توقيف الإيرانيين مزدوجي الجنسية وسيلة طهران للضغط على الغرب

يمثل سجن إيفين سيئ السمعة والواقع في شمال طهران كابوساً للسفارات الغربية؛ إذ يسجن فيه الإيرانيون من مزدوجي الجنسية ويحتجزون، بوصفه وسيلة ضغط في لعبة دبلوماسية بلا رحمة في أغلب الأحيان.
وفي هذا السجن، تقبع فاريبا عادل خواه منذ مطلع يونيو (حزيران) الماضي بسبب تهم لم تكشف بعد. وجاء توقيف عالمة الأنثروبولوجيا البارزة قبيل زيارة المستشار الدبلوماسي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى طهران لمناقشة إنقاذ الاتفاق النووي الذي وُقّع في 2015 وأُضعف بانسحاب الولايات المتحدة منه في مايو (أيار) 2018.
وقال علي رضا نادر، مدير المركز الفكري «نيو إيران» الذي يتخذ من واشنطن مقراً له، إن ذلك تم «من أجل فدية»، مؤكداً أنه «في كل مرة تريد تعزيز وسائل ضغطها ضد الدول الغربية (...) تقوم إيران باللجوء إلى احتجاز رهائن للتفاوض».
ويقبع عدد كبير من الإيرانيين مزدوجي الجنسية حالياً داخل السجون في إيران التي لا تعترف بالجنسية الثانية. وفي إيفين، انضمت فاريبا عادل خواه إلى نازانين زاغاري راتكليف الإيرانية - البريطانية المسجونة منذ أبريل (نيسان) 2016 وصدر بحقها حكم بالسجن 5 سنوات بعد إدانتها بـ«التحريض على الفتنة».
ونقلت زاغاري راتكليف التي تؤكد براءتها وتعمل في مؤسسة «تومسون رويترز»؛ «فرع العمل الإنساني» لوكالة الأنباء الكندية - البريطانية التي تحمل الاسم نفسه، من سجنها إلى جناح للأمراض النفسية في أحد مستشفيات طهران، كما ذكرت عائلتها.
وأكد زوجها ريتشارد راتكليف في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 لوكالة الصحافة الفرنسية أن زوجته «تستخدم وسيلةً للمقايضة من قبل (الحرس الثوري) الذي يريد الحصول على شيء ما من الحكومة البريطانية».
ورأت الصحف البريطانية بعد ذلك علاقة بين خطة تسوية دين قديم تبلغ قيمته 450 مليون يورو لإيران وقرار الإفراج عن زاغاري راتكليف، لكن لندن وطهران نفتا ذلك.
ونفت إيران باستمرار استخدام مواطنين مزدوجي الجنسية وسيلةً للضغط من أجل التوصل إلى اتفاقات دولية، لكنها اعترفت في الوقت نفسه بأن هؤلاء يمكن مبادلتهم في قضايا آنية.
وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف طرح علناً في أبريل (نيسان) الماضي اقتراحاً بمبادلة إيرانيين مسجونين أو مهددين بتسليمهم إلى الولايات المتحدة، بأميركيين إيرانيين مسجونين في إيران.
وأمضى جيسون رضايان، مراسل صحيفة «واشنطن بوست»، 544 يوماً في سجن إيفين بين 2014 و2016، بتهمة التجسس.
وروى الصحافي الأميركي الإيراني في فبراير (شباط) الماضي لوكالة الصحافة الفرنسية أنه شعر كأنه «بيدق» في لعبة شطرنج دولية، بينما كانت القوى الكبرى تجري مفاوضاتها مع طهران. وقال: «عوملت كإيراني، لكن عندما حان وقت المقايضة، عوملت كأميركي». وقد أدرك أن «قيمته» مرتبطة بنتائج المحادثات.
وكتب في كتابه «سجين» أن «كل اعتقال جديد هو تذكير بأن عملية احتجاز رهائن (52 شخصاً في المجموع) شكلت انطلاقة هذا النظام قبل أربعين عاماً»، في إشارة إلى احتجاز دبلوماسيين أميركيين داخل السفارة في طهران عام 1979، الذي أدى إلى قطع العلاقات بين إيران والولايات المتحدة.
وأفرج عن رضايان مع 3 سجناء أميركيين آخرين، في 16 يناير (كانون الثاني) 2016 مع اليوم الأول من تطبيق الاتفاق الدولي الذي تم توقيعه قبله بستة أشهر.
في المقابل؛ أصدر الرئيس الأميركي حينذاك باراك أوباما عفواً عن 4 إيرانيين محكومين وخفض أحكاماً صادرة على 3 آخرين. ونص الاتفاق أيضاً على أن تدفع واشنطن 1.7 مليار دولار لتسوية دين يعود إلى ما قبل الثورة.
وكان المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية حينذاك السيناتور ماركو روبيو، أدان هذا «التنازل» الذي سيؤدي برأيه إلى توقيف مواطنين أميركيين آخرين.
وتحدث علي رضا نادر مطولاً في هذا الاتجاه. وحول فاريبا عادل خواه، قال إن «فرنسا حركت الجزرة من دون العصا (...) وسيكون هناك رهائن آخرون».
وقد رحب بالأسلوب الذي اتبعته المملكة المتحدة مؤخراً. وقال إن البريطانيين «ردوا على الترهيب الإيراني» عبر قيام سفينة حربية في الخليج بحماية ناقلة نفط من زوارق حربية إيرانية، واعتراض ناقلة نفط يشتبه بأنها تنقل نفطاً إيرانياً إلى سوريا في جبل طارق.
ورأى الخبير أن حديث وزير الخارجية الإيراني «للمرة الأولى» الاثنين الماضي عن إمكانية إجراء محادثات حول البرنامج الباليستي الإيراني يدل على أن العقوبات القاسية التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على طهران تؤتي ثمارها.