واقع الروبوتات في الوطن العربي

أصبح مستوى تطويرها معيارا لقياس قوة الدولة الصناعية

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

واقع الروبوتات في الوطن العربي

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

صدر حديثا للباحثة صفات سلامة، بالاشتراك مع الدكتور خليل أبو قورة كتاب «تحديات عصر الروبوتات وأخلاقياته»، ضمن سلسلة «دراسات استراتيجية» عدد (196)، عن «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية» في أبوظبي.
يشير المؤلفان في كتابهما إلى أن مجال الروبوتات من المجالات التي تشهد حاليا تقدما سريعا ومذهلا، وسباقا محموما وبخاصة في الدول المتقدمة، وقد أصبحت تكنولوجيا الروبوتات صناعة عالمية واعدة، كما أصبح مستوى تطويرها معيارا لقياس قوة الدولة الصناعية.
وفي السنوات القليلة المقبلة سوف تلعب الروبوتات وخاصة الروبوتات الاجتماعية والشبيهة بالبشر في المظهر والتصرفات والسلوكيات أدوارا أكبر بكثير في حياتنا. وهذا الأمر الجديد يثير الكثير من التحديات والتداعيات الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والقانونية الجديرة بالبحث والمناقشة، وقد تناول الكتاب بعض هذه التحديات والأخلاقيات التي برزت في الآونة الأخيرة، وخاصة الروبوتات في المجالات العسكرية مثل الروبوتات القاتلة التي يتم تطويرها بالفعل في بعض الدول المتقدمة، التي ستعمل بشكل مستقل من تلقاء نفسها من دون أي تدخل بشري والتي من بينها حاليا الطائرات من دون طيار «درون» الموجهة عن بعد، وهي تثير الكثير من الجدل عالميا، بعد أن تسببت في مقتل الكثير من المدنيين. ويعرض المؤلفان كذلك للمخاوف والتساؤلات الأخلاقية الجادة والمشروعة التي تطرحها التطورات السريعة في صناعة الروبوتات، التي من بينها المخاوف من تهديدها للوظائف والأعمال، ومدى القبول الاجتماعي للروبوتات وكيفية التواصل والتفاعل بينها وبين البشر، بالإضافة إلى قضايا السلامة والأمن والخصوصية والمسؤولية عند وقوع أخطاء في تصميم أو برمجة الروبوتات، وخاصة الروبوتات المنزلية.
وتناول الكتاب واقع الروبوتات وتحدياتها في عالمنا العربي، وأشار المؤلفان إلى أن هناك حاليا جهودا متنامية نحو الاهتمام بعلم وصناعة الروبوتات، إلا أنها غير كافية، فما زال العالم العربي يعاني نقصا شديدا في الخبراء والمتخصصين في مجال الروبوتات، وكذلك نقصا في معامل ومراكز البحوث والتطوير في مجال الروبوتات والذكاء الصناعي، بالإضافة إلى النقص في الثقافة الروبوتية وتعليم البرمجة.
ويشير المؤلفان إلى أن عالمنا العربي لن يكون بعيدا عن الآثار والتحديات المحتملة للتوسع في استخدام الروبوتات، الأمر الذي يدعونا إلى دراسة وافية متعمقة للخلفية التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية للدول العربية، والتعرف إلى الروبوتات المتاحة حاليا في الأسواق لاختيار المناسب منها للتطبيق، مع التأكد من المقدرة العلمية على استيعاب المشروعات الروبوتية، من حيث القدرة على التركيب والصيانة والتدريب ومراعاة جوانب الأمان والسلامة والقبول الاجتماعي عند الاستخدام، مع دراسة المميزات التي تتصف بها الروبوتات المراد استخدامها في العالم العربي.
ويقول المؤلفان بأن اقتراب عصر الروبوتات يضطرنا إلى الاهتمام ببحوث الروبوتات والذكاء الصناعي ومتابعة التطورات والفرص الواعدة في هذا المجال، بهدف تنشيط صناعة الروبوتات في العالم العربي، ففي ظل اقتصادات السوق والعولمة والمنافسة الدولية يصبح استخدام الروبوتات في الصناعة ضرورة حتمية، وسوف يتطلب ذلك الحاجة إلى نظم للمساءلة القانونية وإيجاد أطر أخلاقية وبروتوكولات لنشر الروبوتات في مجتمعاتنا، مع تعليم أبنائنا الإمكانات والفرص والحدود في الأنظمة الروبوتية والاستثمار الجاد في تكنولوجيا الروبوتات لإعداد أجيالنا القادمة للوظائف والأعمال التي تتطلب العلوم والهندسة والرياضيات والمهارات العلمية والتكنولوجية المتقدمة، حتى نتمكن من المنافسة العالمية في هذا المجال الواعد.
والكتاب في مجمله يشكل إسهاما ومرجعا مهما للمتخصصين والباحثين والطلبة وعامة الجمهور في مجال الروبوتات الذي يشهد حاليا اهتماما وتنافسا عالميا متزايدا.
وللمؤلفة صفات سلامة عدد من المؤلفات، منها: كتاب «أسلحة حروب المستقبل بين الخيال والواقع»، و«الخيال العلمي وتنمية الإبداع» بالاشتراك مع الدكتور خليل أبو قورة، ومن تقديم الدكتور فاروق الباز، وكتاب «النانوتكنولوجي»، وكتاب «تكنولوجيا الروبوت: رؤية مستقبلية بعيون عربية».



«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل
TT

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

في كتابه «هوامش على دفتر الثقافة» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يستعرض الشاعر عزمي عبد الوهاب العديد من قضايا الإبداع والأدب، لكنه يفرد مساحة مميزة لمسألة «الحزن»، وتفاعل الشعراء معها في سياق جمالي إنساني رهيف. ويشير المؤلف إلى أن ظاهرة الحزن لم تعد ترتبط بأسباب عرضية، أو بحدث يهم الشاعر، ويدفعه إلى الحزن كما كان الحال في الشعر العربي القديم.

ومن بين بواعث الحزن ومظاهره في الشعر قديماً، أن يفقد الشاعر أخاً أو حبيبة، فيدعوه هذا إلى رثاء الفقيد بقصائد تمتلئ بالفقد والأسى، مثل الخنساء في رثاء شقيقها، وأبي ذؤيب الهذلي في رثاء أبنائه، وجرير في رثاء زوجته، وهناك من يشعر بقرب الموت فيرثي نفسه، كما فعل مالك بن الريب، وقد يعاني الشاعر مرضاً، فيعبر عن ألمه.

أما في الشعر الحديث، فيعد الحزن ظاهرة معنوية تدخل في بنية العديد من القصائد، وقد استفاضت نغمتها، حتى صارت تلفت النظر، بل يمكن أن يقال إنها صارت محوراً أساسياً في معظم ما يكتبه الشعراء المعاصرون حتى حاول بعض النقاد البحث في أسباب تعمق تلك الظاهرة في الشعر العربي. ومن أبرزهم دكتور عز الدين إسماعيل الذي يعزو أسباب الظاهرة إلى تنامي الشعور بالذات الفردية بدلاً من الجماعية، وهذا ما يقودنا إلى الحديث عن «اغتراب» الإنسان المبدع؛ إذ يأخذ أشكالاً متعددة، ولعل أقسى أشكال ذلك الاغتراب ما عبر عنه أبو حيان التوحيدي بقوله: «أغرب الغرباء من صار غريباً في وطنه».

ذكر إسماعيل عدة أسباب للحزن منها تأثر الشاعر العربي الحديث بأحزان الشاعر الأوروبي وبالفنين الروائي والمسرحي، وقد توصل إلى أن أحزان الشاعر مصدرها المعرفة، وكأن شاعرنا الحديث تنقصه أسباب للحزن وبالتالي يعمد إلى استيرادها أوروبياً من شعراء الغرب.

وفي كتابه «حياتي في الشعر» يواجه صلاح عبد الصبور مقولات النقاد حول أنه شاعر حزين، موضحاً أن هؤلاء يصدرون عن وجهة نظر غير فنية، لا تستحق عناء الاهتمام مثل آراء محترفي السياسة أو دعاة الإصلاح الأخلاقي التقليديين. وانبرى عبد الصبور لتفنيد النظريات التي يأتي بها هؤلاء النقاد لمحاكمة الشعر والشاعر قائلاً: «لست شاعراً حزيناً لكني شاعر متألم، وذلك لأن الكون لا يعجبني ولأني أحمل بين جوانحي، كما قال شيللي، شهوة لإصلاح العالم، وهي القوة الدافعة في حياة الفيلسوف والنبي والشاعر، لأن كلاً منهم يرى النقص فلا يحاول أن يخدع نفسه، بل يجهد في أن يرى وسيلة لإصلاحه».

يتحدث الشاعر أيضاً عن قضيتين أثارهما بعض النقاد عن شعره، أولاهما أن حزن هذا الجيل الجديد من الشعراء المعاصرين حزن مقتبس عن الحزن الأوروبي، وبخاصة أحزان اليوميات. وكذلك قولهم إن الشعراء يتحدثون عن مشكلات لم يعانوها على أرض الواقع كمشكلة «غياب التواصل الإنساني» من خلال اللغة، كما تتضح عند يوجين يونيسكو أو «الجدب والانتظار» عند صمويل بيكيت وإليوت، أو «المشكلات الوجودية» عند جان بول سارتر وكامو، وبخاصة «مشكلة الموت والوعي».

وشرح عبد الصبور كيف أن الحزن بالنسبة إليه ليس حالة عارضة، لكنه مزاج عام، قد يعجزه أن يقول إنه حزن لكذا ولكذا، فحياته الخاصة ساذجة، ليست أسوأ ولا أفضل من حياة غيره، لكنه يعتقد عموماً أن الإنسان «حيوان مفكر حزين».

ويضيف عبد الصبور: «الحزن ثمرة التأمل، وهو غير اليأس، بل لعله نقيضه، فاليأس ساكن فاتر، أما الحزن فمتقد، وهو ليس ذلك الضرب من الأنين الفج، إنه وقود عميق وإنساني».

لكن ما سبب الحزن بشكل أكثر تحديداً عن الشاعر صلاح عبد الصبور؟ يؤكد أنه هو نفسه لا يستطيع الإجابة ويقول: «أن أرد هذا الحزن إلى حاجة لم أقضها، أو إلى فقد شخص قريب، أو شقاء طفولة، فذلك ما لا أستطيعه».

ومن أشهر قصائد صلاح عبد الصبور في هذا السياق قصيدة تحمل عنوان «الحزن» يقول في مطلعها:

«يا صاحبي إني حزين

طلع الصباح فما ابتسمت

ولم ينر وجهي الصباح»

لقد حاول التحرر فيها من اللغة الشعرية التقليدية عبر لغة يراها أكثر مواءمة للمشهد، لكن كثيرين اعترضوا على تلك اللغة، في حين أنه كان يريد أن يقدم صورة لحياة بائسة ملؤها التكرار والرتابة. ويؤكد الناقد د. جابر عصفور أن السخرية والحزن كلاهما ركيزتان أساسيتان في شعر عبد الصبور، وهو ما جعل عصفور يسأل الأخير في لقاء جمعهما: «لماذا كل هذا الحزن في شعرك؟» فنظر إليه عبد الصبور نظرة بدت كما لو كانت تنطوي على نوع من الرفق به ثم سأله: «وما الذي يفرح في هذا الكون؟».

وتحت عنوان «ظاهرة الحزن في الشعر العربي الحديث»، يوضح الباحث والناقد د. أحمد سيف الدين أن الحزن يشكل ظاهرة لها حضورها وامتدادها في معظم التجارب الشعرية الحديثة، خلافاً لما كان عليه الحال في الشعر العربي القديم. ويميز سيف الدين بين حزن الإنسان العادي وحزن المبدع الذي يتسم بحساسية خاصة، حيث يستطيع أن يحول حزنه وألمه إلى مادة إبداعية.

ويلفت الكتاب إلى أن هناك أسباباً متنوعة للحزن، منها أسباب ذاتية يتعرض لها الشاعر في حياته كالمرض أو الفقر أو الاغتراب. أيضاً هناك أسباب موضوعية تتصل بالواقع العربي، وما فيه من أزمات ومشكلات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية. ومن ثم، فالحزن ليس فقط وعاء الشعر، إنما هو أحد أوعية المعرفة الإنسانية في شمولها وعمقها الضارب في التاريخ.