تقنية «كريسبر» للتعديل الجيني: حل قد يحدث ثورة في ابتكارات الرعاية الصحية

العالمة الأميركية جنيفر دودنا أحد أبرز العلماء الذين قادوا تطوير تقنية كريسبر للتعديل الجيني (أ.ب - أرشيف)
العالمة الأميركية جنيفر دودنا أحد أبرز العلماء الذين قادوا تطوير تقنية كريسبر للتعديل الجيني (أ.ب - أرشيف)
TT

تقنية «كريسبر» للتعديل الجيني: حل قد يحدث ثورة في ابتكارات الرعاية الصحية

العالمة الأميركية جنيفر دودنا أحد أبرز العلماء الذين قادوا تطوير تقنية كريسبر للتعديل الجيني (أ.ب - أرشيف)
العالمة الأميركية جنيفر دودنا أحد أبرز العلماء الذين قادوا تطوير تقنية كريسبر للتعديل الجيني (أ.ب - أرشيف)

7 سنوات مرّت على تجارب العلماء الأولى لاختبار تقنية تحرير الجينات المعروفة باسم «كريسبر» داخل الجسم، في محاولة لعلاج شكل وراثي من العمى ومرض السرطان، لكن المخاوف المتعلقة باستخدام تلك التكنولوجيا في خلايا التكاثر البشرية أو الأجنة بمراحلها المبكرة تتمثل في أن التغييرات ستنتقل للأجيال التالية، وفقاً لمجلة «التايم» الأميركية.
يهدف العلاج التجريبي إلى تزويد الأطفال والبالغين بنسخة صحية من الجين الذي يفتقرون إليه، وذلك باستخدام أداة تقطع أو «تحرر» الحمض النووي في مكان محدد.
والغرض منه هو العلاج لمرة واحدة، أي تغيير دائم للحمض النووي للشخص. ويمضي الأطباء قدماً بحثاً عن طرق لاستخدام التكنولوجيا الجديدة نسبياً لبدء علاج المرضى. ومن المقرر أن يبدأ المرضى في التسجيل بالدراسة الأولى للاختبار.
وستقوم شركتان، هما «إديتاس ماديسين» و«أليرغان»، باختبار هذه التجربة على ما يصل إلى 18 شخصاً في جميع أنحاء الولايات المتحدة، خصوصاً داخل مستشفى ماساتشوستس للعيون والأذن في بوسطن، وذلك بدءاً من هذا الخريف.
إن واحداً من أهم مخاوف الرأي العام الأساسية إزاء تقنية «كريسبر» هو إحداث أي تغييرات في الجينوم قد تؤدي إلى أضرار. ويرى الرأي العام أنه «يجب التأكد من أن تقنية كريسبر آمنة، وأن التعديل الجيني فعال».
في المقابل، حازت تقنية «كريسبر» على إعجاب العلماء لأنها طريقة بسيطة تستخدم لتحرير الجينات، رغم أنها جديدة لدرجة أن مخاطرها غير معروفة تماماً. لكن الباحثين يعتقدون أن لديها إمكانات كبيرة لعلاج كثير من الأمراض التي تسببها عيوب الجينات، وفق مجلة «التايم».
ويختلف هذا التحرير الجيني للأشخاص بعد الولادة عن العمل المثير للجدل الذي قام به عالم صيني العام الماضي، حيث قام بتغيير الحمض النووي للأجنة عند الحمل بطريقة يمكن أن تنقل صفات وراثية معينة إلى الأجيال المقبلة.
وأكد الباحث الصيني هي جيانكوي، وهو ضمن فريق من جامعة ثاوثرن للعلوم والتكنولوجيا في مدينة شنجن في الصين يعمل على تطويع الأزواج في محاولة لإنتاج أوائل الأطفال المعدلين جينياً، أن «زوجين قاما في التجربة بإنجاب فتاتين توأمين في نوفمبر (تشرين الثاني). وقد خطط الباحثون للقضاء على جين يدعى (ccr5)، على أمل جعل الأطفال مقاومين لفيروس نقص المناعة».
وأكد تقرير لمجلة «التايم» الأميركية أن «تغييرات الحمض النووي في البالغين التي تهدف الدراسة الجديدة إلى إجرائها لن تكون وراثية، أي لن تنتقل إلى أبنائهم في المستقبل».
وأمل العالم شارل ألبرايت في أن «تجيب التجربة على كثير من الأسئلة التي قد تكون حاسمة بالنسبة لمستقبل العلاجات المعتمدة من خلال كريسبر»، لافتاً إلى أن «التقنية تسمح للعلماء بتغيير أي جين يستهدفونه فعلياً، مما يفتح آفاقاً جديدة في الطب الوراثي بسبب قدرتها على تعديل الجينات بسرعة وفاعلية، وستمنح الأطباء إجابات أوضح عن جرعات العلاج، وكذلك الآثار الجانبية المحتملة».
كان علماء قد كشفوا في فبراير (شباط) أنهم تمكنوا من استخدام التقنية الرائدة المثيرة للجدل في تعديل الجينات «كريسبر» على مريض، من أجل إضعاف، ومن ثم القضاء على، مرض اضطرابات الدم الوراثية.
ووراء هذا المشروع شركة التكنولوجيا الحيوية السويسرية - الأميركية «كريسبر ثيروبيتكس فيرتكس» (CRISPR Therapeutics and Vertex)، التي تقول إنها أول من استخدم تقنية «كريسبر» على الإنسان، رغم أنه سبق استخدامه على مرضى السرطان في الصين.
ولفتت الشركة إلى أن «المريض المجهول في التجربة السريرية يعاني من الثلاسيميا بيتا، وهي مجموعة من اضطرابات الدم الوراثية نتجت بسبب نقص أو غياب سلاسل بيتا من الهيموغلوبين التي تؤدي إلى نتائج متنوعة، منها فقر دم شديد، ويُصاب به 1 من كل مائة ألف شخص، وهي أيضاً تعوق إنتاج الهيموغلوبين، وهو أمر ضروري لدفع الأكسجين في جميع أنحاء الجسم».
وخلال هذه التجربة، استنسخ فريق الباحثين مجموعة من الأجنّة من خلال خلايا جلديّة أخذوها من مرضى مصابين أصلاً بالثلاسيميا، وزرعوها في بويضات أُفرغَت من نواتها. وبنتيجة هذه العمليّة تطوّرت البويضات إلى أجنّة صغيرة ناشئة تحمل في طيّاتها تشوّه الثلاسيميا.
وعالجت الشركة المرض باستخدام التقنية التجريبية لتعديل الحمض النووي وتبديل الجينات المعيبة.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة سمرث كولكارني: «يعتبر علاج أول مريض في هذه الدراسة معلماً علمياً وطبياً مهماً، وهذا المريض لم يحتج إلى عمليات نقل دم خلال أربعة أشهر».
وكانت العالمة الأميركية جنيفر دودنا، وهي أحد أبرز العلماء الذين قادوا تطوير تقنية كريسبر للتعديل الجيني، قد حذّرت من وقوع هذه التقنية في الأيدي الخطأ.


مقالات ذات صلة

صحتك جانب من الحضور

22 عالماً وباحثاً يحصدون جائزة الشيخ زايد العالمية للطب التقليدي والتكميلي «الثالثة»

تُختتم في العاصمة الإماراتية أبوظبي، مساء الخميس 12 ديسمبر، أعمال مؤتمر جائزة الشيخ زايد العالمية، بالإعلان عن الفائزين بالجائزة في دورتها الثالثة.

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (أبوظبي)
صحتك بهدف تكوين صورة بصرية ذات معنى لمشهد ما تقوم أعيننا بسلسلة من الحركات السريعة المنسقة (رويترز)

خلل بسيط في حركة العين قد يشير إلى إصابتك بألزهايمر

تبرز مؤخراً طريقة جديدة للكشف المبكر عن مرض ألزهايمر ترتبط بالاستماع إلى حركة عيون المرضى عبر ميكروفونات في آذانهم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك شعار «شات جي بي تي» يظهر أمام شعار شركة «أوبن إيه آي» (رويترز)

هل يساعد «شات جي بي تي» الأطباء حقاً في تشخيص الأمراض؟ الإجابة مفاجئة

يتساءل الكثير من الأشخاص حول ما إذا كان برنامج الدردشة الآلي الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي قادراً على مساعدة الأطباء في تشخيص مرضاهم بشكل أفضل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك يرفع العلاج الجديد مستويات البروتين في الخلايا الحساسة للضوء بشبكية العين (هارفارد)

علاج جيني يُعيد القدرة على السمع ويعزّز الرؤية

طوّر باحثون بكلية الطب في جامعة «هارفارد» الأميركية علاجاً جينياً للمصابين بمتلازمة «آشر من النوع 1F»، وهي حالة نادرة تسبّب الصمم والعمى التدريجي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

لماذا يرفض مصريون إعادة تمثال ديليسبس لمدخل قناة السويس؟

تمثال ديليسبس بمتحف قناة السويس (فيسبوك)
تمثال ديليسبس بمتحف قناة السويس (فيسبوك)
TT

لماذا يرفض مصريون إعادة تمثال ديليسبس لمدخل قناة السويس؟

تمثال ديليسبس بمتحف قناة السويس (فيسبوك)
تمثال ديليسبس بمتحف قناة السويس (فيسبوك)

في الوقت الذي يشهد تصاعداً للجدل حول إعادة تمثال ديليسبس إلى مكانه الأصلي في المدخل الشمالي لقناة السويس، قررت محكمة القضاء الإداري بمصر الثلاثاء تأجيل نظر الطعن على قرار إعادة التمثال لجلسة 21 يناير (كانون الثاني) الحالي، للاطلاع على تقرير المفوضين.

وتباينت الآراء حول إعادة التمثال إلى موقعه، فبينما رأى معارضو الفكرة أن «ديليسبس يعدّ رمزاً للاستعمار، ولا يجوز وضع تمثاله في مدخل القناة»، رأى آخرون أنه «قدّم خدمات لمصر وساهم في إنشاء القناة التي تدر مليارات الدولارات على البلاد حتى الآن».

وكان محافظ بورسعيد قد أعلن أثناء الاحتفال بالعيد القومي للمحافظة، قبل أيام عدة، بأنه طلب من رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، إعادة تمثال ديليسبس إلى مكانه في مدخل القناة بناءً على مطالبات أهالي المحافظة، وأن رئيس الوزراء وعده بدراسة الأمر.

ويعود جدل إعادة التمثال إلى مدخل قناة السويس بمحافظة بورسعيد لعام 2020 حين تم نقل التمثال إلى متحف قناة السويس بمدينة الإسماعيلية (إحدى مدن القناة)، حينها بارك الكثير من الكتاب هذه الخطوة، رافضين وجود تمثال ديليسبس بمدخل قناة السويس، معتبرين أن «المقاول الفرنسي»، بحسب وصف بعضهم، «سارق لفكرة القناة وإحدى أذرع التدخل الأجنبي في شؤون مصر».

قاعدة تمثال ديليسبس ببورسعيد (محافظة بورسعيد)

ويعدّ فرديناند ديليسبس (1805 - 1894) من السياسيين الفرنسيين الذين عاشوا في مصر خلال القرن الـ19، وحصل على امتياز حفر قناة السويس من سعيد باشا حاكم مصر من الأسرة العلوية عام 1854 لمدة 99 عاماً، وتقرب من الخديو إسماعيل، حتى تم افتتاح القناة التي استغرق حفرها نحو 10 أعوام، وتم افتتاحها عام 1869.

وفي عام 1899، أي بعد مرور 5 سنوات على رحيل ديليسبس تقرر نصب تمثال له في مدخل القناة بمحافظة بورسعيد، وهذا التمثال الذي صممه الفنان الفرنسي إمانويل فرميم، مجوف من الداخل ومصنوع من الحديد والبرونز، بارتفاع 7.5 متر، وتم إدراجه عام 2017 ضمن الآثار الإسلامية والقبطية.

ويصل الأمر بالبعض إلى وصف ديليسبس بـ«الخائن الذي سهَّل دخول الإنجليز إلى مصر بعد أن وعد عرابي أن القناة منطقة محايدة ولن يسمح بدخول قوات عسكرية منها»، بحسب ما يؤكد المؤرخ المصري محمد الشافعي.

ويوضح الشافعي (صاحب كتاب «ديليسبس الأسطورة الكاذبة») وأحد قادة الحملة التي ترفض عودة التمثال إلى مكانه، لـ«الشرق الأوسط» أن «ديليسبس استعبد المصريين، وتسبب في مقتل نحو 120 ألف مصري في أعمال السخرة وحفر القناة، كما تسبب في إغراق مصر بالديون في عصري سعيد باشا والخديو إسماعيل، وأنه مدان بالسرقة والنصب على صاحب المشروع الأصلي».

وتعد قناة السويس أحد مصادر الدخل الرئيسية لمصر، وبلغت إيراداتها في العام المالي (2022- 2023) 9.4 مليار دولار، لكنها فقدت ما يقرب من 50 إلى 60 في المائة من دخلها خلال الشهور الماضية بسبب «حرب غزة» وهجمات الحوثيين باليمن على سفن في البحر الأحمر، وقدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الخسائر بأكثر من 6 مليارات دولار. وفق تصريح له في شهر سبتمبر (أيلول) من العام الماضي.

في المقابل، يقول الكاتب المصري علي سعدة، إن تمثال ديليسبس يمثل أثراً وجزءاً من تاريخ بورسعيد، رافضاً ما وصفه في مقال بجريدة «الدستور» المصرية بـ«المغالطات التاريخية» التي تروّجها جبهة الرفض، كما نشر سعدة خطاباً مفتوحاً موجهاً لمحافظ بورسعيد، كتبه مسؤول سابق بمكتب المحافظ جاء فيه «باسم الأغلبية المطلقة الواعية من أهل بورسعيد نود أن نشكركم على القرار الحكيم والشجاع بعودة تمثال ديليسبس إلى قاعدته».

واجتمع عدد من الرافضين لإعادة التمثال بنقابة الصحافيين المصرية مؤخراً، وأكدوا رفضهم عودته، كما طالبوا فرنسا بإزالة تمثال شامبليون الذي يظهر أمام إحدى الجامعات الفرنسية وهو يضع قدمه على أثر مصري قديم.

«المهندس النمساوي الإيطالي نيجريلي هو صاحب المشروع الأصلي لحفر قناة السويس، وتمت سرقته منه، بينما ديليسبس لم يكن مهندساً، فقد درس لعام واحد في كلية الحقوق وأُلحق بالسلك الدبلوماسي بتزكية من والده وعمه وتم فصله لفشله، وابنته نيجريلي التي حصلت على تعويض بعد إثباتها سرقة مشروع والدها»، وفق الشافعي.

وكانت الجمعية المصرية للدراسات التاريخية قد أصدرت بياناً أكدت فيه أن ديليسبس لا يستحق التكريم بوضع تمثاله في مدخل القناة، موضحة أن ما قام به من مخالفات ومن أعمال لم تكن في صالح مصر.

في حين كتب الدكتور أسامة الغزالي حرب مقالاً يؤكد فيه على موقفه السابق المؤيد لعودة التمثال إلى قاعدته في محافظة بورسعيد، باعتباره استكمالاً لطابع المدينة التاريخي، وممشاها السياحي بمدخل القناة.

وبحسب أستاذ التاريخ بجامعة عين شمس المصرية والمحاضر بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، الدكتور جمال شقرة، فقد «تمت صياغة وثيقة من الجمعية حين أثير الموضوع في المرة الأولى تؤكد أن ديليسبس ليس هو صاحب المشروع، لكنه لص سرق المشروع من آل سان سيمون». بحسب تصريحاته.

وفي ختام حديثه، قال شقرة لـ«الشرق الأوسط» إن «ديليسبس خان مصر وخدع أحمد عرابي حين فتح القناة أمام القوات الإنجليزية عام 1882، ونرى بوصفنا مؤرخين أنه لا يستحق أن يوضع له تمثال في مدخل قناة السويس».