طرابلس تتجاهل معاناتها وتحتفي بالعيد على وقع هدنة «هشة»

آلاف الليبيين خرجوا للصلاة... وآخرون يتفقدون منازلهم المُهدمة

ليبيون يستمعون لخطبة العيد في ميدان الشهداء بطرابلس، بينما أسرة ليبية تلتقط صورة سيلفي (أ ف ب)
ليبيون يستمعون لخطبة العيد في ميدان الشهداء بطرابلس، بينما أسرة ليبية تلتقط صورة سيلفي (أ ف ب)
TT

طرابلس تتجاهل معاناتها وتحتفي بالعيد على وقع هدنة «هشة»

ليبيون يستمعون لخطبة العيد في ميدان الشهداء بطرابلس، بينما أسرة ليبية تلتقط صورة سيلفي (أ ف ب)
ليبيون يستمعون لخطبة العيد في ميدان الشهداء بطرابلس، بينما أسرة ليبية تلتقط صورة سيلفي (أ ف ب)

أدى آلاف الليبيين صلاة عيد الأضحى، أمس، في الميادين والساحات العامة، متجاهلين تداعيات الحرب الدامية، التي دامت أكثر من أربعة أشهر في العاصمة طرابلس، وأريقت فيها دماء كثيرة، كما اتجهت مئات الأسر النازحة لتفقد منازلهم التي تهدمت خلال الاشتباكات المسلحة في مناطق جامع التوغار ببلدية السواني وعين زارة ووادي الربيع جنوب غربي العاصمة، وبملابس بيضاء غلب عليها الزي الشعبي، اصطف مئات المصلحين في ساحة ميدان الشهداء بالعاصمة، يؤدون الصلاة وينصتون لسماع خطبة العيد، التي تطرقت في جوانب منها إلى التضحية والفداء في سبيل الله، والتسامح بين الجميع، فيما كان الأطفال الذين أتوا مع رفقائهم وآبائهم يلهون على أطراف الميدان، ووسط المصلين.
وبدا من المشهد الصباحي، الذي غلفته مشاعر مختلطة، أن الليبيين يبحثون عن البهجة ولو مؤقتة، وسط ركام من الأحزان خلفتها الحرب، التي قُتل فيها أكثر من 1100 شخص، ونزح قرابة 24 ألف أسرة من منازلهم، التي تعرض بعضها للنهب والتدمير. وعبرت روفيدا الزووي، عن فرحتها بالعيد، خاصة بعد هدنة إنسانية، ترعاها البعثة الأممية، لوقف الحرب مؤقتاً بين طرفي النزاع، وقالت لفضائية محلية، أمس: «جئنا للصلاة، بعد إسكات أصوات المدافع ونأمل بأن تدوم طويلاً، أطفالنا يلهون من حولنا في هذا اليوم المبارك ولا نخاف عليهم». ووافق «الجيش الوطني» وحكومة «الوفاق» على «هدنة إنسانية» مؤقتة، دعت إليها البعثة الأممية، حتى تتمكن الأسر الليبية من الاحتفال بعيد الأضحى. وقال الشيخ محمد أبو رويين، إنه استغل الهدنة، وذهب لتفقد منزله في وادي الربيع، (14 كيلومتراً من العاصمة) وبقدر تعبيره عن سعادته بوصوله إلى بيته ثانية، لكنه حزن كثيراً بسبب «نهب جميع محتوياته»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «بعض حوائط المنزل تضررت بالقصف المدفعي العشوائي، وجميع محتويات بيته سُرقت». ونوه إلى أن غالبية الذين كانوا قد نزحوا عن منازلهم لم يأخذوا معهم أي متعلقات أو احتياجات شخصية أو عائلية وتركوها وراءهم، وفروا بأبنائهم من ضرب النيران، مستكملاً: «سنضطر أنا وكثير من الأسر إلى مغادرة أحواشنا آخر اليوم، ونعود مرة ثانية إلى مراكز إيواء النازحين، التي أقامتها بعض البلدات»، شرق العاصمة.
وتسببت المعارك منذ اندلاعها في الرابع من أبريل (نيسان) الماضي، في إصابة 5100 شخص بجروح بينهم مدنيون، وزاد عدد النازحين على 120 ألف شخص. ولم تتوقف معاناة المواطنين النازحين عند تهدم بيوتهم ونهبها، لكن اضطرتهم الظروف الاقتصادية الطاحنة إلى الإقامة في مدارس شاغرة ومصانع مُعطلة لعدم توفر المال اللازم لإنفاقه على شقة مستأجرة، خاصة بعد تضاعف الأسعار على خلفية عملية النزوح الواسعة لسكان المنطقة الجنوبية.
ومشاهد تجمع المصلين وخروجهم بالآلاف مصحوبين بأسرهم لم تختلف في أنحاء البلاد عنها في ميدان الشهداء بالعاصمة، إذ شهدت الميادين والساحات في مدينة بنغازي (شرق البلاد) الأجواء نفسها، حيث توافد المئات منذ الصباح الباكر إلى الخلاء لأداء صلاة العيد.
وبموازاة شكاوى النازحين من تعرضهم لعمليات استغلال من تجار وسماسرة ضاعفوا أسعار الشقق الخاصة، دافعت حكومة «الوفاق» برئاسة فائز السراج عن نفسها، وقالت إن لجنة الطوارئ التي شكلتها إثر اندلاع المعارك قبل أكثر من أربعة أشهر، تبذل أقصى ما بوسعها للاستجابة لكل المتطلبات بعد نزوح آلاف العائلات. وكان عضو لجنة الطوارئ عبد الباري شنبارو، قال في مؤتمر صحافي عقده بمقر الحكومة في طرابلس، إنه «منذ تشكيل اللجنة استطاعت حلحلة كثير من المشاكل، وعملت كطرف مساعد لإيجاد الحلول المناسبة التي ترتبت جراء العدوان على طرابلس، وما خلفه من مختنقات مثل انقطاع الكهرباء والنقص في إمدادات المياه وغيرها من الخدمات»، مشيرا إلى تخصيص حكومة «الوفاق» مبلغ 10 ملايين دينار لتدبير مساكن ونقل العائلات النازحة القاطنة في المدارس إليها. ويقطن معظم النازحين في المدارس والمقار الحكومية الشاغرة، لكن معظمها يعاني من تدني الخدمات الصحية، والطبية إضافة إلى اكتظاظ النازحين إليها.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».