اتسمت ردود الفعل الدولية تجاه الاستفتاء التاريخي الذي شهدته اسكوتلندا، بالترحيب بنتيجة الاقتراع، بينما كان صداه قويا في إسبانيا التي تواجه نزعة انفصالية في إقليم كتالونيا الشمالي.
ورحب الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس بنتيجة الاستفتاء وهنأ الاسكوتلنديين على هذه «الممارسة الديمقراطية الكاملة والنشطة». وقال أوباما في بيان: «ليس لدينا أي حليف أقرب من المملكة المتحدة، ونتطلع لمواصلة علاقتنا القوية والخاصة مع كل شعب بريطانيا العظمى وآيرلندا الشمالية فيما ننهض بالتحديات التي تواجه العالم اليوم». كما رحبت كندا بفوز رافضي الاستقلال في اسكوتلندا، فيما تابع الانفصاليون في كيبيك الحملة عن كثب ورأوا أنها كانت مصدر وحي. وقال وزير الخارجية الكندي جون بيرد في بيان إن «الشعب الاسكوتلندي حسم خياره عبر هذا التصويت بالبقاء ضمن مملكة متحدة قوية. إن كندا ترحب بهذا القرار».
وأثارت الحملة اهتماما كبيرا في العالم. ومع ظهور أعلام من كتالونيا وكورسيكا وبلاد الباسك ومنطقة بروتانيه في الحملة، لاحت مخاوف بين القادة الأوروبيين في بروكسل من انتقال العدوى القومية.
وفي بروكسل، أشاد رئيس المفوضية الأوروبية المنتهية ولايته جوزيه مانويل باروسو برفض اسكوتلندا للاستقلال عن بريطانيا، وقال إن نتيجة التصويت الاسكوتلندي «جيدة لأوروبا الموحدة المنفتحة الأقوى»، وذلك في رسالة مبطنة تعبر عن أمل مسؤولي الاتحاد الأوروبي في أن تعزز النتيجة الحالية فرص التصويت إيجابا على بقاء بريطانيا في الاتحاد في استفتاء مزمع عام 2017.
كما عبر رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبوي بخيار الشعب الاسكوتلندي في الاستفتاء، وقال في بيان ببروكسل: «إننا نحترم ونرحب باختيار الاسكوتلنديين، ونرحب ببقاء بريطانيا موحدة، وأيضا بما قاله رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون إثر ظهور النتائج أننا سنبقى معا». واختتم فان رومبوي بالقول: «إن بريطانيا ستظل عضوا مهما في الاتحاد الأوروبي بما يخدم مصالح جميع المواطنين والدول الأعضاء في التكتل الأوروبي الموحد».
قال مفوض التجارة في الاتحاد الأوروبي البلجيكي كاريل دي جوشت الذي وقعت مقاطعة فلاندرز في بلاده في قبضة حركة قومية متصاعدة، إن انفصال اسكوتلندا لو حدث لكان له «وقع الكارثة» على أوروبا، ولانتقلت عدواه في أنحاء القارة. ودي جوشت هو ليبرالي ينتمي إلى الفلامنك - وهم مجموعة عرقية تتحدث الهولندية - لكنه لا يدعم مطالب بعضهم في إقامة دولة مستقلة. وأضاف: «لو حصل الاستقلال في اسكوتلندا لكان زلزالا سياسيا كاسحا مماثلا في أثره انهيار الاتحاد السوفياتي».
كذلك، رحب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي أندرس فوغ راسموسن ببيان كاميرون الذي أعلن فيه أمس أن بريطانيا ستظل دولة موحدة بعد ظهور نتائج الاستفتاء الاسكوتلندي. وقال راسموسن في بيان: «المملكة المتحدة عضو مؤسس في حلف شمال الأطلسي، وأنا على ثقة في أن المملكة المتحدة ستواصل الاضطلاع بدور قيادي في الحفاظ على قوة الحلف. أرحب ببيان رئيس الوزراء كاميرون بأن المملكة المتحدة ستبقى دولة موحدة».
وفي مدريد رحب رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي أمس بنتيجة الاستفتاء الاسكوتلندي قائلا إنها أفضل نتيجة لأوروبا.
وقال راخوي في رسالة فيديو نشرت على موقع الحكومة الإلكتروني إن «الاسكوتلنديين تفادوا تداعيات اقتصادية واجتماعية ومؤسسية وسياسية خطيرة». وتحاول حكومة إسبانيا التصدي لتوجه في إقليم كتالونيا الشمالي لإجراء استفتاء على الاستقلال متعهدة باللجوء إلى المحاكم لعرقلة أي تحرك من هذا القبيل. ولم يذكر راخوي كتالونيا في خطابه أمس. كما أكدت نائبة رئيس الوزراء الإسباني سورايا ساينث دي سانتاماريا أن الاستفتاء على استقلال إقليم كتالونيا الواقع بشمال شرقي البلاد غير قانوني وفقا للدستور ولن يسمح بتنظيمه. وقالت دي سانتاماريا في مؤتمر صحافي عقب الاجتماع الأسبوعي للحكومة إن «القواعد الديمقراطية في إسبانيا لم تتغير، وفي هذا الصدد صوت البرلمان الإسباني بأغلبية كبيرة على أن الاستفتاءات على الاستقلال غير ممكنة وفقا لقوانيننا». وجاء تعليق المسؤولة الإسبانية بعد لحظات من إعلان رئيس إقليم كتالونيا أرتور ماس أنه سيوقع على مرسوم قانون يدعو الناخبين للاستفتاء على استقلال الإقليم الشهر المقبل. وقال أمس إنه سيوقع على مرسوم قانون لدعوة الناخبين للاستفتاء على الاستقلال عن إسبانيا في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل في خطوة تلقى معارضة شديدة من مدريد، «كما اتفقنا منذ بضعة أشهر مع أغلب القوى السياسية الكتالونية». ورأى ماس من ناحية أخرى أن تصويت الاسكوتلنديين على رفض الانفصال لا يعد انتكاسة.
من جهتها، عبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بـ«ابتسامة» عن موقفها تجاه نتيجة الاستفتاء الذي رفض فيه غالبية الاسكوتلنديين الاستقلال. وأشارت ميركل في برلين أمس إلى تحفظها الدائم إزاء التعليق على الاستفتاء، وقالت: «لم أتدخل من قبل، ولذلك فإنني لن أقول الآن سوى إنني أحترم نتيجة الاستفتاء». ثم أضافت ميركل: «أقول ذلك بابتسامة». وأكد المتحدث باسم ميركل من جهة أخرى دعم برلين للحكومة الإسبانية في رفضها للتصويت على استقلال كتالونيا. وكان المتحدث يجيب على سؤال بشأن ما إذا كان ينبغي أن يكون للمنطقة الإسبانية الحق في أن تقرر مصيرها مثلما فعل الاسكوتلنديون. وقال شتيفن زايبرت: «إنه موقف مختلف تماما من الناحية القانونية في إسبانيا عنه في المملكة المتحدة، والمستشارة والحكومة يتفقان على الرأي القانوني للحكومة الإسبانية». كانت ميركل قد قالت في يوليو (تموز) الماضي إن هناك فرقا بين إعطاء المناطق الحكم الذاتي والسماح للدول بالانفصال.
وحتى قبل أن تغلق مراكز الاقتراع الاسكوتلندية عبر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند عن خشيته من «تفكك» محتمل لأوروبا بعد عقود من التكامل المتقارب. وقال هولاند في مؤتمر صحافي أول من أمس: «ما يحدث في الوقت الحالي هو هذا التزامن للقوى التي تريد الابتعاد عن مركز السلطة والتي يفوتها رؤية الهدف الأوروبي»، مشيرا إلى خطر انهيار الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه. وتعد فرنسا واحدة من أكثر الدول مركزية في الاتحاد الأوروبي، حيث تحظى حركات الاستقلال في كورسيكا وبريتاني والباسك بالقليل من التأييد، لكن بلدانا أخرى مثل إسبانيا وإيطاليا وبلجيكا تواجه ضغوطا أكبر في سبيل نظام أقل مركزية.
وشدد رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رنزي على أن التصويت الاسكوتلندي عزز الآمال ببقاء بريطانيا موحدة، ولكن الأقل مركزية في الاتحاد الأوروبي. وقال: «إن إدراك قيمة التنوع وغنى أراضينا، لا التشرذم، هو الجواب الذي أعطاه الاسكوتلنديون المحقون في فخرهم بتاريخهم وتقاليدهم لنا جميعا». وأضاف رنزي «أن الاتحاد الأوروبي سيستفيد بالتأكيد من تجدد التزام المملكة المتحدة بتعزيز عملنا المشترك لتوفير إجابات ملموسة على الرغبة المبررة لمواطنينا في التنمية الاقتصادية والقدرة على مواجهة التحديات الدولية». كذلك، قال رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز الذي ينتمي للحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني لراديو «دويتش لاند فانك» إنه رغم امتناعه عن التعليق على مسألة داخلية بريطانية قبل التصويت على الاستفتاء فإنه «شعر بالارتياح للنتيجة»، مشيرا إلى أنه سيتوجب على بروكسل مراجعة بنود اتفاقية الاتحاد الأوروبي بشأن انضمام الدول الحديثة العهد بالاستقلال إلى الاتحاد. وقال: «لو أعلنت اسكوتلندا الاستقلال اليوم لكان يتوجب على جميع الدول الأعضاء الـ28، وبينها بريطانيا، التصويت برفض انضمام اسكوتلندا للاتحاد». وأشار شولتز إلى أن الحركات الانفصالية في أوروبا غالبا ما كان يشعلها «انعدام العدالة الاجتماعية وسوء توزيع الثروات، حيث ترفض المناطق الغنية أن تنفق على دعم المناطق الأخرى»، فضلا عن البطالة وتفاوت معدلات الدخل والفقر في الريف.
وفي سياق متصل قال عدد من صناع السياسات في الاتحاد الأوروبي، شرط عدم الكشف عن هويتهم، إن اسكوتلندا أرست سابقة بين المناطق التي تتمتع بالحق الديمقراطي في التصويت على الاستقلال، الأمر الذي قد يكون مثيرا للمشاكل في إسبانيا وغيرها من المناطق. ومع أن تصويت الاسكوتلنديين سيحسم مسألة الانفصال في بريطانيا لجيل كامل، حسبما صرح بذلك كاميرون، فإنه سيطلق العنان لثورة دستورية في بريطانيا تهدف إلى توزيع أكبر للسلطة في المملكة المتحدة، وهو ما قد يفتح شهية أكثر من منطقة في أنحاء أوروبا. وقال وزير الخارجية الألماني السابق هانز ديتريش جينشر الذي ساهم في مفاوضات إعادة توحيد ألمانيا عام 1990 إن التصويت برفض الاستقلال يظهر أن وجود حكومة شديدة المركزية ليس في صالح القارة الأوروبية. وأضاف: «نموذج النظام الاتحادي المتبع في ألمانيا الذي تكون فيه حكومة مركزية وتحظى فيه الولايات والبلديات بالاستقلال هو النموذج الأكثر حداثة».
ترحيب دولي ببقاء اسكوتلندا ضمن المملكة المتحدة
رئيس إقليم كتالونيا يثير حفيظة مدريد بإعلان عزمه التوقيع على مرسوم الاستفتاء
ترحيب دولي ببقاء اسكوتلندا ضمن المملكة المتحدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة