تصاعد المضايقات ضدّ النازحين السوريين في لبنان

أطفال لبنانيون ينظرون على مخيم سوري في بلدة عرسال الحدودية اللبنانية الشرقية (أ.ب)
أطفال لبنانيون ينظرون على مخيم سوري في بلدة عرسال الحدودية اللبنانية الشرقية (أ.ب)
TT

تصاعد المضايقات ضدّ النازحين السوريين في لبنان

أطفال لبنانيون ينظرون على مخيم سوري في بلدة عرسال الحدودية اللبنانية الشرقية (أ.ب)
أطفال لبنانيون ينظرون على مخيم سوري في بلدة عرسال الحدودية اللبنانية الشرقية (أ.ب)

تحوّل ملفّ اللاجئين السوريين في لبنان إلى قضية مركزية، وموضع خلاف بين المكوّنات اللبنانية سياسياً واجتماعياً وحتى إنسانياً، في ضوء ما يتعرّض له هؤلاء من حملات سياسية وإعلامية تطالب بترحيلهم وإعادتهم إلى بلادهم، رغم المخاطر المحيطة بهذه العودة، ومؤسسات حقوقية وإنسانية لبنانية دولية تحذّر من عمليات اضطهاد وتمييز عنصري وطائفي ضدّ النازحين، في وقت بدأت فيه وزارة العمل حملات تفتيش على المؤسسات اللبنانية التي تستخدم عمالاً سوريين وأجانب، وتنذر أصحابها بتنظيم أوضاعهم القانونية، وفي حين نفت أي استهدافٍ لهم، شددت على ضبط الانفلاش القائم، كي لا يتحوّل لبنان إلى «دولة سائبة».
ومع تراجع الخطة الروسية - اللبنانية لإعادة النازحين إلى حدّ الاحتضار، في ظلّ تعقيدات الوضع السوري، وممانعة النظام الضمنية لعودتهم، يواجه السوريون في لبنان حملة متعددة الأوجه، يمثّل «التيار الوطني الحرّ» ورئيسه وزير الخارجية جبران باسيل رأس حربتها، أعلن المحامي نبيل الحلبي، مدير مؤسسة «لايف» القانونية التي تُعنى بقضايا اللاجئين، أن «ظاهرة تعرّض اللاجئين السوريين في لبنان للمضايقات ليست جديدة، لكنها تتطوّر بشكل تصاعدي، ارتباطاً بتغيّر الوضع الإقليمي لصالح النظام السوري».
وأشار إلى أن «أغلب المضايقات ذات طابع سياسي وطائفي، ولدفع النازحين للعودة إلى بلادهم عنوة».
وتحدث المحامي حلبي لـ«الشرق الأوسط»، عن «حصار يتعرّض له مجتمع اللاجئين في لبنان، بدءاً من تفكيك مخيماتهم، وهدم الغرف الإسمنتية التي بنوها لحماية أطفالهم من عواصف الثلج وموجات الصقيع، وصولاً إلى حرمانهم من حق العمل والاعتقالات الجماعية عند أي مشكل»، لافتاً إلى أن «الرجال وحدهم يتعرضون للاعتقال، ما يعني أن العائلة تفقد معيلها، بعدما فُقدت المساعدات الدولية التي كانت تقدّم لها، وبعضهم بات مكلفاً بدفع رسوم مقابل غياب المداخيل المادية، وهو ما يضع اللاجئ بين خيارين؛ إما القبول بجحيم العيش في لبنان، وإما العودة إلى سوريا رغم الخطر المحدق بحياته».
وكانت تقارير صادرة عن منظمات دولية، وتصريحات لوزير شؤون النازحين السوريين السابق معين المرعبي، تحدثت عن تعرّض عشرات السوريين الذين عادوا أو أعيدوا إلى بلادهم للاعتقال والتصفية على يد المخابرات السورية، وجرى الردّ على هذه التقارير بحملة عنيفة من التيار الوطني الحرّ وحلفاء النظام السوري في لبنان، تتهم المرعبي والمنظمات الإنسانية بتحريض السوريين على البقاء في لبنان. ونظّمت وزارة العمل اللبنانية حملة شملت مؤسسات لبنانية ومحالاً تجارية يستثمرها سوريون، للتثبّت مما إذا كانت أوضاعهم قانونية، وقد جرى توظيف هذه الحملة ضمن حملة التضييق على السوريين، لكنّ رئيسة دائرة مراقبة عمل الأجانب في وزارة العمل اللبنانية، مارلين عطا الله، نفت وجود سياسة اضطهاد ضدّ اللاجئين السوريين، بسبب إقفال بعض المتاجر غير القانونية التي أسسوها.
وأكدت لـ«الشرق الأوسط»، أن «دور وزارة العمل هو تطبيق القوانين المتعلقة بعمل الأجانب، وحثّ كل مَن يستخدم عاملاً أجنبياً للحضور إلى الوزارة لتنظيم وضعه القانوني». وقالت: «هدفنا ليس قطع أرزاق السوريين وحرمانهم من لقمة عيشهم، وعلى كل مَن يريد فتح مؤسسة تجارية أو العمل أجيراً في مؤسسة لبنانية، أن يتقدم للحصول على إجازة عمل، ليصبح وضعه قانونياً».
وأمام الاتهامات التي توجّهها جمعيات ومؤسسات دولية لبعض الإدارات اللبنانية، بمحاصرة السوريين، وصفتها عطا الله بـ«الافتراءات». ودعت هذه المؤسسات إلى «تقديم النصح للسوريين لتنظيم أوضاعهم القانونية، بدل انفلاشهم على الأراضي اللبنانية». وأضافت: «نحن حريصون على تطبيق القانون والنظام». وسألت: «هل مسؤولو المؤسسات الدولية للأجانب المقيمين في بلادهم أن يخالفوا القانون؟ هل المطلوب من لبنان وحده أن يكون بلداً سائباً للأجانب المقيمين على أراضيه؟»، نافية «وجود اضطهاد أو استهداف للنازحين السوريين»، ولفتت إلى أن «وزير العمل (كميل أبو سليمان) يعطي توجيهاته دائماً إلى المفتشين والمراقبين التابعين للوزارة أن يتعاملوا من اللاجئين وكل الأجانب المقيمين في لبنان، انطلاقاً من المعايير الإنسانية والأخلاقية».
ولا تكمن مشكلة النازحين بمسألة تصحيح وضعهم القانوني وتنظيم عملهم فحسب، بل تتعداها إلى التحذير من إعادتهم رغماً عن إرادتهم، أو توقيف بعضهم وتسليمهم للنظام السوري، ويؤكد المحامي نبيل الحلبي أن «(مؤسسة لايف) لديها أدلة عن حالات تمييز عنصري وتحريض عنصري ضدّ النازحين، سواء بخطابات السياسيين ومقالات بعض الإعلاميين، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي»، كاشفاً عن «تحريض ضدّ النازحين السُّنّة تحديداً، سواء كانوا سوريين أو فلسطينيين»، معتبراً أن «هناك احتواء كاملاً للاجئين من غير السنّة، حيث تولت مؤسسات دينية وحزبية تابعة لطوائف أخرى ترتيب الأوضاع القانونية لغير السنّة، تحت عنوان القلق من التغيير الديمغرافي».
وعبّر المحامي الحلبي عن أسفه لأن «المضايقات تركّز على فقراء اللاجئين، في مخيمات عرسال والبقاع الأوسط وشمال لبنان، حيث هناك 70 في المائة من عدد اللاجئين»، مشيراً إلى أن «السوريين الميسورين أغلبهم ترك لبنان وغادر إلى مصر وتركيا، بسبب الشروط القانونية المعقدة لاستثماراتهم، وبسبب الفساد الإداري اللبناني الذي يهرّب المستثمرين من أصحاب الطبقات المتوسطة». وقال: «لبنان الرسمي يحمي فقط متمولي النظام السوري، بدليل مرسوم لتجنيس الأخير، الذي يضم شخصيات سورية مدرجة على لائحة العقوبات الأميركية، أما بالنسبة للاجئين الهاربين من الحرب والقتل في سوريا، فهؤلاء غير مرحَّب بهم».
وعلى أثر التقارير التي أفادت عن قيام السلطات اللبنانية بتسليم معارضين سوريين إلى النظام خلال الأشهر القليلة الماضية، تقدّم محامون لبنانيون بإخبار لدى النيابة العامة التمييزية، طلبوا فيه التحقيق مع كل من يظهره التحقيق فاعلاً ومتدخلاً ومحرضاً وشريكاً.
وتضمّن الإخبار الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، أنه «منذ ستة أشهر أقدمت بعض الأجهزة الأمنية اللبنانية على تسليم عدد من اللاجئين السوريين إلى السلطات السورية»، مؤكداً أن «من بين الذين جرى تسليمهم عدد من الموقوفين الفارين من النظام السوري، بعد أن احتجزتهم السلطات اللبنانية لأيام قليلة، ثم أقدمت قبل نحو أسبوع على تسليم عدد من المنشقّين عن جيش النظام السوري، بصورة مخالفة للقانون اللبناني وللقانون الدولي».
وقال المحامون في «الإخبار»: «بما أن لبنان عضو في الأمم المتحدة، وملتزم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وموقع على (اتفاقية فيينا) الموقعة عام 1948 وما تلاها، وبما أن عملية التسليم مخالفة للدستور اللبناني وللقانون الدولي الجنائي، والقانون الدولي الإنساني، لذلك نطلب إجراء التحقيق لكشف المتورطين في هذه الجريمة الخطيرة، واتخاذ جميع الإجراءات القانونية بحقهم».



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.