«الثقافة الجديدة» المصرية: ملفان عن الشاعر محمد أبو دومة وأسواق مصر

«الثقافة الجديدة» المصرية: ملفان عن الشاعر محمد أبو دومة وأسواق مصر
TT

«الثقافة الجديدة» المصرية: ملفان عن الشاعر محمد أبو دومة وأسواق مصر

«الثقافة الجديدة» المصرية: ملفان عن الشاعر محمد أبو دومة وأسواق مصر

أفردت مجلة «الثقافة الجديدة» في عددها الجديد لشهر أغسطس (آب) الجاري، ملفاً خاصاً عن الشاعر الراحل محمد أبو دومة، تضمن دراسات عن مناخات العشق ورمزية الصوفية ونزعة التحريض والتمرد في شعر أبو دومة، للنقاد: أحمد الصغير، وأبو زيد بيومي، ومحمد رمضان الطهطاوي، وراضي جلال عبد الحفيظ، وبهاء الدين رمضان. وكتب رمضان متولي عن علاقته بالشاعر الراحل مقالاً بعنوان «من ذكرياتي مع صديق العمر»، واختتم محمد سمير عبد السلام الملف بدراسة عن «النهايات المحتملة لعلامة القلب».
وتضمن العدد ملفاً آخر بعنوان «أسواق مصر... مرايا ثقافية وجمالية» كشف فيه الباحث عمرو عبد العزيز منير عن «التواريخ السرية للأسواق المصرية»، وتناول الدكتور هشام عبد العزيز «الأسواق بوصفها ذاكرة حية للثقافة الشعبية»، وكتب شعبان يوسف عن «سوق الأزبكية... أيقونة الكتب المصرية».
وتطرق في «أسواق الصعيد... العيد الأسبوعي للطزاجة»، بينما يعرض يسري حسان لسوق «روض الفرج» بوصفها دنيا كاملة من الحكايات والقصص والمناظر. كذلك كتب سعد الأزهري عن «سوق الجمعة... الماضي حاضراً في لعبة البيع والشراء»، وبحث فؤاد مرسي في «سوق الاثنين... بين عناصر الندرة ونزوعات الوفرة»، في حين تناولت رشا رمزي حلقة «السمك السويسي واصفة الألوان المدهشة للثقافة البحرية»، وحسين عبد الرحيم «حكاية سوق البالة... ملامح الحياة المستعملة في بورسعيد».
وتنوع باب «فضاءات إبداعية» بين نصوص من الشعر والقصة، لمجموعة من الشعراء والكتاب. كما ضم باب «الصوت واللون والحرية» عدداً من الترجمات والحوارات؛ منها «قصائد لديلان توماس»، ترجمة شرقاوي حافظ، و«عشرة هنود» لإرنست هيمنغواي، ترجمة عبد السلام إبراهيم. أما «المواجهة» فجاءت مع الشاعر فريد أبو سعدة، وقد حاوره بشري عبد المؤمن. ونقرأ في «الحفر باللون» عن الفنان التشكيلي مصطفى الفقي. وفي باب «من فات قديمه» نقرأ مقال «الغجر... شعب جوال تتقاذفه البلاد» لعثمان الأمير.
ونطالع في دقات المسرح «مسرحة الأماكن... تيار لم يتشكل بعد» لإبراهيم الحسيني. وفي باب رحيق الكتابة يكتب السيد إمام «زمن القص... قراءة أخرى في صراع الشعر والرواية». وفي «عطر الأحباب» نقرأ «أحمد مبارك... راغ منا حتى لا يودعه أحد» لأشرف دسوقي علي، و«أحمد مبارك... صياد الشعر على مقهى الجمال» لأحمد فضل شبلول.
وتصدر مجلة «الثقافة الجديدة» عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.



رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة
TT

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة

ليس أكثر من قصائد الشعر بمختلف اللغات وفي شتى العصور، ولكن ما عسى الشعر أن يكون؟ يقول جون كاري (John Carey) أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة أوكسفورد في كتابه «الشعر: تاريخ وجيز» (A Little History of Poetry)، (مطبعة جامعة ييل، نيوهفن ولندن، 2020) إن «صلة الشعر باللغة كصلة الموسيقى بالضوضاء. فالشعر لغة مستخدمة على نحوٍ خاص، يجعلنا نتذكر كلماته ونثمنها». وكتاب كاري الذي نعرضه هنا موضوعه أشعار عاشت على الزمن منذ ملحمة جلجامش البابلية في الألفية الثالثة ق.م وملحمتي هوميروس «الإلياذة» و«الأوديسة» في القرن الثامن ق.م حتى شعراء عصرنا مثل الشاعر الآيرلندي شيمس هيني (تُوفي في 2013) والشاعرة الأفرو - أميركية مايا أنجيلو (توفيت في 2014) والشاعر الأسترالي لس مري (توفي في 2019).

ليس الشعر كما يظن كثيرون خيالاً منقطع الصلة بالواقع أو تهويماً في عالم أثيري عديم الجذور. إنه كما يوضح كاري مشتبك بالأسطورة والحرب والحب والعلم والدين والثورة والسياسة والأسفار. فالشعر ساحة لقاء بين الشرق والغرب، ومجال للبوح الاعترافي، ومراوحة بين قطبي الكلاسية والرومانسية، وأداة للنقد الاجتماعي، ومعالجة لقضايا الجنس والعرق والطبقة. إنه كلمات يختارها الشاعر من محيط اللغة الواسع ويرتبها في نسق معين يخاطب العقل والوجدان والحواس. فالشعراء كما تقول الشاعرة الأميركية ميريان مور يقدمون «حدائق خيالية بها ضفادع حقيقية».

وتعتبر الشاعرة اليونانية سافو (630 ق.م-570 ق.م) من جزيرة لسبوس أول شاعرة امرأة وصلت إلينا أشعارها في هيئة شذرات (القصيدة الوحيدة التي وصلت إلينا منها كاملة عنوانها «أنشودة إلى أفروديتي» ربة الحب). المحبوبة في قصائدها تفاحة حمراء ناضجة في شجرة عالية بعيدة المنال. أو هي زهرة جبلية يطأها الرعاة الأجلاف بأقدامهم فتترك أثراً أرجوانياً على الأرض. وفى قصيدتها المعروفة باسم «الشذرة 31» ترى صديقة لها تتحدث مع رجل وتضاحكه فتتولاها الغيرة ويثب قلبها في صدرها وتشعر كأن ناراً ترعى في بدنها فتعجز عن الكلام وتغيم عيناها وترتعد فرائصها (للدكتور عبد الغفار مكاوي كتاب صغير جميل عن «سافو شاعرة الحب والجمال عند اليونان»، دار المعارف، القاهرة).

والشعر مشتبك بالدين كما هو الحال في غزليات الشاعر الفارسي حافظ الشيرازي (من القرن الرابع عشر الميلادي) الذي لا نعرف الكثير عن حياته. نعرف فقط أنه حفظ القرآن الكريم في طفولته واشتغل خبازاً قبل أن يغدو من شعراء البلاط ودرس الصوفية على يدي أحد أقطابها. وهو يستخدم صور الحب والخمر كما يفعل المتصوفة رمزاً إلى الحب الإلهي والوجد الصوفي والنشوة الروحية المجاوزة للحواس. وقد غدت قصائده من كنوز اللغة الفارسية، ودخلت بعض أبياته الأمثال الشعبية والأقوال الحكمية، ولا يكاد بيت إيراني يخلو من ديوانه.

كذلك نجد أن الشعر يشتبك بكيمياء اللغة وقدرتها على الإيحاء ومجاوزة الواقع دون فقدان للصلة به. يتجلى هذا على أوضح الأنحاء في عمل الشاعر الرمزي الفرنسي أرتور رامبو من القرن التاسع عشر. فعن طريق تشويش الحواس والخلط بين معطياتها يغدو الشاعر رائياً يرى ما لا يراه غيره وسيتكشف آفاق المجهول. فعل رامبو هذا قبل أن يبلغ التاسعة عشرة من العمر، وذلك في قصائده «السفينة النشوى» (بترجمة ماهر البطوطي) و«فصل في الجحيم» (ترجمها الفنان التشكيلي رمسيس يونان) و«اللوحات الملونة» أو «الإشراقات» (ترجمها رفعت سلام). وبهذه القصائد غدا رامبو - ومعه لوتريامون صاحب ديوان «أغاني مالدورور» - أباً للسريالية في العقود الأولى من القرن العشرين.

والشعر مشتبك بالسياسة خاصة في عصرنا الذي شهد حربين عالميتين وحروباً محلية وصراعات آيديولوجية ما بين نازية وفاشية وشيوعية وليبرالية وديمقراطية وأصولية دينية، كما شهد المحرقة النازية وإلقاء أول قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناجازاكي. وممن عاشوا أزمات هذا العصر الشاعر التشيكي ياروسلاف سيفرت (1986-1901) الحائز جائزة نوبل للأدب في 1984. إنه في ديوانه المسمى «إكليل من السوناتات» (1956) يخاطب مدينته براغ التي أحالتها الحرب العالمية الثانية إلى ركام معبراً عن حبه لها وولائه لوطنه. وشعر سيفرت يقوم على استخدام المجاز. وقد جاء في حيثيات منحه جائزة نوبل أن شعره الذي يمتاز بالوضوح والموسيقية والصور الحسية يجسد تماهيه العميق مع بلده وشعبه.

ومن خلال الترجمة يتمكن الشعر من عبور المسافات وإقامة الجسور وإلغاء البعد الزمني، وذلك متى توافر له المترجم الموهوب القادر على نقل روح القصيدة ونصها. هذا ما فعله المترجم الإنجليزي آرثر ويلي (توفي في 1966) الذي نقل إلى الإنجليزية كثيراً من الآثار الشعرية والروائية والمسرحية الصينية واليابانية.

ومن أمثلة ترجماته هذه القصيدة القصيرة من تأليف الإمبراطور الصيني وو-تي (القرن الأول ق.م) وفيها يرثي حبيبته الراحلة:

لقد توقف حفيف تنورتها الحريرية.

وعلى الرصيف الرخامي ينمو التراب.

غرفتها الخالية باردة ساكنة.

وأوراق الشجر الساقطة قد تكوّمت عند الأبواب.

وإذ أتوق إلى تلك السيدة الحلوة

كيف يتسنى لي أن أحمل قلبي المتوجع على السكينة؟

ويختم جون كاري هذه السياحة في آفاق الشعر العالمي، قديماً وحديثاً، شرقاً وغرباً، بقوله إن الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على طرح الأسئلة على الكون، بغية إدراك معنى الوجود، أسئلة لا تجد إجابة في الغالب، ولكن هذا التساؤل - من جانب الفيلسوف والعالم والشاعر - يمثل مجد الإنسان ومأساته معاً.