قتلى وجرحى بغارة جنوب ليبيا... وروايتان متضاربتان

سلامة يزور تركيا ويندد بقصف مطار معيتيقة... والسيسي وماكرون يناقشان جهود التهدئة

TT

قتلى وجرحى بغارة جنوب ليبيا... وروايتان متضاربتان

قُتل نحو 42 شخصاً وجُرح عشرات آخرون بغارة جوية أعلن الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر شنها على «مواقع للجماعات التشادية المسلحة» في مدينة مرزق جنوب غربي البلاد.
وقال المركز الإعلامي لـ«غرفة عمليات الكرامة» التابع للجيش الوطني في بيان، أمس، إن قواته الجوية استهدفت مساء أول من أمس، بضرباتها «العصابات التشادية المدعومة من تنظيم الإخوان المعتدية على مدينة مرزق».
ووصف الضربة بأنها «كانت دقيقة ومركزة»، لافتاً إلى أن «هذا العمل الجبار يقف خلفه رجال أشاوس من القوات الجوية يواصلون العمل ليل نهار لرفع الكفاءة القتالية للطائرات». وأشاد بـ«نجاح طياري الجيش في فرض سيطرتهم الجوية على أرض المعركة».
وبينما لم يقدم البيان أي تفاصيل إضافية، بانتظار مؤتمر صحافي كان مقرراً أن يعقده في وقت لاحق الناطق باسم الجيش اللواء أحمد المسماري، قال مسؤول محلي إن الضربة التي نفذتها على ما يبدو طائرة مسيّرة للجيش على بلدة مرزق، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 43 شخصاً. ونقلت وكالة «رويترز» عن عضو المجلس البلدي لمرزق محمد عمر أن «القصف الجوي نتج عنه 43 قتيلاً و51 جريحاً كحصيلة أولية».
ورغم نفي الجيش استهداف مدنيين خلال هذه الضربة، فإن حكومة «الوفاق» التي يترأسها فائز السراج في طرابلس قالت إن العشرات منهم سقطوا بين قتيل وجريح. ونددت في بيان بالقصف الذي قالت إنه «استهدف حي القلعة السكني في المدينة من ميليشيات حفتر التي تتحمل المسؤولية كاملة عن هذا العدوان وما شهدته المدينة من اعتداءات وانتهاكات في فترات سابقة».
وطالب البيان الذي أصدره المجلس الرئاسي للحكومة بعثة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بـ«تحمل مسؤولياتهما وإجراء تحقيق في هذا الاعتداء». كما دعا حكماء وشيوخ المنطقة إلى «الاحتكام للعقل والانتباه إلى محاولات إشعال الفتنة بين المكونات الاجتماعية بالمدينة».
في المقابل، نقلت وكالة الأنباء الليبية الموالية للجيش عن مصادر عسكرية أن «القصف أسفر عن إصابة قائد عصابات المرتزقة التشادية في المدينة التي تتعرض منذ أربعة أيام لهجوم من جماعات مسلحة تابعة للمعارضة التشادية»، موضحة أن «الوضع الإنساني في المدينة حرج للغاية».
وكانت قوات الجيش الوطني سيطرت على مرزق مطلع العام الحالي في إطار هجوم هدفه السيطرة على الجنوب المنتج للنفط، لكنها انسحبت منها لاحقاً باتجاه الشمال، حيث تحاول السيطرة على العاصمة طرابلس في حملة مستمرة منذ الرابع من أبريل (نيسان) الماضي.
إلى ذلك، جدد رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا غسان سلامة دعوته إلى الشروع في هدنة لوقف إطلاق النار في طرابلس، بمناسبة عيد الأضحى. وأعرب عن إدانته للضربات المتكررة التي استهدفت مطار معيتيقة، لافتاً إلى أنه «المطار الوحيد الذي يعمل ولا غنى لملايين المدنيين عنه، ويستخدم أيضاً لتوصيل المساعدات الإنسانية في منطقة طرابلس الكبرى».
وأوضح سلامة الذي قالت البعثة الأممية إنه التقى، مساء أول من أمس، وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو والمبعوث الرئاسي التركي الخاص إلى ليبيا أمر الله أيشلر خلال زيارة لتركيا، أن «هذه الهجمات تتواصل من دون هوادة منذ بدء هجوم الجيش الوطني على طرابلس رغم دعوات الأمم المتحدة لحماية جميع البنى التحتية المدنية واتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية المدنيين».
وأضاف: «مع بدء موسم الحج، تهدد هذه الاعتداءات على مطار معيتيقة فرص الحجاج من غرب ليبيا في أداء فريضة الحج»، مشيراً إلى أن الضربات التي استهدفت المطار السبت الماضي «أجبرت ما يربو عن 250 حاجاً على البحث عن ترتيبات بديلة، بعد تعرض المنطقة المتاخمة للمدرج الذي تستخدمه الطائرات التجارية للقصف».
وبعدما ذكّر أطراف النزاع بواجب احترام مبادئ التمييز والتناسب والتحوط احتراماً تاماً في جميع الأوقات وفقاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، رأى أنه «ينبغي اتخاذ كل الاحتياطات اللازمة لضمان حماية السكان المدنيين».
واعتبر أن الضربات المتكررة ضد مطار معيتيقة تعكس مظاهر العنف المتزايد الذي يطال السكان المدنيين، معرباً عن قلقه المستمر إزاء التأثير الأوسع نطاقاً على المتضررين مباشرة من القتال، بما في ذلك الآلاف من المدنيين المحاصرين في الخطوط الأمامية للمواجهات ومئات الآلاف من النازحين.
وكانت حكومة السراج التي دعت سلامة إلى زيارة مطار معيتيقة للتأكد من استخدامه للأغراض المدنية فقط، على خلفية ما ورد في إحاطته أمام مجلس الأمن، أخيراً، بشأن استخدام المطار لأغراض عسكرية، أعلنت أول من أمس معاقبة المبعوث الأممي بعدم السماح له باستخدام مطار زوارة في غرب البلاد.
وأعلن مطار معيتيقة بطرابلس نجاة طائرة مدنية مساء أول من أمس من قصف جوي. وقال في بيان مقتضب إن طائرة «طيران البراق» المتجهة إلى تونس نجت من قصف تعرض له المطار. كما نشرت الصفحة الرسمية للمطار على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» صورة للطائرة تظهر بالقرب منها دخاناً متصاعدا ناجما عن قصف المطار الوحيد الذي يعمل في طرابلس حالياً.
وفي شرق ليبيا، أصدر وزير الداخلية في الحكومة المؤقتة إبراهيم بوشناف تعليماته المشددة باستخدام القوة تجاه كل من يهاجم مراكز الشرطة أو المقرات الأمنية. وأكد خلال جولة أجراها لتفقد الأمن في مدينة بنغازي أن مراكز الشرطة محمية بموجب القانون، داعياً مديري الأمن إلى «استخدام القوة في حال مهاجمة أي مقر أمني لأنه واجب».
وأشار إلى أن «الدولة والمؤسسة العسكرية والشباب المساند ليسوا مسؤولين عن الجرائم التي تحدث بين الفنية والأخرى»، مؤكداً أنها «جرائم إرهابية خطيرة القصد من ورائها زعزعة الأمن في بنغازي والمساس باستقرارها ونقل رسائل خاطئة ضد الجيش والشرطة».
إلى ذلك، كان الملف الليبي حاضراً في اتصال هاتفي تلقاه مساء أول من أمس الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون. وأكد السيسي وفقاً لما أعلنه المتحدث باسم الرئاسة المصرية، موقف بلاده «الداعم لوحدة واستقرار وأمن ليبيا وتفعيل إرادة الشعب الليبي، وكذلك مساندتها لجهود الجيش الوطني الليبي في مكافحة الإرهاب والقضاء على التنظيمات الإرهابية التي تمثل تهديداً ليس فقط على ليبيا بل على الأمن الإقليمي ومنطقة البحر المتوسط، ورفض كل أشكال التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي الليبي».
وأكد ماكرون «أهمية الخروج من الوضع الراهن وتسوية الأزمة الليبية التي تمثل تهديداً لأمن المنطقة بأكملها، وذلك بهدف عودة الاستقرار إلى ليبيا وتمكينها من استعادة دورها إقليمياً ودولياً». وأكد البيان «التوافق على ضرورة تكثيف الجهود المشتركة في هذا الإطار».
وقالت الرئاسة الفرنسية في بيان إن الاتصال «بحث الوضع في ليبيا، لا سيما إمكانية التوصل في وقت قصير إلى اتفاق على وقف لإطلاق النار بين طرفي النزاع». وأضافت أن ماكرون الذي يقضي حالياً إجازة في المقرّ الرئاسي الصيفي في حصن بريغانسون في جنوب فرنسا، ناقش مع السيسي الوضع في ليبيا «بهدف دعم خطة الأمم المتحدة الرامية لإرساء وقف لإطلاق النار في المستقبل القريب واستئناف الحوار بين السراج وحفتر، على أساس اتفاق أبوظبي».



انقلابيو اليمن يجرّفون التعليم العالي لمضاعفة الموارد المالية

كثير من أكاديميي وإداريي جامعة إب نزحوا هرباً من بطش الحوثيين (إكس)
كثير من أكاديميي وإداريي جامعة إب نزحوا هرباً من بطش الحوثيين (إكس)
TT

انقلابيو اليمن يجرّفون التعليم العالي لمضاعفة الموارد المالية

كثير من أكاديميي وإداريي جامعة إب نزحوا هرباً من بطش الحوثيين (إكس)
كثير من أكاديميي وإداريي جامعة إب نزحوا هرباً من بطش الحوثيين (إكس)

أغلقت الجماعة الحوثية أقساماً دراسية بجامعة صنعاء، بحجة عدم الحصول على أرباح منها، بالتزامن مع إقدامها على فصل أساتذة وأكاديميين وإداريين في جامعة إب ممن نزحوا من المحافظة الواقعة على بُعد 193 كيلومتراً جنوب صنعاء هرباً من الملاحقة والتنكيل.

ووجّه القيادي الحوثي نصر الحجيلي الذي عيّنته الجماعة رئيساً لجامعة إب، عمداء الكليات والمراكز برفع أسماء وبيانات «جميع المنقطعين وغير الموجودين على رأس أعمالهم من أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم»، تمهيداً لإسقاطهم من كشوفات الرواتب.

وأشار الحجيلي في توجيهاته إلى أن هذا الإجراء يأتي بناء على تعميم من قطاع الخدمة المدنية الذي تسيطر عليه الجماعة بشأن «تنظيف كشوفات الرواتب من جميع المنقطعين والمزدوجين وغيرها من الاختلالات الوظيفية».

كثير من أكاديميي وإداريي جامعة إب نزحوا هرباً من بطش الحوثيين (إكس)

وكانت الجماعة قد اعتمدت خطة لصرف نصف راتب للموظفين العموميين في مناطق سيطرتها، ضمن ما أطلقت عليه «مشروع قانون الآلية الاستثنائية لصرف رواتب الموظفين»، والتي تهدف إلى إزاحة الآلاف من الموظفين بإحالتهم إلى التقاعد أو الاستغناء عنهم، واستبدال أتباع الجماعة الذين جرى تعيينهم بقرارات من قياداتها بهم.

ورأت المصادر أن المشروع الذي يقوم على أساس أخذ أموال المؤسسات الإيرادية والصناديق يُثير المخاوف؛ لأنه قد يؤدي إلى انهيار هذه الجهات، خصوصاً أن المشروع ينص على أن الحكومة التي لا يعترف بها أحد، غير ملزمة بإعادة تلك الأموال.

هيكلة جامعة صنعاء

أغلقت الجماعة الحوثية أقسام اللغة الفرنسية، واللغة العربية، والتاريخ، والعلاقات الدولية، والجغرافيا، والفلسفة، والآثار والسياحة، والمكتبات، وعلم المعلومات، في جامعة صنعاء، كبرى الجامعات اليمنية، بسبب ضعف إيراداتها؛ لقلة عدد الطلاب الدراسين فيها وتراجع الإقبال عليها، في حين فصلت قسمَيْن من كلية الطب في مساعٍ لإنشاء كلية جديدة مستقلة.

بوابة جامعة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين (إكس)

وذكرت مصادر أكاديمية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية حاولت خلال السنوات الماضية رفع رسوم بعض هذه الأقسام، إلا أن النتيجة كانت تراجع الإقبال عليها، بسبب مخاوف الطلاب وعائلاتهم من إنفاق مبالغ كبيرة على الدراسة فيها مع تراجع سوق العمل وغيابها التي تستوعب مخرجاتها نتيجة ممارسات الجماعة الحوثية منذ انقلابها.

وبيّنت المصادر أن الجماعة نفسها، وبعد أن لاحظت تراجع الإقبال على هذه الأقسام، لجأت إلى تشجيع الطلاب على التوجه إلى أقسام أخرى، في مساعٍ منها لتوفير القاعات الدراسية والتكلفة المالية لهذه الأقسام، واستغلالها لصالح الأقسام والتخصصات الأخرى ذات الإقبال العالي.

وأصدر القيادي الحوثي القاسم محمد عباس، المعين رئيساً لجامعة صنعاء، قراراً بفصل قسمَي المختبرات الطبية والتمريض العالي عن كلية الطب والعلوم الصحية، في إجراء تقول المصادر إن الغرض منه مساعي الجماعة لإنشاء كلية جديدة مستقلة باسم العلوم الصحية لتحقيق المزيد من الإيرادات، وذلك بسبب تراجع الإقبال على القسمين.

طالبات في جامعة صنعاء (غيتي)

وترى المصادر أن عباس يهدف إلى عزل القسمَيْن بعيداً عن كلية الطب والعلوم الصحية، نتيجة تراجع الموارد التي يجري تحصيلها منهما، ومن خلال هذا الإجراء سيسعى إلى إعادة تسويقهما في كلية منفصلة، ليتمكن من تحويلها إلى جهة إيرادية.

ورفض أعضاء هيئة التدريس في القسمَيْن القرار، وعدّوه تعبيراً عن سياسة ارتجالية وتوجهات شخصية تؤثر في استمرار العملية الأكاديمية ومصلحة الكلية والطلاب.

وفي بيان صادر عنهم، أشار أعضاء هيئة التدريس في القسمَيْن إلى إيقاف عباس الميزانية التشغيلية لهما، والمستحقات المالية للموظفين والأكاديميين، ورفض تطوير مناهجهما ومقرراتهما الدراسية بشكل تعسفي.

الحوثيون يتحكّمون بكل مفاصل التعليم العالي في مناطق سيطرتهم (إعلام حوثي)

وطبقاً للمصادر، فإن الجماعة وجدت أنه بالإمكان رفع الرسوم الدراسية على الأقسام والتخصصات ذات الإقبال العالي، فعمدت إلى استغلال ذلك للحصول على موارد مالية كبيرة.

وتتوقع المصادر أن تقدم الجماعة الحوثية خلال الفترة المقبلة على زيادة الرسوم المقررة على التعليم الموازي في الجامعة، بالتزامن مع إجراءات لتوجيه المتقدمين للدراسة في الجامعة؛ للانضمام إلى تخصصات محددة، بهدف إغلاق المزيد من الأقسام وتقليل الإنفاق مقابل زيادة الإيرادات من الأقسام ذات الإقبال العالي.