كتّاب مصريون: القراءة لا ترتبط بموسم معين أكان حاراً أم بارداً

محمود أبو عيشة  -  سمير مؤمن  -  هدى توفيق  -  طلال سيف
محمود أبو عيشة - سمير مؤمن - هدى توفيق - طلال سيف
TT

كتّاب مصريون: القراءة لا ترتبط بموسم معين أكان حاراً أم بارداً

محمود أبو عيشة  -  سمير مؤمن  -  هدى توفيق  -  طلال سيف
محمود أبو عيشة - سمير مؤمن - هدى توفيق - طلال سيف

- طلال سيف: السفر قراءة
بالطبع تفرض عليك أجواء الطقس فرضياتها، كما يفرض عليك واقعك المعيش فرضياته هو الآخر، فهناك جدل مستمر بصفتك كاتبا وقارئا بينك وبين تلك الفروضات الجبرية. لكن المسائل لا تسير على علتها في اتجاه أحادي. قد يكون الصيف هو موسمي المفضل للكتابة، فجل منتجي الأدبي والفكري تقريبا ابن شرعي لموسم الصيف. ولأنني من عشاق معسكرات القراءة، فقد يأخذني ذلك المعسكر موسما كاملا، لكن هذا ضد قاعدتي الأساسية. لا أفضل القراءة في الصيف. لكن الاضطرار يدفعني أحيانا لكسر القاعدة، فمثلا إذا ما مررت بأزمة نفسية، كانت «ياسين وبهية» لنجيب سرور، هي طبيبي الخاص بغض النظر عن طبيعة الطقس. الشتاء بطبعه كسول عندي. يكون مشحونا بالقراءات المستمرة، أتابع خلاله المستجدات الإقليمية والعالمية من الإصدارات الحديثة، وربما أعيد بعض القراءات القديمة. رغم ذلك أعود إلى فكرة الاضطرار التي دفعنني لإعادة قراءة يوسف إدريس ونجيب محفوظ ويحيى حقي وصموئيل بكيت وغيرهم في موسم الصيف.
أعتقد أن القراءة لها بصمة تشبه البصمة الوراثية عند كل إنسان. كل منا له عاداته وطقوسه الخاصة حيال القراءة، ولا يمكنني الجزم بأن هناك مقاربات، لذا شاركت في هذا السؤال الذي أعتبره مهما، لكونه قد يؤرشف كاستبيان للأجيال القادمة، مثلما يفعل الغرب بأدق تفاصيل الكتاب. السؤال يدفعني، إلى طرق باب مهم للمعرفة، وهو اللغة البصرية وباقي الميكانيزمات الحسية التي تقرأ معرفيا، كالأذن والسمع والشم واللمس. كل تلك الميكانيزمات تقرأ هي الأخرى بشكل مغاير للمتعارف عليه تقليديا تحت مفهوم القراءة. فالصيف عندي طليق لتلك الحواس، فأسير في الأرض رحالة، ضاربا في كل شبر من مصر، بحثا عن المعرفة، وكذلك السفر إلى دول مختلفة، فزيارة المتاحف الوطنية في تلك الدول قراءة. النقاش مع أهلها قراءة. الأكل في مطاعمهم قراءة. فالصيف موسم لسياحة القراءة «الميكانيزمية» وليس للقراءة التقليدية. ربما لا تتوفر الظروف لكثير من الزملاء لمثل تلك الرحلات، لكن ليس هناك ما يمنع من قراءة جداريات معابد مصر بدءا من الأهرامات وحتى أبي سمبل، مرورا بالدير البحري وهابو والرامسيوم وسوبك، وغيرها. رغم أن تلك الرحلات يعدها الكثير من رحلات الشتاء، لكنني أفضلها صيفا أو شتاء، عشقا في المصري القديم وتزودا بالمعرفة غير المسبوقة في تاريخ البشرية. الآن يمكنني الجزم يأن طبيعتي في القراءة التقليدية شتوية خالصة، أما الصيف فهو للكتابة أو القراءة الميكانيزمية. فهي عادات مرتبطة بالشخصية، ربما تتغير مع مرور الزمن وربما تعيش للنهاية مع المبدع كحالتي الشخصية التي تنتظر الصيف دائما كي تبدأ في عمل جديد.
- مؤمن سمير: أساطير ثقافية
لأسبابٍ تخص فتراتٍ بعينها وتوجهاتٍ كانت تتبنى ترويج أفكار وأشكال وصورٍ وأكليشيهات لأغراض صحافية وإعلامية كانت للأسف تهتم باستثمار أي شيء وكل شيء، سادت قديما عدة اعتقادات تنتمي للثقافة أو بالأحرى لدوائر النميمة التي تحيط بالثقافة، منها أن الشتاء هو موسم إنجاز المشاريع الإبداعية المؤجلة (فلا تحادثوني من فضلكم إلا بعد ثلاثة أشهر على الأقل!) وأن الصيف هو موسم التخفف من كل شيء، من أي التزام بإنجازٍ ما ومن أي وعد (فلا يليق أن تطالبني بشيء وأنا مختنقٌ هكذا يا أخي!)، ومن القراءات الجادة التي تفيد بشكل واسع ثقافة الكاتب ومشروعه الإبداعي، لصالح الكتب الخفيفة التي تكون مضيعة للوقت والعمر السريع اللهاث.
القراءة لا ترتبط بموسم معين بل هي رهن بتوفر الكتاب الجيد والوقت المناسب (المستقطع من هموم ومتطلبات الحياة اليومية) وباتساع المناخ النفسي والروحي للقراءة... والأمور نفسها تصلح للكتابة، فحينما تلح الفكرة وتكون القابلية لاقتناصها في مرحلة الجاهزية فهذا هو الوقت المناسب سواء كان المطر يدك عظام الشوارع أو كانت الحرارة تشوي النظرات والأحلام... كما لم يعد شكل الكُتَّاب يُعيِّنهم خاصة وسط الآخرين الذين صارت ملابسهم جزءاً من شخصياتهم وليس باعتبارهم (أعضاء نقابة ما) مثلا! وهكذا لم تعد اختيارات المبدع الشخصية في الموسيقى والسينما والفنون الشكلية... إلخ، مرهونة بعناوين وأقواس من المحتم ألا يسبح خارجها؛ فالحياة صارت مفتوحة في كل شيء: في الأفكار والتوجهات بل العادات والتقاليد... كل الأمور قابلة لإعادة التدقيق وطرح أسئلة ونوافذ لا تتوقف. وغالباً لن تتوقف أبدا ما دام الإنسان حياً.
- محمود أبو عيشة: أعيش بين القراءة والكتابة
لا شك أن المناخ العام إضافة إلى الطقس يؤثر في نوعية حياة الناس وفي القلب منها القراءة، لكن هذا ينطبق على القراء إذا كانوا يقرؤون أصلا لأنه للأسف القراءة لم تكن يوما من أولويات الناس في مجتمعاتنا المرحومة، فالأصل في الحياة الغرائز وأصلها الجنس ثم الشراب والطعام فلا وقت للناس في جحيم الغلاء إلا السعي على بطونهم وهم معذورون. أما نحن أرباب الحرفة فلا عمل لنا سوى القراءة والكتابة وهي أصل حياتنا ومستودعها، ولهذا فأنا مثلا أعيش بين قوسين هما القراءة والكتابة، حيث أبنى مشروعي الأدبي الروائي بالأخص بصبر وانتظام. لذلك إيقاع الصيف بطقسه الجواني المغوي يساعدني أكثر في إنجاز مشروعي، وإعادة النظر والقراءة والتساؤل حوله، حول ما هو واقع بالفعل، وما يجب أن يكون، أما الصيف بتقلباته ودرجات الحرارة المرتفعة، فهو دائما عكس هذا الإيقاع، خاصة أنني مهموم حاليا بعمل روائي يضيء الفترة التي سبقت ثورة 20 يناير (كانون الثاني) 2011 وما أعقبها من أحداث لا تزال مشتبكة مع الواقع الراهن. وضمن ما أفعله في التجهيز لهذا العمل قراءات ومراجعات خاصة لبعض أعمال نجيب محفوظ وحواراته، وأيضا كتاب الدكتورة يمنى طريف الخولي عن الحتمية والحرية والاغتراب، إضافة إلى أعمال أخرى تساعدني على المضي في الرواية، لكن أرجو الصيف أن يكون لطيفا حتى أنجز ما أريد.
- هدى توفيق: فوبيا الصيف
أعتقد أنه لا توجد قراءة خفيفة أو ترويحية في ممارسة فعل القراءة، ولأنني صراحة أقرأ من خلال برنامج يخص ترتيب أفكاري ويحدد طبيعة المشروع الإبداعي القادم بوجه عام، لذا أحاول أن ألتزم به بقدر الإمكان، هذا بالإضافة إلى متابعة إنتاج الأصدقاء الأدبي الذي أستطيع الحصول عليه من المشهد الثقافي، لكن هذا أيضا يخف في الصيف وتقل ساعات القراءة معي، إضافة لسبب صحي يخصني، وهو حساسية الصيف المرهقة التي تزول بانتهاء موسم الصيف فقط، لكن بالطبع برنامج القراءة لا يتغير ومعيار انتقاء الكتب ليس له ارتباط بخفته أو ثقله في الصيف أو بقية فصول العام، هو واحد، حسب الذائقة بالطبع، ولعدة سنوات مع كل موسم صيفي، يزداد ضيقي لشعوري أنني لا أستطيع الكتابة بانتظام بسبب الجو والحساسية ووصلت معي في بعض الأحيان إلى الشعور بالاكتئاب، لأني مكبلة، وأسيرة هذا الفصل الموسمي أكثر من بقية فصول العام.
وعندما أتذكر أنه قادم بداية من شهر مايو (أيار) أتجهم، وأحزن لأنني سأتألم، ولأنني لن أكتب كما أريد، وسأكتفي بفعل القراءة وهذا أيضا قليل نسبيا عن بقية فصول العام، لكن بدأت أنظر للأمر برؤى أخرى، وهي الراحة الإجبارية من أجل التأمل والتفكير الطويل وضرورة الالتزام الصحي بالقانون الجديد، غير الكسل والاسترخاء المفروضين علي، وقلت لنفسي، لم لا تتغير الفكرة من ضيق إلى وجهة نظر؟!، أقبلها أو أرفضها حتى أتصالح أو أتعارك مع الطبيعة وأحاول أن أبحث خلف الأفكار، وخلف البشر، ونحن نتلهى طويلا وكثيرا من كثرة انشغالنا عن تمحص ورؤية الأشياء والأشخاص، لتتحول الفكرة الضد إلى حوار داخلي بيني وبين الطبيعة وهذه الحالة القسرية التي فجرها قدوم فصل الصيف في حياتي، وأتساءل: لم لا؟ ونحن أحيانا نُلهم بأشياء خارج إرادتنا حتى ولو كانت في حقيقتها غير جيدة لنا، لكننا دوما لا بد أن نتعامل معها حتى لو كانت مصدر ضيقنا وألمنا في الماضي والحاضر والمستقبل، فساعات الانتظار لشهور طويلة، دون كتابة مستمرة أو منظمة، أصبحت شيئا جيدا لي الآن. جميل أن تنظر لسقف غرفتك، أن تشاهد التلفزيون ببلاهة، أن تأتي الأفكار المختبئة، أن تتذكر الماضي، أن تتخيل مدى معاناة الآخرين الذين يعانون أكثر منك من شدة المرض أو اليأس أو الحيرة فكلها أجواء مرضية سواء جسدية أو نفسية وأنت بهذه المعاناة لا شيء أمام ما يعانونه ليس في فصل الصيف فقط وإنما طوال العام وربما لسنوات... أكثر ما يخرجني من هذه الحالة هو سماع الشعر وقراءته خاصة الشعر القديم، والحديث منه يملؤني بالحياة والوجود وأنا أشعر بهذه القسرية في ألا أمارس فعلي القراءة والكتابة يوميا وبانتظام... أما ما يطرح من قراءات للصيف فهذا بالطبع ليس مرتبطا بقاعدة عامة أو روشتة قرائية، خاصة أن عالم النت والتواصل الاجتماعي طغى إلى حد كبير على القراءة المعرفية العميقة، لكن الأمر لا يخلو من الثراء المعرفي والإبداعي أيضا.



«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
TT

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)

وجدت دراسة جديدة، أجراها فريق من الباحثين في كلية الطب بجامعة نورث وسترن الأميركية، أن الأجزاء الأكثر تطوراً وتقدماً في الدماغ البشري الداعمة للتفاعلات الاجتماعية -تسمى بالشبكة المعرفية الاجتماعية- متصلة بجزء قديم من الدماغ يسمى اللوزة، وهي على اتصال باستمرار مع تلك الشبكة.

يشار إلى اللوزة تُعرف أيضاً باسم «دماغ السحلية»، ومن الأمثلة الكلاسيكية لنشاطها الاستجابة الفسيولوجية والعاطفية لشخص يرى أفعى؛ حيث يصاب بالذعر، ويشعر بتسارع ضربات القلب، وتعرّق راحة اليد.

لكن الباحثين قالوا إن اللوزة تفعل أشياء أخرى أكثر تأثيراً في حياتنا.

ومن ذلك ما نمر به أحياناً عند لقاء بعض الأصدقاء، فبعد لحظات من مغادرة لقاء مع الأصدقاء، يمتلئ دماغك فجأة بأفكار تتداخل معاً حول ما كان يُفكر فيه الآخرون عنك: «هل يعتقدون أنني تحدثت كثيراً؟»، «هل أزعجتهم نكاتي؟»، «هل كانوا يقضون وقتاً ممتعاً من غيري؟»، إنها مشاعر القلق والمخاوف نفسها، ولكن في إطار اجتماعي.

وهو ما علّق عليه رودريغو براغا، الأستاذ المساعد في علم الأعصاب بكلية فاينبرغ للطب، جامعة نورث وسترن، قائلاً: «نقضي كثيراً من الوقت في التساؤل، ما الذي يشعر به هذا الشخص، أو يفكر فيه؟ هل قلت شيئاً أزعجه؟».

وأوضح في بيان صحافي صادر الجمعة: «أن الأجزاء التي تسمح لنا بالقيام بذلك توجد في مناطق الدماغ البشري، التي توسعت مؤخراً عبر مسيرة تطورنا البشري. في الأساس، أنت تضع نفسك في عقل شخص آخر، وتستنتج ما يفكر فيه، في حين لا يمكنك معرفة ذلك حقّاً».

ووفق نتائج الدراسة الجديدة، التي نُشرت الجمعة في مجلة «ساينس أدفانسز»، فإن اللوزة الدماغية، بداخلها جزء محدد يُسمى النواة الوسطى، وهو مهم جدّاً للسلوكيات الاجتماعية.

كانت هذه الدراسة هي الأولى التي أظهرت أن النواة الوسطى للوزة الدماغية متصلة بمناطق الشبكة المعرفية الاجتماعية التي تشارك في التفكير في الآخرين.

لم يكن هذا ممكناً إلا بفضل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، وهي تقنية تصوير دماغ غير جراحية، تقيس نشاط الدماغ من خلال اكتشاف التغيرات في مستويات الأكسجين في الدم.

وقد مكّنت هذه المسوحات عالية الدقة العلماء من رؤية تفاصيل الشبكة المعرفية الاجتماعية التي لم يتم اكتشافها مطلقاً في مسوحات الدماغ ذات الدقة المنخفضة.

ويساعد هذا الارتباط باللوزة الدماغية في تشكيل وظيفة الشبكة المعرفية الاجتماعية من خلال منحها إمكانية الوصول إلى دور اللوزة الدماغية في معالجة مشاعرنا ومخاوفنا عاطفياً.

قالت دونيسا إدموندز، مرشح الدكتوراه في علم الأعصاب بمختبر «براغا» في نورث وسترن: «من أكثر الأشياء إثارة هو أننا تمكنا من تحديد مناطق الشبكة التي لم نتمكن من رؤيتها من قبل».

وأضافت أن «القلق والاكتئاب ينطويان على فرط نشاط اللوزة الدماغية، الذي يمكن أن يسهم في الاستجابات العاطفية المفرطة وضعف التنظيم العاطفي».

وأوضحت: «من خلال معرفتنا بأن اللوزة الدماغية متصلة بمناطق أخرى من الدماغ، ربما بعضها أقرب إلى الجمجمة، ما يسهل معه استهدافها، يمكن لتقنيات التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة استهداف اللوزة الدماغية، ومن ثم الحد من هذا النشاط وإحداث تأثير إيجابي فيما يتعلق بالاستجابات المفرطة لمشاعر الخوف والقلق».