المصالحات الهشة تسيّر اللعبة السياسية في لبنان

أولها بين «حزب الله» و«الوطني الحر»... وآخرها بين «الاشتراكي» و«الديمقراطي»

TT

المصالحات الهشة تسيّر اللعبة السياسية في لبنان

يزخر التاريخ اللبناني الحديث بكمّ من المصالحات بين القوى السياسية، التي لم يدم الكثير منها، لقيامها على أسس غير متينة، وبما تقتضيه المصالح الآنية للأحزاب والزعماء. فمنذ عام 2005 عرف لبنان تفاهمات سياسية كثيرة ومصالحات وُصف بعضها بـ«التاريخي»، كما كانت الكثير من الأحداث التي اتخذ جزء منها طابعاً دموياً تنتهي بتسويات تمهد لجلوس القوى السياسية المتصارعة إلى الطاولة نفسها تحت عنوان أن المصلحة العليا للبلاد تقتضي التلاقي.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه مصادر مطلعة على موقف «حزب الله» أن المصالحة الأخيرة في بعبدا لم تأتِ على حساب «قوى 8 آذار»، إنما على حساب جنبلاط الذي كان يسعى لإيقاف المسار القضائي كلياً، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «كان يحاول إحياء اصطفاف (14 آذار) بدعم أميركي لمحاصرة عهد الرئيس عون، وقد فشل بذلك»، تعتبر الدكتورة منى فياض، الأستاذة في علم النفس في الجامعة اللبنانية ببيروت، أنه «في الآونة الأخيرة كان الطرف المستقوي في لبنان، بإشارة إلى (حزب الله) وحلفائه، هو الذي يفرض إرادته وأجندته في أي تسوية كانت، لكن ما حصل أخيراً هو أن جنبلاط صمد في وجه الضغوط، وقد تدخلت واشنطن لدعمه، ما خلق نوعاً من التوازن الذي كان مفقوداً في الفترة الماضية».
وتشير فياض، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «البلد كان أمام خيارين؛ إما الانهيار، أو السير بتسوية جديدة تحفظ ماء وجه خصوم جنبلاط، لكنها لا شك لا تشبه التسويات الأخرى التي كانت ترسخ انتصارهم، وتنازل مكونات (14 آذار)».
ولعل آخر المصالحات التي سبقت مصالحة جنبلاط - أرسلان في بعبدا، كانت مصالحة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، التي رعاها البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي. فالزعيمان المسيحيان اللذان لطالما كانا ألد الأعداء نتيجة الأحداث الدموية في الحرب، قررا التلاقي لتحقيق بوقتها ما قالا إنها مصلحة مسيحية ووطنية، وقلب صفحة الماضي، فيما وضع أخصامهما هذا التلاقي في خانة السعي لمواجهة «التيار الوطني الحر»، ومنعه من الاستفراد بالساحة المسيحية.
ومن أبرز المصالحات والتفاهمات، التي لا تزال تسيّر الحياة السياسية في لبنان، هي مصالحة «التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل» في عام 2016، التي مهدت للتسوية الرئاسية التي أدت لوصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية. وطوى «الوطني الحر»، الذي لطالما حمّل «المستقبل» مسؤولية الوضع المالي الصعب الذي يرزح تحته لبنان، هذه الصفحة، فيما آثر الحريري التأكيد على كونه جزءاً من «العهد»، وبالتالي مسؤول عن إنجاحه.
كذلك شكلت المصالحة بين عون وجعجع في عام 2016 حدثاً تاريخياً، باعتبار أن الرجلين خاضا حرباً ضارية في عام 1990 أدت لمقتل وجرح المئات، وانتهت إلى نفي عون إلى باريس، وسجن جعجع طوال 11 عاماً. ولم يقتصر التقارب العوني - «القواتي» على المصالحة، إذ وقع الطرفان في العام نفسه اتفاقاً سياسياً تبنى على أساسه جعجع ترشيح عون إلى الرئاسة. إلا أن هذا الاتفاق سقط بعد اختلاف الفريقين على ترجمة باقي بنوده، بعد رفض «الوطني الحر» تقاسم المقاعد الوزارية المسيحية مناصفة مع «القوات». ولعل أبرز ما حققته هذه المصالحة نجاح عون في تبوء سدة الرئاسة، فيما أمنت لجعجع أرضية صلبة ليطالب بعد 4 سنوات بخلافة عون.
وبخلاف مصالحة «الوطني الحر» - «القوات»، التي تبدو اليوم هشة أكثر من أي وقت مضى، رغم إعلان طرفيها التمسك بها، صمد تفاهم «الوطني الحر» مع «حزب الله» المستمر منذ عام 2006. وقد سمح هذا الاتفاق لـ«حزب الله» بالحصول على غطاء مسيحي واسع، سواء في الداخل اللبناني أو أمام المجتمع الدولي، فيما أتاح وصول العماد عون إلى سدة الرئاسة بعد تمسك الحزب بترشيحه طوال عامين ونصف العام.
درزياً، لم تستقر علاقة المكونات الدرزية فيما بينها في السنوات الماضية. فجنبلاط وأرسلان اللذان كانا اتفقا على تحييد ساحتهما عن الصراعات الداخلية، وصراعات المنطقة، لم ينجحا طويلاً في التمسك بسياسة ربط النزاع، ما أدى لانفجار الأمور بينهما على خلفية حادثة قبرشمون. وبعد أن كان الكباش على أوجه بين أرسلان ورئيس حزب «التوحيد العربي» وئام وهاب في الانتخابات النيابية الأخيرة، عاد الرجلان ليتكاتفا أخيراً في مواجهة جنبلاط.



مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.