شاب سوري يترك برلين ويلتحق بـ«معسكر الساروت» للقتال في إدلب

عناصر من «جيش العزة» شمال حماة وسط سوريا (أ.ف.ب)
عناصر من «جيش العزة» شمال حماة وسط سوريا (أ.ف.ب)
TT

شاب سوري يترك برلين ويلتحق بـ«معسكر الساروت» للقتال في إدلب

عناصر من «جيش العزة» شمال حماة وسط سوريا (أ.ف.ب)
عناصر من «جيش العزة» شمال حماة وسط سوريا (أ.ف.ب)

على مدى 3 سنوات، اختبر محمد النعيمي حياة طبيعية في مدينة برلين التي لجأ إليها هرباً من صخب الحرب. لكن ذلك لم يمنعه من العودة إلى سوريا عازماً على حمل السلاح وقتال قوات النظام.
ويقول محمد (23 عاماً) لوكالة الصحافة الفرنسية: «كنت في برلين، أتعلم وأعيش حياة سليمة ولي راتب شهري، لم يكن ينقصني شيء (...) إلا أنني لم أشعر بالراحة وشوق الوطن لم يفارقني».
وبعدما أنهى الأسبوع الماضي دورة تدريب عسكرية لدى فصيل معارض، يستعد الشاب حالياً للالتحاق بجبهات القتال في محافظة إدلب (شمال غرب)، التي تتعرض لتصعيد من قوات النظام وحليفتها روسيا منذ نحو 3 أشهر.
ويوضح مرتدياً قميصاً قطنياً أسود وسروالاً عسكرياً: «ستصبح المقرات العسكرية وجبهات القتال مسكني الآن، وسأعتبرها أفضل... من السكن في قصر».
عند اندلاع الاحتجاجات في سوريا عام 2011، كان محمد تلميذاً يرتاد مدرسته في محافظة القنيطرة التي يتحدر منها في جنوب البلاد. ويستذكر كيف التحق بالمظاهرات ضد النظام قبل أن يحمل السلاح إلى جانب الفصائل المعارضة ويشارك في المعارك التي مكنت الفصائل حينها من السيطرة على الجزء الأكبر من محافظتي القنيطرة ودرعا المجاورة.
إلا أنه في عام 2015، وخشية هجوم لقوات النظام على منطقته، بدأ يشعر بالإحباط وقرر المغادرة، فانتقل بعد رحلة في الصحراء إلى شمال البلاد ثم تركيا. ومن هناك، صعد في قارب تهريب عبر البحر، قاده إلى اليونان ومنها انتقل عبر دول أوروبية عدة وصولاً إلى ألمانيا، حيث عاش مع شقيقيه بهدوء وأمان طوال 3 سنوات.
ورغم كل ما توفّر له في برلين، لم يشعر محمد بالراحة ولم تفارقه فكرة العودة إلى سوريا. واتخذ قراره في عام 2019 بعدما «رأيت الحملة الشرسة التي يشنها النظام على إدلب بعد تهجير أهلنا في القنيطرة ودرعا». ويضيف: «حينها قررت العودة».
ويروي كيف عارضت عائلته قراره: «منعوني من العودة وحصلت مشاكل بيننا لكني صممت» على العودة إلى إدلب، رغم أن لا أقارب له فيها.
وكانت قوات النظام استعادت في عام 2018 السيطرة على محافظتي القنيطرة ودرعا بالكامل إثر عملية عسكرية واتفاقات تسوية تمّ بموجبها إجلاء الآلاف إلى محافظة إدلب. وبعد أشهر عدة، باتت إدلب نفسها عرضة للتصعيد العسكري.
وتمسك هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) بزمام الأمور إدارياً وعسكرياً في محافظة إدلب ومحيطها، حيث توجد أيضاً فصائل إسلامية ومقاتلة أقل نفوذاً، بينها فصيل «جيش العزة» الذي التحق به محمد في يونيو (حزيران). وشارك محمد في دورة عسكرية قرب معبر باب الهوى عند الحدود مع تركيا. وبعد شهر من التدريبات «الصعبة» على حد قوله، تخرّج مع عشرات من زملائه. وينتظر أن يلتحق قريباً بجبهات القتال.
خلال مراسم التخرج، استعرض محمد وزملاؤه عينة من التدريبات التي تلقوها وهم يرتدون ملابس عسكرية ويغطون وجوههم بينما يحملون بنادقهم.
في حقل واسع، أجروا تمارين رماية، ركضوا بين الإطارات المحترقة وقفزوا فوق الحواجز الإسمنتية وفي الخنادق وتسللوا إلى غرف إسمنتية رموا فيها القنابل كأنهم يواجهون خصومهم.
ويعتبر محمد أنه بعد تخرّجه أنهى «الجزء الصعب». ويشرح كيف تغيّر روتين حياته من الهدوء في ألمانيا إلى الاستيقاظ باكراً لحمل السلاح وممارسة الرياضة والركض.
ويوضح: «كانت الحياة في ألمانيا ممتازة، نضجت وتفتحت أفكاري هناك (...) اعتدت على شيء وعدت لأرى شيئاً آخر».
وتشمل التدريبات التي يتلقاها المنتسبون حديثاً إلى فصيل «جيش العزة»، وفق ما يشرح أحد قيادييه مصطفى باكور، اللياقة البدنية وتدريبات تتعلّق بـ«الجانب الديني والأخلاقي وتنمية الشعور بالثورة السورية» وأخيراً التأهيل العسكري.
وحمل معسكر التدريب الأخير تسمية معسكر عبد الباسط الساروت، نسبة إلى لاعب كرة القدم السابق وأحد أبرز وجوه الاحتجاجات الشعبية قبل أن يحمل السلاح ويُقتل في يونيو خلال مشاركته في معارك ضد قوات النظام في شمال غربي البلاد.
ويقول باكور إن التصعيد العسكري الأخير دفع بالكثيرين للانضمام إلى صفوف الفصائل المقاتلة، موضحاً: «واجه الشباب صعوبات كثيرة لأن غالبيتهم من المنتسبين حديثاً (...) ولكل منهم قصة» خاصة.
ولا يزال محمد يواجه ضغوطاً من والديه اللاجئين إلى لبنان وشقيقيه في ألمانيا حتى يغادر سوريا، إلا أنه يصر على صوابية قراره غير آبه بالمخاطر التي قد تحدق به. ويقول: «أحببت ألمانيا، لكن ليس هناك مكان مثل بلدي سوريا». ويضيف: «لم أندم على هذا القرار، ولو كان هدفي المال لبقيت في ألمانيا حيث كان لي راتب ثابت ومنزل، لكني رجعت إلى بلادي لأعطيها بدلاً من أن تعطيني». ويتابع: «سأكمل الطريق حتى النهاية».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.