رغم عشرات الاجتماعات التي عقدها الأوروبيون للتوصل إلى خطة مشتركة لمواجهة تدفق المهاجرين واللاجئين على شواطئهم، خصوصاً في فصل الصيف، فإن الملف ما زال متفجراً والخلافات عميقة بين بلدانهم حول كيفية التعاطي مع هذه المسألة. ومرة أخرى، سعت باريس وبرلين إلى دفع شريكاتهما إلى التوافق حول آلية دائمة لتوزيع اللاجئين الذين يتم إنقاذهم في مياه البحر الأبيض المتوسط لتلافي عمليات لي الذراع التي تحصل كل مرة يصل فيها مركب إلى الشواطئ الأوروبية، خصوصاً في إيطاليا ومالطة. ورغم أن من يصل إلى شواطئ فرنسا لا يشكل سوى نسبة بالغة الضآلة، فإن باريس تريد أن تلعب دوراً رائداً. وقد برز هذا الدور مجدداً في الاجتماع الذي استضافته أول من أمس، ونتج عنه اتفاق مبدئي على «آلية دائمة» لا تلزم كل بلدان الاتحاد ولكنها تقوم على أساس «طوعي». والسبب في ذلك أن نصف أعضاء الاتحاد وعلى رأسهم إيطاليا وأكثرية بلدان أوروبا الوسطى والشرقية لا تريد مهاجرين جدداً على أراضيها، لا بل إن وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني قاطع الاجتماع وغرد مهاجماً باريس، معتبراً أنه «بلا معنى»، ووصفه «بالفاشل». وقال إن المقولة التي يتم ترديدها ببساطة «هي أنه يتعين على إيطاليا الاستمرار في كونها معسكر اللاجئين في أوروبا». وقال سالفيني رداً على انتقادات ماكرون إن إيطاليا «واثقة من نفسها... ولن تتلقى أي أوامر من أحد». ودعا وزير الداخلية الإيطالي الذي بنى صعوده السياسي رئيساً لحزب «الرابطة» اليميني المتشدد على رفض الهجرات والتشكيك بأوروبا، الرئيس إيمانويل ماكرون، إلى التوجه إلى إيطاليا إذا أراد مناقشة ملف الهجرات مع المسؤولين الإيطاليين.
اجتماع باريس، الذي عقد تحت عنوان «الهجرات في المتوسط» وضم ممثلين عن كل بلدان الاتحاد، يمكن اعتباره بمعنى ما «تحضيرياً»، باعتبار أن اجتماعاً وزارياً سوف يلتئم في مالطة، في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل. لكن الثابت أن باريس وبرلين لا يأملان في التوصل إلى اتفاق يشمل كل دول الاتحاد. 8 دول فقط «من أصل 28 دولة» وافقت على الآلية المقترحة والقائمة على الالتزام بنسب معينة لتوزيع اللاجئين والمهاجرين الذين يتم إنقاذهم في مياه المتوسط. وهذه البلدان هي فرنسا وألمانيا والبرتغال ولوكسمبورغ وفنلندا وليتوانيا وكرواتيا وآيرلندا وفق لائحة نشرها قصر الإليزيه. وهناك 6 بلدان أعلنت موافقتها على الآلية، إلا أنها لم تلتزم باستقبال حصصها من المهاجرين، ما يعني عملياً أن موافقتها «نظرية». وبحسب أوساط الإليزيه، فإن فرنسا تأمل في الوصول إلى عدد يتراوح بين 12 و15 دولة عقب اجتماع مالطة.
ما دفع منظمي الاجتماع لتغليب مبدأ القبول الطوعي لآلية دائمة يعود بالدرجة الأولى لرغبتهم في تخطي ما كان يحصل سابقاً، عندما يقوم مركب تابع لمنظمة إنسانية بإنقاذ مجموعة من المهاجرين في المتوسط ومحاولة إنزالهم في أقرب مرفأ، وعادة ما يكون في إيطاليا أو مالطة. وقبل الإنزال، تدور المساومات بين الجهة المستقبلة والبلدان الأوروبية؛ إذ تشترط الأولى سلفاً التزاماً بتوزيع المهاجرين الذين تقبل إنزالهم في مرفئها. لذا، فإن باريس وبرلين اقترحتا التوافق المسبق على آلية التوزيع، الأمر الذي من شأنه تسريع عمليات الإغاثة وتخفيف الأعباء عن البلد المستقبل. لكن هذه الآلية مشروطة بقبول مالطة وإيطاليا فتح موانئهما، الأمر الذي رفضته روما فيما بقيت لافاليتا صامتة.
يبدو التعويل على تغير في مواقف إيطاليا بمثابة سراب، ما يعني أن العمل بالاتفاق المبدئي المبرم سيكون بالغ الصعوبة. وتشكو إيطاليا باستمرار من أن الأوروبيين «يتركونها لوحدها» في مواجهة ظاهرة الهجرات غير الشرعية، علماً أن وتيرتها خفت كثيراً في العامين الماضيين. ولخص الرئيس ماكرون نتائج الاجتماع بالتأكيد على «تعزيز آلية التوزيع على المدى القصير». بيد أنه عبر عن «الأمل» بالذهاب أبعد من ذلك عن طريق حث كل البلدان الأوروبية على تحمل مسؤولياتها، وكذلك بنى الاتحاد الموجودة، والعمل على مزيد من الفاعلية في إعادة المهاجرين الذين لا يحق لهم طلب اللجوء إلى أوروبا إلى بلدانهم الأصلية. وانتقد ماكرون البلدان التي ترفض تحمل الأعباء، بينما لا تتردد في تلقي المساعدات من الاتحاد. ويميز الأوروبيون بين «المهاجرين الاقتصاديين» واللاجئين لأسباب على علاقة بأوضاع بلادهم الأمنية والاجتماعية المضطربة، وهؤلاء وحدهم يحق لهم نظرياً تقديم طلبات لجوء.
وجاءت تصريحات ماكرون عقب اجتماعه بفيليبو غراندي، رئيس المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وبالمدير العام للمنظمة الدولية للهجرات مانويل دي كارفالو فيوترينو. واستفاد ماكرون من المناسبة لتسليط الضوء على أوضاع المهاجرين واللاجئين في ليبيا التي تنصب عليها الانتقادات الدولية بسبب الأوضاع المزرية التي يعيشون فيها والمخاطر التي تهددهم بسبب الحرب الدائرة في هذا البلد. ووجه الرئيس الفرنسي طلباً مستعجلاً وملحاً، لوضع حد لحجز هؤلاء ولتوفير الأمن لهم، وكذلك فعل مانويل دي كارفالو. ودورياً، تندد جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان بأوضاع المهاجرين المزرية في ليبيا، ومنهم ما لا يقل عن 5200 مهاجر موجود في معسكرات قريباً من طرابلس التي يشهد جنوبها عمليات كر وفر بين قوات المشير خليفة حفتر وتلك التابعة لحكومة الوحدة الوطنية. لكن هذه الجمعيات عينها تندد بسياسات الحكومات الأوروبية التي تريد من ليبيا أن تكون الحاجز الذي يمنع وصول المهاجرين إلى أراضيها، ثم تعود لتوجيه الانتقادات لها، رغم الحالة الأمنية في هذا البلد وغياب المؤسسات وضعف قوى الشرطة وحالة الانفلات التي يعاني منها.
باريس وبرلين تدفعان باتجاه اتفاق أوروبي حول المهاجرين
8 دول فقط وافقت على العمل بـ«آلية طوعية» لتقاسمهم
باريس وبرلين تدفعان باتجاه اتفاق أوروبي حول المهاجرين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة