«الأمن القومي» و«الأمن الإعلامي»... نحو تأسيسٍ لوثيقة عهد بينهما

«الأمن القومي» و«الأمن الإعلامي»... نحو تأسيسٍ لوثيقة عهد بينهما
TT

«الأمن القومي» و«الأمن الإعلامي»... نحو تأسيسٍ لوثيقة عهد بينهما

«الأمن القومي» و«الأمن الإعلامي»... نحو تأسيسٍ لوثيقة عهد بينهما

قد يعترض البعض على الفصل بين ما هو قومي، وما هو إعلامي، باعتبار الإعلام جزءاً وأداة من أدوات تحقيق الأمن القومي لأي بلد، وهذا صحيح، لكن التجارب خلال السنوات العشر الماضية، حتى ما سبقتها، أثبتت أن هناك حصصاً إعلامية، شكلت تهديداً حقيقياً للأمن القومي في بلد بعينه أو لمجموعة بلاد بعينها، والأمثلة والأدلة كثيرة.
الشيء الآخر أن معظم الذين تحدثوا عن «الأمن القومي العربي» مثلاً، أفاضوا في كثير من المجالات التي تساهم في تحقيق الأمن القومي، مثل ما هو اقتصادي، وما هو عسكري، والأمني، حتى البيئي، والغذائي، ونسوا أو تناسوا ما هو إعلامي.
الغاية من هذا الطرح إيجاد ما يجمع بين الاثنين؛ الأمن القومي، والأمن الإعلامي، كمصطلحين في احتياج إلى وثيقة زواج، تشرعن العلاقة التي هي قائمة بالفعل.
بالإضافة إلى أننا في حاجة إلى نظرة واقعية، تعترف بفشل الإجماع العربي عن فهم واحد للأمن القومي العربي، بل تعترف أيضاً باستحالة تحقيقه، لأننا نعيش زمن التنافر العربي، بل الصراع العربي العربي.
ولكن كيف ننتقل بهذا الطرح من مربع التنظير العقيم إلى مربع التحقق القابل للتطبيق الفعلي؟
***
قبل أن نتحدث عن المسارات المستقبلية للمصطلح الجديد «الأمن القومي الإعلامي العربي» سنعود لإعادة التذكير بالمسار الذي سلكه «الأمن القومي العالمي» كمصطلح وسياسة واستراتيجية.
لنعترف جميعاً أنه لم يخرج مصطلح، ولا نظرية، ولا منهج من فراغ، فجميعها ابنة الواقع، والواقع المتأزم دائماً يفرض على العقول ابتكار طرق للخلاص.
مفهوم «الأمن القومي بمعناه العالمي» كان ابن واقع الحروب والدمار والصراع، إذ إن المصطلح ظهر بين نهاية حرب ساخنة مسلحة وبداية حرب باردة، بين الكتلتين اللتين كانتا تحكمان العالم في هذا التوقيت، والظروف التي نعيشها في عالمنا العربي غارقة في تأزم وصراع، لا يقل كارثية عما عاشها العالم وقتها.
كان مفهوم الأمن القومي في بدايته قائماً على فكرة حماية الدولة من أخطار الداخل والدفاع عن مصالحها أمام أخطار وتهديدات الخارج. لم يبق مفهوم الأمن القومي في غرف التنظير فقط، وإنما خرج إلى المؤسساتية، حين أنشأ الأميركيون «مجلس الأمن القومي الأميركي»، وخرج أيضاً إلى شرعنته، حين أصدر الكونغرس الأميركي «قانون الأمن القومي الأميركي العام» عام 1947، وأصبح جزءاً أساسياً من السلطة التنفيذية حين تم تعيين مستشار للأمن القومي.
وفي كل مرة كان هناك تعميق أكثر للفكرة، حسب الحاجة التي تفرضها متغيرات الواقع، فإذا كانت حقبة الحرب المسلحة والحرب الباردة ربطت مصطلح الأمن القومي، باعتباره «دفاعات عسكرية في مواجهة تهديدات عسكرية»، فإن حقبة ما بعد الحرب الباردة توسعت في تعريف الأمن القومي لكل دولة، وهنا أشير إلى تعريفين أراهما مهمين. الأول هو تعريف «تريجر وكرننبرغ» الذي يرى أن الأمن القومي هو «ذلك الجزء من سياسة الحكومة الذي يستهدف خلق الظروف المواتية لحماية القيم الحيوية».
أهمية هذا التعريف في اعتقادي تؤكد أن العامل القيمي لا يقل عن العامل العسكري في تحقيق الأمن القومي، والإعلام جزء قيمي مهم.
التعريف الثاني هو لـ«هنري كيسنجر» فهو يرى أن الأمن القومي «أي تصرفات يسعى المجتمع - عن طريقها - إلى حفظ حقّه في البقاء».
وهذا تعريف متناقض مع التعريف السابق لأنه متجاوز للقيم، بل تعريف يسعى إلى خلق الصراعات.
***
لم يكن العالم العربي بعقوله وسياسيّيه بعيداً عن الأمن القومي كعلم ولا كسياسة، فكثير من الكتّاب أسهموا في تكريس مبادئ وتعريفات وشروط وتحديات للأمن القومي العربي، وانتهوا إلى تعريف «بأنّه قُدرة الأمّة العربية على حفظِ إنجازاتها وأسسها ومبادئها من الأخطار والتهديدات التي تواجهها، سواء أكان تهديداً يخصُ قُطراً عربيّاً مُعيّناً أم يخصّ الأمّة العربيّة كلها».
ومن أطرف التعليقات على هذا التعريف هو «أن هذا التعريف وكأنه إقرار بفشل إنزال المصطلح على أرض الواقع»، فلم تنجح الأمة العربية في حفظ إنجازاتها ولا الدفاع عما يهددها. لذلك أرى، بل أنحاز بالكلية إلى تفكيك «الأمن القومي العربي»، باعتباره حزمة من الإجراءات التي تتحرك في مجالات متعددة، تفكيكه إلى أمن قومي عربي تبعاً للمجال المراد أو المتاح العمل فيه بشكل جماعي، ومنه المجال الإعلام العربي، لا لأنه محل إجماع عربي، بل لأن هناك عامل المؤسساتية التي تتجاوز الدولة الواحدة، فهناك قنوات ومؤسسات إعلامية عربية كبيرة ومستقلة تمويلياً وتشريعياً.
مبرري هنا هو أن النجاح في الجزء وارد طالما تأكد الفشل في الكل، «أنت غير قادر على تحقيق أمن قومي في جميع المجالات، لكن قد تكون قادراً على تحقيق أمن قومي في مجال بعينه».
***
إذن كيف تتحقق تلك الوثيقة المرادة لتحقيق الأمن القومي الإعلامي العربي؟
علينا أن نحدد بوعي شديد القضايا الشائكة، أو لنتفق على تسميتها الفخاخ والألغام التي تورط فيها الإعلام العربي خلال سنواته الثلاثين التي اقتربت على الانتهاء، خصوصاً في عشريته الأخيرة التي ستنتهي بعد عامين من الآن.
ومبدئياً سنجد أنفسنا أمام هذه الفخاخ...
. الفخ العرقي
. الفخ الطائفي والمذهبي
. الفخ الحدودي
. فخ الصراع على النفوذ (قطر نموذجاً)
. فخ التدخلات الخارجية (إيران نموذجاً)
. فخ التصدي للإرهاب
بعدها سنحدد أزمة كل فخ، وطرق الخروج منها إعلامياً.
- إعلامي مصري



تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».