الحركات المسلحة تواصل رغم تحفظات مباحثاتها مع المجلس العسكري

TT

الحركات المسلحة تواصل رغم تحفظات مباحثاتها مع المجلس العسكري

أبدت «الجبهة الثورية» بشقيها تحفظاتها على اتفاق «الوثيقة الدستورية» التي وُقعت بالأحرف الأولى في الخرطوم مؤخراً، بين المجلس العسكري و«قوى الحرية والتغيير»، قائلة إن الوثيقة تجاوزت مبادئ محورية في أمر السلام، وأكدت أنها ستتواصل بشكل رسمي مع الوساطة الأفريقية والإثيوبية وأيضاً مع المجلس العسكري لتعديلها وتضمين رؤية السلام كاملة في الوثيقة الدستورية. واعتبر رئيس حركة «العدل والمساواة»، جبريل إبراهيم، الاتفاق الذي تم توقيعه قد أعطى أهل المركز في الخرطوم سلطة تشكيل الحكم الانتقالي، باعتبارهم هم من حققوا الثورة.
وأعلنت الجبهة الثورية في بيان، وقعه كلٌ من مالك عقار، ومني اركو مناوي، رفضها بشكل رسمي وثيقة الإعلان الدستوري التي وقعتها قوى «الحرية والتغيير» والمجلس العسكري الانتقالي في الخرطوم، وقالت إنها عازمة على التواصل مع الوساطة الأفريقية والإثيوبية والمجلس العسكري لتعديلها وتضمين «رؤية السلام العادل كاملة» قبل التوقيع النهائي على الإعلان الدستوري في 17 من الشهر الجاري. وشددت على أن اجتماعات أديس أبابا بينها وبين قوى الحرية والتغيير في يونيو (حزيران) قدمت رؤية شاملة للسلام تؤمن تحقيقه عبر مخاطبة جذور المشكلة السودانية، والعمل على إزالة المظالم التاريخية، توطئة لإنهاء الحرب بمخاطبة الأسباب التي أدت إلى حمل السلاح في الأساس.
وأوضح البيان أن الأطراف في اجتماعات أديس أبابا توافقت على إدراج رؤية السلام كاملة في وثيقتي الاتفاق السياسي والإعلان الدستوري والربط الوثيق بين تحقيق السلام والتحوّل الديمقراطي، «لكن مع الأسف تم التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق السياسي والإعلان الدستوري من دون إدراج رؤية السلام كاملة في الوثيقتين، في مخالفة كاملة لما تم الاتفاق عليه في مشاورات أديس أبابا». وأضاف أن «الجبهة الثورية لا تستطيع قبول الوثيقة الدستورية بشكلها الراهن لأنها تجاوزت مبادئ محورية في موضوع السلام، ووضعت عراقيل أمام تنفيذ أي اتفاق سلام قادم بتحديد سقفه بمنطوق الوثيقة الدستورية نفسها»، وذلك في إشارة إلى المادة 69 التي تمنع تعديل الإعلان الدستوري إلا وفق تدابير، تعتقد الجبهة الثورية أنها شائكة ومعقدة وأنها عقبات ستحول دون الوصول إلى سلام في المستقبل. لكنها أكدت أنها ستواصل جهودها لتحقيق السلام العادل وإنجاز التحول الديمقراطي يضمن مشاركة جميع الأطراف ويعالج المظالم التاريخية.
وأشار البيان إلى أن وثيقة السلام المتفق عليها وجدت الترحيب والقبول في قاعة التفاوض من الوسيط الأفريقي ومن ممثلي المجلس العسكري، «لكن جوبهت باعتراض شرس من غالب ممثلي قوى الحرية والتغيير». وتابع: «لم تفلح المواقف المشهودة لرئيس المؤتمر السوداني عمر الدقير في مقابلة المواقف المتشددة التي تبناها ممثل حزب الأمة إبراهيم الأمين وأمين سر حزب البعث العربي، علي السنهوري، وبقية ممثلي قوى الحرية والتغيير، مما يعكس حجم وعمق الأزمة السودانية». وشدد البيان على أن الأطراف التي عرقلت إدراج رؤية السلام بنصها وروحها في الوثيقة الدستورية لا ينتظر منها العمل مستقبلاً لصالح توقيع اتفاق السلام بوقف الحرب ويعالج قضايا التهميش والإقصاء.
ومن جهة أخرى، نقل موقع «سودان تربيون» عن رئيس «حركة العدل والمساواة»، جبريل إبراهيم، قوله إن الاتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير منح السلام وتشكيل البرلمان إجازة مفتوحة للتصرف في المرحلة الانتقالية، مضيفاً: «كما منح أهل المركز الحكم باعتبارهم من جلب الثورة، وهذا أمر خطير ولن يحقق الأمن والاستقرار في السودان». واتهم قوى الحرية والتغيير بإهمال قضية السلام وركزت فقط على التحول الديمقراطي، قائلاً: «التجارب التاريخية أثبتت أن السلام إذا لم يمنح الأولوية فلن تنجح الديمقراطية». وأشار إلى أن الاتفاق حذف منه اسم الجبهة الثورية ووضع بدلاً عنها مسمى الحركات المسلحة، معتبراً أن ذلك يعني خروج عدد كبير من القوى غير المسلحة داخل الجبهة الثورية التي تضم حركات تحرير السودان والعدل والمساواة والشعبية - شمال قيادة مالك عقار، إلى جانب التنظيمات غير المسلحة من شرق السودان وحركة «كوش» في شمال البلاد والحزب الاتحادي الديمقراطي المعارض.
وقال إبراهيم إن الفترة الانتقالية لن تجد الحركات المسلحة فيها فرصة للمشاركة في السلطة وإن أهل المركز يعتبرون أنفسهم من صنع الثورة ويجنوا ثمارها، والجهد الذي قام به الآخرون قبل الثورة وضعوا مكانه صفراً، مضيفاً أن «أهل المركز من الناحية العملية يقدمون المصالح الحزبية والمحاصصات على عملية السلام، ويعتبرون ملاك الثورة، وأن وصول آخرين عبر اتفاق سلام سيخرب عليهم نصيبهم في كعكة السلطة التي تحصلوا عليها».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.