بدا الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، مُنزعجاً إزاء تحرك عدد من رفاقه القدامى لتأسيس أحزاب من رحم حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، الذي شاركوه تأسيسه عام 2001، وحاول التقليل من شأن هذه الأحزاب، على الرغم من الأسماء الوازنة التي تتردد في تشكيلتها، والتي تحظى بقاعدة عريضة في تركيا، بقوله «إن هذه الأحزاب مصيرها الزوال، وسيدفع مؤسسوها ثمن طعنهم له في الظهر».
إردوغان الذي اختفى عن الأنظار فجأة خلال الأسبوعين الماضيين، بعد قراره الصادم بعزل محافظ البنك المركزي مراد شتينكايا. وحسب مراقبين، ربما كانت هذه التصريحات، التي أطلقها إردوغان وسط رؤساء فروع حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في لقاء عقده معهم أول من أمس في أنقرة عقب عودته من فترة الغياب، التي أثارت تكهنات حول حالته الصحية، التي فتحت بحد ذاتها تساؤلات عن سبب قطعه إجازة مفترضة، محاولة للحفاظ على تماسك الحزب الذي واجه ضربة عنيفة في الانتخابات المحلية الأخيرة، وفقد فيها معاقله التقليدية في المدن الكبرى، وأهمها إسطنبول.
تطرق إردوغان إلى الموضوع وسط جملة أخرى من الموضوعات، من بينها صفقة منظومة الدفاع الجوي الروسية «إس 400»، والارتدادات المتوقعة من واشنطن، والأوضاع الاقتصادية المتدهورة، التي أرجعها كالمعتاد إلى مؤامرة خارجية على تركيا واقتصادها، وسط استمرار الحديث المكثف في وسائل الإعلام التركية عن احتمال تشكيل رئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داود أوغلو، ووزير الاقتصاد الأسبق علي باباجان، حزبين جديدين قريباً؛ يبدو حزب باباجان هو الأقرب في الظهور من بينهما بدعم من الرئيس السابق عبد الله غل، الذي يمتلك قاعدة مؤثرة من نواب حزب «العدالة والتنمية» بالبرلمان وناخبيه أيضاً.
وقال إردوغان: «يتردد هنا وهناك أنهم يعتزمون تشكيل أحزاب جديدة، لا تلقوا لهم بالاً، سيزولون كما زالت الأحزاب الأخرى التي شكلها أشخاص انشقوا عن (العدالة والتنمية)... الجميع يعلم مصير تلك الأحزاب التي تشكلت في السابق، اليوم لم يعد أحد يتذكر أسماء هؤلاء الذين تركوا حزبنا وشكلوا أحزاباً جديدة، وهؤلاء أيضاً سيدفعون ثمن طعنهم لنا في ظهرنا». وكان إردوغان يشير إلى تجربة نائب رئيس الوزراء الأسبق عبد اللطيف شنر، الذي انشق عن «العدالة والتنمية» عام 2010، وأسس حزباً باسم «تركيا» لم يحقق نجاحاً، بسبب اختلاف الظروف في ذلك الوقت، حيث كان حزب «العدالة والتنمية» لا يزال يحتفظ بكتلة مؤسسيه وقياداته التاريخية أمثال عبد الله غل وعلي باباجان وبولنت أرنتش وجميل تشيتشيك ومحمد على شاهين وحسين تشيليك، إلى جانب أحمد داود أوغلو، الذي كان مستشاراً لإردوغان ثم وزيراً للخارجية ورئيساً للوزراء، وغيرهم. كما كان الحزب في أوج قوته، وكانت إدارته للاقتصاد في أنجح فتراتها، عكس ما هو عليه اليوم.
وأراد إردوغان بهذه التصريحات أن يسجل عودة قوية إلى المشهد السياسي والإعلامي بعدما ضجت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في تركيا وخارجها بالتساؤلات والتكهنات حول أسباب الاختفاء المفاجئ للرئيس الذي اعتاد ألا تغيب صوره وخطاباته وتصريحاته عن شاشات القنوات التركية، ما دفع البعض إلى ترويج أخبار عن احتمالات مرضه، أو حتى وفاته، قبل أن يظهر منذ أيام قليلة في مطار أسنبوغا في أنقرة في لقاء مع رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد.
وكان إردوغان توارى عن الأنظار مباشرة عقب إحياء الذكرى السنوية الثالثة لمحاولة الانقلاب الفاشلة، التي استهدفت إسقاط نظام حكمه في منتصف يوليو (تموز) 2016، ليصبح سؤال «أين إردوغان؟» هو الأكثر بروزاً وإلحاحاً في الشارع التركي، وهو ما أجبر أحد مستشاريه في الحزب الحاكم لأنه يخرج لينفي علناً أن يكون إردوغان توفي فجأة، كما روجت بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل، قائلاً: «كل عام، وفي هذا التوقيت بالذات، كما جرت العادة... إجازة رسمية». لكن ذلك لم يطفئ وهج التساؤلات عن الغياب، ثم عن العودة المفاجئة التي اعتبرت محاولة لقطع هذه التساؤلات وتأكيد أن إردوغان لا يزال موجوداً.
ودخل على الخط كتاب بارزون مقربون من إردوغان، في مقدمتهم عبد القادر سيلفي، الكاتب في صحيفة «حرييت»، الذي قال إن إردوغان أراد أن يخلو لنفسه لفترة للتفكير فيما سيفعله في المرحلة المقبلة، سواء من حيث التغيير في هياكل الحزب أو الحكومة، لإدراكه أن ما حدث في الانتخابات المحلية لا يجب أن يمر دون محاسبة، وكذلك الإعداد لحملة مضادة لرفاقه الذين أعلنوا تحركهم إلى تأسيس أحزاب سياسية.
وتوقع سيلفي تغييراً وزارياً محدوداً في حكومة إردوغان، وتغييراً أوسع في تشكيلات الحزب الحاكم، كما أكد أن إردوغان جهز لحملة واسعة من اللقاءات الجماهيرية في أنحاء تركيا ستنطلق في سبتمبر (أيلول) المقبل، وهو الموعد الذي ربما سيعلن فيه غل وباباجان تأسيس حزبهما، من أجل نسف هذه الجهود، حيث سيرفع شعاراً واضحاً في هذه الحملة، وهو «الخيانة»، في وصف التحركات نحو تأسيس أحزاب من رحم «العدالة والتنمية»، وسيركز على أن هؤلاء لا يعرفون معنى الوفاء، وأنهم يطعنون الحزب الذي كان سبباً فيما حققوا في مسيرتهم في الظهر.
وفي غضون ذلك، سرت عدوى الانقسامات في الحزب الحاكم إلى شريكه في «تحالف الشعب»، حزب «الحركة القومية»، لتكتمل، من وجهة نظر مراقبين، ملامح التآكل في شعبية الحزبين ونفاد رصيدهما السياسي. ويوجه دولت بهشلي، رئيس حزب «الحركة القومية»، ثورة غضب وتمرد من كوادر حزبه الذين اتهموه بالتنازل عن استقلالية الحزب، والانقياد وراء تعليمات إردوغان، ليتحول إلى ما يشبه الدمية التي يحركها الرئيس وفق أهوائه، دون حتى أن يسفر كل ذلك عن نتائج تذكر لصالح الحزب. ويقود بهشلي الحزب منذ يوليو 1997، وطوال هذه السنين كانت إدارته محل انتقادات واسعة من قبل كوادر «الحركة القومية»، وقاد ذلك إلى انشقاق ميرال أكشينار، نائبة بهشلي وإعلان تأسيس حزبها «الجيد» في أكتوبر (تشرين الأول) 2017.
ولم تغادر أكشينار، الملقبة في تركيا بـ«المرأة الحديدية»، الحزب وحدها، وإنما رافقها عدد من رموزه. ويبدو أن انشقاقاً آخر في الطريق سيسفر عن مولد حزب جديد يقضي على ما تبقى من هياكل «الحركة القومية» الذي انتقد داود أوغلو تحالف إردوغان معه قائلاً إنه أدى إلى انحسار شعبية «العدالة والتنمية»، واقتصارها على منطقة وسط الأناضول.
إردوغان يبدأ الحرب على رفاقه «المنشقين» بعد عودة من اختفاء مثير للتكهنات
انشقاقات تضرب صفوف «الحركة القومية» حليف الحزب الحاكم
إردوغان يبدأ الحرب على رفاقه «المنشقين» بعد عودة من اختفاء مثير للتكهنات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة