لماذا تعثرت مسيرة غاريث بيل مع ريـال مدريد؟

في البداية، تجب الإشارة إلى أن الاختلالات الهائلة للثروة في عالم كرة القدم تعد شيئاً مريعاً ومرعباً، ويمكن أن تؤدي إلى الكثير من المشكلات الأخلاقية المثيرة للسخرية، عندما يتم إغراء اللاعب بالدخول إلى مملكة لا يمكن تخيلها، والحصول على أموال طائلة. وقد يقدم هذا اللاعب مستويات جيدة فور انتقاله، لكن ليس بالمستوى نفسه الذي كان يتوقعه النادي منه، وبالتالي يقرر هذا النادي البحث عن لاعب آخر بديل، وهو ما يعني ضرورة رحيل اللاعب الأول، الذي يعيش حياة مرفهة ولا يريد الذهاب إلى أي مكان آخر.
وقد ينطبق هذا الأمر على النجم البرازيلي نيمار مع نادي باريس سان جيرمان، لكنه ينطبق بصورة أكبر على اللاعب الويلزي غاريث بيل مع نادي ريـال مدريد. وتتكرر هذه القصة بشكل منتظم ومتكرر، وهو ما يشير إلى أن القضية لا تتعلق بالأفراد. لقد أدت ثقافة الأندية الكبرى إلى تقديس اللاعبين البارزين، لكن المشكلة التي تواجه هؤلاء اللاعبين تكمن في أن عدداً قليلاً من الأندية الكبرى، من بينها الأندية الصينية، هي التي يمكنها التعاقد معهم بهذا المقابل المادي المرتفع. وبالتالي، عندما تتدهور علاقة أي لاعب بارز بناديه، فلا يكون أمامه سوى عدد محدود من الخيارات والأماكن التي يمكنه الذهاب إليها.
وحتى بعد الإصابة القوية التي تعرض لها اللاعب الإسباني ماركو أسينسيو بقطع في الرباط الصليبي، هذا الأسبوع، فكل المؤشرات توكد رحيل الجناح الويلزي غاريث بيل عن ريـال مدريد قريباً. ورددت تقارير إخبارية أن بيل بات بصدد الانضمام إلى غيانغسو سونينغ الصيني بعقد لمدة ثلاثة أعوام. وأكدت مصادر مقربة من بيل ما ذكرته تقارير إسبانية حول أن اللاعب بات «قريباً للغاية» من الانتقال، رغم أنه لم يجر الإعلان عن أي صفقة بشكل رسمي.
وأشار التقرير إلى أن بيل سيحصل على راتب أسبوعي يبلغ مليون جنيه إسترليني، بموجب الصفقة المرتقبة. وكان بيل قد انضم إلى ريـال مدريد قادماً من توتنهام الإنجليزي في عام 2013 في صفقة قياسية عالمية، حينها، بلغت قيمتها 85 مليون جنيه إسترليني. ويرتبط بيل بعقد مع ريـال مدريد يحصل بمقتضاه على 600 ألف جنيه إسترليني أسبوعياً على مدار الأعوام الثلاثة المقبلة، وبالتالي يمكننا أن نتفهم عدم حاجته إلى اتخاذ أي قرارات متسرعة. لكن لا شيء من هذا يفسر سوء العلاقة بين بيل من جهة، والمدير الفني لريـال مدريد زين الدين زيدان، وجمهور النادي من جهة أخرى.
إن الحجة القائلة بأن بيل لم يتكيف مع الحياة في إسبانيا تبدو غير منطقية إلى حد بعيد، خصوصاً أن عدداً كبيراً من اللاعبين الذين يعانون من اختلاف اللغة المحلية قد نجحوا في تقديم مستويات جيدة. لكن ماذا عن قضائه الكثير من الوقت في ممارسة لعبة الغولف؟ في الحقيقة، هناك العديد من الأنشطة التي يمكن لأي لاعب أن يشارك فيها، وبالتالي لا يمكن أن نلوم أي لاعب على ممارسته لنشاط رياضي آخر خلال أوقات فراغه.
ومع ذلك، عندما ننظر إلى الأمر للوهلة الأولى سنجد أن مسيرة بيل مع ريـال مدريد كانت ناجحة. صحيح أن اللاعب غاب لفترات طويلة عن الملاعب بسبب الإصابة - غاب اللاعب عن 72 مباراة بسبب معاناته من الإصابة 17 مرة خلال سنواته الست في ريـال مدريد - لكنه شارك في التشكيلة الأساسية للفريق في 133 مباراة خلال تلك الفترة. وعلاوة على ذلك، سجل بيل أهدافاً حاسمة مع الفريق؛ ثلاثة أهداف في المباريات النهائية لدوري أبطال أوروبا، من بينها هدفان ساهما في تغيير نتيجة المباراة، وهدف آخر ربما يعد أبرز هدف سجل في المباراة النهائية لبطولة كبرى. صحيح أن اللاعب كان يتألق على فترات، ولم يحافظ على ثبات مستواه لفترة طويلة، لكنه بكل تأكيد يمتلك القدرات والفنيات التي جعلت النادي الإسباني يقدم له عقداً لمدة 6 سنوات بقيمة تتجاوز 150 مليون جنيه إسترليني في أكتوبر (تشرين الأول) 2016!
وربما تكمن المشكلة في حجم التوقعات التي كانت مطلوبة من اللاعب، فور انضمامه للفريق في عام 2013 كأغلى لاعب في العالم، على أمل أن يكون خليفة للنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو بعد ذلك. لكن بيل فشل في أن يكون رونالدو الجديد، في الوقت الذي واصل فيه رونالدو التألق وسرقة الأضواء من الجميع. وقد أدى ذلك إلى مشكلة خططية وتكتيكية في الفريق، حيث كان بيل يقدم مستويات رائعة للغاية في موسمه الأخير مع توتنهام هوتسبير عندما كان يلعب ناحية اليسار، ثم يدخل إلى عمق الملعب، لكن المشكلة كانت تكمن في أن رونالدو يقوم بالدور نفسه في المكان نفسه مع ريـال مدريد. وانتهى الأمر بأن يلعب بيل في الناحية اليمنى، وهو الأمر الذي أثار العديد من علامات الاستفهام بشأن السبب الذي يجعل ريـال مدريد يتعاقد مع لاعبين بمقابل مادي هو الأغلى في التاريخ رغم أنه بحاجة إلى لاعب واحد فقط منهما في هذا المركز!
ومع تقدم رونالدو في السن، وتغير مركزه، أصبحت فرص بيل في أن يلعب في المركز نفسه الذي كان يلعب فيه مع توتنهام هوتسبير محدودة بشكل متزايد. لقد كان بيل بحاجة إلى أن يلعب الفريق بطريقة 4 - 3 - 3 في ظل وجود مهاجم صريح يلعب في الأمام، ويخلق مساحة له ينطلق بها على الأطراف. لكن ريـال مدريد كان يلعب بطريقة 4 - 4 - 2 التي كانت تعطي مساحات أكبر لظهيري الجنب وتقيد لاعبي خط الوسط بصورة أكبر. وفي غضون 6 سنوات، أنفق ريـال مدريد نحو 300 مليون جنيه إسترليني على بيل، في صورة رسوم انتقال ورواتب، لكنه لم يشركه في المركز الذي كان يتألق فيه مع توتنهام هوتسبر!
هذا لا يعني بالضرورة أن بيل كان ضحية، خصوصاً في ظل التقارير التي تشير إلى أن زيدان يتخذ موقفه المتشدد من اللاعب بسبب تخاذله في الجزء الأخير من الموسم الماضي، وعدم انتهازه فرصة رحيل رونالدو إلى يوفنتوس الإيطالي من أجل حجز مكان له في التشكيلة الأساسية للفريق في المكان الذي كان يتألق فيه في الأساس.
وفي حين أنه لا يمكن إلقاء اللوم على بيل بسبب إصراره على احترام عقده مع النادي، فإن الشيء المحبط يتمثل في أن هذا الأمر يعد أولوية بالنسبة لبيل، وربما أكثر من تفكيره في استغلال مهاراته وإمكاناته للعب على أعلى مستوى خلال الفترة المقبلة. لكن يمكن القول بأن ريـال مدريد هو الذي أدى إلى حدوث هذه المشكلة من الأساس، لأنه عندما تتعامل مع اللاعبين على أنهم سلعة، فيتعين عليك ألا تشعر بالدهشة عندما ينظرون إلى أنفسهم على أنهم آلات تسعى للحصول على الأموال في المقام الأول!