشى العاملون في السوق العقارية من استمرار الأزمة فترة طويلة، وهو ما سيؤدي إلى خسائر كبيرة في القطاع، قد تضطر الشركات إلى عمليات إعادة هيكلة وتخفيض عمالة -على حد تعبير سامي- الذي قال إن «الشركات تأقلمت مع انخفاض المبيعات خلال الشهور الماضية، لكن لو استمر الوضع الحالي لمدة شهر، فالمسألة ستكون صعبة وقد تؤدي إلى إغلاق شركات وتسريح موظفين، حيث ستحتاج كل شركة إلى تخفيض نفقاتها بنسبة 40% على الأقل».
ورغم تأكيدات عبد العظيم أنه لا يوجد تأثير لأزمة «كورونا» على السوق العقارية حتى الآن، فإنه يقول: «إذا تفاقمت أزمة (كورونا) فستكون لها تأثيرات على جوانب الحياة كافة، ومنها العقارات»، وهو ما يؤكده بدر الدين بقوله إن «العالم كله سيشهد تراجعاً في معدلات النمو الاقتصادي».