أكثر من ملف مستعجل أسير التعطيل الحكومي

الأولوية للوضعين الاقتصادي والمالي تليهما أزمة النفايات

أزمة نفايات متراكمة في شوارع زغرتا
أزمة نفايات متراكمة في شوارع زغرتا
TT

أكثر من ملف مستعجل أسير التعطيل الحكومي

أزمة نفايات متراكمة في شوارع زغرتا
أزمة نفايات متراكمة في شوارع زغرتا

مع دخول وقف جلسات الحكومة بعد حادثة قبرشمون شهرها الثاني من دون بوادر حل في الأفق، يمكن الحديث عن تهديدات جدية تطال مصير أكثر من ملف مستعجل كان يتوجب أن يوضع على طاولة مجلس الوزراء مباشرة بعد إقرار موازنة عام 2019.
ويقر كل الفرقاء بخطورة المرحلة وبوجوب إيجاد المخارج المناسبة للأزمة السياسية بأسرع وقت ممكن من دون أن ينجحوا في ذلك حتى الساعة، ما يدفع رئيس الحكومة سعد الحريري لتريث إضافي قبل الدعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء يسعى لتكون منتجة فلا تتطرق إلى الحادثة التي شهدها الجبل ويتم حصر المسألة في إطارها القضائي.
ويبدو رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أكثر المستعجلين لإعادة تفعيل عمل الحكومة، من هنا كانت دعوته الرئيس الحريري الأسبوع الماضي للإسراع في تحديد موعد لجلسة مقبلة تبتّ الملفات العالقة، خصوصاً في ظل الهواجس المتصاعدة حيال الوضعين المالي والاقتصادي.
وتشير مصادر قريبة من الرئيس عون إلى أن الأولوية اليوم هي لتحريك العجلة الاقتصادية ووضع توصيات مؤتمر «سيدر» موضع التنفيذ، لافتةً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أهمية إنجاز جملة من التعيينات خصوصاً في وزارة العدل، وبالتحديد لمواقع المدعي العام التمييزي ورئيس مجلس شورى الدولة ورئيس هيئة التشريع والقضايا والمدير العام لوزارة العدل، أضف إلى ذلك وجوب استكمال تعيين أعضاء المجلس الدستوري.
وتضيف المصادر: «كما أن هناك اتفاقات تستدعي متابعة، وقروضاً تستدعي معالجة». وأشارت المصادر إلى أن الرئيس عون سعى خلال شهر ونصف إلى إيجاد الحلول المناسبة لحادثة قبرشمون، وقد عمل على 3 محاور، أمنياً وسياسياً وقضائياً، معتبرةً أن الأمور سلكت مسارها الطبيعي على الصعيدين الأمني والقضائي لكنّ المشكلة تبقى بالسياسة مع اصطدام معظم المبادرات التي تم طرحها بعقبات شتى.
ولعل أبرز ما يستدعي انعقاد مجلس الوزراء بأسرع وقت، هو تعهد القوى السياسية بوضع خطة ورؤية اقتصادية لم تلحظها موازنة عام 2019، إضافة إلى العمل على إتمام الإصلاحات المطلوبة لضمان تنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر» والذي جمع للبنان نحو 11 مليار دولار كقروض بفوائد مخفّضة وهبات من المفترض أن تخصص لتنفيذ نحو 250 مشروعاً للبنى التحتية والتطوير.
وحسب المعلومات المتداولة، يصل إلى بيروت مطلع سبتمبر (أيلول) المقبل، المنسق الفرنسي في مؤتمر «سيدر» السفير بيار دوكان، للاطلاع من المسؤولين على ما اتُّخذ حتى الآن في سياق الاستعدادات لتنفيذ مقررات المؤتمر، ولا شك أن استمرار تعطيل عمل الحكومة لن يعطي إشارات إيجابية للدبلوماسي الفرنسي.
أما ما يتعلق بتعهدات الإصلاح التي قُطعت في «سيدر» والتي يتوجب أن تباشر بها الحكومة، فيشير «المركز اللبناني للدراسات» إلى 73 تدبيراً موزّعة على خمسة مجالات: 32 تدبيراً قطاعياً تغطي الكهرباء والنفايات الصلبة والاتصالات والنقل والمياه. و23 تدبيراً ضريبياً تتصل بتحسين جباية الضرائب وتقليل الثغرات وتحسين شفافية الموازنة وإدارة الدين العام والخدمات الإلكترونية لوزارة المالية. و11 تدبير حوكمة تغطي مشتريات القطاع العام وتحديث القاع العام وإعادة هيكلته والتحويل الرقمي للحكومة. و4 تطويرات في القطاع الخاص تعالج تحديث الوضع القانوني للشركات، واعتماد قانون للمعاملات الإلكترونية وحماية البيانات الشخصية، وتحويل بورصة بيروت إلى شركة مساهمة. و3 إصلاحات قضائية تركّز حصراً على مكننة العمليات، والإجراءات القضائية وتعزيز قدرات المؤسسات القضائية.
وقد اعتمدت الحكومة بعض الإصلاحات الخاصة بقطاع الكهرباء، كما أقرت موازنة تعهدت فيها بخفض العجز 7.5%. وفي هذا المجال، يرى مدير معهد «الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية» الدكتور سامي نادر، أن الاستحقاق الأبرز أمام الحكومة هو إثبات قدرتها على ضبط العجز، لافتاً إلى «وجوب أن تضع إنقاذ الوضع المالي أولويتها خصوصاً أن مشاريع (سيدر) قد لا تكفي لانتشالنا مما نتخبط فيه لأنها تتطلب سنتين أو 3 لنشعر بمنافعها». ويقول نادر لـ«الشرق الأوسط»: «هناك أمور طارئة على المستوى المالي خصوصاً إذا كنا مقبلين على تصنيف سلبي جديد من قبل وكالات التصنيف الدولية لأن ذلك من شأنه أن يترك تداعيات تطال القطاع المصرفي ككل، ما يوجب إعادة رفع ملاءة البنوك، وهذا لن يكون سهلاً في ظل أزمة السيولة التي نرزح تحتها».
ومن بين الأزمات الطارئة التي سيكون على الحكومة التعامل معها فور انعقادها، أزمة النفايات وذلك بعد إمهال القيّمين عل مطمر «الكوستابرافا» السلطات شهراً واحداً قبل إقفال المطمر من جديد واقتراب مطمر برج حمود من سعته القصوى نهاية شهر سبتمبر المقبل. وتنتظر وزارة البيئة إقرار الحكومة الخطة التي أعدتها للتصدي للأزمة والتي تقوم على اعتماد «لا مركزية الحل» وتخفيف كميات النفايات وتطبيق الفرز من المصدر.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».