المجلس العسكري السوداني بين الجيش وطاولة التفاوض

TT

المجلس العسكري السوداني بين الجيش وطاولة التفاوض

في الثاني عشر من أبريل (نيسان) الماضي، أعلن كبار قيادات الجيش السوداني، الذين قاموا بعزل الرئيس السابق عمر البشير، تكوين مجلس عسكري انتقالي لإدارة البلاد، إلى حين تسليم السلطة للمدنيين. وترأس المجلس العسكري أول الأمر نائب الرئيس المخلوع ووزير الدفاع، الفريق أول الركن عوض بن عوف، واختار رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق أول كمال عبد المعروف نائباً له، وعدداً آخر من الضباط ضمن «اللجنة الأمنية» التي كوّنها البشير لإدارة الأزمة.
لكن قائد قوات «الدعم السريع»، الفريق محمد حمدان دلقو (حميدتي)، رفض عضوية المجلس الذي ضم كلاً من الفريق أول صلاح عبد الخالق، وممثلين لجهاز الأمن والشرطة، وتلا ذلك رفض الثوار المرابضين في ساحة الاعتصام لتلك الشخصيات وقريباً من قيادة الجيش؛ مجلس مَن اعتبروهم امتداداً للنظام المنحل (ابن عوف وعبد المعروف)، ورددوا هتافات «تسقط تاني تسقط تاني (ثاني)»، ويقصد بها إسقاط مجلس عبد المعروف مثلما أسقط نظام البشير.
خلال 24 ساعة أجبر ابن عوف وعبد المعروف على التنحي وتسليم القيادة لعسكريين جدد، وإعادة تكوين مجلس عسكري جديد، ترأسه مفتش عام الجيش السابق الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيساً للمجلس العسكري الانتقالي، والفريق «حميدتي» نائباً له، وضم المجلس الجديد كلاً من الفريق أول الركن شمس الدين كباشي، والفريق أول عمر زين العابدين مدير التصنيع الحربي، واللواء جلال الشيخ نائب مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني، والفريق أول ياسر العطا، والفريق أول شرطة الطيب بابكر.
بعد إبعاد بن عوف وعبد المعروف من المشهد هدأت ثائرة الشارع السوداني، وبدأت المفاوضات بين المجلس العسكري و«قوى إعلان الحرية والتغيير»، وتعهّد رئيس المجلس الجديد عبد الفتاح البرهان في أول خطاب له بتسليم السلطة للمدنيين فوراً، مؤكداً عدم رغبة العسكريين في الحكم. لكن وجود الفريق أول زين العابدين، المعروف بانتمائه لحركة الإسلاميين، في الأمانة السياسية للمجلس التي تقود الحوار مع قادة الحراك، تحوّل إلى حجر عثرة أمام تقدُّم المفاوضات، ما أدى إلى توتر العلاقة بين الجانبين، وإلى حالة غليان في الشارع.
وأوقفت «قوى الحرية والتغيير» التفاوض مع المجلس العسكري، وطالبت بإبعاد «الثلاثي» من المجلس، باعتبارهم امتداداً للنظام القديم، وعلى رأسهم الفريق أول عمر زين العابدين، الذي واجه اتهامات بالعمل على تعطيل تسليم السلطة للمدنيين خدمة لأهداف تنظيم الحركة الإسلامية في الجيش، فاضطر المجلس العسكري، بقيادة البرهان، إلى إبعاد كل من عمر زين العابدين وجلال الشيخ وبابكر الطيب، ليظهر الفريق ياسر العطا في اللجنة السياسية، والفريق جمال عمر رئيس اللجنة الأمنية.
توصل المجلس العسكري و«قوى الحرية والتغيير»، في منتصف رمضان، إلى اتفاق حول أغلب مؤسسات الحكم الانتقالي، لكنهما اختلفا حول تكوين مجلس السيادة وطبيعته، فأدى تفاقم الخلاف بين الطرفين حول مجلس السيادة إلى التوتر والاحتقان في البلاد، وجرت مواجهات في الشارع بين الثوار والقوة الأمنية، ما أدى لمقتل عدد من المحتجين السلميين في الثامن من رمضان.
ورغم إعلانه مراراً عدم فض الاعتصام أمام قيادة الجيش، فإن قوات محسوبة على القوات المسلحة من جيش وقوات دعم سريع وشرطة وجهاز أمن، فرقت الاعتصام، مستخدمة عنفاً مفرطاً، أدى إلى استشهاد أكثر من 128 قتيلاً، ومئات الجرحى والمفقودين.
وعلى خلفية فض الاعتصام، تراجعت الثقة بين قوى الحراك والمجلس العسكري، ولاحقته الاتهامات بالتورط في إصدار الأوامر بفض الاعتصام بالقوة المفرطة، وظلَّت العلاقات بين الطرفين تتأرجح بين الشراكة والعداء.
لم يجد المجلس العسكري الاعتراف الإقليمي والدولي، مما حدا بالاتحاد الأفريقي إلى تعليق عضوية السودان في المنظمة، واعتبر ما جرى في السودان انقلاباً عسكرياً، وأمهل قادته شهرين لتسليم السلطة إلى حكومة مدنية. ومارست كل من دول «الترويكا» والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ضغوطاً كثيفة على المجلس العسكري، منذ تكوينه، بهدف سرعة تسليم السلطة للمدنيين، وحمّلته مراراً وتكراراً مسؤولية حماية المتظاهرين السلميين، مؤكدة أنها لن تتعامل إلا مع حكومة مدنية في البلاد.
أدت أحداث فض الاعتصام عشية عيد الفطر، التي راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى من المعتصمين، إلى فقدان المجلس العسكري ما تبقى من ثقة في الشارع السوداني، ورغم أنه أعلن بعدها عن إلغاء الاتفاق مع «قوى التغيير»، وعزمه تشكيل حكومة تصريف أعمال، فإن تصاعد الرفض الشعبي لهذه الخطوات أجبره على التراجع وقبول العودة إلى مسار المفاوضات بعد تدخل الوساطة الإثيوبية والأفريقية.
وطيلة فترة المفاوضات لم تزل شكوك قوى الحراك الشعبي في عزم المجلس تسليم السلطة للمدنيين، كما وعد في أول بيان له، وما عزز ذلك محاولاته التنصل من الاتفاقيات، ومحاولة إيجاد شركاء من قوى النظام السابق، بحسب اتهامات «قوى الحرية والتغيير».
كما واجه المجلس العسكري بحد زعمه 5 محاولات انقلابية، لكنه كشف تفاصيل واحدة، قادها رئيس هيئة أركان الجيش الفريق هاشم عبد المطلب، وتورّط فيها عدد من كبار رموز الإسلاميين. لكن الوساطة المشتركة الأفريقية - الإثيوبية أفلحت في إعادة الطرفين إلى طاولة التفاوض مجدداً، وظلّت ترعى عملية التفاوض، حتى وصل الطرفان، صبيحة أمس، إلى اتفاق كامل يتم بموجبه حل المجلس العسكري فور التوقيع على الاتفاق النهائي.
بموجب الاتفاق مع «قوى الحرية والتغيير»، سيترأس أحد أعضاء المجلس العسكري مجلس السيادة خلال الـ21 شهراً الأولى في الفترة الانتقالية، بالإضافة إلى حصول العسكريين على مقعدي الدفاع والداخلية في الحكومة الانتقالية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».