العبادي يخطط للعودة بديلاً لعبد المهدي

يراهن على شارع خيّب أمله أداء الحكومة الحالية

TT

العبادي يخطط للعودة بديلاً لعبد المهدي

يستعدّ رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي للعودة إلى القيادة السياسية، مقدماً نفسه بديلاً لرئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي في مجالات شتى، لا سيما منها مكافحة الفساد، ومراهناً على شارع يشعر بخيبة أمل بالغة إزاء الأداء الحكومي الحالي.
وتحدث العبادي في مقابلة مع «وكالة الصحافة الفرنسية» عن خطر عودة الصراع الطائفي إلى العراق الذي سجّل في عهد العبادي نصره الكبير على تنظيم «داعش»، وعن الفساد في بلد يحتل المرتبة الثانية عشرة على لائحة البلدان الأكثر فساداً في العالم، وعن التوترات مع إقليم كردستان.
ويشير مصدر حكومي إلى تعبئة سياسية يقوم بها العبادي، مراهناً على الصيف واحتجاجات العراقيين الدورية خلاله ضد انقطاع التيار الكهربائي المزمن في العراق ونقص الخدمات، كصهوة للعودة، بعدما نصّب نفسه «معارضاً تقويمياً»، وفق ما يقول العبادي نفسه.
ورداً على سؤال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، يؤكد العبادي نيته العودة، قائلاً: «نحن نيتنا طيبة في هذا الإطار».
ويؤكد مصدر مطلع على نشاط العبادي أن الأخير يعقد لقاءات مع قادة كتل وأحزاب سياسية كبيرة. ويؤكد العبادي من جهته أن هناك «تواصلاً من نوع معين حالياً مع المرجعية الشيعية الأعلى المتمثلة بآية الله السيد علي السيستاني، صاحب التأثير الكبير على المشهد السياسي العراقي».
وكان الفساد أحد أسباب خسارة العبادي شعبيته التي بناها على انتصارات عسكرية متتالية، رغم أنه شبّهه بـ«الإرهاب». ولدى سؤاله عن تراجعه أو فشله في ضرب حيتان المال، يجيب: «كيف تكافح الفساد، والأمر بيد القضاء؟ مَن يدعي أنه سيحارب كل الفساد دفعة واحدة هو في الحقيقة لا ينوي محاربته». لكنه يقول إن «فساداً جديداً أُضيف إلى الدولة وهو بيع المناصب الذي كان في السابق سرّاً وبات اليوم في العلن، وكل شيء بسعره»، خصوصاً أن تسريبات انتشرت في خضم مرحلة تشكيل الحكومة عن سعي أحزاب بارزة لشراء منصب وزير بالدفع لمرشحين آخرين أموالاً طائلة للانسحاب. ويربط العبادي الفساد بالطائفية التي يبدي تخوفاً من عودتها، وبشكل أكبر، في حال استمرت الأمور على ما هي عليه في الساحة السياسية. ويحسب لحيدر العبادي أنه قضى على النَفَس الطائفي في البلاد خلال فترة حكمه، وأنه أعاد نشر الروح القومية في مناطق كانت قبل عقد من الزمن حمامات دماء بفعل الاقتتال الطائفي. ويقول: «بالأمس الطائفية استُخدمت سلاحاً في الصراع بين الكتل (النيابية) لتقسيم الغنائم، ولهذا أُصِبنا بما أصبنا به». ويضيف: «إذا عاد (داعش) أو تشكيل إرهابي جديد، أو تشكيل ربما كوكتيل من إرهابيين وسياسيين وآخرين، سيكون تشكيلاً خطراً يؤدي إلى انهيار الأوضاع بالكامل».
ولا يزال لتنظيم داعش، رغم دحره، خلايا نائمة تنشط في مناطق قريبة من حزام بغداد وعلى المناطق الحدودية.
ومع نهاية عام 2017، بدا العبادي بطلاً قومياً حقق نصراً عسكرياً على تنظيم «داعش»، الذي كان يسيطر على ما يقارب ثلث مساحة العراق منذ عام 2014. إضافة إلى أنه الرجل الذي استعاد غالبية الأراضي المتنازع عليها مع إقليم كردستان العراق، في إجراء «عقابي» لسعيهم إلى الاستقلال في استفتاء أجروه في سبتمبر (أيلول) 2017. ويقول متابعون للسياسة العراقية إن العبادي حينها ربما كسب بغداد، لكنه خسر الأكراد.
إلا أن العبادي يعتبر أن لا مشكلة لديه مع المواطنين الأكراد، مضيفاً: «هناك مشكلة مع بعض الأحزاب، أو الجهات المسيطرة على الإقليم»، في إشارة إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود بارزاني. ويضيف: «المشكلة هي أنها (الجهات) مسيطرة على ثروة الإقليم ونفطه. لهذا كنتُ دائماً أسأل خلال المدة السابقة: أين الواردات؟ (...) كانت العملية أشبه بغسل أموال». ويوضح أن الإقليم يصدر أكثر من 400 ألف برميل يومياً «وهذه تكفي لتغطية كل مصاريف الإقليم وأن يعيش في رفاه. ولكنه يحصل على أموال هائلة من بغداد أيضاً».
ويرى العبادي أن الحكومة الحالية لا تجد أمامها إلا العودة إلى قرارات وخطوات سبق أن اتخذها خلال فترة حكمه. ويشير مثلاً إلى القرار الأخير لرئيس الحكومة الحالي عادل عبد المهدي الذي أمر باعتبار الحشد الشعبي «جزءاً لا يتجزأ» من القوات الأمنية العراقية.
ويقول: «أحيي قرار السيد رئيس الوزراء وأشجعه، إلا أنني كنت أتمنى أن يبني على القرارات السابقة (...) أظن أننا أضعنا سنة ونصف السنة»، منذ خسارته للسلطة لعدم تمكنه من تشكيل ائتلاف برلماني يسمى في العرف السياسي العراقي «الكتلة الأكبر»، ما يضمن تكليفه بولاية ثانية.
واعتبر محللون في حينه أن العبادي دفع ثمن قربه من الولايات المتحدة وأن موقفه المؤيد لتطبيق العقوبات الأميركية على إيران كان كفيلاً بتصفيته سياسياً. لكنه يقول إن الاحتجاجات الشعبية المطلبية التي قامت في البصرة وامتدت جنوباً كانت سيناريو مفتعلا من «بعض الأطراف (...) والقيادة الإيرانية بعيدة عن ذلك».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.