مصر: مشروع قانون مُعدل للجمعيات يتجاوز اعتراضات محلية ودولية

سمح بإنشائها بالإخطار وألغى عقوبة الحبس... والبرلمان أقره مبدئياً

TT

مصر: مشروع قانون مُعدل للجمعيات يتجاوز اعتراضات محلية ودولية

وافق مجلس النواب المصري «بشكل مبدئي»، أمس، على مشروع تعديل قانون الجمعيات الأهلية، مُقدماً من الحكومة، يقضي بإنشاء الجمعيات بمجرد الإخطار، وعدم حلّها إلا بحكم قضائي، كما يلغي عقوبة الحبس، والاكتفاء بالغرامات المالية فقط، في استجابة لافتة لمطالب حقوقية محلية ودولية. وقال علي عبد العال، رئيس البرلمان المصري، إن «تعديل القانون يتم بهدف تحسين العمل الأهلي، وبما يتفق مع المعايير والمتطلبات الدولية».
وأثار القانون الحالي، الصادر في مايو (أيار) 2017، والمجمد فعلياً، انتقادات واسعة لمؤسسات حقوقية محلية ودولية؛ حيث وُجه له اتهامه بـ«تقييد عمل المنظمات غير الحكومية»، وأنه «يحظر فعلياً عملها، ويقصره على الأنشطة التنموية والاجتماعية، دون أي أنشطة سياسية أو حزبية».
ومع تزايد تلك الانتقادات، طلب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي، بمراجعة القانون، الذي دافع برلمانيون عنه، عند صدوره، بأنه «ضروري لمواجهة المنظمات التي تحصل على تمويل خارجي وتهدد الأمن القومي المصري».
وفي جلسته العامة، أمس، وافق البرلمان من حيث المبدأ على مشروع القانون المعدل والمقدم من الحكومة. ووفق تقرير اللجنة المشتركة من المجلس فإن المشروع يشجع على تأسيس الجمعيات الأهلية، والمنظمات الأجنبية غير الحكومية المصرح لها بالعمل في مصر، وتعزيز دورها في خدمة الصالح العام، مع إلغاء عقوبة الحبس، والاكتفاء بالغرامات المالية فقط.
واعتبر الحقوقي المصري نجاد البرعي، مشروع القانون المعدل «خطوة للأمام، يساعد على تحرير العمل الأهلي وبناء جسور من الثقة بين السلطة والعاملين في المجالي المجتمعي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن مشروع القانون حقق عدة مكاسب، من أهمها تأسيس الجمعيات بالإخطار، وأن الحل يأتي بقرار قضائي، بالإضافة إلى أن عدم الرد على طلب التمويل يعتبر موافقة في حد ذاته، مع إلغاء عقوبة الحبس. وإن كان استبدلها بعقوبة مادية كبيرة.
ويتيح مشروع القانون «حق تكوين الجمعيات الأهلية، وأن تكون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار، وأن تمارس نشاطها بحرية»، مع عدم جواز للجهات الإدارية «التدخل في شؤونها، أو حلها أو حل مجالس إداراتها أو مجالس أمنائها إلا بحكم قضائي»، فضلاً عن «حظر إنشاء أو استمرار جمعيات أو مؤسسات أهلية، يكون نظامها أو نشاطها سرياً، أو ذا طابع عسكري أو شبه عسكري».
وألزم مشروع القانون مؤسسات المجتمع الأهلي كافة بتوفيق أوضاعها خلال سنة من تاريخ صدور اللائحة التنفيذية للقانون المرافق، ونصّت مواد المشروع على أن يكون لإنشاء الجمعية نظام أساسي مكتوب يتفق مع نموذج النظام الأساسي الذي تحدده اللائحة التنفيذية للقانون المرافق، وألزم كل جمعية بأن يتضمن النظام الأساسي لها التزامها باحترام الدستور والقوانين، وعدم الإخلال بالأمن القومي، والنظام العام والآداب العامة.
وحظر مشروع القانون ممارسة أنشطة مخالفة للأغراض التي تم الإخطار بها، أو أنشطة سياسية أو حزبية أو نقابية، وفقاً للقوانين المنظمة لها، أو استخدام مقرات الجمعية في ذلك، كما حظرت ممارسة أنشطة من شأنها الإخلال بالنظام العام أو الآداب العامة أو الوحدة الوطنية.
وألزم المنظمة الأجنبية غير الحكومية بإنفاق أموالها بشفافية فيما يحقق أغراضها، وبما يتفق مع قواعد النشاط المصرح لها بممارسته داخل مصر.
وحظر على المنظمة الأجنبية غير الحكومية المصرح لها إرسال أو نقل أو تحويل أي أموال أو تبرعات إلى أي شخص أو منظمة أو هيئة أو مؤسسة أو جهة في الخارج إلا بعد موافقة الوزير المختص دون غيره، كما حظر عليها كذلك تلقي أي أموال من أي شخص طبيعي أو اعتباري بخلاف مصادر تمويلها المنصوص عليها بالتصريح الصادر لها إلا بعد موافقة الوزير المختص دون غيره. وفيما يخص العقوبات، عاقب المشروع بغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه، ولا تزيد على مليون جنيه، كل من تلقى أو أرسل بصفته رئيساً أو عضواً أو عاملاً في جمعية، ولو بالمخالفة لأحكام هذا القانون، أموالاً من جهة أجنبية أو محلية، أو قام بجمع التبرعات بالمخالفة لأحكام هذا القانون.
وقال رئيس مجلس النواب، إن الهدف من التشريع هو استقرار المجتمع، وإن «تعديل قانون 2017 يتم بهدف تحسين العمل الأهلي، وهو ما يتفق مع المعايير والمتطلبات الدولية». واستبعد علي عبد العال وجود ضغوط دولية وراء هذا التعديل، مؤكداً أنه «لا يمكن لأي جهة كانت من الخارج أن تفرض على الدولة المصرية القوية ومجلس النواب أي إملاءات، مهما كانت»، مضيفاً: «الواقع كشف عن وجود بعض النواقص في قانون الجمعيات الأهلية، وانطلاقاً من المسؤولية الدستورية، يتصدى المجلس لهذه النواقص، ويعمل على تنقية القانون وفق آراء النواب».
بدوره، قال النائب محمد الغول، إن «قرار الرئيس السيسي بإعادة قانون الجمعيات للتعديل جرى لإدراكه أننا نعيش في مجتمع عالمي»، متوقعاً أن «يشهد تصنيف مصر وموقفها تحسناً في المراجعة الدولية الشاملة، بمجرد خروج القانون للنور».
وأشار النائب عماد جاد، إلى أن «التشدد في نصوص القانون بشكله السابق كان مرتبطاً بالسياق الزمني وقتها، بسبب بعض الظروف التي أكد أنها تغيرت».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.