مخاوف الترحيل تقلق يوميات السوريين في الأردن

عمان تؤكد تسهيلات العمل والعودة

سوريات لاجئات في مخيم الزعتري للاجئين في الأردن (إ.ب.أ)
سوريات لاجئات في مخيم الزعتري للاجئين في الأردن (إ.ب.أ)
TT

مخاوف الترحيل تقلق يوميات السوريين في الأردن

سوريات لاجئات في مخيم الزعتري للاجئين في الأردن (إ.ب.أ)
سوريات لاجئات في مخيم الزعتري للاجئين في الأردن (إ.ب.أ)

في 28 يونيو (حزيران) الماضي، من العام الحالي، استطاع السوري ثامر العصلان النعيمي، المعروف بـ«أبي محمد»، المقيم في محافظة المفرق الأردنية، أن ينهي في مخيم الزعتري للاجئين السوريين، «صلحة عشائرية» مع عائلة أردنية تسبب أحد أفرادها بوفاة لاجئ سوري قُدّر له أن يقضي في حادث سير خلال ركوبه حافلته على طريق ثغرة الجب (جنوب المفرق) - الزعتري، مؤكداً أن «الصلحة» تمت دون أي ضغوط، ووفقاً للعادات والتقاليد المعمول بها بين العشائر الأردنية.
ومع قسوة الحادثة التي راح ضحيتها السوري الأربعيني الذي كان أباً لـ8 أطفال، وفقاً للنعيمي، لم تلجأ عائلة السائق الأردنية إلى الانتقاص من حقوق المتوفى، مؤكداً أن الوجهاء والوسطاء الأردنيين في الصلحة حرصوا على إيفاء العائلة حقها وتقديم تعويض لها ضمن مفاوضات استمرت لأيام ثلاثة.
قد تُعتبر حادثة الوفاة حالة غير تقليدية للتعاطي معها وفقاً لتقاليد المجتمع الأردني، لكنها تعكس وبدرجة كبيرة، كما يقول النعيمي، حالة التآخي المجتمعي بين اللاجئين السوريين والأردنيين منذ بداية الحرب في سوريا، رغم الأعباء التي رتبها اللجوء السوري على المملكة ضمن مستويات الخدمات والكثافة السكانية.
ولم يشهد المجتمع الأردني حالة اعتداءات جسدية أو على الأملاك خلال السنوات الماضية، باستثناء حالات فردية محدودة في بعض المحافظات، فيما تعتبر الإشكاليات الأبرز التي يواجهها السوريون في الأردن اليوم، تتعلق بحقوق العمل ومعاملات الأحوال الشخصية وإثباتات الزواج والنسب والولادات، إضافة إلى قيود الخروج من مخيمات اللجوء التي أنشأتها مفوضية شؤون اللاجئين، والعودة لها، ومؤخراً الخروج من الأراضي الأردنية والعودة إلى سوريا منذ افتتاح الحدود البرية منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
يقول النعيمي الذي لجأ للأردن في 2013 عبر «الشيك» الحدودي، واستطاع أن يحصل على تصريح عمل ويعيش خارج مخيم الزعتري برفقة أبنائه وزوجته وأبويه، إن السوريين واجهوا تحديات جسيمة مع بدايات اللجوء، بإيجاد السكن والاحتياجات الأساسية والعمل والإقامة، إلا أنها اليوم تقلصت كثيراً، وباتت تقتصر على بعض قضايا محدودة، كالخروج من مخيم الزعتري (أكبر مخيمات اللجوء السوري، ويضم 77447 لاجئاً) والعودة إليه، وقال: «كان يتعذر على اللاجئين السوريين الخروج من المخيم، اليوم أصبحت عملية الخروج أيسر، لكنها بالطبع تتطلب موافقات أمنية لغير حاملي تصاريح العمل، حيث تخشى السلطات أن يخرج اللاجئون منه إلى المدن الأردنية دون عودة»، مشيراً إلى أن القيود لا تزال مفروضة.

- صعوبات معيشية
وترافق العيش داخل مخيمات اللجوء السورية الأربعة، صعوبات معيشية أقل، وفقاً لحقوقيين، حيث يمكن للمقيم داخل المخيم العمل أحياناً دون تصريح عمل، كما تتلاشى معوقات السكن والاستئجار وكذلك بالنسبة لمعاملات الأحوال الشخصية، لا سيما بعد استحداث محكمة شرعية داخل مخيم الزعتري، وفقاً للمديرة التنفيذية لمركز العدل للمساعدة القانونية، المحامية هديل عبد العزيز.
وتقول عبد العزيز لـ«الشرق الأوسط»: «هناك تحديات كبيرة لا يزال يواجهها اللاجئون السوريون في الإطار القانوني، سواء في النزاعات مع السكان في حالات استئجار المنازل، أو مع السلطات في قضية إثباتات الزواج والنسب، صحيح أن معدل إنجاز القضية في حالات المعاملات الشخصية يستغرق ما معدله شهر إلى شهرين أمام المحاكم، لكن هناك حالات معقدة قد تستغرق 6 أشهر».
وتشير عبد العزيز التي استقبلت 2970 قضية، العام الماضي (2018) تشكل قضايا السوريين ما نسبته 20 في المائة منها، إلى قضايا كثيرة ترافع فيها كادر المركز، ضمن الحالات الصعبة، كإثبات نسب مولود إحدى السيدات السوريات التي «هربت» من مخيم الزعتري هي وعائلتها، وجاء موعد ولادتها، حيث رفضت نقلها إلى المستشفى أو طلب الطبيب إلى المنزل، خشية المساءلة القانونية، كما أنها رفضت طلب سيارة الدفاع المدني الأردني لنقلها، وتمّت الولادة في المنزل.
وفي هذا السياق، بيّنت عبد العزيز أن قضية إثبات نسب طفلها استغرقت أشهراً عدة قبل أن يتمكن فريق المحامين من استصدار ورقة رسمية تؤكد أن طلباً سُجّل لدى الدفاع المدني يوم ميلاد الطفل، بعد محاولات كثيرة، فضلاً عن استفادة عائلتها لاحقاً من تصويب أوضاعها، حيث مدّدت السلطات المحلية للاجئين السوريين الموجودين في المدن ممن خرجوا من المخيمات، حتى نهاية مارس (آذار) من العام الحالي.
وتعتقد المحامية عبد العزيز التي يعمل لدى مركزها فريق مساعدة قانوني في المحاكم مؤلف من 44 محامياً، أن مخاوف وهواجس الترحيل أو قرارات الإبعاد، لا تزال تسيطر على اللاجئين السوريين، خصوصاً ممن خرج من المخيمات ويحتاج إلى تصويب أوضاعه قانونية، وكذلك الجهل بالقوانين والأنظمة والتعليمات الأردنية التي طرأ عليها كثير من التحسينات منذ بداية اللجوء السوري، وفقاً لها.
وتضيف عبد العزيز: «في بدايات الأزمة، كان بعض السوريين يواجهون خطر الترحيل، أو ما يُعرف بالإبعاد إلى سوريا، على خلفية إشكاليات قد تُعتبر من الجرائم البسيطة، وكان لدينا العديد من القضايا من هذا النوع، لكن في السنوات الأخيرة توقفت قرارات الإبعاد من هذا النوع باستثناء بعض الحالات ذات التهديد الأمني الكبير، ولكن بعض المخاوف لا تزال تسيطر على اللاجئين من اللجوء إلى القانون أو المعاملات الرسمية».
ونوهت عبد العزيز بأن إشكاليات اللاجئين خارج المخيمات شائكة أكثر، حيث سجلت عدة قضايا تتعلق مثلاً بإخلاء مستأجرين سوريين من أصحاب شقق من دون تراضٍ، وقبل انتهاء عقود الإيجار، مبينة أن البعض منهم يتردد في اللجوء إلى المحاكم للتقاضي، لاعتبارات كثيرة، من بينها ضعف الوضع الاقتصادي، وكذلك تجنباً لتبعات أي نزاعات قانونية. وتعرب عن قلقها من تسجيل حالات عنف أسري لدى عائلات سورية حالت المخاوف ذاتها أو الأوضاع غير القانونية لبعضها في المناطق الحضرية، من التظلم لدى إدارة حماية الأسرة، معتبرة أن هناك حاجة لحملات توعية بأهمية اللجوء إلى الجهات الرسمية لطلب المساعدة.
وأظهرت دراسة أصدرتها «منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية» (أرض) في يونيو الماضي، حول رضا اللاجئين السوريين عن قطاع العدالة في المملكة الأردنية، شملت عينة من 600 لاجئ سوري في محافظات المفرق وعمان والزرقاء وإربد والكرك، ميلاً أقل من الأردنيين للتوجه نحو القضاء والمحاكم، رغم ما أبدوه من ارتياح نحو المحاكم الشرعية بدرجة أكبر من المحاكم النظامية.
وبحسب الرئيسة التنفيذية للمنظمة، سمر محارب، فإن 43.8 في المائة من اللاجئين السوريين في العينة «يشعرون» بأن حقوقهم محمية بالكامل في الأردن، مقابل 39.8 في المائة لا يعتقدون أن حقوقهم محمية بالكامل، و15.6 في المائة غير متأكدين من ذلك، فيما يلجأ فعلياً للقضاء ما نسبته 18 في المائة منهم، بحسب الدراسة.
وتقول محارب لـ«الشرق الأوسط»: «الحالات الأبرز تتعلق بإثباتات الأحوال الشخصية للاجئين، ولكن شهدنا ارتفاعاً مؤخراً في قضايا الانتهاكات العمالية، وقضايا أخرى تتعلق بإخلاء المأجور».
وتشير دراسة محارب، إلى تسجيل نسبة أعلى بين اللاجئات السوريات عن نظيراتهن الأردنيات من المدينات (مالياً)، وبما نسبته للسوريات تُقدر بـ92 في المائة، حيث يسجل الدين غالباً لصالح أحد الذكور في العائلة. وتعزو الدراسة عزوف السوريين عن التقاضي لاعتبارات عدة، أهمها ضعف القدرة المالية، وما وصفته الدراسة بالشعور بعدم التوازن بينهم وبين الفاعلين الأساسيين ضمن قطاع العدالة، والخوف من الترحيل، مع التأكيد، كما أظهرت الدراسة، في الوقت ذاته، ميل اللاجئين ممن سبق لهم الاستعانة بأحد المراكز القانونية للجوء مجدداً إلى القضاء.

- رأي حكومي
على الجانب الرسمي، أطلقت الحكومة الأردنية، العام الماضي، حملةً لتصويب أوضاع اللاجئين السوريين ممن خرجوا من المخيمات إلى المدن دون تصاريح، وهو ما كان محل ترحيب من مفوضية شؤون اللاجئين كمبادرة للتسهيل عليهم والتسجيل لدى المفوضية والحصول على بطاقة الخدمة الخاصة الصادرة عن وزارة الداخلية الأردنية.
ومنذ افتتاح المعبر الحدودي، منتصف أكتوبر الماضي، تولت الحكومة الأردنية بالتنسيق مع المفوضية تأمين حافلات أسبوعياً لنقل اللاجئين الراغبين في العودة إلى سوريا، يومي الاثنين والخميس، بحسب ما أكدت مصادر حكومية مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، وهو ما أكده لاجئون سوريون أيضاً.
وتأتي هذه الخطوة في إطار منح التسهيلات اللوجيستية للسوريين من أجل العودة، مع تأكيد التزام الأردن بالعودة الطوعية للاجئين، وفقاً لتصريحات رسمية كثيرة، من بينها ما أكدته مجدداً وزيرة الدولة لشؤون الإعلام والاتصال في الحكومة الأردنية، جمانة غنيمات، لـ«الشرق الأوسط».
وأكدت غنيمات، من جهتها، أن تعهُّد الأردن بخيار العودة الطوعية للاجئين السوريين، يشكّل التزاماً أردنياً بمواثيق الأمم المتحدة، ويعكس روابط الأخوة بين الشعبين الأردني والسوري، وذلك عبر سنوات طويلة من التصاهر بين الشعبين، وتلاقي العادات والتقاليد والمصالح لاجتماعية.
وحول تسجيل انتهاكات بحق اللاجئين السوريين في الأردن، أكدت الوزيرة الأردنية، في حديثها، أن الانتهاكات قد تحصل نتيجة اندماج السوريين في المجتمع الأردني، ووجود بعض الإشكالات بينهم يحميه ويحصنه حق التقاضي أمام المحاكم الأردنية، وذلك تحت عنوان سيادة القانون على جميع مَن هم على أرض المملكة.
لكن غنيمات رفضت الحديث عن المخاوف التي ينقلها بعض اللاجئين السوريين، من خطر الترحيل في حال لجوئه لحق التقاضي، أو ممارسة أي ابتزاز له تحت هذا الادعاء، على حد تعبيرها، وشددت على أن وجود السوريين خارج مخيمات اللجوء، وانتشارهم بين محافظات المملكة، ونتيجة الاحتكاك اليومي بسوق العمل والتعليم والصحة، قد يولد حالات يحتاج فيها السوري للجوء إلى القضاء، وهو سلطة مستقلة تطبّق القانون على الجميع، دون النظر إلى جنسية المشتكي أو أصله، وفقاً لغنيمات.
إلى ذلك، تشير الإحصاءات الأحدث التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» من مفوضية شؤون اللاجئين في الأردن إلى عودة 22 ألف لاجئ سوري من الأردن، منذ افتتاح المعبر البري، بحسب الناطق الإعلامي في المفوضية، محمد الحواري، وذلك حتى نهاية شهر يونيو (حزيران) من العام الحالي، سواء من المناطق الحضرية أو المخيمات، وهو ما أشار إلى مطابقته للأرقام الرسمية الأردنية.
ويقول الحواري لـ«الشرق الأوسط» إن أغلبية اللاجئين قدموا من المناطق الجنوبية لسوريا، وإن 40 في المائة من اللاجئين السوريين في الأردن هم من منطقة درعا، منوهاً بأنه لم تُسجّل أي أعداد للاجئين جدد إلى الأردن منذ افتتاح المعبر.
وعن رغبة اللاجئين بالعودة، قال الحواري إنها متذبذبة وشهدت تزايداً في فصل الصيف، مؤكداً في الوقت ذاته أنها تبقى متغيرة.
وفي الوقت الذي اتهمت فيه أطراف سورية الأردن بمنح تسهيلات أكبر للاجئين السوريين لحثهم على البقاء في المملكة، كالتسهيلات الممنوحة على تصاريح العمل المرنة، فإن مصادر حكومية رفيعة أكدت أن السبب لعدم عودة السوريين إلى بلادهم هو الخشية من الأوضاع الأمنية هناك، مبينةً أن إحصاءات لم تعلن عنها الجهات الأممية والمفوضية إلى الآن، تشير إلى عودة أعداد «أقل قليلاً» من المغادرين إلى الأردن مجدداً، بعد رحلة استطلاع لا تشجع على العودة.
وأضافت المصادر: «الأردن فتح أبوابه للعودة الطوعية، ولكن أعداداً مقاربة لتلك التي تغادر من الأردن الآن تعود عبر المعبر الحدودي الرسمي، والفئات التي تغادر إما من كبار السن ممن سقطت عنهم الخدمة العسكرية، أو صغار السن، أو أحد أفراد الأسرة، بهدف الاستطلاع».
وتؤكد المصادر أن دراسات بعض الجهات الدولية والأممية التي تتحدث عن رغبة السوريين بالعودة خالفتها الوقائع على الأرض.
كما تشير الأرقام الرسمية إلى أن عدد اللاجئين المسجلين في سجلات المفوضية حتى العام الحالي يبلغ 650 ألف لاجئ، مقابل 750 ألف سوري مسجلين قبل الأزمة السورية وخلالها، قائلاً إن هؤلاء رفضوا منحهم صفة لاجئ، كما أن أعداداً كبيرة منهم وُجِدوا على الأرض الأردنية خلال سنوات أطول من سنوات الأزمة.
وتشترط السلطات الأردنية على اللاجئين السوريين، استصدار إذن خروج وعودة عبر المطار الدولي، لكن لاجئين سوريين أكدوا أن إذن الخروج والعودة مشروط بحالات ثلاث هي: الزواج بأردنية، أو الالتزام بمقاعد الدراسة، أو تصريح العمل، وأن هناك إجراءات مشددة حيال ذلك، فيما رأى آخرون أنه إجراء روتيني.
وفي قطاع العمل، طبّقت الحكومة الأردنية سياسات جديدة لتسهيل إصدار تصاريح عمل للاجئين السوريين، وأصدرت وزارة العمل أكثر من 135 ألف تصريح عمل، حتى شهر آذار (مارس) الماضي، وفق أرقام رسمية منشورة، حيث استحدثت الوزارة تصاريح عمل مرنة في قطاعات الإنشاءات والزراعة غير مقترنة بأصحاب عمل محدد، وذلك بالتنسيق مع اتحاد النقابات العمالية.

- قرارات
ويقول المدير التنفيذي لـ«مركز الفينيق للدراسات والمعلومات»، الباحث المتخصص في شؤون العمال أحمد عوض، إن العاملين السوريين في الأردن (لاجئين وغير لاجئين) يُعاملون معاملة العامل الوافد (المهاجر)، حيث لم تصدر سياسات عمل جديدة لتنظيم عملهم في سوق العمل. ويشير إلى أن المهن المغلقة للأردنيين بقيت كما هي مغلقة أمام العمالة الأجنبية، بما فيها السورية، لا بل قامت الحكومة الأردنية بإدخال مفهوم «تصريح العمل شبه المرن»، أي من دون «كفيل كامل مثل باقي العمال الأجانب»، في قطاعي الإنشاءات والزراعة، بحيث يكون اتحاد نقابات العمال هو كفيلهم في قطاع الإنشاءات والجمعيات التعاونية العاملة في الزراعة هي كفيلتهم، كما تم إعفاؤهم من دفع رسوم إصدار تصاريح العمل هذه وفقاً لعوض، وكذلك تم تقديم تسهيلات في قيمة الرسوم بالقطاعات الأخرى.
ويرى عوض أن هذه القرارات جاءت لتشجيع السوريين لإصدار أكبر عدد من تصاريح العمل، إنفاذاً لالتزام الحكومة الأردنية المعلن أمام المجتمع الدولي، بتشغيل 200 ألف سوري، في إطار اتفاق لندن، ضمن خطة الاستجابة للأزمة السورية، وإثبات ذلك بمؤشر عدد تصاريح العمل الصادرة لهم من وزارة العمل.
ويشير عوض إلى أنه تم تخفيض عدد التصاريح المطلوبة إلى 60 ألفاً خلال مؤتمر لندن لعام 2019، بعدما أظهر كثير من اللاجئين السوريين عدم رغبتهم بإصدار تصاريح عمل لأسباب متنوعة، ولكن على أرض الواقع هم يعملون وبكثافة، بحسب عوض.
ويلفت إلى أن تقديرات تشير إلى أن أعداد العاملين فعلياً منهم تقارب الـ150 ألف عامل وعاملة، غالبيتهم الكبيرة لا يحملون تصاريح عمل، أي يعملون بشكل غير نظامي.
ويؤكد عوض أن هناك انتهاكات تُمارس على اللاجئين السوريين في سوق العمل، لكن تلك الانتهاكات تكون أسوة بغيرهم من العاملين الأجانب الآخرين، أو حتى العاملين الأردنيين، ولكن العمال الأجانب وخصوصاً اللاجئين السوريين يكونون عرضة للاستغلال أكثر من غيرهم، بسبب حاجتهم الماسة للعمل، على حد تعبيره.
وتتفق الأربعينية صفاء مع الباحث عوض في أن ثمة صعوبات لا تزال قائمة تواجه اللاجئين السوريين في البلاد، على مستوى استصدار تصاريح العمل خاصة للاجئات لاعتبارات اجتماعية وقانونية، فضلاً عن محدودية المهن التي يمكن للاجئات العمل فيها، ما دفعها إلى تأسيس مشروع «للسباكة والصيانة المنزلية» يضم فريقاً من اللاجئات.
وتقول صفاء في حديث مع «الشرق الأوسط» التي نزحت من دمشق مع 3 أطفال في شهر أكتوبر 2012 وقد حصلت قبلها على الجنسية الأردنية لزواجها من أردني: «لقد نزحت مع أطفالي عبر الشيك، ولكن الحظ حالفني، لأنني اكتسبتُ الجنسية من زوجي الأردني، وعلَّمتني تجربة اللجوء أن أبحث عن فرصة لتأسيس مشروع أساعد به اللاجئات».
وتروي صفاء الحاصلة على شهادة في الفنون الجميلة من جامعة دمشق، المقيمة حالياً في محافظة إربد شمال البلاد، بعضاً من تفاصيل نجاح مشروعها في السباكة: «كنتُ ممن تقدَّم للمحاكم لإصدار وثائق وإثباتات أول أيام اللجوء، ومع مرور الأيام حاولتُ الاستفادة من هوايتي في سباكة المجوهرات والإكسسوارات فتقدمت إلى مركز تدريب (سباكة)، واكتشفت أنها (سباكة) بمعنى (المواسرجي)، رفضت في البداية ولكن تدربت وعملت على تأسيس مشروع صغير».
وتشير صفاء إلى أن فكرة المشروع استوحتها من حاجة مجتمع اللاجئين السوريين، خصوصاً النساء، للحصول على خدمات من هذا النوع في منازلهن، لا سيما الأرامل اللواتي لجأن دون أزواجهن ويرفضن دخول عمال صيانة لبيوتهن.
وتعتبر صفاء مشروعها من المشاريع الريادية التي نمت خلال السنوات القليلة الماضية، حيث عملت على تطويره إلى مكتب خدمات وتدريب مرخص منذ أكثر من عام، ويضم فريقاً نسوياً من اللاجئات السوريات المتخصصات في السباكة والصيانة. وتقول: «كنتُ قبلها أول من وثّق سجلاً تجارياً للمجموعة قبل نحو 6 سنوات، وتطور المشروع كفكرة ريادية، وسعيتُ بجد لخدمة مجتمع اللاجئين، مستفيدةً من دراستي الجامعية ومن تجربة النزوح، واليوم يعمل لدى المشروع لاجئات بعضهن حَمَلة شهادات لا يمكنهنّ العمل في مجال اختصاصهن».



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.