أزمة سياسية جديدة تواجه ماكرون باستقالة الرجل الثاني في الحكومة

هزة جديدة أصابت الحكومة الفرنسية والرئاسة باستقالة وزير البيئة والرجل الثاني في الحكومة فرنسوا دو روجي، بعد مجموعة من التقارير التي أصدرتها مجلة «ميديا بارت» المتخصصة بالصحافة الاستقصائية. وحتى أول من أمس، كان الوزير المذكور يؤكد أنه يحظى بدعم رئيس الجمهورية والحكومة وأنه باقٍ في منصبه. ومن شاهد العرض العسكري بمناسبة العيد الوطني الفرنسي لا شك أنه لاحظ أن دو روجي البالغ من العمر 45 عاماً كان جالساً مباشرة وراء الرئيس. والصدفة البروتوكولية جاءت لتظهر أن الوزير يحظى بحماية الرئيس.
حقيقة الأمر أن مصاعب دو روجي الذي لم يبق في منصبه الوزاري سوى عام واحد بدأت مع نشر «ميديا بارت» تحقيقاً بيّنت فيه أن الرجل اعتاد إقامة حفلات فاخرة على حساب دافع الضرائب الفرنسي، عندما كان رئيساً للبرلمان بعد انتخابات صيف العام 2017. ولم يكن دو روجي شخصية سياسية من الطراز الأول. فقد سعى ليكون مرشح اليسار في الانتخابات الرئاسية، وبسبب فشله في ذلك، ورغم تأكيده دعم مرشح اليسار الذي خرج منتصراً من الانتخابات التمهيدية، فإنه غيّر موقفه وأعلن انضمامه إلى حملة المرشح إيمانويل ماكرون. وكانت مكافأته إيصاله إلى رئاسة الجمعية الوطنية. وفي موقعه هذا، كان حليفاً وفياً للرئيس الذي استدعاه ليكلفه شغل منصب وزير البيئة بعد استقالة نيكولا هولو، أحد أبرز الشخصيات السياسية والأكثر شعبية من منصبه بسبب «عدم فعالية» العهد في التعاطي مع مسائل البيئة والانحباس الحراري، رغم الوعود الخلابة. وتجدر الإشارة إلى أن ماكرون جعل من البيئة أحد أهم محاور سياسته، ما وفّر لصاحب هذه الحقيبة صفة «وزير دولة» وهو الشخصية الثانية في الحكومة.
لم تكن فضيحة العشاءات الفاخرة لأصدقاء الوزير وزوجته الصحافية في مجلة متخصصة بأخبار النجوم هي السبب الوحيد الذي أرغمه على الاستقالة أمس برسالة وجّهها لرئيس الحكومة إدوار فيليب. ذلك أن «ميديا بارت» («بعبع» رجال السياسة في فرنسا)، أعقبتها بفضائح أخرى، ومنها أن مديرة مكتبه كانت تشغل مسكناً اجتماعياً ضعيف الكلفة، رغم أنها لم تكن تسكن العاصمة. ثم كشفت المجلة المشار إليها أن دو روجي وزوجته عمدا إلى إجراء تحسينات في مسكنهما الوظيفي، وهو مبنى تاريخيّ يعود للقرن الثامن عشر بكلفة وصلت إلى 63 ألف يورو، منها شراء مجفف للشعر مغطى بأوراق مذهبة. وبالطبع، فإن فاتورة الأشغال رست، كما العشاءات الفاخرة من الكركند والخمور الشهيرة والأطباق غير العادية، على دافع الضرائب. ثم تبين أن دو روجي كان بدوره يشغل شقة «اجتماعية» مخصصة لذوي الدخل المحدود، بينما كان يتلقى راتبه النيابي.
ولاكتمال الصورة، بيّنت «ميديا بارت» أن الوزير المستقيل لم يدفع ضرائب لعدة أعوام، بل إنه كان يستخدم التقديمات المالية المرصودة لكل نائب ليسدد كلفة انتسابه كنائب إلى حزب الخضر.
إزاء هذا الكم المتدفق من الفضائح، لم يكن أمام دو روجي من سبيل سوى الاستقالة، رغم أن أياً من ماكرون أو فيليب لم يطلب منه ذلك. وحتى أول من أمس، كان ماكرون متردداً ونقل عن أوساطه أنه لا يريد أن يوفر لمجلة «ميديا بارت» انتصاراً سياسياً من خلال استقالة دو روجي. وخلال الأيام الأخيرة، لم يهبّ كثيرون من زملاء دو روجي للدفاع عنه، لا بل إن عزلته السياسية جاءت بينة. وتجدر الإشارة إلى أن رئيس الحكومة استدعاه الأسبوع الماضي، وتوافق معه على إجراء تحقيقين للتأكد من صحة الاتهامات. وشيئاً فشيئاً تبين للوزير المستقيل أن بقاءه في الحكومة أصبح مستحيلاً. وتشاء الصدف أن يترك حقيبته، بينما كان منتظراً أمس في مجلس الشيوخ للدفاع عن مشروع القانون حول الطاقة والبيئة.
ومع هذه الاستقالة التي تضعف الحكومة، يجد ماكرون نفسه أمام مشكلة صيفية جديدة، تذكر بما عاشه الصيف الماضي مع فضيحة مسؤول أمنه ألكسندر بن حالا. وتأتي هذه الفضيحة مباشرة بعد أن نجح الرئيس الفرنسي في قلب صفحة «السترات الصفراء» الذين أصروا على العودة إلى جادة الشانزليزيه يوم الأحد الماضي مباشرة عقب العرض العسكري. وما يتعين على ماكرون القيام به سريعاً هو إيجاد بديل لـفرنسوا دو روجي، مع المحافظة على التوازن السياسي للحكومة والتعجيل بقلب هذه الصفحة، قبل أن يتوجه هو ووزراؤه إلى عطلهم الصيفية.