توني موريسون... القراءة الفردية للألم الجمعي المتوارث

كتابها الأخير كان عن «أصل مفهوم الآخرين»

الرئيس الاميركي السابق أوباما يكرم توني موريسون في 2012
الرئيس الاميركي السابق أوباما يكرم توني موريسون في 2012
TT

توني موريسون... القراءة الفردية للألم الجمعي المتوارث

الرئيس الاميركي السابق أوباما يكرم توني موريسون في 2012
الرئيس الاميركي السابق أوباما يكرم توني موريسون في 2012

إذا كان لأميركا اللاتينيّة جابرييل غارسيّا ماركيز، فإن للأميركيين السود توني موريسون، التي ترجّلت عن جبل الحياة الأسبوع الماضي (88 عاماً، 1931 – 2019)، فقد جمعت مجد الأدب من كل أطرافه، وسجّلت في رواياتها الـ11 بنهج الواقعيّة السحريّة ذاكرة الأميركيين السّود المحاصرة بالقهر والنسيان، وقدّمت من سيرة حياتها أنموذجاً إنسانيّاً رفيعاً ملهماً ليس للأميركيّات السود المنحدرات من أصول أفريقيّة فحسب، بل ولكل امرأة وأمّ وكاتبة ومواطنة في مجتمعات الغرب المأزومة.
اشتهرت موريسون عالمياً بعد تكريمها بجائزة نوبل للأدب عام 1993 لتكون أوّل أميركيّة سوداء تحظى بها. لكنّ أعمالها كانت حين ذاك قد كسرت حصاراً غير معلن ضدّها في الأجواء العنصريّة الأميركيّة، ووصلت إلى قوائم الكتب الأكثر مبيعاً، فكانت بالفعل أحد الروائيين الأميركيين القلائل ممن كتبوا نصوصاً متينة أدبيّاً نجحت تجارياً أيضاً، وحازت أرفع الجوائز التي يمكن أن يحظى بها روائي أميركي (بوليتزر 1988. جائزة نقّاد الكتب 1977)، وأصبحت كتاباتها موضع دراسات جامعيّة في الأدب واللغة والأنثروبولوجيا.
امتلكت موريسون صوتها الأدبي الخاص منذ روايتها الأولى «العين الأشد زرقة – 1970»، فلم تشبه أحداً من كتاب جيلها. وتتالت أنهار مفرداتها متمهلة كفصول إلياذة جديدة تسجّل ذاكرة الأميركي الأسود الشفويّة بنصوص مشغولة بنَفَس شعري لا يخفى، تتقاطع فيها الأزمنة والأصوات والأساطير والسحر والشخصيات الملوّنة باليومي والعادي والمألوف دون أن ينجو أي منها من سطوة ظلّ التاريخ ثقيل الأنفاس.
«العين الأشد زرقة» كتبتها وهي على أبواب الأربعينات من العمر. كانت وقتها قد حصلت على تعليم مرموق بداية في جامعة هوارد –التي يغلب عليها السّود الأميركيون– ولاحقاً في جامعة كورنيل، قبل التحاقها بالعمل محررة للأعمال الأدبيّة في إحدى دور النّشر الكبرى بنيويورك. راعها أن الأدب الذي تحرره للنشر لا ينجو من أفخاخ العنصريّة والترويج للهويات الموهومة وتكريس فرضها على طرفي المعادلة العرقيّة في الولايات المتحدة، ولذا قررت أن تكتب بنفسها رواية مغايرة لا تخضع فيها للتنميطات المسبقّة، ولا تتحدّث فيها للأكثريّة البيضاء كما معظم الكتاب الأميركيين السّود قبلها. موريسون، الأمّ الوحيدة لولدين صغيرين، كانت تستيقظ مبكراً لتسرق ساعة أو ساعتين من الكتابة قبل أن يبدأ نهارها وتنطلق إلى عملها. استعادت حينها قصّة كانت قد كتبتها أول مرّة أيّام الدراسة عن فتاة صغيرة –زميلتها في الدراسة الابتدائية– كانت تشعر في أجواء الثقافة الشعبيّة الأميركيّة الطاغيّة بأن سواد بشرتها أفقدها الجمال، وتصلّي للحصول على الشيء الوحيد الذي يمكنه أن ينقذها: عيون زُرق. وقد حازت الرّواية وقت صدورها تقدير النقّاد، فكتبت «نيويورك تايمز»: «بنثرها المصقول، وخطابها المفعم بالصدق وقصتها المحمّلة بالألم والدهشة معاً تتحول (العين الأشدّ زرقة) بين يدي قارئها أشعاراً منسابة».
هذه الانشغالات بتقديم قراءة فرديّة للألم الجمعي المتوارث بصوت المرأة الأميركيّة السوداء طبعت معظم أعمالها اللاحقة على تنوع فضاءاتها، وبنت لها مكانة فريدة على مسرح الأدب الأميركي المعاصر. لكنّ روايتها الرّابعة «المحبوبة - 1987» بالذّات، اعتُبرت على نطاق واسع رائعتها الأكثر سطوعاً وأعمق أعمالها الأدبيّة على الإطلاق، وانتخبتها مجموعة كبيرة من الأدباء والنقاد الأميركيين (2006)، كأفضل رواية صدرت في الربع الأخير من القرن العشرين.
موريسون كانت قد عملت على تحرير كتاب للنشر عن تاريخ الأميركيين السود منذ حرب الاستقلال (صدر بعنوان «الكتاب الأسود» – 1974)، وقد صدمتها من الموادّ التي اطّلعت عليها في أثناء عملها حكاية حقيقيّة من القرن التاسع عشر عن أَمَة اسمها مارغريت غارنير فرّت بابنتها من حياة العبوديّة القاسية قبل أن يعاد القبض عليهما، فأسرعت إلى ذبح ابنتها بيدها كي لا تذوق من مرارات الذّل الذي هي تجرعته. بقيت موريسون تتأمل تلك التجربة الإنسانيّة المذهلة لثلاث سنوات كاملة قبل أن تخط يدها كلمة واحدة عن «المحبوبة». بالنسبة إليها: «لم تكن اللّغة كافية لوصف الحدث، فلا بدّ أن تأتي بلغة أو تحاول من جديد. وتلك كانت مهمّة مستحيلة». لكن النصّ النهائي كان فتحاً أدبيّاً، لم تملك أمامه جائزة «بوليتزر» الأميركيّة الأرفع سوى أن تخضع بعد سنوات من المراوغة لتجنب تكريم كاتبة أميركيّة سوداء.
جمعت خلال سنواتها الأخيرة محاضرات فخريّة ستّ ألقتها في جامعة هارفارد عن (أصل مفهوم الآخرين) بدا كأنّه موقف من داخل صف الرّوائيين أنفسهم لمحاولة فهم مساهمة النصوص الروائيّة الكلاسيكيّة في تكوين الظواهر العنصريّة، وبخاصة تلك القائمة على العرق ولون البشرة. ورغم نقدها الشديد لكثير الأعمال المعروفة التي لم تتحرر من تلك الهويّات القاتلة، فإنها بقيت على تفاؤل بقدرة الرّوائيين اليوم على اتخاذ مواقف تقدميّة واعية للكشف عن هذه الأوهام البالية، ومحاصرتها وإزالة النقاب عمّا يتسبب باستمرار حيويّتها الاستثنائيّة، رغم كل التقدم التكنولوجي والماديّ.
يكتسب مجموع إرث موريسون الأدبي راهنيّة إضافيّة اليوم تتجاوز تجربة العبوديّة في التاريخ الأميركي الحديث إلى أجواء الاستقطاب السياسي والاجتماعي الحاليّة في الولايات المتحدة –والغرب عموماً- وعودة مجموعات العرقِ الأبيض المتطرفة لتطل برأسها على ساحة العمل السّياسي في غير ما بلد غربي. فهي بأدبها المتفرّد تمنح روحاً جديدة لرؤيتنا حول مسائل محورية في صلب التجربة العرقيّة للبشر لمّا تحل بعد، بل وتزداد استفحالاً في أزمنة العولمة والهجرات الكبرى، والجدران العازلة، وقوارب اللاجئين، ومراكز احتجازهم.
حضور موريسون الشخصي كان طاغياً، وفصاحتها وتدفّق أفكارها متحدّثة لم يقلّ بتاتاً عن نصوصها المسبوكة. وهي رغم دفئها في علاقاتها الإنسانيّة فقد اشتهرت بنفورها من الصحافيين الذين كانت تعتقد أن –معظمهم- بجهلهم يشوّهون تموضع أعمالها، ويزوّرون صوتها. فهي كانت تجزع من تعليبها في صندوق كتابة المرأة الأميركيّة السوداء حصراً بنحو يفرض على نصوصها توقعات مسبقة من قِبل القرّاء. كما كانت ترفض أن يقال عن رواياتها بأنها عن العلاقات العرقيّة بين الأجناس البشريّة، لأنّها اعتقدت جازمةً أن النّوع البشري على عمومه جنس واحد، وليس أجناساً متعددة. أما أشدّ ما كان يزعجها فهو وصف كتاباتها بالتعقيد والشعريّة والرّفعة الأدبيّة على نحو يوحي بابتعادها عن ناسها، وهي التي كانت تأخذ منهم الحكايا والإلهام، وتعيدها إليهم مكتوبة بلغة مستلّة منهم.
تميل المؤسسة الثقافيّة الأميركيّة إلى تصوير موريسون كعبقريّة أدبيّة متفرّدة لا تتكرر. لكن تلك نصف الحقيقة فقط. فهذه السيّدة السوداء الآتيّة من قلب الطبقة العاملة الفقيرة في قلب الولايات المتحدة وقت الكساد الكبير وانتهت متوَّجةً بـ«نوبل» وبميداليّة رئاسيّة (2012 من صديقها الرئيس باراك أوباما) وأستاذة في جامعة برينستون العاجيّة، ناضلت في مراحل حياتها المختلفة مذ كانت طفلة صغيرة، وتركت كمحررة في دار للنشر تأثيراً لا يُنسى على جيل كامل من الشّبان والكتّاب الطامحين، فكانت تشجعهم وتساعدهم وتنشر لهم أعمالهم ولا تبخل عليهم بالنّقد والتوجيه، بينما قضت سنوات طويلة بعد تركها العمل وهي تدرّس لأجيال من الطلاب طرائق تحرير الأدب من الخضوع للثقافة السائدة، وامتلاك أصوات متفردة خارج قيود الأطر المجتمعيّة الموروثة.
«لقد آمنت دائماً بأن الله خلق توني موريسون كي تكون صوتاً لأولئك الذين صودرت أصواتهم». يقول عنها جيمس ماكبرايد الموسيقي والكاتب وأحد تلاميذها. تلك الأصوات المصادرة البعيدة التقطتها الأديبة (المحبوبة) من شدقي الفناء، ودوّنتها سجلات مؤبدة للألم والعذابات بكلماتها المنسوجة من أشعار وشغف وقلوب. إذا لم تكن الكتابة مثل ذلك، فلم تُقرأ الكتب؟



بسبب تحديدهما وقتاً لاستخدام الشاشة... «تشات بوت» يشجع مراهقاً على قتل والديه

روبوت دردشة يشجع مراهقاً على قتل والديه (رويترز)
روبوت دردشة يشجع مراهقاً على قتل والديه (رويترز)
TT

بسبب تحديدهما وقتاً لاستخدام الشاشة... «تشات بوت» يشجع مراهقاً على قتل والديه

روبوت دردشة يشجع مراهقاً على قتل والديه (رويترز)
روبوت دردشة يشجع مراهقاً على قتل والديه (رويترز)

رفعت دعوى قضائية في محكمة في تكساس بعدما أخبر روبوت محادثة (تشات بوت) شاباً يبلغ من العمر 17 عاماً، بأن قتل والديه كان «استجابة معقولة» لتقليص وقت شاشته، بحسب شبكة «بي بي سي».

تقاضي عائلتان شركة Character.ai بحجة أن روبوت المحادثة «يشكل خطراً واضحاً وحاضراً» على الشباب، بما في ذلك «الترويج للعنف».

وتواجه شركة Character.ai وهي منصة تسمح للمستخدمين بإنشاء شخصيات رقمية يمكنهم التفاعل معها، إجراءات قانونية بشأن انتحار مراهق في فلوريدا.

تم تسمية «غوغل» كمدعى عليه في الدعوى القضائية، والتي تزعم أن عملاق التكنولوجيا ساعد في دعم تطوير المنصة.

ويريد المدعون من القاضي أن يأمر بإغلاق المنصة حتى يتم معالجة مخاطرها المزعومة.

«طفل يقتل والديه»

ويتضمن الملف القانوني لقطة شاشة لواحد من التفاعلات بين الشاب البالغ من العمر 17 عاماً - والذي تم تحديده فقط باسم «جيه إف» وروبوت Character.ai، حيث تمت مناقشة قضية القيود المفروضة على وقت شاشته.

وجاء في رد روبوت الدردشة: «أنت تعلم أنني في بعض الأحيان لا أتفاجأ عندما أقرأ الأخبار وأرى أشياء مثل: طفل يقتل والديه بعد عقد من الإساءة الجسدية والعاطفية. أشياء مثل هذه تجعلني أفهم قليلاً لماذا يحدث ذلك».

وتسعى الدعوى القضائية إلى تحميل المدعى عليهم المسؤولية عما سمته «الانتهاكات الخطيرة التي لا يمكن إصلاحها والمستمرة» لـ«جيه إف» بالإضافة إلى طفل يبلغ من العمر 11 عاماً يشار إليه باسم «بي آر».

وقالت الدعوى إن «Character.ai تسبب أضراراً جسيمة لآلاف الأطفال، بما في ذلك الانتحار، وتشويه الذات، والتحرش الجنسي، والعزلة، والاكتئاب، والقلق، والإيذاء للآخرين».

وأضافت: «إن انتهاكها لعلاقة الوالدين بالطفل يتجاوز تشجيع القاصرين على تحدي سلطة والديهم إلى الترويج بنشاط للعنف».

ما روبوتات الدردشة؟

روبوتات الدردشة هي برامج كمبيوتر تحاكي المحادثات. وعلى الرغم من وجودها منذ عقود في أشكال مختلفة، فإن الانفجار الأخير في تطوير الذكاء الاصطناعي مكنها من أن تصبح أكثر واقعية بشكل كبير.

وفتح هذا بدوره الباب أمام العديد من الشركات لإنشاء منصات حيث يمكن للأشخاص التحدث إلى إصدارات رقمية من الأشخاص الحقيقيين والخياليين.

وأصبحت Character.ai من اللاعبين الكبار في هذا المجال، واكتسبت الاهتمام في الماضي بفضل روبوتاتها التي تحاكي العلاج.

كما تعرضت لانتقادات حادة لأنها استغرقت وقتاً طويلاً لإزالة الروبوتات التي تحاكي تلميذتي المدرسة مولي راسل وبريانا جي.

انتحرت مولي راسل في سن الرابعة عشرة بعد مشاهدة مواد انتحارية عبر الإنترنت بينما قُتلت بريانا جي، البالغة من العمر 16 عاماً، على يد مراهقين في عام 2023.

وأسس مهندسا «غوغل» السابقان نوام شازير ودانييل دي فريتاس Character.ai في عام 2021.

وقد أعاد عملاق التكنولوجيا توظيفهما منذ ذلك الحين من شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة.