«طقوس معنوية» لأهالي جنوب سوريا في عيد الأضحى

أطفال يلعبون بأرجوحة في درعا (الشرق الأوسط)
أطفال يلعبون بأرجوحة في درعا (الشرق الأوسط)
TT

«طقوس معنوية» لأهالي جنوب سوريا في عيد الأضحى

أطفال يلعبون بأرجوحة في درعا (الشرق الأوسط)
أطفال يلعبون بأرجوحة في درعا (الشرق الأوسط)

يستعد أهالي في جنوب سوريا إلى استقبال عيد الأضحى المبارك. وبين المواطن العادي والمُزارع والتاجر، تتنوع الاستعدادات لاستقبال العيد تبعاً للقدرة المادية والحال الاقتصادي، فمنهم من يبحث عن أضحية مناسبة، ومنهم مَن يحضّر الحلوى، وشراء ملابس العيد، ومنهم من اقتصرت فرحته على قدوم العيد دون أي تحضيرات.
أحمد في الثلاثين من عمره عاد إلى منزله في ريف درعا الغربي، وبيده بعض الحاجيات بعد يوم شاق من التسوق، استعداداً لاستقبال عيد الأضحى، وقال: «نحاول تحضير بعض المواد الغذائية من الحلوة لاستقبال عيد الأضحى، وتحضير خبز العيد أيضاً، هي طقوس اعتادت العائلات على تحضيرها قبيل قدوم العيد، لكن كثيراً من الطقوس غابت عن العائلات، ولم يستطع كثيرون توفير مستلزمات العيد، فمعظم العائلات تعيش أوضاعاً اقتصادية صعبة، نتيجة ارتفاع الأسعار وقلة الدخل وندرة فرص العمل، وأصبح شاغل الأهالي حساب قيمة الإنفاق الكبير في هذه المرحلة؛ التي يلتقي بها قدوم عيد الأضحى مع الاستعداد للعام الدراسي الجديد، إضافة للتحضير للمؤون الشتوية، ومع الغلاء الكبير في أسعار جميع المواد، خصوصاً الغذائية التي ارتفعت أسعارها قبيل قدوم هذه المرحلة، دون رقابة أو محاسبة، سيكون أرباب الأسر في وضع لا يُحسدون عليه، فالأزمات والضغوط الاقتصادية تلاحقهم في كل مكان، وباتوا مطالَبين بأمور مادية لا طاقة لهم بها وستعاني العائلات نقصاً في تحضير هذه المستلزمات».
ويرى أبو رضوان أحد السكان المحليين في درعا، وهو في عمر الستين، أنه «رغم الخصوصية الدينية لهذه المناسبة؛ تغيب مظاهر الاحتفالات بالأضحية عند الأهالي، واقتصر قيام شعيرة الأضحية على العائلات ميسورة الحال، بينما منع الفقر آخرين من تقديم أضاحٍ احتفاء بهذا اليوم المبارك، وكثير من العائلات متوسطة الدخل لم تعد لديهم القدرة على شراء الأضحية، بسبب الغلاء في أسعارها، الذي وصل متوسطها إلى 50 ألف ليرة سوريا (ما يعادل 100 دولار)، إضافة إلى المتطلبات المتراكمة في هذه المرحلة، فحرمتهم الأحوال القاسية من شعائر كثيرة، كانوا معتادين عليها في أعيادهم سابقاً»، وأشار إلى أنه رغم أن كثيراً من العائلات حُرمت من التحضيرات وطقوس مادية للعيد، فإنهم يحافظون على عادات العيد الاجتماعية، كزيارة الأقارب والأرحام، وزيارة ذوي الموتى لمؤانستهم بقدوم العيد وهم فاقدون لأحد أفرادهم، إضافة إلى إقامة الصلح الاجتماعي بين المتخاصمين في المنطقة، وتحضير القهوة العربية والشاي والحلويات استعداداً لاستقبال الضيوف والأقارب والمهنئين بقدوم العيد، ومنح الأطفال مبلغاً ماليا بسيطاً تعرف باسم (العيدية)، لإدخال الفرحة إلى قلوبهم».
وبنظر أم جهاد التي تخللت التجاعيد جبينها بعد أن تجاوز عمرها الخمسين فإن « كل عيد يأتي على السوريين تتكون في عقولنا مساحة من الحزن نتذكر بها ما فقدنا خلال سنوات الحرب، من انقطاع الصلة بين الأقارب أو الأصدقاء نتيجة النزوح من مكان إلى آخر، أو اللجوء إلى دول الجوار أو مغادرتهم إلى أوروبا، وأشارت بحسرة إلى تقاليد عيد الأضحى في الأيام القديمة قبل الحرب، كاستقبال حجاج بيت الله الحرام وتزيين الشوارع والبيوت احتفالاً بهم، وتحضير كثير من الحلويات للعيد، استعداداً لاستقبال الضيوف والأقارب، وشراء ملابس خاصة لكل أفراد العائلة، خصوصاً للأطفال، والذهاب في رحلة سياحية إلى أماكن للعب للأطفال والاستجمام، أما الآن باتت فرحة العيد ناقصة عند كثير من العائلات، ومعدومة عند عائلات أخرى، وكان ضيق الحال عند الأغلبية، وغلاء الأسعار، العنصر الأبرز في غياب طقوس العيد».
لم تقتصر المعاناة وغياب البهجة في العيد على الأهالي وحسب، بل تعدتها إلى التجار. وبحسب «أبو عمر» صاحب أحد المحال التجارية في ريف درعا يخيم الركود على أسواق محافظة درعا قبيل عيد الأضحى، نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية وغلاء الأسعار وتزامن عيد الأضحى مع العام الدراسي والتحضيرات لفصل الشتاء، ما أدى إلى خنق ما تبقى من حركة في السوق، حيث إن أسعار الأضاحي والملابس وغيرها ارتفعت كثيراً قبيل عيد الأضحى، مقارنة بالعام الماضي، وإقبال الناس على شراء الملابس هذا العام ضعيف جداً، لأن معظم العائلات أعطت الأولوية لشراء الزي المدرسي ومستلزمات الدراسة والمؤن الشتوي، واقتصرت حركة التسوق على العائلات ذات الدخل العالي، فكل شيء غالٍ على العائلات محدودة الدخل، وتراجعت القوة الشرائية في الأسواق، حيث كانت مثل هذه الأيام سابقاً تشهد حركة إقبال وشراء كبيرة، وكانت الأسواق تغص بالناس والبضاعة «لكن الغلاء الذي شمل جميع المجالات الحياتية أنهك العائلات، وبات هَمّ مسؤول الأسرة تلبية المستطاع من مستلزمات عائلته واحتياجاتها بعيداً عن التفكير في بهجة العيد».



اليمنيون يودّعون عاماً حافلاً بالانتهاكات والمعاناة الإنسانية

تطورات نوعية في ممارسات الجماعة الحوثية ضد السكان خلال العام الماضي (أ.ف.ب)
تطورات نوعية في ممارسات الجماعة الحوثية ضد السكان خلال العام الماضي (أ.ف.ب)
TT

اليمنيون يودّعون عاماً حافلاً بالانتهاكات والمعاناة الإنسانية

تطورات نوعية في ممارسات الجماعة الحوثية ضد السكان خلال العام الماضي (أ.ف.ب)
تطورات نوعية في ممارسات الجماعة الحوثية ضد السكان خلال العام الماضي (أ.ف.ب)

كجميع الأعوام السابقة منذ انقلاب الجماعة الحوثية وسيطرتها على العاصمة اليمنية، صنعاء، وغالبية مؤسسات الدولة ومناطق واسعة من البلاد، شهد العام الماضي انتهاكات واسعة ومتعددة لحقوق الإنسان في مختلف المناطق والمحافظات.

واتهم حقوقيون الجماعة الحوثية بالاستمرار في قمع السكان وإرهابهم وانتهاك حقوقهم، مع تصعيد ممارساتها العدائية بحق المدنيين تحت مختلف المبررات، وبوسائل متنوعة، وهو ما أدى إلى تسببها في مضاعفة المعاناة، ومفاقمة الأوضاع المعيشية المعقدة.

ويرى مطهر البذيجي المدير التنفيذي للتحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان (تحالف «رصد») أن العام الماضي شهد تصعيداً حوثياً لانتهاكات حقوق الإنسان تحت مبرِّر مناصرة الفلسطينيين في غزة ضد الحرب الإسرائيلية وأحداث جنوب لبنان؛ إذ استغلت الجماعة ذلك لتبييض جرائمها والتنصل من تقديم الخدمات للسكان وتحسين أوضاعهم المعيشية والتهرُّب من جهود السلام.

وقال البذيجي لـ«الشرق الأوسط» إن العام الماضي كان حافلاً بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، التي نجمت عن الهجمات الحوثية على طرق الملاحة الدولية في المياه المحيطة باليمن؛ ما أسفر عن تدخل غربي مباشر، إلى جانب مزاعم المواجهة مع إسرائيل التي تسببت في تعرُّض البلاد ومنشآتها الحيوية لغارات إسرائيلية فاقمت من معاناة السكان.

الهجمات الحوثية على السفن تسببت بمفاقمة الأوضاع المعيشية لليمنيين (أ.ف.ب)

وأشار إلى استمرار الجماعة في تجنيد الأطفال، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين ومواجهة الغرب وإسرائيل، وقصف الأحياء السكنية وحصار المدن وزراعة الألغام والاعتقالات التعسفية، ومصادرة رواتب الموظفين العموميين، وتعمدها إهدار صحة اليمنيين وسلامتهم بتسببها في تدهور القطاع الطبي والخدمات الصحية، وتأثير أعمالها العدائية على وصول الغذاء لكل السكان، وتراجع المساعدات الإغاثية المقدَّمة لهم.

ولفت البذيجي إلى اقتحام الحوثيين مقر مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، في خرق للقوانين والمعاهدات الدولية التي تحفظ أمن وسلامة المقرات والمنشآت الأممية، واختطاف عمال وموظفي منظمات الإغاثة والمنظمات الدولية والأممية، وتلفيق الاتهامات لهم بالتخابر.

13 ألف ضحية

كشف تقرير حقوقي رسمي حديث عن توثيق 2167 واقعة انتهاك حقوقي خلال العام الماضي، ما أسفر عن تضرر 12895 ضحية من الجنسين ومن مختلف الفئات العمرية، شملت استهداف مدنيين، وزراعة ألغام، واعتقالات تعسفية، وتهجيراً قسرياً، وتدمير ممتلكات عامة وخاصة.

اختطاف موظفي الأمم المتحدة واقتحام مقراتها كان أبرز الممارسات الحوثية في العام الماضي (رويترز)

وذكرت اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان (حكومية مستقلة) في تقرير لها مع بداية العام الحالي أن 657 مدنياً قُتِلوا أو جُرِحوا في 564 واقعة استهداف، وكان عدد القتلى 214 فرداً، بينهم 27 طفلاً و6 نساء، أما الجرحى فبلغ عددهم 443، منهم 74 طفلاً و52 امرأة.

وبحسب التقرير، سقط 196 ضحية نتيجة انفجار ألغام مضادة للأفراد والعبوات الناسفة، منهم 40 طفلاً و11 امرأة، بينما تعرَّضت 624 ضحية للاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، بالإضافة إلى تهجير أكثر من 10140 مدنياً قسرياً في 128 واقعة، وسقوط 81 ضحية في حوادث قتل خارج القانون، فضلاً عن تفجير 14 منزلاً.

ورصدت اللجنة وقائع استهداف 19 موقعاً ثقافياً ودينياً، وتدمير 506 ممتلكات، و16 حادثة اعتداء على منشآت تعليمية، إلى جانب 186 ضحية لتجنيد الأطفال دون سن الـ15، مؤكدة أنها نفَّذت 15 زيارة في إطار مهامها الميدانية، شملت محافظات مأرب وتعز والضالع ولحج وأبين وشبوة، للتحقيق في وقائع استهداف أحياء سكنية ومرافق خدمية ومعاينة آثار الانتهاكات.

وزارت اللجنة، بحسب تقريرها، السجون ومراكز الاحتجاز في المهرة وحضرموت وعدن؛ حيث قيَّمت أوضاع 3000 سجين ومحتجَز، بينهم نساء ومعتَقلون على خلفية النزاع المسلح، مذكّرةً بأن مجلس حقوق الإنسان أقرّ في دورته الـ57، أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مشروع قرار بشأن استمرار دعمها لتمكينها من القيام بعملها.

العام الماضي كان قاسياً على اليمنيين وتضاعفت معاناتهم خلاله (أ.ف.ب)

وطالبت اللجنة بتمكينها من تنفيذ وأداء مهامها، معبرةً عن التزامها بمواصلة التحقيق في جميع الانتهاكات، لتحقيق العدالة للضحايا وتخفيف معاناتهم.

انتهاك الحريات الإعلامية

في سياق الانتهاكات التي تعرَّض لها اليمنيون خلال العام الماضي، أعلن مرصد حقوقي عن تسجيل 98 انتهاكاً ضد الحريات الإعلامية، منها 15 حالة اعتقال، و6 حالات احتجاز مؤقت لصحافيين قبل الإفراج عنهم، و3 حالات اعتداء، و17 حالة تهديد، بالإضافة إلى 40 حالة استجواب ومحاكمات أمام جهات غير مختصة.

وعدّ «مرصد الحريات الإعلامية (مرصدك)» اعتراف تنظيم «القاعدة» بإعدام صحافي يمني، وإصدار محكمة حوثية حكماً بالإعدام على صاحب شركة للخدمات الإعلامية ومصادرة ممتلكاته دون سند قانوني، أبرز انتهاكات الحريات الإعلامية خلال العام الماضي.

تردٍّ كبير شهدته الخدمات الصحية في مناطق سيطرة الحوثيين (أ.ف.ب)

وكان «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» أعلن أخيراً إعدام 11 يمنياً، بينهم الصحافي محمد المقري، الذي اختطفه التنظيم منذ 2015، خلال سيطرته على مدينة المكلا في حضرموت (شرق)، متهماً إياه بالعمل كجاسوس.

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أصدرت ما تُسمَّى بالمحكمة الجزائية الابتدائية المتخصصة التابعة للجماعة الحوثية في صنعاء، حكماً بإعدام طه المعمري مالك شركة «يمن ديجيتال ميديا» رمياً بالرصاص، ومصادرة ممتلكاته التي استولى عليها نافذون من الجماعة قبل ذلك بعدة أشهر.

وبيَّن التقرير أن 57 انتهاكاً وقعت في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية على يد أطراف متعددة، بينما ارتكبت الجماعة الحوثية 27 انتهاكاً، إلى جانب 3 انتهاكات تقف خلفها شخصيات نافذة، وانتهاك واحد اعترف به تنظيم «القاعدة»، وانتهاكين على يد تحالف الازدهار، و5 انتهاكات من أطراف أخرى، و3 نفذتها جهات مجهولة.

الجماعة الحوثية لم تتوقف عن استهداف الصحافة والصحافيين (إعلام محلي)

ويفسر مجيب ثابت، وهو اسم مستعار لمحامٍ يقيم في العاصمة صنعاء وينشط في الدفاع عن ضحايا الانتهاكات الحوثية، زيادة أعداد وقائع الانتهاكات التي تكشفها التقارير والمنظمات الحقوقية في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية عن مثيلاتها في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بوجود مساحة لحرية الصحافة والإعلام في الأولى، وغيابها في الثانية تماماً.

وينوه في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بأن الجماعة الحوثية منعت الأنشطة الصحافية والإعلامية، ما لم تكن تابعة أو موالية لها، أو تخدم مشروعها بأي شكل من الأشكال، لافتاً إلى إغلاق إذاعة محلية والاستيلاء على كامل أجهزتها ومعداتها خلال العام قبل الماضي، رغم أنها لم تكن تبث سوى برامج ترفيهية، ثم الاعتداء على مالكها بعد رفضه تلك الإجراءات.

وأعاد ثابت، الذي فضّل إخفاء بياناته خوفاً على سلامته، التذكير بمئات المختطَفين على خلفية تعبيرهم عن آرائهم بالاحتفال بذكرى الثورة اليمنية ورفع علم الدولة، وبينهم كتاب وصحافيون لا تعلم عائلاتهم شيئاً عنهم حتى الآن، بعد مضي عدة أشهر على اختطافهم.

اقرأ أيضاً