«قبل أن تغادر»... حوار تشكيلي يجمع 15 فناناً مصرياً

لماذا كان اختيار هذا العنوان... «قبل أن تغادر»؟؛ هذا هو السؤال الذي يطرحه المتلقي على نفسه حين يدخل غاليري «آرت توكس» بالقاهرة لمشاهدة الأعمال الفنية التي يضمها المعرض الجماعي الذي يحمل الاسم السابق، والمستمر حتى نهاية شهر يوليو (تموز) الجاري.
فهل المقصود هو الصيف الذي يأبى أن يغادر الموسم التشكيلي المصري شديد الثراء، دون أن يترك مزيداً من الجمال ومتعة النهل من روائع فنية جديدة عبر هذا المعرض الجماعي الزاخر بأعمال فنية معاصرة متعددة المواضيع والمفاهيم لما يزيد عن 15 فناناً.
إذا نوى الزائر أن يسأل مديرة الغاليري، فاتن مصطفى، عن سر أو معني هذا العنوان فإنه ما إن يدخل القاعة حتى ينشغل عن التفكير في العنوان المحير الغامض ليدلف إلى «المضمون» أو أعمال المعرض ذاتها باختلاف الخامات والوسائط من رسم وتصوير فوتوغرافي، ونحت، إذ سيفاجئه هذا الزخم الفني الذي سيأخذه إلى عدد لا حصر له من القضايا؛ بعضها مُلح يفرض نفسه بقوة على الطرح والنقاش في المجتمع المصري منذ سنوات عبر صياغة بصرية واضحة وواقعية، وبعضها الآخر يعكس أفكاراً فلسفية ورمزية متعددة عبر أسلوب فني جريء، بينما نلتقي بمكنونات شخصية ومشاعر إنسانية عميقة جسدها فنانون آخرون بلغة فنية ناعمة وصادقة إلى جانب الأعمال السيريالية والكاريكاتيرية.
الاحتفاء بالحياة قد يكون الوصف الدقيق لأعمال الفنان الدكتور هادي برعي، أستاذ الغرافيك بكلية الفنون الجميلة، جامعة الإسكندرية، وهو الفنان الذي يبهر جمهوره دوماً بلوحاته من حيث الفكر والتكنيك على السواء، ففي أعماله نتخطى حدود الزمان، والمكان لندلف إلى شخوصه الذين يمثلون النفس الإنسانية بصرف النظر عن انتماءاتها، أو اتجاهاتها، فنعيش معها حالة من الصراع بين المشاعر المختلفة والمتناقضة التي يمر بها الإنسان، وصولاً إلى تلك اللحظة الفارقة التي يتخذها الفنان كنقطة انطلاق نحو المقاومة والتحدي، وهنا يستدعي الإحساس بالأمل والطاقة، والوصول بالمشاهد إلى حالة خاصة من التأمل والشفافية، يساهم في تشكيل هذه المشاعر بالتة ألوانه الزاهية، وأسلوبة الفني الرصين المتأثر بالتزامه الأكاديمي.
وتتميز أعمال برعي كذلك، بتأثره الواضح بالفن المصري القديم، حيث الملامح الفرعونية لشخوصه، بالإضافة إلى استحضار بعض عناصر التراث المصري والعربي.
فيما يواصل الفنان وليد جاهين، عبر أعماله بالمعرض الانتصار للمرأة، إذ تبقى البطولة لها ولمشاعرها داخل اللوحة، ويبدو أنها من شدة سيطرتها على المسطح، تظهر إطلالتها كما لو أنها مجسمات أو قطع نحتية يحيط بها إطار اللوحة، وقد نجح الفنان أن يحقق هذا الشكل من تكنيك يعتمد على اللعب بألوانه المتناقضة التي تضمها بالتة ألوانه ما بين الألوان الباردة والساخنة.
أما الفنانة شيرين البارودي، فإنها تستبدل في لوحاتها بالجغرافيا ملامح شخوصها، بل إنها قد توظف الخرائط للوصول لرصد الصراع الداخلي للإنسان، معتمدة الاختزال والاختصار أسلوباً لتحقيق ذلك، وكأنها تتأمل في لوحاتها «جغرافية الإنسان» مع الاهتمام بالجماليات والخطوط الناعمة التي تتواءم مع دفء موضوعاتها.
ويمكن للعين أن تستمتع بجماليات الشكل وثراء المعالجة البصرية في أعمال الفنان الشاب علي سعيد، وكأن أعماله يقدمها مجموعة فنانين لا فنان واحد، فالمتلقي يتنقل ما بين لوحات ذات جانب كاريكاتيري ساخر ولوحات أخرى يقدم فيها الخط من خلال اللعب بالضوء والظل.
ونلتقي في المعرض بأعمال الفنان محمد أبو النجا والتي تعد انعكاساً لسعيه المستمر لتحقيق الاستدامة البيئية، مما يكسب فنه لمسات جذّابة وحساسة ومختلفة عبر استخدامه غير المتوقع لعناصر مهملة مثل الأوراق القديمة، والأغصان الورقية. وهو أول فنان شرق أوسطي يحصل على منحة من مؤسسة اليابان لدراسة فنون صناعة الورق.
وفي أعمال هي الأقرب إلى الكاريكاتير الساخر الكاشف لخبايا المجتمع نلتقي بأعمال الفنان الشاب طاهر صلاح الدين، مخرج الأفلام القصيرة، ومنه إلى فنانين آخرين منهم فاطمة رمضان، بأحدث إبداعاتها في مجال «الحفر والطباعة»، عبر أسلوبها السيريالي، والفنانة أسماء سامي بأحدث إبداعاتها في مجال «الحفر والطباعة» أيضاً وبطابعها التأثيري الناعم في التناول.
«قبل أن تغادر»، المعرض إذا ما حرصت على زيارته أثناء وجودك في مصر أو من خلال الاطلاع على صور الأعمال التي يضمها فلن تجد نفسك مضطراً للتفكير طويلاً في مغزى العنوان في نهاية هذه الزيارة، لأن تلك الجرعة الفنية المتنوعة والمتكاملة والمرتبطة بالفن المعاصر المصري التي ستتزود بها إنما ستمثل زاداً حقيقياً قد يكون مشبعاً للوجدان والفكر، إلى أن يبدأ الموسم القادم للفن التشكيلي المصري في سبتمبر (أيلول) المقبل.