كتّاب: على النقاد خدمة العمل الأدبي وليس صاحبه

دعا مبدعون وكتاب مصريون إلى ضرورة أن يكون للنقد دور ملهم يصاحب الإبداع الروائي، ويلقي الضوء على الأعمال المهمة البارزة فيه، ويقدمها للقراء بلغة تكشف عن ملامحه الخاصة، وتعالج سلبياته.
ولفتوا خلال فعاليات صالون «سحر الرواية» الذي أسسه ويديره الروائي المصري فتحي إمبابي بالقاهرة، إلى أن النقد الأدبي لن يخرج من أزمته الراهنة إلا إذا تخلى النقاد عن سلبيتهم تجاه المبدعين، ووضعوا نصب أعينهم أن يكونوا في خدمة العمل الأدبي، وليس صاحبه.
وقال الناقد الدكتور يسري عبد الله، الذي قدم محاضرة ضافية بعنوان «النقد والرواية... تفكيك المصطلح»، إن «الرواية حين تتخلى عن جاهزيتها وتلعب باستمرار واضعة قدماً في قلب النوع، وقدماً في الخروج عليه، فإنها تقترب كثيراً من أن تكون ممثلة لغواية متجددة، هي شغف الفن وقوته وسحره؛ حيث يتجلى سحر الرواية، ووهج النقد من خلال اعتماده المعرفة والخبرة بالنوع وتراكماته الفكرية والجمالية؛ حيث يكون كل شيء صالحاً للحضور؛ لكن تظل صلاحيته مشروطة بالتوظيف الجمالي والتخييل والجدة والابتكار. من هنا سيكون النص الروائي مفتوحاً على الذات، والحياة، والعالم، متسعاً باستمرار، ابناً للتعقيد والتراكم».
أما بالنسبة للنقد، فذكر عبد الله أن «ثمة سؤالاً مركزياً يجب أن يقف أمامه الناقد، يمكن تسميته بسؤال المعيار، وهو سؤال لصيق بالنقد، والمعيار كان موجوداً منذ القدم، وانتعش مع بعض منظري الواقعية، مثل لوكاتش الذي جعل من الشمول معياراً حيوياً للأدب الواقعي، ثم غاب في طروحات الحداثة وما بعدها، وتجدد عبر زاوية نظر مختلفة، ومفاهيم أكثر خلقاً وابتكاراً، مع أحد أهم مفكري ما بعد الحداثة، فرنسوا ليوتار، الذي تحدث عن طليعية الأدب؛ حيث يبدو الأدب أدباً حين يتسم بالطليعية التي اكتسبت لدى ليوتار أفقاً مختلفاً عن فكرة المنظور الروائي الطليعي الذي يصبغ الرواية من زاوية الدلالة السردية فحسب، دون أن يتوقف كثيراً أمام الوعي الجمالي الذي يبقى مزيجاً بين الأصيل والفريد في توصيف ليوتار؛ حيث يتأسس النص على نفسه».
من هنا تنفتح الرواية حسب توصيف عبد الله على مخزون هائل من الخبرات الحياتية، والهواجس والأماني، والأحلام المقموعة، قد تقنع بالشرط؛ لكنها لا تقع في إساره. تتخذ صيغاً متعددة، وأشكالاً مختلفة، ومن ثم فلا يمكن حصرها في سياق، ولا تقييدها بمسار. فهي فقط تحتفي بالفن والجمال والحرية، وهو ما يبرز من خلال روح الروائي والرواية، وجوهر النقد وقلب الناقد، كما تنفتح أيضاً على جملة من الاقتراحات السردية المختلفة، التي لا تبقيها في خانة واحدة، ولا تطرح صيغة أحادية لها، بل إنها تبرز بوصفها مجلى لعشرات التصورات عن العالم، والصيغ الجمالية، والبنائية المتعددة. فالرواية ابنة التنوع والاختلاف، وترميز دال على ذلك المنطق الديمقراطي للكتابة. وربما يشكل انفتاح النص الروائي على مجمل الخبرات الحياتية، والأحلام، والانكسارات، والهواجس، والإخفاقات هاجساً للكتابة، وملمحاً من ملامحها الحاضرة. وإذا كانت الرواية، بوصفها فنّاً له مواضعاته الجمالية المائزة، فإنها في جوهرها تعد بحثاً أصيلاً عن هذا الوجود.
وخلص عبد الله بقوله: «على هذا تتنوع مسارات الخطاب النقدي وتتعدد، من أجل استجلاء جماليات النص والكشف عن جوهره الثري، والوصول إلى محاولة تلمس العصب العاري داخله؛ بحيث يصبح الخطاب النقدي ذاته إبداعاً موازياً من جهة، ورؤية للعالم من جهة ثانية، وربما شهد نقد الرواية تحولات كثيرة، ليس عبر المناهج النقدية الراسخة، أو مداخلات النقد الجديدة فحسب، ولكن أيضاً عبر إجراءات التحليل السردي الجديد، وما تحمله من نزوع علمي واضح، وإن ظلت مساحات التأويل حاضرة دوماً».
من جهته، تحدث الشاعر جمال القصاص عما يمكن أن يفيد النقد والناقد من كل هذه التغيرات التي طرأت في بنية الأدب، سواء الكلاسيكية والواقعية والرومانسية والطبيعية، والحداثة وما بعد الحداثة، والبنيوية، وتساءل: «هل استطاعت هذه الأعمال أن تغير أدوات النقد، وتضيف إليه وتجددها؟ أم أن النقد هو الذي يفيد الأدب بشكل مستمر؟»، مستنتجاً هنا أن هناك علاقة جدلية بين طرفين وحريتين، يتصارعان في النهاية من أجل حرية النص الأدبي والنقدي في الوقت نفسه.
ولفت الروائي حمدي أبو جليل في مداخلته، إلى أن الرومانتيكية سمة أساسية في الإنسان، مرتبطة بوجوده، وشدد على أن الرواية فن أوروبي، وأن العرب لم يعرفوها من قبل، نعم عرفوا الملحمة في «الهلالية»، وهي عمل جماعي، عكس الرواية التي تعتبر إبداعاً فردياً، ليس للعرب إسهامات سابقة فيها، وهناك كثير من المبدعين العرب تأثروا بالرواية الأوروبية، ولم يتأثروا بنجيب محفوظ، أو إدوار الخراط. وأشار أبو جليل إلى أن الحداثة العربية كانت مرتبطة بثورات التحرر الوطني، وتشابهت معها في المآلات؛ حيث توقفت الترجمة التي كانت مرتبطة بمرحلة الاستعمار، وابتعد القارئ واختفى تماماً، وانحسرت ظاهرة القراءة.
وتحدث الشاعر عاطف عبد العزيز، عن تأثر الحداثة الأوروبية بعصر الكشوف العلمية، والذي غير من مفهوم الحركة والدفع، وهو ما انعكس على طبيعة لعبة الثنائيات في الأدب. ورأى عبد العزيز أن إسحاق نيوتن، شكل حجر أساس في هذه الرؤية.
وتحدث الروائي فتحي إمبابي عن السياق العام الذي يسيطر على العلاقة بين الناقد والروائي، رغم أن الأدب يعتبر المنتج الروائي الرئيسي، فيما يقف الناقد في منصة الحكم، وهو ممكن أن يكون موجوداً في بدايات المبدع؛ لكن فيما بعد يجب أن يلعب النقد دور التحليل، وتتبع ملامح الكتابة، وإظهار ما فيها من جوانب فنية واجتماعية وسياسية. وتحفظ إمبابي على سيطرة النقاد على الملتقيات والمؤتمرات الخاصة بالرواية، بينما يتم إقصاء أصحاب الفن نفسه، وتحييدهم عن المشهد. وذكر إمبابي أن هذه الممارسات تسيء كثيراً لفن الرواية في مصر، ويجب أن تتوقف؛ لأن الرواية عند المصريين تحتل مكانة كبيرة بين مثيلاتها في الأقطار العربية.