قلق روسي متزايد مع استمرار تراجع «القوة الإنتاجية»

مكافآت تحفيزية لـ«المولود الثالث» لمواجهة الأزمة الديموغرافية

تراجع مستمر لأعداد السكان في المنطقة القطبية منذ عام 2015 (غيتي)
تراجع مستمر لأعداد السكان في المنطقة القطبية منذ عام 2015 (غيتي)
TT

قلق روسي متزايد مع استمرار تراجع «القوة الإنتاجية»

تراجع مستمر لأعداد السكان في المنطقة القطبية منذ عام 2015 (غيتي)
تراجع مستمر لأعداد السكان في المنطقة القطبية منذ عام 2015 (غيتي)

في الوقت الذي يُعد فيه النمو السكاني مشكلة تؤثر بصورة سلبية على النمو الاقتصادي والتنمية بشكل عام في بلد مثل الصين، على سبيل المثال لا الحصر، فإن عدم وجود هذا النمو، واستمرار تراجع أعداد السكان، بات التحدي الأهم والأكبر الذي تواجهه روسيا، ولا سيما أن الحديث يدور عن تراجع أعداد السكان في سن العمل، أي القوة الإنتاجية الرئيسية الضرورية للنمو الاقتصادي.
وعلى الرغم من تدابير وإجراءات وخطط فيدرالية طويلة الأمد تم تبنيها منذ عام 2005، بغية تحفيز الولادات، وتحسين الرعاية الطبية لرفع معدل متوسط عمر المواطن الروسي، لا تزال نسبة الوفيات أعلى من الولادات، أي أن عدد سكان روسيا يتراجع باستمرار حتى الآن، وفق ما أكدت نائبة رئيس الحكومة الروسية. وتفكر السلطات الروسية حالياً بخطوة جديدة لتحفيز الأسرة على إنجاب طفل ثالث، وتدرس إمكانية تخصيص مكافأة تحمل اسم «رأس مال الأبوة» بقيمة نحو 9 آلاف دولار، علماً بأنها تمنح حالياً «رأس مال الأمومة» لكل أم عن ثاني مولود تنجبه.
وفي تصريحات لها من مدينة مورمانسك، على أطراف المنطقة القطبية شمال روسيا، كشفت تتيانا غوليكوفا، نائبة رئيس الحكومة الروسية، عن تراجع مستمر في أعداد السكان في المنطقة القطبية منذ عام 2015، وأشارت إلى أن معدل الوفيات منذ ذلك العام أخذ يرتفع أعلى من معدل الولادات.
وقالت إن هناك تدابير إقليمية لتوفير الدعم والمعونات للأسر في المنطقة، مطالبة بالتحقق من مدى فعالية تلك التدابير، وما إذا كانت هناك حاجة بخطوات إضافية في هذا المجال. ولا يقتصر هذا على مدن منطقة سيبيريا، إذ تم تسجيل تراجع لأعداد السكان على مستوى روسيا منذ مطلع العام الحالي، وفق ما أعلنت غوليكوفا نفسها، في تصريحات مطلع يوليو (تموز) الحالي، قالت فيها إن عدد سكان روسيا يتراجع بشكل كارثي، وكشفت عن «تراجع أعداد السكان خلال 4 أشهر بقدر 149 ألف نسمة»، وأضافت: «هذا يعني أن معدل الولادات يتراجع، بينما ينخفض معدل الوفيات بوتيرة ليست بالمستوى الذي كنا نتمناه».
وحسب معطيات وكالة الإحصاءات الفيدرالية الروسية، بلغ عدد سكان روسيا العام الماضي 146.7 مليون نسمة، أي بتراجع 86.6 ألف نسمة عن عدد السكان عام 2017.
وكان الوضع الديموغرافي في روسيا رئيسياً ضمن تقرير صدر نهاية شهر يونيو (حزيران) الماضي عن الأمم المتحدة. وبموجب السيناريو السلبي في ذلك التقرير، يتوقع الخبراء أن يتراجع عدد سكان روسيا حتى 100 مليون نسمة بحلول عام 2070، وأن يزيد عددهم عن 160 مليون نسمة بحلول عام 2080، وفق سيناريو التوقعات الإيجابية. أما التوقعات المعتدلة (المتوسط) فسيصل عدد سكان روسيا 127 مليون نسمة عام 2080.
لمواجهة هذا الوضع، والحد من تأثيره السلبي على الاقتصاد الروسي، اتخذت الحكومة الروسية خطوات عدة لتحسين ظروف ومستوى معيشة الأسرة التي يولد فيها أطفال، وأقرّت معونات دعم عن كل مولود جديد، تختلف قيمتها المادية حسب كل إقليم في البلاد، كما أقرت منذ عدة سنوات، على المستوى الفيدرالي صرف مبلغ 450 ألف روبل (نحو 9000 دولار) عبارة عن «رأس مال أمومة» تحصل عليه كل أم عند إنجاب الطفل الثاني، وحددت الحكومة مجالات استخدام هذا المبلغ، لتوفير أو تحسين السكن، وللإنفاق على تعليم الأطفال.
وللتعويض عن نقص الأيدي العاملة خلال هذه المرحلة، الناجم عن تراجع الولادات الحاد نهاية القرن الماضي، قررت السلطات الروسية رفع سن التقاعد للرجال من 60 إلى 65 عاماً، والنساء حتى 63 عاماً.
ويبدو أن كل تلك التدابير لم تعد كافية لمواجهة الأزمة الديموغرافية وتحسين معدل الولادات، لذلك تدرس السلطات حوافز إضافية تقدمها للمواطنين بغية دفعهم لإنجاب مزيد من الأطفال. وبعد أن شكّل «رأس مال الأمومة» حافزاً لإنجاب الطفل الثاني، يدرس البرلمانيون الروس حالياً مشروع قانون ينص على إقرار «رأس مال الأبوة»، الذي سيتم منحه لرب الأسرة، لكن فقط بعد إنجاب الطفل الثالث. ويتوقع أن تكون قيمته النقدية مساوية لـ«رأس مال الأمومة»، أي نحو 453 ألف روبل روسي. ومن غير الواضح بعد من الذي بادر بطرح مشروع قانون «رأس مال الأبوة» على البرلمان، لكن الأكيد أنه جاء تماشياً مع اقتراح طرحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في خطابه ربيع العام الماضي أمام المجلس الفيدرالي. حينها وبعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، عرض جملة خطوات يجب اتخاذها لتوفير ظروف مناسبة لحياة الأسرة، لإنجاب الأطفال دون الخوف من تهديد الفقر، واقترح بما في ذلك أن تسدد الحكومة 450 ألف روبل عن القروض العقارية للأسرة بعد إنجاب الطفل الثالث، «وما بعد الثالث».



تكاليف الاقتراض الحكومي في بريطانيا تسجل أعلى مستوى منذ 1998

يسير الناس عبر منطقة سيتي أوف لندن المالية (رويترز)
يسير الناس عبر منطقة سيتي أوف لندن المالية (رويترز)
TT

تكاليف الاقتراض الحكومي في بريطانيا تسجل أعلى مستوى منذ 1998

يسير الناس عبر منطقة سيتي أوف لندن المالية (رويترز)
يسير الناس عبر منطقة سيتي أوف لندن المالية (رويترز)

سجلت تكاليف الاقتراض الحكومي طويل الأجل في بريطانيا أعلى مستوياتها منذ عام 1998 يوم الثلاثاء، مما يزيد التحديات التي تواجه وزيرة المالية راشيل ريفز، التي تخطط للاقتراض بمئات المليارات من الجنيهات الإسترلينية لتمويل زيادة الاستثمار العام والإنفاق.

وارتفعت تكاليف الاقتراض طويل الأجل على مستوى العالم في أعقاب جائحة «كوفيد – 19» والغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، مما أدى إلى ارتفاع التضخم. ومع ذلك، شهدت العوائد البريطانية زيادة ملحوظة في الأسابيع الأخيرة؛ حيث يتوقع معظم المستثمرين أن يقوم بنك إنجلترا بتقليص أسعار الفائدة بنحو نصف نقطة مئوية فقط هذا العام، وسط احتمالات بأن يظل التضخم أعلى من هدف البنك المركزي البالغ 2 في المائة، وفق «رويترز».

باع مكتب إدارة الديون في المملكة المتحدة 2.25 مليار جنيه إسترليني (ما يعادل 2.8 مليار دولار) من سندات الخزانة القياسية لأجل 30 عاماً للمستثمرين بمتوسط ​​عائد 5.198 في المائة في مزاد يوم الثلاثاء، وهو أعلى عائد لسندات الخزانة البريطانية لأجل 30 عاماً منذ أن باع مكتب إدارة الديون سنداً بنسبة 5.790 في المائة في أول مزاد له في مايو (أيار) 1998.

وفي التداول بين المستثمرين بعد المزاد، ارتفع العائد على السندات البريطانية لأجل 30 عاماً إلى 5.221 في المائة، وهو أعلى مستوى منذ أغسطس (آب) 1998 وأعلى بمقدار 4 نقاط أساس عن اليوم السابق. كما أدت توقعات التخفيضات الضريبية الأميركية والإنفاق المرتفع في حال فوز دونالد ترمب بالرئاسة، بالإضافة إلى التضخم المحتمل الناتج عن التعريفات التجارية الجديدة، إلى ارتفاع العائدات الأميركية، مما كان له تأثير غير مباشر على بريطانيا وألمانيا.

وتواجه ريفز مهمة صعبة في الالتزام بقواعد الموازنة بعدما أظهرت العائدات على السندات الحكومية البريطانية لأجل 30 عاماً ارتفاعاً بمقدار 2.5 نقطة مئوية عن العائدات الألمانية، وهو المستوى الذي لم يُسجل إلا في سبتمبر (أيلول) 2022 أثناء اضطرابات السوق التي تلت «الموازنة المصغرة» لرئيسة الوزراء السابقة ليز تروس.

ومن المرجح أن تجعل تكاليف الاقتراض المرتفعة من الصعب على ريفز الوفاء بقواعد الموازنة، مما قد يضطرها إلى زيادة الضرائب مجدداً بعد أن فرضت بالفعل متطلبات أعلى للمساهمات في الضمان الاجتماعي على أصحاب العمل.

وتستمر عوائد السندات الحكومية لأجل 30 عاماً في كونها أعلى بنحو 0.3 نقطة مئوية من عوائد سندات الخزانة الأميركية، وهو ما يتماشى مع متوسطها خلال العامين الماضيين وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وأعرب بعض المحللين قبل المزاد عن اعتقادهم بأن العوائد على السندات الحكومية تبدو مرتفعة جداً. وقالت شركة «أفيفا إنفسترز» إن فريقها «يفضل السندات الحكومية بناءً على الاعتقاد بأن بنك إنجلترا سيخفض أسعار الفائدة أكثر مما تتوقعه السوق في عام 2025، في ظل توقعات تضخم أضعف ونمو أضعف من المتوقع».

بدوره، أشار بنك «آر بي سي» إلى أنه لا يرى مجالاً كبيراً لارتفاع عوائد سندات الخزانة لأجل 30 عاماً في المستقبل القريب؛ حيث سيعتمد ذلك على قيام الأسواق بتعديل توقعاتها لخفض أسعار الفائدة من بنك إنجلترا هذا العام.

وأضاف: «بينما قد يحدث هذا في وقت لاحق من العام، فإننا لا نرى حالياً أدلة كافية في السوق لدعم هذه الفرضية، خاصة في ضوء حالة عدم اليقين الكبيرة الناجمة عن تنصيب ترمب المقبل».