أعمال تحصين عسكرية لأهم 20 مرفقاً استراتيجياً في إسرائيل

ضمن الاستعدادات لمواجهة صواريخ «حزب الله»

TT

أعمال تحصين عسكرية لأهم 20 مرفقاً استراتيجياً في إسرائيل

أعلنت قيادة الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي، أنها تقوم بأعمال تعزيز وتحصين في أهم 20 موقعاً استراتيجياً في مختلف أنحاء البلاد، وذلك ضمن خططها الحربية لمواجهة الصواريخ الإيرانية المصوبة لها من لبنان بواسطة «حزب الله» أو من سوريا.
وقال ناطق بلسان الجيش، الليلة قبل الماضية، إن التقديرات الاستخبارية في إسرائيل، تفيد بأن «حزب الله»، الذي يسيطر على الجنوب اللبناني وأجزاء من سوريا، ومعه ميليشيات أخرى هناك، سيعمل على استهداف المرافق الاستراتيجية في البلاد من أجل الإضرار بقدرات الجيش الإسرائيلي القتالية وتسجيل انتصار معنوي في مواجهة مقبلة. وقد وضعت قيادة الجبهة الداخلية قائمة حددت فيها المنشآت الاستراتيجية، التي قد تكون هدفاً لهجمات «حزب الله»، وقررت إجراء عمليات تعزيز وتحصين كبيرة فيها، وضمن ذلك بناء جدران خرسانية، وتعزيز الأسقف والبنايات وتثبيت أبواب مقاومة للأضرار لمنع إصابتها بشظايا صاروخية، وتحويل بعض المرافق إلى مواقع تحت مستوى الأرض.
ومن بين المواقع التي سيتم تحصينها مخازن غاز الأمونيا في خليج حيفا، وهي التي تحدث حسن نصر الله عنها كثيرا في خطاباته، ومنشآت توليد الكهرباء وغيرها من منشآت شركة الكهرباء، ومخازن خطوط الغاز الطبيعي الإسرائيلية، والموانئ والمطارات ومقرات وزارية وأمنية، بالإضافة إلى مواقع حساسة واستراتيجية سرية.
وقال الناطق إن أجهزة المخابرات الإسرائيلية تعتقد أن «حزب الله» يملك عدداً محدوداً من الصواريخ الدقيقة القادرة على تهديد البنى التحتية الحيوية في إسرائيل، على الرغم من أن الترسانة الصاروخية للحزب عموماً لا تسمح له بعد بإصابة المنشآت الاستراتيجية بشكل دقيق. وأكد على أن «حزب الله» يعمل على تحسين قدراته في هذا المجال والحرس الثوري الإيراني يساعده على ذلك بشكل كبير. وقال إنه وعلى الرغم من الغارات الكثيرة التي نفذت في سوريا لمنع نقل أسلحة دقيقة لـ«حزب الله»، وخلالها تم تدمير شحنات الأسلحة عدة مرات، حال وصولها من إيران إلى مطارات سوريا.
يذكر أن تقرير مراقب الدولة الإسرائيلي للعام 2016 كان قد لفت إلى خلل وإخفاق كبيرين في تحصين مواقع تعتبر استراتيجية في إسرائيل، بحيث يمكن القول إنها «غير مستعدة للتهديدات الصاروخية». وفي العام 2018 الماضي، خصصت الحكومة الإسرائيلية ميزانية قدرها 150 مليون شيكل (الدولار يساوي 3.55 شيكل) لتحصين مبان في جميع أنحاء البلاد من الهجمات الصاروخية، وخاصة المباني العامة ومواقع البنى التحتية. في الوقت نفسه، طلبت قيادة الجبهة الداخلية ووزارة الأمن من الشركات الخاصة تقديم حلول بديلة لتحصين المنازل الخاصة غير المحصنة.
في حين أكد قائد قيادة الجبهة الداخلية التابعة للجيش الإسرائيلي، في نقاش داخلي في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، العام الماضي، أن 2.5 مليون مواطن في إسرائيل لا يتمتعون بالحماية الملائمة (نصفهم من المواطنين العرب، من فلسطينيي 48)، وأن أكثر من 700 ألف منزل غير محصن من الهجمات الصاروخية. وفي مطلع الأسبوع، طالبت قيادة الجبهة الداخلية، بتحصين المؤسسات الصحية في البلاد.
ويتابع الإسرائيليون ما يتفوه به رئيس «حزب الله»، حسن نصر الله، في هذا السياق ويتعاملون معه بجدية، إذ قال في مقابلة أخيرة مع قناة «المنار» التابعة له، إن «المقاومة قادرة على أن تطال كل المساحة الجغرافية في فلسطين المحتلة، من الشمال وحتى إيلات». وتابع أن «الخط الساحلي في الكيان الغاصب من نتانيا إلى أشدود (من 60 إلى 70 كيلومتراً) تحت التهديد. جزء كبير من المستوطنين موجود في هذه المنطقة التي تحتوي على الكثير من الأهداف، ككل مراكز الدولة الأساسية، وزارة الحرب، ومطار بن غوريون، ومطارات داخلية، وتجمعات صناعية وتجارية، وبورصة إسرائيل، ومحطات إنتاج وتحويل رئيسية للكهرباء، ومحطات للمياه والنفط وحاويات الأمونيا»، وهدد إسرائيل بـ«دمار هائل».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.