تسوية سياسية تضع توتر الجبل في عهدة القضاء العسكري اللبناني

الرئيس اللبناني ميشال عون لدى استقباله كبير مستشاري وزارة الدفاع البريطانية لشؤون الشرق الأوسط الجنرال جون لوريمر الذي أكد «الاستمرار في دعم القوات المسلحة اللبنانية والاهتمام بالأوضاع الاقتصادية» بحسب الرئاسة اللبنانية (دالاتي ونهرا)
الرئيس اللبناني ميشال عون لدى استقباله كبير مستشاري وزارة الدفاع البريطانية لشؤون الشرق الأوسط الجنرال جون لوريمر الذي أكد «الاستمرار في دعم القوات المسلحة اللبنانية والاهتمام بالأوضاع الاقتصادية» بحسب الرئاسة اللبنانية (دالاتي ونهرا)
TT

تسوية سياسية تضع توتر الجبل في عهدة القضاء العسكري اللبناني

الرئيس اللبناني ميشال عون لدى استقباله كبير مستشاري وزارة الدفاع البريطانية لشؤون الشرق الأوسط الجنرال جون لوريمر الذي أكد «الاستمرار في دعم القوات المسلحة اللبنانية والاهتمام بالأوضاع الاقتصادية» بحسب الرئاسة اللبنانية (دالاتي ونهرا)
الرئيس اللبناني ميشال عون لدى استقباله كبير مستشاري وزارة الدفاع البريطانية لشؤون الشرق الأوسط الجنرال جون لوريمر الذي أكد «الاستمرار في دعم القوات المسلحة اللبنانية والاهتمام بالأوضاع الاقتصادية» بحسب الرئاسة اللبنانية (دالاتي ونهرا)

أحيل ملف التحقيق في حادثة قبرشمون في جبل لبنان، أمس، على القضاء العسكري لإجراء التحقيقات ومحاكمة المتورطين في الإشكال المسلّح الذي وقع في 30 يونيو (حزيران) الماضي، بين مرافقي وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب من جهة، ومناصرين للحزب التقدمي الاشتراكي من جهة ثانية، ما أدى إلى مقتل اثنين من مرافقي الغريب، وهما من عناصر الحزب الديمقراطي اللبناني الذي يرأسه النائب طلال أرسلان.
وتحرج الإحالة أرسلان الذي سبق له أن رفض هذا الاقتراح متمسكاً بإحالة القضية إلى المجلس العدلي، ومن خلفه «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، فيما استمرت الاتصالات واللقاءات على أكثر من خط لتذليل تداعيات الحادثة، ولا سيما منها إعادة تفعيل عمل الحكومة التي يصرّ رئيسها سعد الحريري على انعقاد جلسة لها هذا الأسبوع بعد غياب ثلاثة أسابيع.
ولم يحدد النائب العام التمييزي بالوكالة القاضي عماد قبلان الأسباب الموجبة لإحالة الملفّ على المحكمة العسكرية بدلاً من القضاء العدلي، خصوصاً أن الإشكال لم يستهدف عسكريين ولم يتضرر فيه عسكريون، إلّا أن مصدراً قضائياً أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه «بنتيجة التحقيقات التي أجرتها شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي وإفادات الموقوفين والشهود، ارتأى القاضي قبلان إحالتها على القضاء العسكري».
وأوضح أن النائب العام التمييزي «سلّم النيابة العامة العسكرية محاضر التحقيقات الأولية مع المستندات التي تتضمن تسجيلات موثّقة بالصوت والصورة، ومحتوى كاميرات المراقبة التي ضبطت في مكان الحادث، واعترافات الموقوفين والشهود». وأشار إلى أنه «تمت إحالة أربعة موقوفين (من عناصر الحزب الاشتراكي الذين سلّمهم إلى الأجهزة الأمنية) مع الملف». وقال المصدر القضائي إن «التحقيق لديه لائحة بأسماء عدد كبير من الأشخاص، من الطرفين (الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الديمقراطي اللبناني، وهؤلاء سيتم استدعاؤهم إلى التحقيق بعد الادعاء عليهم».
وتأتي هذه الإحالة كبديل عن مطلب أرسلان بإحالة الملفّ على المجلس العدلي، ويفترض أن تشكل مدخلاً لإنهاء تعطيل الحكومة، وأوضحت مصادر متابعة لـ«الشرق الأوسط» أن «ما حصل يأتي من ضمن التسوية التي عمل على إنضاجها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، برعاية رئيس الجمهورية ميشال عون، وبتسهيل من (حزب الله) بالتفاهم مع أرسلان، وبالتوافق مع رئيس الحكومة الذي سهّل ولادة هذا المخرج بالتفاهم مع رئيس الحزب الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط، الذي كان يطالب بإحالتها على القضاء العدلي».
ودعا المصدر القضائي إلى «الفصل بين قرار الإحالة على المحكمة العسكرية ومطلب الإحالة على المجلس العدلي». ورأى أن هذه الخطوة «لا تقطع الطريق على إمكانية وضع المجلس العدلي يده على الملفّ في مرحلة لاحقة». وقال: «إذا ارتأى مجلس الوزراء أن حادثة قبرشمون كان من شأنها أن تعرّض أمن الدولة الداخلي للخطر وتهدد السلم الأهلي، فيمكن أن يصدر مجلس الوزراء مرسوم إحالتها على المجلس العدلي، وعندها يعلن القضاء العسكري رفع يده عن الملف».
وأوضحت مصادر وزارية لـ«الشرق الأوسط» أنه بعدما أنهت شعبة المعلومات تحقيقها، رفع النائب العام التمييزي بالوكالة الملف إلى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس الذي من المرجح أن يحيله إلى قاضي التحقيق العسكري الأول بالإنابة فادي صوان، لافتة إلى أن خطوة قبلان جاءت بعد مرور أكثر من أربعة أيام على توقيف أربعة أشخاص من الحزب التقدمي الاشتراكي «ما يجعل الاستمرار في توقيفهم مخالفة قانونية».
وأكدت أن الملف يتضمن تفاصيل ووقائع حول الحادثة مدعومة بأشرطة فيديو، ولفتت إلى أن عدد المطلوبين للتحقيق 16 شخصاً، ستة من «الاشتراكي» سلّم منهم أربعة، مشيرة إلى أن الاثنين الآخرين لا يؤثران في مسار التحقيق. أما المطلوبون من «الديمقراطي» الذين كانوا قد شاركوا في إطلاق النار، فهم ثمانية في حقهم مذكرات توقيف غيابية، إضافة إلى مرافقي الغريب اللذين قتلا في الحادثة. لكن لا يزال أرسلان الذي يقارب القضية على اعتبار أنها معركة مصير بالنسبة إليه، يرفض تسليمهم إلا كشهود، مشترطاً توقيفهم مع تمسكه بمطلب الإحالة إلى المجلس العدلي والتصويت عليه في الحكومة، وهو ما يرفضه الحريري رفضاً قاطعاً كما جنبلاط.
واعتبر وزير العدل الأسبق إبراهيم نجّار أن «المادة 356 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، تحدد الجرائم التي تقع ضمن اختصاص المجلس العدلي». وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «من الواضح جداً أن الوصف الجرمي لهذه الأحداث، لم يبيّن أنها من ضمن القضايا التي يقتضي إحالتها على المجلس العدلي». ورأى أن «إحالتها على القضاء العسكري يأتي ضمن التسوية السياسية التي تحفظ ماء الوجه لدى جميع القوى السياسية، بحيث لا يظهر أن هناك طرفاً جرى كسره».
وعمّا إذا كانت المحكمة العسكرية ستقبل الإمساك بالملفّ، طالما أن الجرم لم يقع على عسكريين ولم يرتكبه عسكريون، توقّع الوزير نجّار أن تكون الإحالة «ضمن الترتيبات التي وافق عليها النائب طلال أرسلان بتسهيل من (حزب الله)». ورأى أنه «حتى لو أحيلت القضية على المحكمة العسكرية، يمكن للأخيرة أن تعتبر نفسها ليست ذات صلاحية». وقال إن «السؤال المنطقي هو هل يجري تسليم جميع المتورطين في هذه الحادثة، ومن بينهم المحسوبون على طلال أرسلان ليأخذ التحقيق مساره القانوني الصحيح أم لا؟».
وأكّدت مصادر وزارية أنه رغم إحالة ملف حادثة الجبل إلى المحكمة العسكرية، لم يسجّل أي تغيير في المواقف، وتحديداً من قبل أرسلان المتمسك بإحالته إلى المجلس العدلي، وهو ما يطرح سؤالاً حول السبب أو الجهة التي تقف خلف رئيس «الحزب الديمقراطي» كي يستمر في هذا التمادي، وعدم القبول حتى بالتسوية التي طرحها رئيس الجمهورية، أي الإحالة إلى القضاء العسكري، سائلة: «هل (حزب الله) فقط هو من يقف خلف أرسلان أم الأمر أبعد من ذلك؟».
وجدّدت المصادر التأكيد على تمسك أرسلان برفض تسليم المطلوبين لديه ما يحول دون اكتمال التحقيق، مشيرة في الوقت عينه إلى أن المعطيات التي توفّرت وتوضّحت في الملف الذي أحيل إلى المحكمة العسكرية تؤكد أنه لا وجود لكمين أو محاولة اغتيال، وأن إطلاق النار «حدث وليد ساعته، وبالتالي ليست هناك من أسباب لإحالة القضية إلى المجلس العدلي». من هنا حذّرت المصادر من «فتوى ما» قد تصدر عن المحكمة العسكرية لإعادة الملف إلى المجلس العدلي، واصفة هذه الخطوة إذا ما حصلت بـ«الهرطقة الدستورية».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.