السياحة منجم جنوب أفريقيا الجديد

من الطبيعة الغنية إلى قصص مثيرة عن نيلسون مانديلا

كيب تاون
كيب تاون
TT

السياحة منجم جنوب أفريقيا الجديد

كيب تاون
كيب تاون

كانت جنوب أفريقيا ولحقبة طويلة من الزمن دولة منبوذة ومعزولة، بسبب ممارسات الفصل العنصري، واضطهاد الأقلية البيضاء للأكثرية السوداء، ولكنها قفزت في السنوات الأخيرة لتُصبح واحدة من دول العالم السياحية. يقصدها ملايين السياح للتمتع بشواطئها النظيفة وصحاريها الرملية ومنحدراتها الصخرية وغاباتها وبحيراتها ومواقعها الأثرية الحفرية الأقدم في العالم. الأهم من كل هذا، فرصة تتبع حياة الزعيم الراحل نيلسون مانديلا، وزيارة متحف الفصل العنصري الذي لا يزال شاهداً على العنصرية المقيتة. فالناس هنا لا يريدون كَنس المكان وإخفاء الأوساخ تحت السجادة، ولكنهم راغبون في عرضها أمام العالم، ليقولوا هكذا كنا وهكذا تحولنا إلى مجتمع إنساني يعيش شهر عسل ما بعد الفصل العنصري.
الآن تضم جنوب أفريقيا كثيراً من أوجه الجمال التي تستحق الزيارة في كل الفصول، وخصوصاً عندما يكون الشتاء مخيماً على نصف الكرة الشمالي، بينما يكون الصيف مشرقاً وبهيجاً فيها.

شعب بألوان «قوس قزح»
تقع جنوب أفريقيا في أقصى جنوب القارة، وهي من ضمن أكبر 25 دولة في العالم من حيث مساحة الأرض، بينما يبلغ عدد سكانها أكثر من 57 مليون نسمة، وهم مثل ألوان «قوس قزح» في تنوعهم. 80 في المائة منهم من السود الناطقين بلغات أفريقية مختلفة، وهؤلاء لم يتم منحهم حق الانتخاب حتى عام 1994، ويتحدثون عشر لغات رسمية. أما ما تبقى من السكان فهم من أصول أوروبية وآسيوية (هندية) وأجناس متعددة الأعراق والأديان، ومنها الدين الإسلامي. كما تشكل اللغة الإنجليزية القاسم المشترك بينهم، ولا تزال لغة التفاهم والتجارة والعمل والتعليم. فهي ما تبقى من إرث الاستعمار البريطاني.
كيب تاون هي العاصمة الرسمية للبلاد، إلا أن كلاً من بريتوريا وجوهانسبرغ هما أكثر شهرة، وكثيراً ما يتم الخلط بين الأخيرة وبين العاصمة؛ خصوصاً أنها واحدة من أكبر 50 منطقة حضرية في العالم. فإلى جانب أنها أكبر وأغنى مقاطعة في جنوب أفريقيا، هي أيضاً مقر المحكمة الدستورية، ومركز تجارة الذهب والماس على المستوى العالمي. ولكن يبدو أن السياحة قد تفوقت على التعدين، وصارت هي الذهب الجديد بالنظر إلى توافد ملايين السياح كل عام إليها. فقد حصلوا على كل إشارات الأمان وارتاحوا للحداثة والحياة العصرية، كما تبدلت النظرة الخاطئة التي كانت ترى في هذا البلد غابة برية تتجول فيها الأسود والنمور في الشوارع.

أهم أماكن الجذب السياحي في جنوب أفريقيا
Table Mountain (جبل الطاولة)
أينما كنت في العاصمة، كيب تاون، فإن عينيك سوف تلتقطان جزءاً من هذا الجبل الذي يبلغ ارتفاعه نحو 1000 متر، ويبدو شديد الانحدار من الجوانب، ولكنه مسطح من الأعلى (ومن هنا جاءت تسميته). وهو واحد من أقدم الجبال على هذا الكوكب، ومن عجائب الدنيا السبع الجديدة، والمعلم الأيقوني، ونقطة الجذب الرئيسية للسياح. وهذا يعني أنه الأكثر تصويراً في البلاد أيضاً.
وهنالك طريقتان للوصول إلى قمة الجبل، أولاهما بواسطة التلفريك، وثانيهما سيراً على الأقدام. ولكن هذه الطريقة تناسب فقط من يتمتعون بدرجة معقولة من اللياقة البدنية؛ لأن الصعود قد يستغرق بضع ساعات، ولا بد من انتعال حذاء مناسب والتزود بكمية مناسبة من الماء والطعام الخفيف.
بمجرد الوصول إلى القمة ستظهر الأرض غير مسطحة كما تبدو من بعيد، وتحتوي على عدد من الوديان والقمم. وهي موطن لآلاف الأنواع من النباتات والزهور. ويمكن للمتسلق أن يحظى بمناظر بانورامية لجزيرة روبن؛ خصوصاً في وقت الغروب والمساء. أما السياح الأكثر جُرأة، فيمكنهم الصعود إلى القمة بالمظلات، وهي رحلة آمنة، وتتم بإشراف محترفين.

Two Oceans Aquarium (حوض المحيطين للحيوانات البحرية)
يقع في كيب تاون، وتم افتتاحه عام 1995. وهو نقطة التقاء المحيطين الهندي والأطلسي، ويعرض الحياة البحرية المتنوعة داخلهما، ومن هنا جاء اسمه. يضم الحوض سبع نوافذ زجاجية ضخمة، وصالات واسعة تختزن الملايين من غالونات الماء. ويمكن للزائر أن يدخل في الأنفاق العميقة، ويقترب من أسماك القرش العملاقة وأسماك البطريق. كما يمكنه التمتع بمشاهدة أعشاب البحر ونجم وسرطان البحر وشقائق النعمان البحرية، والدخول إلى المسبح. أما الغواصين المؤهلين، فيُمكنهم الوصول إلى أعماق الماء للسباحة مع الأسماك والحيوانات البحرية النادرة، مثل قنديل البحر الشفاف وفرس البحر الصغير والعنكبوت العملاق والأسماك المتلألئة.
وثمة أنشطة مسلية للصغار، وعروض للدمى والفنون الموسيقية. ويفضل حجز تذاكر الدخول عبر الإنترنت، لتلافي الزحام والطوابير الطويلة.

Cradle of Humankind (مهد البشرية)
موقع أنثروبولوجي يقع على بُعد 90 دقيقة بالسيارة عن وسط مدينة جوهانسبرغ، ويعد واحداً من مواقع التراث العالمي لليونيسكو، بعد أن دخل القائمة في عام 1999. يشغل الموقع نحو 47000 هكتار، ويحتوي على كثير من الكهوف الجيرية، ويمكن القول إنه أغنى موقع بشري في العالم؛ لأنه الموطن لنحو 40 في المائة من جميع الحفريات المكتشفة؛ حيث يمكن للزائر مشاهدتها في المتحف الملحق بالموقع، والتعرف على الأحجار واللقى، وخمسة عشر هيكلاً عظمياً متحجراً من فصيلة هومينين المنقرضة التي تم العثور عليها مؤخراً.
وبعيداً عن الحفريات، فإن هذه المنطقة هي موطن لمجموعة متنوعة من الطيور والنباتات النادرة المهددة بالانقراض. هذا وتتيح الزيارة فرصة تناول الطعام في جو هادئ على المحيط، واكتشاف الحياة البرية الرائعة، أو اختيار بعض الزوايا لالتقاط صور الزفاف المميزة، أو المبيت في أحد الفنادق المريحة بقرب المكان.

Nelson Mandela Square (ساحة نيلسون مانديلا)
كان اسمها سابقاً «ميدان ساندتون» قبل عام 2004، حيث أزيح الستار عن تمثال برونزي بطول 20 قدماً للزعيم الراحل نيلسون مانديلا. وهو ميدان عام ومركز للتسوق في مدينة جوهانسبرغ، تحيط به مطاعم راقية ومتاجر فاخرة للبيع بالتجزئة. ويمكن للسائح المشي إلى مركز التسوق (Sandton City) المجاور، أو الاستمتاع بأحد العروض الحية الزاخرة بالألوان التي تقدم في الميدان.
وغالباً يصادف السائح مجاميع من تلاميذ المدارس وهم يزورون النصب، ويقدمون بعض النشاطات الموسيقية الغنائية التي تتغنى بالزعيم ودوره في إنهاء حقبة التمييز العنصري بسلام. وعموماً هو مكان متميز يجمع السياح من كل أنحاء العالم، ويتيح الفرصة لتناول وجبة في أحد المطاعم الراقية التي تقدم أطباقاً محلية تقليدية إلى جانب أطباق من المطبخ العالمي. لكن عيب هذا المكان أنه مزدحم جداً في موسم السياحة، ما يستدعي الوقوف في طوابير طويلة قبل الدخول إلى أي من هذه المطاعم.

Boulders Beach (شاطئ الصخور)
إذا كنت من هواة مراقبة الطيور، وخصوصاً البطريق، فإن هذا الشاطئ مناسب تماماً لك. برسوم زهيدة يفتح الباب للسير في ممشى طويل عبارة عن شواطئ تُغطيها الرمال البيضاء، وعلى الجانبين تتقافز هذه الطيور، ربما لتظهر انزعاجها من المتطفلين أو ربما لترحب بهم؛ خصوصاً وأن بعضهم لا يبخل عليها بالطعام. ويمكن هنا التقاط الصور والأفلام واكتشاف البرك الصخرية الصغيرة حول الشاطئ، وممارسة السباحة أو السير باتجاه القرى الصغيرة التي يسكنها الصيادون.
عندما تُصاب بالتعب، يمكنك استئجار سيارة تأخذك إلى منازل الشاطئ الملونة، لتناول الطعام في أحد المطاعم التي تقدم طعاماً متنوعاً، يشمل اللحوم والوجبات المحلية والحمص والفلافل.

Robben Island (جزيرة روبن)
تحمل هذه الجزيرة تاريخاً حزيناً، كونها مثالاً صارخاً لسياسة الفصل العنصري التي عاشته البلاد. فقد كانت المكان الذي سجن فيه نيلسون مانديلا. يمكن الوصول إلى الجزيرة بواسطة العبَّارات الصغيرة التي تنطلق من مدينة كيب تاون. بعدها يمكن القيام بجولة بواسطة الحافلة، تتجول بك بين الأزقة وعبر بوابات السجن. ورغم أنها رحلة غير سعيدة، فإنها تبعث الأمل وتجدد الثقة بقدرة الناس على التعايش وقبول الآخر ودعم بعضهم لبعض من خلال الدخول في حوارات مع السكان المحليين. الأفضل حجز التذاكر مقدماً من خلال الموقع على الإنترنت.

V&A Waterfront واجهة (في آند إيه) المائية
واحدة من أكبر مناطق الجذب السياحي في البلاد. تتوسطها المطاعم الشعبية والمقاهي والمحلات التجارية الراقية، والمسارح ومحلات الحرف اليدوية، وليس بعيداً عنها يوجد المتحف البحري وبرج الساعة والحدائق النباتية. ورغم أن مواطني جنوب أفريقيا يعترفون بافتقارهم إلى مطبخ غني ومميز، فإنهم تداركوا الأمر، وأصبحوا يتفننون في كل الأنواع، مثل مطعم أفريقيا، الذي يُقدم نحو 16 طبقاً كلها بنكهات أفريقية مختلفة، من السبانخ الكونغولي والكاري الأوغندي، إلى الجبن الأبيض الإثيوبي الرائب مع الأعشاب المحلية، والمثلجات الطبيعية بنكهات النعناع والتوت وجوز الهند وكراميل التمر والهيل الداكن.



«الصحراء البيضاء» في مصر... متعة المغامرة والتخييم

الصحراء البيضاء متعة المغامرة (أدوب ستوك)
الصحراء البيضاء متعة المغامرة (أدوب ستوك)
TT

«الصحراء البيضاء» في مصر... متعة المغامرة والتخييم

الصحراء البيضاء متعة المغامرة (أدوب ستوك)
الصحراء البيضاء متعة المغامرة (أدوب ستوك)

تعدّ الصحاري من أكثر المغامرات إثارةً في العالم، فبعيداً عن الاعتقاد بأنها مجرد مساحات من الفراغ الشاسع، تكشف هذه الوجهات عن سلاسل جبلية وحياة برية فريدة، وثقافات تقليدية، ومناظر طبيعية خلابة مطلية بألوان نقية متنوعة.

وترتبط مصر في الأذهان بمجموعة من الأماكن الأثرية المتفردة المختلفة، لكنها إلى جانب ذلك تحتضن أمكنة لا مثيل لها، فهي أيضاً موطن «الصحراء البيضاء»، التي تتميز بعجائب جيولوجية تقدم للزائر مغامرةً فريدةً، تشعرك عبر تفاصيلها وكأنك تطأ كوكباً آخر؛ لذلك فهي مثالية للذين يبحثون عن قضاء عطلة لا تسقط من الذاكرة.

اُختيرت «الصحراء البيضاء» من قبل موقع «Trip Advisor» المختص بشؤون «السياحة والسفر»، لتتصدر المركز الأول لأفضل وأغرب 20 موقعاً سياحياً فريداً على مستوى العالم؛ فتلك الصحراء الواقعة في «واحة الفرافرة» بمحافظة الوادي الجديد، على مسافة نحو 500 كيلومتر من القاهرة، من أفضل المقاصد السياحية في مصر.

الصحراء البيضاء متعة المغامرة (الهيئة العامة للاستعلامات)

وتُعدّ الصحراء البيضاء «محمية متنزه وطني» وفقاً لتصنيف الاتحاد الدولي لصون الطبيعة (LUCN)، وتتلخص خصائصها في أنها من المَعالم الطبيعية المهمة، كما تعدّ مصدر دخل مهماً لأهل الواحات، فضلاً عن كونها تمثل قيمةً تاريخيةً وأثريةً كبيرةً.

يُغيِّر لك هذا المكان، الذي يشغل مساحة نحو 3 آلاف كيلومتر مربع، مفهومَك التقليدي للصحراء بوصفها «مجرد» مكان من الكثبان الرملية والحرارة المرتفعة؛ فحين تزورها تُفاجأ بأن اللون الأبيض يغطي معظم أرجائها؛ وهو سر تسميتها، تستقبلك تكويناتها الصخرية التي تتخذ شكلا ًسريالياً، بعضها على هيئة أشكال مألوفة مثل عيش الغراب، وبعضها يتمتع بأشكال غير معروفة؛ ما جعلها تشبه المناظر الطبيعية الثلجية.

سيأخذك المكان إلى عصور قديمة، تمتد إلى آلاف السنين، وستتخيل تلك اللحظات التي هبَّت عليها الرياح القوية خلال هذه العصور، وأسهمت في إنشاء هذه التكوينات.

الصحراء البيضاء (الهيئة العامة للاستعلامات)

وأنصحك بمشاهدة هذه التكوينات النحتية عند شروق الشمس أو غروبها خصوصاً، فعندما تضيئها الشمس بظلالٍ ورديةٍ برتقاليةٍ، أو عندما يكتمل القمر، يضفي ذلك على المناظر الطبيعية مظهراً قطبياً وكأنه شبح ضخم، فتشعر بمزيد من أجواء الإثارة والمغامرة.

ستستحوذ الرمال المحيطة بالنتوءات الصخرية على اهتمامك، إذ ستجدها مليئة بالكوارتز، وأنواع مختلفة من البيريت الحديدي الأسود العميق، بالإضافة إلى الحفريات الصغيرة.

على مقربة من هذه التكوينات يوجد جبلان مسطحان يطلق عليهما بعض المرشدين السياحيين اسم «القمتين التوأم»، وهما نقطة رئيسية للمسافرين، وتعدّ هذه المنطقة وجهةً مفضلةً لدى منظمي الرحلات السياحية المحليين، حيث يمكنك الاستمتاع بالمناظر الخلابة من أعلى التلال المتناظرة المحيطة، التي تتخذ جميعها شكل تلال النمل العملاقة.

الصحراء البيضاء (الهيئة العامة للاستعلامات)

بعد ذلك مباشرة، ستجد طريقاً شديد الانحدار؛ وهو الممر الرئيسي الذي يؤدي إلى منخفض الفرافرة، ويمثل نهاية «الصحراء البيضاء»، لكن هذا لا يعني أن رحلتك انتهت؛ فثمة أماكن ونشاطات أخرى يمكن أن تمارسها.

يستطيع عشاق الحياة البرية، أو الاختصاصيون الاستمتاعَ بمشاهدة الحيوانات البرية النادرة المُهدَّدة بالانقراض مثل الغزال الأبيض والكبش الأروي، كما تضم المحمية بعض الأشجار الصحراوية.

لا ينبغي أن تفوتك زيارة جبل الكريستال، وهو في الواقع صخرة كبيرة مكونة بالكامل من الكوارتز، ويقع الجبل بجوار الطريق الرئيسي، ويمكن التعرف عليه بسهولة من خلال الفتحة الكبيرة في منتصفه.

الصحراء البيضاء (أدوب ستوك)

أيضاً لا ينبغي أن تفوّت متعة تأمل السماء ومراقبة النجوم، انغمس في عجائب هذا المكان الرائع ليلاً، فعندما تتحول السماء إلى اللون الوردي ثم أعمق درجات اللون البرتقالي الناري، بعد الغروب، ستتلاشى الأشكال الصخرية، ويحل الصمت في كل مكان، في هذه اللحظة ستجد البدو يدعونك إلى الجلوس حول نار مشتعلة، والاستمتاع بالدجاج المدفون، وكوب الشاي الساخن، في أثناء التخييم بالمكان.