شبح «الدفتيريا» يهدد 237 مديرية يمنية تحت سيطرة الانقلابيين

الميليشيات تمنع الفرق من تحصين الأطفال... واتهامات لها بتعمد نشر الأوبئة لتوظيف المأساة سياسياً

طفل يمني يتلقى العلاج من {الدفتيريا} في أحد مشافي صنعاء (غيتي)
طفل يمني يتلقى العلاج من {الدفتيريا} في أحد مشافي صنعاء (غيتي)
TT

شبح «الدفتيريا» يهدد 237 مديرية يمنية تحت سيطرة الانقلابيين

طفل يمني يتلقى العلاج من {الدفتيريا} في أحد مشافي صنعاء (غيتي)
طفل يمني يتلقى العلاج من {الدفتيريا} في أحد مشافي صنعاء (غيتي)

اضطر المواطن اليمني عثمان مقبل لنقل طفله إلى أقرب نقطة صحية في قريته، وحال وصوله وإخضاعه للكشف الطبي، قال له الطبيب: «ابنك يعاني من التهاب بسيط في اللوزتين والأذن الوسطى».
يقول والد الطفل، الذي يقطن إحدى قرى مديرية السدة بمحافظة إب (جنوب صنعاء): «بعد تشخيص الطبيب وإعطائه جرعة علاجية طمأنني بأنه سيكون بعد ساعات بصحة جيدة فأعدته إلى المنزل مع أنه في الواقع ما زالت صحته في حالة متدهورة».
ويضيف: «أربعة أيام مرت على ابني وحالته الصحية تزداد سوءاً، ولست قادراً على فعل شيء نتيجة حالتي المادية الصعبة التي لم تمكّنني من إسعافه للمدينة».
وعقب صراع الطفل عبد الله عثمان (9 سنوات) خمسة أيام مع المرض، لجأ والده لبيع إحدى المواشي ونقله على الفور لإحدى مستشفيات المدينة بعد التدهور الكبير لحالته الصحية، حيث تبين إصابته بوباء الدفتيريا، وما هي إلا ساعات حتى فارق الحياة.
توفي إلى جانب الطفل عبد الله عثمان، أكثر من 200 طفل يمني في مناطق سيطرة الانقلابيين في غضون ثلاثة أعوام نتيجة إصابتهم بالدفتيريا، وفق آخر إحصائية صادرة عن مركز الإعلام والتثقيف الصحي التابع لسلطة الميليشيات بصنعاء.
وكشفت الإحصائية عن إصابة 3906 أشخاص بالدفتيريا خلال الفترة نفسها في مناطق سيطرة الميليشيات، توفي منهم 218 حالة.
وقالت إن نسبة الوفيات بالمرض لدى الأطفال بلغت 89% من إجمالي الوفيات، منها ما نسبته 70% من الأطفال المتوفين نتيجة المرض لم يتم إعطاؤهم التطعيمات اللازمة.
وأشارت الإحصائية إلى أن 61% من الأطفال المصابين بالدفتيريا تراوحت أعمارهم ما بين سنة و14عاماً. وقالت إن مناطق سيطرة الميليشيات تعاني من انتشار مخيف لعدد من الأوبئة والجوائح كالكوليرا والدفتيريا وغيرها.
وأضافت أن سلطات الميليشيات في تلك المناطق لم تتمكن من كبح جماح انتشارها. وتطرقت إلى أن محافظتي إب والحديدة تتصدران أولى المحافظات المصابة بوباء الدفتيريا.
وبالعودة إلى قضية الطفل عبد الله، فقد حمّل والده عثمان، كلاً من وزارة الصحة ومكتبها في إب الخاضعين لقبضة الميليشيات، المسؤولية الكاملة عن فقدان ابنه. وأرجع عثمان ذلك إلى القصور وضعف التشخيص والإهمال المتعمد الذي خلّفه سوء إدارة الميليشيات منذ انقلابها على السلطة قبل أربعة أعوام.
في السياق ذاته أكد مصدر طبي بأحد مستشفيات إب، لـ«لشرق الأوسط» أن ضعف التشخيص والتدقيق الطبي قد يكون سبباً رئيسياً في فقدان المريض حياته، كما حصل في حالة الطفل عبد الله عثمان.
وقال: «لو تم تشخيص حالة الطفل منذ بداية ظهور أعراض المرض كالحمى والتهيج بالعينين وصعوبة البلع وغيرها، وإعطاؤه بعض الأدوية اللازمة وإخضاعه للعناية 20 يوماً على أقل تقدير، لما فقد حياته بهذه السرعة».
ولفت المصدر الطبي إلى تعمد الميليشيات الحوثية نشر الأوبئة والأمراض الخطيرة والمعدية في أوساط اليمنيين بمناطق سيطرتها بهدف استغلالها إعلامياً وسياسياً.
وتحدث عن غياب شبه كامل لحملات وبرامج الوعي والتثقيف الصحي في أوساط المواطنين بالمحافظة ومديرياتها وقراها الخاضعة جميعها لسلطة الميليشيات.
وقال: «لو كان والد عبد الله يعرف ما هي أعراض الدفتيريا أو الكوليرا أو غيرها وكيف يتعامل معهما وما هي الإجراءات الأولية التي يقوم بها لما فقد ابنه بهذه البساطة». ووفقاً للمصدر الطبي، الذي فضل عدم الكشف عن هويته حفاظاً على سلامته، لم تعد وزارة الصحة وفروعها ومكاتبها تقوم بالدور الوطني والإنساني المنوط بها.
وتطرق المصدر في حديثه إلى القصور والعبث واللامبالاة التي تمارسها الميليشيات في الجانب الصحي. وقال: «بدلاً من أن تقوم وزارة الصحة ومكاتبها وفروعها الخاضعة للحوثيين بحملات توعوية تستهدف المجتمع وتوعيه بمخاطر الأمراض والأوبئة الفتاكة، تم حرفها عن مسارها الصحيح التي أنشئت من أجله، وتحولت للأسف الشديد إلى أداة تنفّذ من خلالها الجماعة كل برامجها وأهدافها وثقافتها الخمينية الدخيلة».
وسعت الميليشيات، المدعومة من إيران، طيلة الفترات السابقة إلى استهداف القطاع الصحي في اليمن من خلال تنظيم لقاءات وأمسيات ودورات طائفية لعدد من الكوادر في العاصمة صنعاء وبقية مناطق سيطرتها بهدف إقناعهم باعتناق أفكارها الطائفية المشبعة بالكراهية والعنف من جهة، والتحشيد لميادينها القتالية من جهة أخرى.
ونظمت «الصحة» (الخاضعة لسيطرة الانقلابيين بصنعاء) على مدى أكثر من عشرين يوماً في رمضان الماضي أكثر من 16 أمسية طائفية، منها 14 أمسية استهدفت فيها ولأول مرة نحو 14 مدير مكتب صحة و90 مدير مستشفى (ريفي ومحوري ومركزي) و9 رؤساء هيئات، و30 طبيباً، و55 ممرضاً، و80 إدارياً وفنياً، و220 مدير مديرية، ونحو 300 من مديري الإدارات في مكاتب الصحة وعدد كبير من الموظفين الصحيين العاديين.
وكشف حينها مصدر مسؤول بمركز الإعلام والتثقيف الصحي لـ«الشرق الأوسط»، أن مديري مكاتب الصحة وطاقمها الإداري في كل من: (أمانة العاصمة - محافظة صنعاء - المحويت - عمران - صعدة - حجة - الحديدة - ريمة - ذمار – إب، وبعض قطاعات الصحة بالجوف والبيضاء والضالع وتعز) خضعوا لدورات تدريبية ثقافية وطائفية تحت مسمى أمسيات، وبإشراف ورعاية وحضور القيادي الحوثي طه المتوكل المعين من قبل الميليشيات كوزير للصحة بصنعاء في حكومتها الانقلابية.
وحسب المسؤول، تخلل تلك الأمسيات والدورات، إلقاء دروس ومحاضرات وخطابات تحريضية وانتقامية وسلالية لزعيم الميليشيات عبد الملك الحوثي، وقراءات لملازم الصريع حسين الحوثي، وكلها تدعو إلى العنف والتحريض وتشدد على أهمية الصرخة الحوثية، وتحث المشاركين على الانخراط بالنفس والمال فيما سموه الجهاد في ميادين القتال التابعة للجماعة.
واستمراراً لمسلسل العبث التي تنتهجه الميليشيات فيما يتعلق بالقطاع الصحي وحياة وصحة اليمنيين بمناطق قبضتها، فقد كشفت مصادر طبية خاصة بصنعاء، لـ«الشرق الأوسط» عن قيام الميليشيات مؤخراً بأعمال مضادة وممنهجة رفضاً لحملات التحصين التي تقيمها المنظمات الدولية في مناطق سيطرتها.
وأكدت المصادر أن الجماعة أوقفت حملة للتحصين ضد الدفتيريا الأسبوع الماضي بالعاصمة صنعاء في يومها الرابع، وقالت إن الميليشيات حثت، وعبر طرق متعددة، المواطنين بصنعاء على عدم تحصين أطفالهم لوجود آثار زعمت الميليشيات أنها سلبية وخطيرة وستنعكس على صحة الأطفال إذا تم تلقيحهم، وأضافت أن الميليشيات قامت من جهة أخرى عبر عناصر تنتمي إليها بمضايقة الفرق المشاركة في الحملة، فيما أغلقت عدداً من مراكز التحصين في أحياء متفرقة من العاصمة.
ولفتت المصادر إلى إغلاق عدد من المدارس الحكومية أمام العاملين الصحيين وبإيعاز من الميليشيات، حيث رفضت تلك المدارس فتح أبوابها أمام الفرق المشاركة لاستقبال الأطفال فيها، ما دفع عدداً من العاملين الصحيين إلى تحصين الأطفال في الشوارع، حرصاً منهم على تحقيق أهداف الحملة.
وحسب المصادر ذاتها، اضطر القائمون على الحملة إلى النزول، السبت الماضي، إلى عدد من المنازل في أحياء متفرقة من العاصمة صنعاء ودعوة المواطنين والأسر لأخذ أطفالهم إلى أماكن تم تخصيصها، لتحصينهم ضد وباء الدفتيريا.
انطلقت حملة التحصين ضد الدفتيريا في أمانة العاصمة وصنعاء وعمران مطلع الأسبوع الماضي، بدعم من «اليونيسيف» ومنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي. وتستهدف جميع الأطفال بالمحافظات المذكورة على مدى ستة أيام، يتلقى فيها الأطفال من عمر شهر ونصف حتى الخامسة باللقاح الخماسي، ومن عمر الخامسة حتى 15 عاماً باللقاح الثنائي (TD) ضد الكزاز والدفتيريا.
وأطلقت «الصحة العالمية» في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، حملة تطعيم لما يقارب 300 ألف طفل دون سن 12 شهراً، محذرةً من أن الدفتيريا، قد يتحول إلى وباء هالك يفتك أساساً بالأطفال.
وتزامن ظهور وباء الدفتيريا في اليمن مع تصاعد تحذيرات أممية بأن اليمن على شفا أسوأ مجاعة في العالم منذ 100عام. كما انتشر أيضاً وباء الكوليرا وسط نقص حاد في المساعدات الطبية والأدوية، وإغلاق مرافق صحية كثيرة نتيجة الحرب التي خلّفها انقلاب الميليشيات على السلطة الشرعية. ورأت منظمات دولية مهتمة بالمجال الصحي أن الاستعدادات لمواجهة «الدفتيريا» بمناطق الحوثيين ضعيفة. وأرجعت أسباب ذلك إلى استمرار الحرب القائمة في دولة وصفتها بـ«أفقر دول العالم».
وحسب منظمة الصحة العالمية، فإن الدفتيريا عدوى تسببها بكتيريا الخناق الوتدية، وعادةً ما تبدأ علاماتها وأعراضها بعد يومين إلى خمسة أيام من التعرض للبكتيريا المسببة لها وتتراوح حدتها بين خفيفة ووخيمة، إذ تبدأ بالتهاب في الحلق وحمى، تتسبب في انسداد مجرى الهواء في مؤخرة الحلق ينتج عنه صعوبة في التنفس والبلع، إضافة إلى مضاعفات شديدة في مجرى الدم، تصل حد النزيف، نظراً إلى انخفاض عدد الصفائح الدموية.


مقالات ذات صلة

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

العالم العربي مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

فرضت الجماعة الحوثية إتاوات جديدة على الكسارات وناقلات حصى الخرسانة المسلحة، وأقدمت على ابتزاز ملاكها، واتخاذ إجراءات تعسفية؛ ما تَسَبَّب بالإضرار بقطاع البناء.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

تحليل إخباري ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)

الحوثيون يحولون المنازل المصادرة إلى معتقلات

أفاد معتقلون يمنيون أُفْرج عنهم أخيراً بأن الحوثيين حوَّلوا عدداً من المنازل التي صادروها في صنعاء إلى معتقلات للمعارضين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي بوابة البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

تفاقم معاناة القطاع المصرفي تحت سيطرة الحوثيين

يواجه القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية شبح الإفلاس بعد تجريده من وظائفه، وتحولت البنوك إلى مزاولة أنشطة هامشية والاتكال على فروعها في مناطق الحكومة

وضاح الجليل (عدن)

محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر
TT

محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر

خلافاً للكثير من القادة الذين عاشوا في الظل طويلا، ولم يفرج عن أسمائهم إلا بعد مقتلهم، يعتبر محمد حيدر، الذي يعتقد أنه المستهدف بالغارة على بيروت فجر السبت، واحداً من قلائل القادة في «حزب الله» الذين خرجوا من العلن إلى الظل.

النائب السابق، والإعلامي السابق، اختفى فجأة عن مسرح العمل السياسي والإعلامي، بعد اغتيال القيادي البارز عماد مغنية عام 2008، فتخلى عن المقعد النيابي واختفت آثاره ليبدأ اسمه يتردد في دوائر الاستخبارات العالمية كواحد من القادة العسكريين الميدانيين، ثم «قائداً جهادياً»، أي عضواً في المجلس الجهادي الذي يقود العمل العسكري للحزب.

ويعتبر حيدر قائداً بارزاً في مجلس الجهاد في الحزب. وتقول تقارير غربية إنه كان يرأس «الوحدة 113»، وكان يدير شبكات «حزب الله» العاملة خارج لبنان وعين قادة من مختلف الوحدات. كان قريباً جداً من مسؤول «حزب الله» العسكري السابق عماد مغنية. كما أنه إحدى الشخصيات الثلاث المعروفة في مجلس الجهاد الخاص بالحزب، مع طلال حمية، وخضر يوسف نادر.

ويعتقد أن حيدر كان المستهدف في عملية تفجير نفذت في ضاحية بيروت الجنوبية عام 2019، عبر مسيرتين مفخختين انفجرت إحداهما في محلة معوض بضاحية بيروت الجنوبية.

عمال الإنقاذ يبحثون عن ضحايا في موقع غارة جوية إسرائيلية ضربت منطقة البسطة في قلب بيروت (أ.ب)

ولد حيدر في بلدة قبريخا في جنوب لبنان عام 1959، وهو حاصل على شهادة في التعليم المهني، كما درس سنوات عدة في الحوزة العلمية بين لبنان وإيران، وخضع لدورات تدريبية بينها دورة في «رسم وتدوين الاستراتيجيات العليا والإدارة الإشرافية على الأفراد والمؤسسات والتخطيط الاستراتيجي، وتقنيات ومصطلحات العمل السياسي».

بدأ حيدر عمله إدارياً في شركة «طيران الشرق الأوسط»، الناقل الوطني اللبناني، ومن ثم غادرها للتفرغ للعمل الحزبي حيث تولى مسؤوليات عدة في العمل العسكري أولاً، ليتولى بعدها موقع نائب رئيس المجلس التنفيذي وفي الوقت نفسه عضواً في مجلس التخطيط العام. وبعدها بنحو ثماني سنوات عيّن رئيساً لمجلس إدارة تلفزيون «المنار».

انتخب في العام 2005، نائباً في البرلمان اللبناني عن إحدى دوائر الجنوب.