النبوءة البابلية والكتابة على الجدران

فتاة تفتش جندي
فتاة تفتش جندي
TT

النبوءة البابلية والكتابة على الجدران

فتاة تفتش جندي
فتاة تفتش جندي

في رواية السفاح الأعمى، وهي رواية طويلة فازت بجائزة «المان بوكر» عام 2000، للروائية الكندية مارغريت أتوود، التي ترجمتها إيمان أسعد، وصدرت عن دار نشر «كلمات» عام 2018، جاءت هذه العبارة: «كم يؤمنون بالملائكة في تلك الأرجاء، بيد أنه في واقع الأمر الملائكة لا تكتب كثيراً. هي تدوّن الخطايا وأسماء الطالحين والصالحين، أو تتجلى على هيئة أياد مبتورة تخربش التحذيرات على الجدران». تقول مترجمة الرواية إيمان إنها شعرتْ أن الأيادي المبتورة استعارة أدبية لها مرجعية دينية أو فلكلورية، لكنها لم تستدل عليها إلا لاحقاً بالصدفة، حينما كانت تقرأ «حكايات كنتربري»، وهي أربع وعشرون حكاية شعرية من القرون الوسطى للكاتب الإنجليزي جيفري تشوسر، نشرت غير مكتملة عام 1400 نتيجة وفاة الكاتب. وفي الصفحة 195 وما تلاها، استدلتْ المترجمة على قصة الأيادي المبتورة المستوحاة من وليمة بلشصر في سفر دانيال من العهد القديم.
لكن الثيمة معروفة فنياً، وتحديداً من لوحة «وليمة بلشصر»، للفنان الهولندي رامبرنت المولود في مدينة لايدن عام 1606، والمتوفى في أمستردام عام 1669، والذي عاش حياة مضطربة بين غنى وفقر ونجاح وفشل وفقدان، لكنه ظل مؤمناً بتفرده الفني واختلافه عما هو مألوف في زمانه.
أعود إلى اللوحة التي رسمها رامبرنت بين الأعوام (1635 - 1638)، والتي وقفت أمامها مرات لا حصر لها، وهي من مقتنيات «الناشيونال غاليري» في لندن: في «وليمة بلشصر»، يحاول رامبرنت ترسيخ نفسه كرسام للمشاهد التاريخية المستلهمة من العهد القديم، وفيها يمثل الملك بلشصر آخر الملوك البابليين، وهو ابن الملك نبونئيد وحفيد نبوخذنصر الملك البابلي الذي غزا أورشليم، وقضى على سلالة داود، واستولى على خزائنها في المعابد، وجلب سكانها أسرى إلى بابل. الحفيد بلشصر في اللوحة يقيم مأدبة للنبلاء ولزوجاته وجواريه، يشربون النبيذ في الكأس المقدسة التي غنمها نبوخذنصر من «بيت إيل»، لكنهم بدل شكر الله وتمجيده، يمجدون آلهة الخمر والذهب والفضة. وفي غمرة احتفالهم، تظهر لهم يد مبتورة تخربش نبوءات بلغة غير مفهومة على الحائط. يستدعي الملك حكماء بابل لتفسير الكلمات، لكنهم يفشلون (لا أدري لماذا لم يتمكن حكماء بابل من قرأتها!)، ثم يُستدعى دانيال، وهو أحد أنبياء بني إسرائيل في الأسر، وكان قد استعين به من قبل الملك نبوخذنصر ليفسر له الكلمات، وهي (مينه، مينه، تكيل، أوفراسين). والتفسير كما يأتي: (مينه وتعني عدَّ)، ومعناها عدَّ الله أيام ملكك ووصلت إلى نهايتها. (تكيل وتعني كَيّل)، ومعناها كُيّلتْ أعمالك وكان ميزانك منقوصاً. (أوفراسين وتعني قُسمتْ)، ومعناها ستُقسم مملكتك بين الفرس والمديين. أمر الملك بلشصر بمكافأة سخية لدانيال، وتسميته الرجل الثالث في المملكة. وفي تلك الليلة، مات بلشصر، وقسمت الإمبراطورية البابلية بين الفرس والمديين. هناك تناقضات في القصة التوراتية، لعلّ أبرزها هو لماذا فشل حكماء بابل في قراءة النبوءة مثلاً وهم العارفون باللغات والحكمة القديمة؟!
نعود إلى لوحة رامبرنت الذي عاش في حارة اليهود في أمستردام، وقد كتب الكلمات التحذيرية على الحائط (خلفية اللوحة) بالعبرية، مستعيناً بكتاب أعاره له صديقه الفنان والراباي ميناسي بن إسرائيل. لكن رامبرنت، ورغم براعة ودقة التفاصيل في اللوحة، قد ارتكب خطأين في رسم الكلمات العبرية، الأول خطأ في أحد الحروف، والثاني أنه رتب الكلمات بأعمدة، وفاته أن العبرية تكتب بصفوف من اليمين إلى اليسار، وليس عمودياً.
مبعث الضوء وبؤرة تكثفه في اللوحة هو النبوءة التي خطتها اليد، والتي سببت فزع الملك ونظرته الذاهلة، وذهول كل من حوله. ورغم الحركة الطاغية للضوء المنعكس على رداء الملك في تفاصيل اللوحة المتمثلة بنصف استدارة للملك الذي تمكن رامبرنت من تقمص ذعره تماماً، وألبسه عمامة مستوحاة من لبس الهنود الذين شاهدهم في مرفأ أمستردام، وأرجحَ قلادته نتيجة الاستدارة والذهول الذي سبب انسكاب الماء من الكأس المقدسة وفزع كل الشخوص، فإن اللوحة، ربما هنا يكمن سرّها، عبارة عن تناقض بين اليد المبتورة لكنها المطمئنة الواثقة التي تكتب النبوءة وبين الأيادي المكتملة المذعورة المتضرعة لباقي الشخوص.
هناك لوحة أخرى بالعنوان والمعنى ذاته (مأدبة بلشصر)، عُرضت لأول مرة عام 1821، للرسام الإنجليزي جون مارتن (1789 - 1854) الذي اشتهر بلوحاته الضخمة ومواضيعه التاريخية والإنجيلية، وحازت هذه اللوحة على الجائزة الأولى في المعهد الفني البريطاني، وهي لوحة بانورامية، لا يخطئ الناظر إليها أنها تمثل بابل التي يظهر برجها وحدائقها المعلقة وزقوراتها في خلفية اللوحة. تصور اللوحة باحة ملكية محاطة بأعمدة ضخمة، مليئة بالجمهور البابلي في حالة احتفال. وهي على خلاف لوحة رامبرنت، فالشخصية المحورية فيها هو النبي دانيال، وليس الملك بلشصر الذي ينزوي مذعوراً في الزاوية اليمنى، وهذه اللوحة هي الثانية بين ثلاث لوحات رسمها جون مارتن وتتناول التراث الرافديني: اللوحة الأولى سقوط بابل 1817، والثالثة سقوط نينوى 1828. وقد استلهم لوحاته من مناقشة مستفيضة مع الفنان الشاعر الأميركي واشنطن أليسون، حينما كان الأخير يدرس في الأكاديمية الملكية للفن في لندن.
«وليمة بلشصر» استُلهمتْ في الموسيقى، منها: «أوراتوريو بلشصر - 1744» (وهي سمفونية ذات طابع ديني) لجورج هاندل، وأوبرا بعنوان «سقوط بلشصر - 1812» للموسيقار الإيطالي روسيني، وكانت عنواناً لأغنية وضع موسيقاها روبرت شومان عام 1840، من كلمات الشاعر الألماني هاينرش هاينه، ومقطوعة موسيقية من تأليف الموسيقار الفنلندي سبيليوس عام 1908، وأوراتوريو للموسيقار البريطاني ويليم والتن عام 1931.
واستلهم الشعراء «وليمة بلشصر»، كما في قصيدة اللورد بيرون «رؤيا بلشصر»، وقصيدة لإميلي ديكنسون «رسالة إلى بلشصر»، وقصيدة روبرت فورست «رسول الشر».
وفي الرواية: رواية «بلشصر» للكاتب الرحالة الإنجليزي رايدر هاغرت عام 1930. كما ظهرت الثيمة في أحد فصول رواية الكاتب القوقازي فيصل إسكندر «ساندور من تشيجيم».
الكتابة على الجدران هي أيضا ثيمة أدبية مألوفة، ومصدرها «وليمة بلشصر» من سفر دانيال من العهد القديم، وكانت عنواناً لعدد من الروايات الأدبية، منها كتاب وزير الخارجية الهنغاري السابق ميكلوس بانفي «الكتابة على الجدران... حكايات من ترانسلفانيا - 1930»، ورواية «الكتابة على الجدران - 2005» للروائية الأميركية المعاصرة لين شارون شوارتز. كما كانت موضوعاً لعدد كبير من الأغاني.
لكن مصطلح الكتابة على الجدران يحيلنا أيضاً إلى فن الغرافيتي الذي انتشر في ستينات القرن الماضي في مدينة نيويورك، متأثراً بفن الهيب هوب، ونشط - وما زال - مع الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وغالباً يبقى فنان الغرافيتي مجهول الهوية. وقد تطورت الكتابة على الجدران إلى فن شعبي يمثل نصوصاً سردية وصورية تكون معبأة غالباً بدلالة نقدية، أو رفض لظواهر وأزمات تمس الإنسان. ولا تكاد تخلو زاوية من زوايا المدن وجدرانها منه، فقد أصبح جزءاً من الحياة اليومية للمدينة، وله فنانوه المشهورون، مثل الفنان الناشط السياسي المخرج بانكسي البريطاني، وهو لا يزال مجهول الهوية، لكن رسوماته شوهدت على جدران مدن كثيرة، مثل بريستول ولندن والضفة الغربية، وعلى الجدار العازل، ولوحاته تلاقي رواجاً كبيراً، والفنان الإيراني المسمى «اليد السوداء»، وهو لا يزال مجهول الهوية والجنس، والفنان المصري مجهول الهوية جيكو الذي كان له دور بارز في أثناء وبعد الثورة المصرية عام 2011.



عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)
عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)
TT

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)
عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس، وإن الاستقبال الذي حظي به في المهرجانات السينمائية مهد طريقه إلى الجمهور مع بدء عرضه في دور السينما بمصر والدول العربية.

وأكد الفنان الشاب في حواره مع «الشرق الأوسط» أن علاقته بالكلب «رامبو» مرت بمراحل عدة وأنه ظل يتدرب معه طوال 4 أشهر حتى أصبحا صديقين، مشيداً في الوقت نفسه بالعمل مع المخرج خالد منصور الذي أدار العمل بحرفية، ولفت إلى أنه يحب العمل مع مخرجين في تجاربهم الأولى؛ حيث يكون لديهم الشغف والرغبة في تحقيق الذات.

ويعد فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» أولى بطولات عصام عمر السينمائية، بعدما بدأ مشواره في المسرح ممثلاً ومخرجاً، كما شارك في مسلسلات تلفزيونية عدة، من بينها «في بيتنا روبوت»، و«الآنسة فرح»، و«منورة بأهلها»، غير أن الجمهور تعرف عليه بشكل أكبر من خلال مسلسل «بالطو»، الذي أدى فيه دور طبيب حديث التخرج يواجه ظروفاً صعبة أثناء انتدابه للعمل بإحدى القرى، وهو العمل الذي كشف عن حضوره وموهبته، وفق نقاد.

الفنان عصام عمر خلال مشاركته ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر (حسابه على فيسبوك)

ويصف الفنان المصري لحظة تلقي سيناريو الفيلم بـ«الفارقة»، وأضاف: «أحببت الفيلم لأنني أميل لهذه الأدوار التي تروي حكايات الناس، وفي السينما عندنا يقومون بتصنيف الأفلام يقولون إن بعضها (أرت هاوس)؛ أي تعني أفلاماً فنية لا تحقق إيرادات، وهناك أفلام تجارية تحقق إيرادات، وكأن الأموال هي معيار كل شيء، لكنني حين قرأت سيناريو الفيلم شعرت بأنه حقق كل شيء على مستوى الكتابة الجيدة ورسم الشخصيات، فهو عمل يمزج بين المتعة وجودة المستوى الفني والقصة الشيقة».

الرحلة التي قطعها الفيلم بين المهرجانات الكبرى كان عصام عمر شاهداً عليها، ومع بداية عرضه الافتتاحي في مهرجان «فينسيا السينمائي» الـ81 أعاد العمل السينما المصرية إلى هذا المهرجان العريق بعد غياب، إضافة إلى أنه حظي باستقبال لافت في العروض الثلاثة له، وفي عرضه العربي الأول بمهرجان البحر الأحمر السينمائي خلال دورته الرابعة حيث حاز الفيلم دعماً من المهرجان، وشارك بمسابقة الأفلام الطويلة، ليتوج بجائزة لجنة التحكيم الخاصة.

الفنان المصري عصام عمر بطل فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» (حسابه على فيسبوك)

وفي مهرجان قرطاج شهدت عروض الفيلم حضوراً مميزاً من الجمهور، حيث يقول عصام: «كنا سعداء بكل ما تحقق للفيلم من نجاح أمام الجمهور العربي والأجنبي الذي أحبه وأشاد به، والآن نتطلع ليحقق نجاحاً مماثلاً أثناء عرضه في دور السينما بمصر والدول العربية، وأنا واثق بأن هذه المهرجانات ستمهد طريقه للجمهور في كل مكان».

ويرى عمر أنه «ليس مطلوباً من الأفلام أن تقدم رسائل طول الوقت، وسواء كان العمل دراما اجتماعية أو كوميدية أو أي نوع آخر، فلا بد أن يشعر المشاهد بشيء، وهذا ما حدث معي وأنا أقرأه، وحتى بعدما شاهدته شعرت بإحساس أتمنى أن يشعر به الجمهور».

وفي مشاهد الفيلم يشعر المشاهد بأن هناك علاقة وطيدة بين عصام و«الكلب رامبو» حتى تصور البعض أنه كلبه الخاص، لكن الحقيقة غير ذلك، إذ مرت علاقتهما بمراحل عدة خلال التصوير، يقول عنها عصام: «لم تكن عندي مشكلة في التعامل مع (رامبو)، لكننا احتجنا في البداية للتدرب على المشاهد التي تجمعنا، وهي كثيرة، وبعد أن اشتغلت معه لأشهر أصبحنا صديقين، ثم جاء المدربون وقالوا (لا بد أن تبتعد عنه قليلاً لأنه بدأ يسمع كلامك أكثر منا)، وبالتالي لن يستطيعوا توجيهه في التصوير، فابتعدت عنه لفترة ثم عدنا مرة أخرى، وأنا لا أنكر أنها كانت تجربة صعبة، لكنني لا أحب الاستسهال، وأُدرك أن كل شيء مميز في الفن والحياة ينطوي على قدر من الصعوبة».

ملصق الفيلم (الشركة المنتجة)

ومثلما هي أول بطولة سينمائية لعصام عمر فإنه أيضاً أول فيلم طويل للمخرج خالد منصور، الذي يقول عنه عصام: «من اللحظة الأولى التي التقيت فيها خالد عرفت أنه مخرج واعٍ يعرف ما يريده، إضافة إلى أنه يعشق عمله ويخلص له، كما أحببت جداً التعاون معه، ورغم أنني لم أكن أول ممثل يرشح لبطولة العمل، لكنني حمدت الله أنه وصل إليّ في النهاية، وقد سعدت بعملي مع فريق الفيلم ومع خالد منصور، الذي أعتبره إنساناً رائعاً قبل أن يكون مخرجاً موهوباً».

وينفي عمر تردده في العمل مع مخرجين جدد، قائلاً: «لم أخض تجارب سينمائية سابقة تجعلني أقول إنني أحب العمل مع مخرج بعينه، كما أنني لست ممثلاً كبيراً حتى يقال إنني أُخاطر بالعمل مع مخرج جديد، والأهم أنني أحب العمل مع مخرجين يقدمون أعمالهم الطويلة للمرة الأولى؛ لأن لديهم شغفاً أكبر ورغبة قوية في تحقيق الذات».

عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

بعد «رامبو» أحب عصام عمر السينما وبدأ يركز عليها، وعن ذلك يقول: «أتمنى أن أقدم أفلاماً كثيرة، وأن يكون لي سجل حافل بأعمال جيدة يحبها الناس، ولست مستعجلاً في ذلك، فأنا أحرص على اختيار أعمال تناسبني وتتوافق مع رغبتي في تقديم أدوار فنية تلامس ذائقة الجمهور، وسيعرض لي في عيد الفطر القادم فيلم (سيكو سيكو) من إخراج عمر المهندس مع خالد الصاوي، وطه الدسوقي، وتارا عماد، وديانا هشام، كما أقوم بتصوير فيلم (فرقة الموت) مع أحمد عز ومنة شلبي وآسر ياسين، وإخراج أحمد علاء الديب».

وفي ختام حديثه، كشف عصام أنه يصور حالياً مسلسلاً جديداً ينافس به في موسم رمضان المقبل بعنوان «نص الشعب اسمه محمد» وهو عمل «لايت كوميدي» كتبه محمد رجاء، ومن إخراج عبد العزيز النجار، ويشاركه في البطولة رانيا يوسف، ومايان السيد، ومحمد محمود، ومحمد عبد العظيم.