«الحرية والتغيير» تستبعد انهيار المفاوضات

فيصل بابكر لـ«الشرق الأوسط»: نرفض «حصانة» المجلس العسكري

بابكر فيصل
بابكر فيصل
TT

«الحرية والتغيير» تستبعد انهيار المفاوضات

بابكر فيصل
بابكر فيصل

قطع عضو وفد التفاوض بقوى «إعلان الحرية والتغيير»، بابكر فيصل، برفض تحالفه لما جاء في الإعلان الدستوري، الذي يمنح أعضاء مجلس السيادة «الحصانة» من أي مساءلة جنائية أو توجيه تهم لهم أثناء فترة توليهم مناصبهم، وأوضح أن الحصانة موجودة في كثير من الدساتير في الدول، لكنها لا توضع بشكل مطلق، بحيث تجعل أي شخص يفلت من العقاب.
وأكد فيصل أن قوى «إعلان الحرية والتغيير» ستعود إلى طاولة المفاوضات، اليوم الثلاثاء، وقال: «لا أتوقع أن تطول المفاوضات، وإذا توفرت الجدية والإرادة، سنصل بنهاية الأسبوع الحالي إلى توافق مع المجلس العسكري حول الوثيقة».
واتفق المجلس العسكري الانتقالي و«قوى الحرية والتغيير» على تكوين مجلس سيادة من 5 عسكريين و5 من المدنيين، وشخص حادي عشر يشترط أن يكون مدنياً، ويوافق عليه المجلس العسكري، إضافة إلى رئاسة دورية، وأن يتم تشكيل المجلس عقب التوقيع النهائي على الاتفاق بين الطرفين.
وقال فيصل في مقابلة مع «الشرق الأوسط»: «عندما تسربت هذه التعديلات في الوثيقة، كان في ذهن الناس فض الاعتصام وما تبعته من أحداث خلفت عشرات القتلى والجرحى، لذلك أثارت جدلاً كثيفاً في الشارع وخلافاً داخل فصائل (قوى التغيير)»، وأشار إلى أن هذه التعديلات دفع بها المجلس العسكري، ولم تكن موجودة في الوثيقة الأولى التي دفعت بها «قوى التغيير»، قبل فض الاعتصام في الثالث من يونيو (حزيران) الماضي.
وأوضح أن التعديلات الكثيرة التي أدخلها المجلس العسكري على الوثيقة، أظهرت الخلافات بيننا، وقال: «بعد استلامنا النسخة من الوساطة الإثيوبية الأفريقية المشتركة اضطررنا إلى تأجيل المفاوضات لمزيد من الدراسة والتحميص»، وأضاف: «قطعنا شوطاً في مناقشة الاتفاق السياسي والإعلان الدستوري، وليس من العسير أن تتفق فصائل (قوى التغيير) على التوافق حول رؤية موحدة».
وطلب فيصل من المجلس العسكري التراجع عن قضية الحصانة، لأن وجودها بهذه الصيغة يجعل البعض يعتبرونها تحصيناً للعسكريين من المحاسبة، ويربطونها مباشرة بأحداث فض الاعتصام، وأضاف: «حتى لو قبل بها الشارع، لن نقبل بها في (قوى الحرية والتغيير)».
واعترف فيصل بأن تسريب الإعلان الدستوري خلق بلبلة ما جعله يبدو وكأن «قوى التغيير» وافقت عليه، وتابع: «هذا غير صحيح، وواقع الأمر أنها مجرد مسودة عرضت علينا لنبدي رؤيتنا حولها»، وأضاف: «الخلاف في كيان عريض كـ(قوى الحرية والتغيير) وارد، ولكن ليس بالطريقة التي توحي بأن هنالك طرفاً أحرص على مطالب الثورة من الأطراف الأخرى»، مشيراً لرفض «الحزب الشيوعي» المبكر للوثيقة الدستورية، وأوضح فيصل أنه ممثل تحالف «قوى الإجماع الوطني»، وجزء من «قوى الحرية والتغيير»، وأضاف: «هو كحزب يرى أنه من حقه أن يعبر عن رؤيته، ولكن مبدأ التحالف يقول أن تناقش الأمور داخلياً»، وأكد فيصل أن «قوى الحرية والتغيير» ستتفق على رفض تلك البنود في الوثيقة، وتضع ملاحظاتها حولها، والتفاوض سيوصلنا إلى حل تلك الخلافات، واستبعد خروج بعض الفصائل من التحالف والاتفاق.

- نقاط الخلافات في الوثيقة
يشير فيصل إلى أن هنالك خلافات حول بعض صلاحيات مجلس السيادة، وكان الاتفاق بيننا أن يعتمد قرارات مجلس الوزراء، ولكن العسكريين يتحدثون عن الموافقة، وليس الاعتماد، وعدم الموافقة يعني الرفض، وهذا يفتح باباً للخلافات مستقبلاً خلال الفترة الانتقالية، وتابع: «(قوى التغيير) ناقشت هذه المسألة، وسيتم تضمينها في الرد على الوثيقة».
وأضاف فيصل قائلاً: «وصلنا إلى طريق مسدودة في الاتفاق مع (العسكري) على المجلس التشريعي، الأمر الذي دفع بالوسيط للتدخل وإرجاء تشكيله بعد ثلاثة أشهر من التوقيع على الاتفاق، على أن يتم التشريع خلال تلك المدة عبر مجلسي السيادة والوزراء»، مؤكداً أن «قوى التغيير» لن تتنازل عن نسبة 67 في المائة التي تم الاتفاق عليها سابقاً، رغم قول المجلس إنها تفاهمات، وليست اتفاقاً ملزماً.
واستبعد القيادي بـ«التجمع الاتحادي المعارض»، أحد كتل «قوى الحرية والتغيير»، انهيار المفاوضات بين المجلس العسكري و«قوى التغيير»، وقال: «الطرفان يدركان أن هذا سيؤدي إلى المواجهة والصدام، ويريدان تجنب الوصول لتلك المرحلة»، وتابع: «إذا انهارت المفاوضات، وضاعت الفرصة، سنعود إلى مربع القمع والقتل والتظاهر العصيان، والمواجهات الشاملة، وهذا ليس من مصلحة (قوى التغيير)، ولا المجلس العسكري ولا الشعب السوداني».
وبشأن الخلافات على ترتيبات القوات النظامية، يقول فيصل: «هذه تقديرات متروكة للعسكريين، ولا أعتقد أنها ستسبب مشكلة بيننا، وهذا أمر يخضع لبرامج إعادة الدمج والتسريح في الجيش، لا سيما بعد بدء عملية السلام مع الحركات التي تحمل السلاح مع بداية الفترة الانتقالية».
وكشف فيصل عن تفاهمات تم الوصول إليها مع الحركات المسلحة المنضوية في تحالف «نداء السودان» - مشاركة في قوى «إعلان الحرية والتغيير» بهذه الصفة - في اجتماعات أديس أبابا، وهي «الحركة الشعبية لتحرير السودان» - الشمال بقيادة مالك عقار، وحركة «جيش تحرير السودان»، بزعامة مني أركو مناوي، وحركة «العدل والمساواة» بقيادة جبريل إبراهيم.
وأوضح فيصل أن هذه الحركات ممثلة في وفد التفاوض عن «قوى الحرية التغيير»، لكنها تريد أن يكون لها وجود أكبر، وتابع: «توصلنا معها إلى تفاهمات لإشراكها بصورة أكبر في الاتفاق خلال المرحلة الانتقالية، وسيكون لها وجود فاعل في المجلس التشريعي».

- تغييب الشارع
يرى فيصل أن حركة الشارع سابقة للفعل السياسي، بيد أن «قوى التغيير» أخذت زمام المبادرة، وأضاف: «في الثورة هنالك اتجاهان؛ العمل السياسي والفعل الثوري، والثوريون في الشارع لا يفهمون العمل السياسي، كما يفهمه السياسيون»، وتابع: «مهمة (قوى الحرية والتغيير) أن تقرب الشقة بين السياسي والثوري، لذلك يظهر الشارع في تناقض واختلاف مع السياسي، وهي ثنائية تحدث في كثير من الثورات». وأوضح أن «قوى الحرية والتغيير» كيان عريض به مشكلات تنظيمية يسعون لحلها بتكوين مجلس رئاسي يشكل المرجعية السياسية، وقال: «التنسيقية التي تدير العمل في الوقت الحالي ستتحول إلى جهاز تنفيذي للمجلس»، وتابع: «كانت هنالك سلبيات للعمل خلال الفترة الماضية، خصوصاً حينما طالت الاعتقالات قيادات (قوى الحرية والتغيير) في الأشهر الأولى من الانتفاضة، والآن حدث انفراج كبير ونعمل على تجويد العمل».

- فقدان الثقة
يشير فيصل إلى أن الشارع لا يزال يعاني صدمة فض الاعتصام، التي أفقدته الثقة في المجلس العسكري، لأنها «عملية تمت بغدر وبشاعة أشبه بالمجزرة»، وأضاف: «لكن يجب علينا النظر إلى مستقبل البلاد، ولا بد من تجاوز هذه المحطة، وهذا لا يعني التجاوز عن الجرائم التي ارتكبت، لكن وضعها في الإطار العام المتوجه نحو الانتقال إلى مرحلة تمهد لوضع البلد في المسار الصحيح».
وقال مضيفاً: «من مصلحة المدنيين والعسكريين أن يتعاونوا لإنجاح الفترة الانتقالية، فإذا حدثت مشاكسات بينهما، لن تنجح الفترة الانتقالية، والكل سيخسر، ولا بد لنا أن نستفيد من تجارب الآخرين، مثلما حدث في جنوب أفريقيا، ونجنب البلاد المواجهة والصدام الشامل».
وبشأن لجنة التحقيق في أحداث فض الاعتصام والجرائم التي ارتكبت خلالها، يقول فيصل: «هذه القضية جاءت واضحة جداً في الوثيقة، واتفقنا على تشكيل لجنة تحقيق مستقلة وشفافة، لا علاقة لها باللجنة التي كونها المجلس العسكري، وستصدر تقريرها على هذا الأساس».

- اتفاق مرضٍ
وختم القيادي بـ«قوى التغيير» حديثه قائلاً: «أي اتفاق نوقعه لن يتنازل عن المطالب الجوهرية للثورة، ربما لن ينال رضاء كل الناس، ولكنه سيرضي القطاع الأكبر من الشعب السوداني، الذي يطالب بالحرية والعدالة وتحقيق السلام ومعاشه».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.