«لقاء جدة» ينعش آمال الأسواق المالية اللبنانية

بوادر الانفراجة تظهر على السندات الحكومية... وترقب لمزيد من التحسن

شهدت الأسواق المالية أداء متباينا بين التحسن الجزئي في أسعار سندات الدين الحكومية، وتواصل الضعف في أسعار أسهم الشركات والبنوك في بورصة بيروت (أ.ب)
شهدت الأسواق المالية أداء متباينا بين التحسن الجزئي في أسعار سندات الدين الحكومية، وتواصل الضعف في أسعار أسهم الشركات والبنوك في بورصة بيروت (أ.ب)
TT

«لقاء جدة» ينعش آمال الأسواق المالية اللبنانية

شهدت الأسواق المالية أداء متباينا بين التحسن الجزئي في أسعار سندات الدين الحكومية، وتواصل الضعف في أسعار أسهم الشركات والبنوك في بورصة بيروت (أ.ب)
شهدت الأسواق المالية أداء متباينا بين التحسن الجزئي في أسعار سندات الدين الحكومية، وتواصل الضعف في أسعار أسهم الشركات والبنوك في بورصة بيروت (أ.ب)

في تطور مثير يرتقب أن يشهد تفاعلات إيجابية أكثر عمقا وشمولا، برز أمس ما نقلته وكالة «رويترز» عن تقارير أن «السعودية تستعد لدعم لبنان في ظل التحديات التي يواجهها اقتصاده». وذلك من ضمن ثمرات اجتماع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أول من أمس بثلاثة رؤساء وزراء سابقين للحكومة اللبنانية، وهم فؤاد السنيورة وتمام سلام ونجيب ميقاتي. ورصد إشارات لهم بأن «السعودية ربما تقدم دعما جديدا للبنان المثقل بالديون».
وشهدت الأسواق المالية أداء متباينا بين التحسن الجزئي في أسعار سندات الدين الحكومية، وتواصل الضعف في أسعار أسهم الشركات والبنوك في بورصة بيروت. وذلك تزامنا مع قرب إقرار مشروع قانون الموازنة العامة في المجلس النيابي المتوقع يوم غد الخميس، مقترنا بقطع حسابات العام 2017 وبتسوية لتأجيل قطع الحسابات عن السنوات الماضية لمدة 6 أشهر.
ولاحظت الوكالة ارتفاع إصدارات سندات «اليوروبوندز» اللبنانية التي تستحق في الأعوام 2024 و2025 و2027 أكثر من 0.8 سنت للدولار. لكن لم تتمدد هذه المفاعيل إلى ردهة الأسهم في بورصة بيروت، حيث يتواصل المنحى التراجعي في التداولات، وهبطت أمس القيمة الرأسمالية للأسهم المدرجة بنسبة 0.4 في المائة، لتصل إلى مستوى 8.33 مليار دولار.
ووفقا لمسؤولين في المصارف وخبراء ماليين، فإن رد الفعل «النفسي والأولي» على تداول أخبار بشأن الدعم المحتمل مرشح للتطور والمساهمة في إعادة التصويب الإيجابي لتحركات الأسواق.
ويظهر بوضوح أيضا مكانة المملكة ومدى تأثير توجهاتها الاقتصادية في المنطقة عموما، وفي لبنان خصوصا، وفي سجلها اللبناني سلسلة مبادرات تمنحها مركز الصدارة في دعم لبنان واقتصاده، وفي الحرص على الشراكات الاقتصادية والمالية والسياحية التاريخية بين البلدين. ولذا فإن أي دعم جديد محتمل سيكون مؤثرا في «إنعاش» الاقتصاد الوطني الذي يعاني من انكماش في النمو، بسبب تفاقم المشكلات البنيوية وتأثيرات النزوح السوري والتأخير في إصلاح المالية العامة الواقعة تحت ضغوط العجز وتنامي الدين العام الذي يناهز 87 مليار دولار، أو ما يتجاوز 150 في المائة من الناتج المحلي.
وبينما وصل عجز الميزان التجاري إلى 7.3 مليار دولار حتى نهاية مايو (أيار) الماضي، ووصل عجز ميزان المدفوعات التراكمي في الفترة ذاتها إلى 5.2 مليار دولار، عاود مصرف لبنان المركزي تنفيذ عمليات جديدة مع المصارف لحفزها على جذب ودائع «طازجة» بالدولار من الخارج، وإعادة توظيفها لديه بعوائد عالية، بهدف الحد من النزف في احتياط العملات الصعبة، وتمكينه من تأمين احتياجات الدولة من هذه العملات، بما يشمل تغطية مستحقات سندات «اليوروبوندز» وفوائدها. علما بأن المركزي يستعد لتسديد آخر شريحة لهذا العام، وتستحق في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وبالفعل يخوض عدد من المصارف، وفي طليعتها مصارف كبرى، حملات وجولات تسويق داخل لبنان وخارجه تستهدف خصوصا كبار المستثمرين من (أفراد ومؤسسات)، حيث يتم تقديم عروض مغرية لهم للحصول على عائد سنوي بالدولار بنسبة 11 في المائة مضمونة لمدة ثلاث سنوات وتدفع دوريا كل 6 أشهر. مدعمة بحافز إعادة توظيف فورية لنسبة 10 في المائة من المبلغ الإجمالي بالليرة اللبنانية. على أن يتم تجميده كوديعة ذات مردود يبلغ 10 في المائة. وهذا علما بأن التوظيف يشمل 110 في المائة للمبلغ الأصلي، مما يرفع إجمالي العائد إلى 45 في المائة في 3 سنوات في حال احتساب مردود إعادة توظيف الفوائد المحصلة، ومع اشتراط ألا يقل عن 5 ملايين دولار، علما بأن بعض المصارف أنزل الحد الأدنى إلى 3 ملايين دولار.
وكان المردود الإضافي (Excess Return) على دين لبنان الخارجي سلبيّاً عند مستوى 0.22 في المائة مع نهاية شهر يونيو (حزيران) الماضي، بحسب رصد تابعته مجموعة «الاعتماد اللبناني». ليحتلّ لبنان بذلك المرتبة ما قبل الأخيرة على صعيد المنطقة، مُسجِّلاً في الوقت عينه أعلى هامش على الديون السياديّة والذي وصل إلى 894 نقطة أساس، ورابع أعلى هامش على الديون السياديّة على صعيد الأسواق الناشئة حول العالم. بالإضافة إلى ذلك، جاء الهامش على الديْن السيادي الخارجي للبنان أعلى من المستوى المُسَجَّل خلال الشهر الذي سبقه والبالغ حينها 890 نقطة أساس. في هذا الإطار، تراجعت نسبة التثقيل على ديون لبنان السياديّة في مؤشر ميريل لينش عن الأسواق الناشئة إلى 1.91 في المائة في شهر يونيو، من 2.02 في المائة في شهر مايو.
ووفقاً لتقرير «المردود العالي في الأسواق الناشئة» الصادر عن شركة «ميريل لينش»، حقّق ديْن لبنان الخارجي عائدا بلغ 2.10 في المائة خلال شهر يونيو، مقابل عائد سلبي بلغ 3.8 في المائة في شهر مايو. ليصل بذلك العائد التراكمي إلى 4.86 في المائة في النصف الأوّل من العام 2019 بذلك، احتلّ لبنان المركز ما قبل الأخير بين 13 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شَمَلها التقرير، فيما سجّلت مصر المردود الأعلى والبالغ 15.18 في المائة، تبعها كلٌّ من الأردن (14.96 في المائة) والعراق (12.58 في المائة)، مع حلول تركيّا في المرتبة الأخيرة بمردود بلغ 4.67 في المائة.
يجدر الذكر في هذا السياق أنّ المردود السيادي الوارد في هذا التقرير لا يأخذ بعَيْن الاعتبار المخاطر المترتِّبة على هذه الاستثمارات، مما يفسّر نسبة الهوامش المرتفعة على الديون السياديّة (Option Adjusted Spread) للدول ذات المردود العالي.
ووفقا لتقرير مصرفي دوري يصدره بنك عودة، لم تكن سوق السندات الدولارية اللبنانية في الأسبوع الماضي، بمنأى عن التوتر الذي عمّ الساحة الداخلية بعد أن طالت العقوبات الأميركية لأول مرة أعضاء من المجلس النيابي. كما أنها اتبعت المسلك التراجعي لسندات الخزينة الأميركية بعد بيانات حول التضخم الأميركي في يونيو أظهرت أنه فاق التوقعات.
ووسط تراجعات في أسعار سندات الدين في الأسواق الناشئة، سجلت السندات اللبنانية تقلصات في الأسعار على طول منحنى المردود تراوحت بين 0.25 دولار و3.38 دولار (لكل مائة دولار)، وهذا ما أدى إلى تبديد جزء من الزيادات في الأسعار التي تحققت في الأسابيع الثلاثة السابقة بفعل توقعات البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بخفض سعر الفائدة الأساسي في العام 2020 والاتفاق الأميركي - الصيني. وبذلك ارتفع متوسط المردود المثقل إلى 10.42 في المائة في نهاية الأسبوع الماضي.



من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
TT

من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)

تعد السياحة المستدامة أحد المحاور الرئيسية في السعودية لتعزيز القطاع بما يتماشى مع «رؤية 2030»، وبفضل تنوعها الجغرافي والثقافي تعمل المملكة على إبراز مقوماتها السياحية بطريقة توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة والتراث.

يأتي «ملتقى السياحة السعودي 2025» بنسخته الثالثة، الذي أُقيم في العاصمة الرياض من 7 إلى 9 يناير (كانون الثاني) الجاري، كمنصة لتسليط الضوء على الجهود الوطنية في هذا المجال، وتعزيز تعاون القطاع الخاص، وجذب المستثمرين والسياح لتطوير القطاع.

وقد أتاح الملتقى الفرصة لإبراز ما تتمتع به مناطق المملكة كافة، وترويج السياحة الثقافية والبيئية، وجذب المستثمرين، وتعزيز التوازن بين العوائد الاقتصادية من السياحة والحفاظ على المناطق الثقافية والتاريخية، وحماية التنوع البيئي.

وعلى سبيل المثال، تعد الأحساء، المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لـ«اليونسكو»، ببساتين النخيل وينابيع المياه والتقاليد العريقة التي تعود لآلاف السنين، نموذجاً للسياحة الثقافية والطبيعية.

أما المحميات الطبيعية التي تشكل 16 في المائة من مساحة المملكة، فتُجسد رؤية المملكة في حماية الموارد الطبيعية وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.

جانب من «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» (واس)

«محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»

في هذا السياق، أكد رئيس إدارة السياحة البيئية في «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»، المهندس عبد الرحمن فلمبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أهمية منظومة المحميات الملكية التي تمثل حالياً 16 في المائة من مساحة المملكة، والتي تم إطلاقها بموجب أمر ملكي في عام 2018، مع تفعيل إطارها التنظيمي في 2021.

وتحدث فلمبان عن أهداف الهيئة الاستراتيجية التي ترتبط بـ«رؤية 2030»، بما في ذلك الحفاظ على الطبيعة وإعادة تنميتها من خلال إطلاق الحيوانات المهددة بالانقراض مثل المها العربي وغزال الريم، بالإضافة إلى دعم التنمية المجتمعية وتعزيز القاعدة الاقتصادية للمجتمعات المحلية عبر توفير وظائف التدريب وغيرها. ولفت إلى الدور الكبير الذي تلعبه السياحة البيئية في تحقيق هذه الأهداف، حيث تسعى الهيئة إلى تحسين تجربة الزوار من خلال تقليل التأثيرات السلبية على البيئة.

وأضاف أن المحمية تحتضن 14 مقدم خدمات من القطاع الخاص، يوفرون أكثر من 130 نوعاً من الأنشطة السياحية البيئية، مثل التخييم ورياضات المشي الجبلي وركوب الدراجات. وأشار إلى أن الموسم السياحي الذي يمتد من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى مايو (أيار) يستقطب أكثر من نصف مليون زائر سنوياً.

وفيما يخص الأهداف المستقبلية، أشار فلمبان إلى أن «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» تستهدف جذب مليون زائر سنوياً بحلول 2030، وذلك ضمن رؤية المحميات الملكية التي تستهدف 2.3 مليون زائر سنوياً بحلول العام نفسه. وأضاف أن الهيئة تسعى لتحقيق التوازن البيئي من خلال دراسة آثار الأنشطة السياحية وتطبيق حلول مبتكرة للحفاظ على البيئة.

أما فيما يخص أهداف عام 2025، فأشار إلى أن المحمية تهدف إلى استقطاب 150 ألف زائر في نطاق المحميتين، بالإضافة إلى تفعيل أكثر من 300 وحدة تخييم بيئية، و9 أنواع من الأنشطة المتعلقة بالحياة الفطرية. كما تستهدف إطلاق عدد من الكائنات المهددة بالانقراض، وفقاً للقائمة الحمراء للاتحاد الدولي لشؤون الطبيعة.

هيئة تطوير الأحساء

بدوره، سلّط مدير قطاع السياحة والثقافة في هيئة تطوير الأحساء، عمر الملحم، الضوء لـ«الشرق الأوسط» على جهود وزارة السياحة بالتعاون مع هيئة السياحة في وضع خطط استراتيجية لبناء منظومة سياحية متكاملة. وأكد أن الأحساء تتمتع بميزة تنافسية بفضل تنوعها الجغرافي والطبيعي، بالإضافة إلى تنوع الأنشطة التي تقدمها على مدار العام، بدءاً من الأنشطة البحرية في فصل الصيف، وصولاً إلى الرحلات الصحراوية في الشتاء.

وأشار الملحم إلى أن إدراج الأحساء ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي التابعة لـ«اليونسكو» يعزز من جاذبيتها العالمية، مما يُسهم في جذب السياح الأجانب إلى المواقع التاريخية والثقافية.

ورحَّب الملحم بجميع الشركات السعودية المتخصصة في السياحة التي تسعى إلى تنظيم جولات سياحية في الأحساء، مؤكداً أن الهيئة تستهدف جذب أكبر عدد من الشركات في هذا المجال.

كما أعلن عن قرب إطلاق أول مشروع لشركة «دان» في المملكة، التابعة لـ«صندوق الاستثمارات العامة»، والذي يتضمن نُزُلاً ريفية توفر تجربة بيئية وزراعية فريدة، حيث يمكنهم ليس فقط زيارة المزارع بل العيش فيها أيضاً.

وأشار إلى أن الأحساء منطقة يمتد تاريخها لأكثر من 6000 عام، وتضم بيوتاً وطرقاً تاريخية قديمة، إضافةً إلى وجود المزارع على طرق الوجهات السياحية، التي يصعب المساس بها تماشياً مع السياحة المستدامة.

يُذكر أنه يجمع بين الأحساء والمحميات الطبيعية هدف مشترك يتمثل في الحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية، مع تعزيز السياحة المستدامة بوصفها وسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكلاهما تمثل رمزاً للتوازن بين الماضي والحاضر، وتبرزان جهود المملكة في تقديم تجربة سياحية مسؤولة تُحافظ على التراث والبيئة.