التكنولوجيا الرقمية في مواجهة وسائل الإعلام التقليديةhttps://aawsat.com/home/article/1811536/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%83%D9%86%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%82%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87%D8%A9-%D9%88%D8%B3%D8%A7%D8%A6%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D9%84%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D8%A9
التكنولوجيا الرقمية في مواجهة وسائل الإعلام التقليدية
هناك إجماع لدى الأسرة الصحافية مفاده أن جمع المعلومة ونشرها قد تغير، وهو الرأي ذاته الذي تتقاسمه إيديت ليدرير، كبيرة مراسلي وكالة «أسوشيتد برس» لدى الأمم المتحدة، التي ترى أن «الأجيال التي نشأت في ظل شبكات التواصل الاجتماعي اعتادت على الأخبار القصيرة، ولذلك فقد أضحت جميع أخبارنا لا تتجاوز 130 كلمة فقط»، الأمر الذي دفع «أسوشيتد برس» لضبط وتعديل محتواها مع «تويتر»، وهو ما انعكس على محتوى الأخبار الفورية.
غير أن «بعضاً من هذه الأخبار يتمتع بالدقة، والآخر يفتقر إليها، فأحد اهتماماتي تكمن في عدم تأكدي من فهم الأجيال الشابة للاختلاف بين الأخبار الموثقة والمحررة التي تقدم عبر وسائل الإعلام التقليدية، وتلك التي يتم تداولها عبر المدونات، وكذلك الآراء التي يمكن للجميع نشرها دون تدقيق».
ويصعب جداً على محطات الإذاعة والتلفزيون، التي تقع بعيداً عن محيط الأحداث، ويتعين عليها التعامل الآني معها، كما ليس لديها الوقت الكافي ولا السبيل الواضح للوقوف على حقيقة الأخبار التي يبثونها، أن تتجاهل التعامل مع وسائل الإعلام الجديدة.
وتقول ليندا فاسولا من «إذاعة أميركا الوطنية» (NPR)، «إن المشكلة الحقيقية تكمن في أن الجمهور لا يعلم ما هي الوسيلة الإعلامية الرسمية، فضلاً عن ذلك، وعلى عكس وسائل الإعلام الكبرى، فإن شبكات التواصل الاجتماعي ليست لديها آلية واضحة للتحقق من الأحداث، ولا قراءتها مجدداً من قبل مصحح للوقوف على حقيقتها قبل النشر».
وتتحدث فاسولا عن أن «هناك تراجعاً حقيقياً وواضحاً للصحافة التي تحتاج لمزيد من الوقت لتدقيق مصادرها قبل النشر، بعد التراجع الحاد في مستوى الاحترام».
بالإضافة إلى ذلك، فإن شبكة الإنترنت، التي تعد الآن وسيلة بث على نطاق واسع، لا يمكن لها أن تنتج نصاً صحافياً أو صحافة إلكترونية، أو صوراً لما يسمى «صحافة المواطن»، أو تمثل منصة لإطلاق التحذيرات.
ووفقاً لما أكده أحد الصحافيين، فإن شبكة الإنترنت التي أضحت خارج نطاق السيطرة تتمتع بقليل من المصداقية، ولذا «يجب علينا إعطاء أنفسنا مزيداً من الوقت لتوثيق المعلومة»، معترفاً في الوقت ذاته «بأن مهنته تشهد تطوراً ملحوظاً، وأن المخاطر الأساسية المتعلقة بالدقة، وكذلك الحاجة إلى تدقيق المعلومة تتزايد بشكل ملحوظ، بالإضافة إلى حجم المعلومات التي يمكن التلاعب فيها».
وذهب جيل هيرم كانيلا، مستشار الإعلام والاتصال بمكتب اليونيسكو في عاصمة الأوروغواي، مونتفيديو، إلى أن «هناك كثيراً من الأشخاص يدعون أنهم صحافيون حتى ولو كانوا مجرد (مدونين)، ولا حرج في ذلك، هذا في الوقت الذي تسعى فيه الصحافة نحو الاهتمام بالمسائل ذات الشأن العام أو التحقيق في موضوعات محددة، وبالتالي، فإن المشكلة تكمن في أن هؤلاء الأفراد الذين يدعون امتهانهم مهنة الصحافة لا يتمتعون بالكفاءة التي تطلبها هذه المهنة منذ أكثر من 200 عام».
ويتحدث كانيلا عن التكنولوجيا الرقمية، ويقول إنها «عرّضت مهنة الصحافة للخطر بطريقة أو بأخرى، وجعلت من واقع الصحافة التقليدية أكثر خطراً أو جعلته أكثر صعوبة، إلا أنها توفر بصورة أو بأخرى فرصاً أمام الصحافيين الذين يتعين عليهم أن يتحلوا بالقيم المهنية، وإنتاج مزيد من الأخبار الأكثر توافقاً مع الواقع الراهن».
إن شبكات التواصل الاجتماعي تمثل فضاءً حقيقياً لكل الأصوات المستقلة في الدول التسلطية، كما تعد وسيلة لإسماع أصوات الصحافيين، وليس كمن فهم أن حرية الصحافة تمثل خطراً، وتسبب هذا الفهم في قطع شبكة الإنترنت، ومراقبة وسائل الإعلام، وكذلك النساء اللواتي يتبعن أسلوب الرقابة الذاتية، أو يتراجعن عن تغطية بعض الموضوعات.
وتحدثت منظمة «مراسلون بلا حدود» عن التحرش عبر الإنترنت، ورأت أنه يمثل تهديداً جديداً لحرية الصحافة يؤدي إلى أحد أشكال الرقابة على المضمون.
غير أن كانيلا تحدثت عن أن «رؤساء وسائل إعلامية لا يريدون دفع مقابل مادي للصحافة الجيدة، مفضلين استخدام وسائل الإعلام المجانية»، مؤكدة أن «لهذا التصرف تأثيراً سلبياً، ويقوض وجود صحافة جيدة تعتمد على المهنية».
البشرية من الخوارزميات إلى الذكاء الاصطناعيhttps://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7/5095941-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%B2%D9%85%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%83%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B5%D8%B7%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%8A
نظام مراقبة يستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه (غيتي)
على مدار السنوات الـ25 الماضية، تسارعت وتيرة الابتكار التكنولوجي بشكل غير مسبوق، مما أدى إلى تحول المجتمعات في جميع أنحاء العالم. تاريخياً، استغرقت التقنيات مثل الكهرباء والهاتف عقوداً للوصول إلى 25 في المائة من الأسر الأميركية - 46 و35 عاماً على التوالي. على النقيض من ذلك تماماً، حقّق الإنترنت ذلك في 7 سنوات فقط.
اكتسبت منصات مثل «فيسبوك» 50 مليون مستخدم في عامين، وأعادت «نتفليكس» تعريف استهلاك الوسائط بسرعة، وجذب «شات جي بي تي» أكثر من مليون مستخدم في 5 أيام فقط. يؤكد هذا التقَبّل السريع للتقدم التكنولوجي والتحول المجتمعي وأثره في تبني الابتكار.
قادت هذه الموجة شركة «غوغل»، وهي شركة ناشئة تأسست في مرآب. في عام 1998، قدمت «غوغل» خوارزمية «بيچ رانك»، ما أحدث ثورة في تنظيم المعلومات على الويب. على عكس محركات البحث التقليدية التي تركز على تكرار الكلمات الرئيسية، عملت خوارزمية «بيچ رانك» على تقييم أهمية الصفحة من خلال تحليل الارتباطات التبادلية، ومعاملة الروابط التشعبية على أنها أصوات ثقة واستيعاب الحكمة الجماعية للإنترنت. أصبح العثور على المعلومات ذات الصلة أسرع وأكثر سهولة، ما جعل محرك البحث «غوغل» لا غنى عنه على مستوى العالم.
تحوّل «نتفليكس»
في خضم ثورة البيانات، ظهر نموذج جديد للحوسبة: التعلم الآلي. بدأ المطورون في إنشاء خوارزميات تتعلم من البيانات وتتحسن بمرور الوقت، مبتعدين عن البرمجة الصريحة. جسّدت «نتفليكس» هذا التحول بجائزتها البالغة مليون دولار لعام 2006 لتحسين خوارزمية التوصية خاصتها بنسبة 10 في المائة. في عام 2009، نجحت خوارزمية «براغماتيك كايوس» لشركة «بيلكور» في استخدام التعلم الآلي المتقدم، ما يسلّط الضوء على قوة الخوارزميات التكيفية.
ثم توغل الباحثون في مجال التعلم العميق، وهو مجموعة متفرعة عن التعلم الآلي تتضمن خوارزميات تتعلم من بيانات ضخمة غير منظمة. في عام 2011، أظهر نظام «واتسون» الحاسوبي من شركة «آي بي إم» قوة التعلم العميق في لعبة «چيوباردي»! في منافسة ضد البطلين «براد روتر» و«كين جينينغز»، أظهر «واتسون» القدرة على فهم الفروق الدقيقة في اللغة المعقدة، والتورية، والألغاز، مما يحقق النصر. أفسح هذا العرض المهم لمعالجة اللغة بالذكاء الاصطناعي المجال أمام العديد من تطبيقات معالجة اللغة الطبيعية.
في عام 2016، حقق برنامج «ألفاغو» الحاسوبي من شركة «غوغل ديب مايند» إنجازاً تاريخياً بهزيمة «لي سيدول» بطل العالم في لعبة «غو». كانت لعبة «غو»، المعروفة بمعقداتها وتفكيرها الحدسي، خارج نطاق الذكاء الاصطناعي. أدهش فوز «ألفاغو» العالم بأسره، مشيراً إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكنه معالجة المشكلات التي تتطلب التفكير الاستراتيجي من خلال الشبكات العصبية.
ثورة تجارة التجزئة
مع ازدياد قدرات الذكاء الاصطناعي، بدأت الشركات في دمج هذه التقنيات لإحداث الابتكار. أحدثت «أمازون» ثورة في تجارة التجزئة عبر الاستفادة من الذكاء الاصطناعي للتسوق الشخصي. من خلال تحليل عادات العملاء، أوصت خوارزميات «أمازون» بالمنتجات بدقة، ويسّرت الخدمات اللوجيستية، وحسّنت المخزون. وصار التخصيص حجر الزاوية في نجاح «أمازون»، مما وضع توقعات جديدة لخدمة العملاء.
في قطاع السيارات، قادت شركة «تسلا» عملية دمج الذكاء الاصطناعي في المنتجات الاستهلاكية. من خلال «أوتوبايلوت»، قدمت «تسلا» لمحة عن مستقبل النقل. في البداية، استخدم «أوتوبايلوت» الذكاء الاصطناعي لمعالجة البيانات من الكاميرات وأجهزة الاستشعار، مما يتيح التحكم التكيفي في السرعة، ومَرْكَزَة المسار، ومواقف السيارات الذاتية. بحلول عام 2024، سمح نظام القيادة الذاتية الكاملة (FSD) للسيارات بالتنقل مع تدخل بشري طفيف. أعادت تلك الوثبة تعريف القيادة وعجلت بالجهود الرامية لتطوير السيارات ذاتية القيادة مثل «وايمو».
كما شهد قطاع الرعاية الصحية التأثير التحويلي للذكاء الاصطناعي، إذ طوّر الباحثون خوارزميات تكتشف الأنماط في بيانات التصوير غير المُدرَكة للبشر. على سبيل المثال، حلّل نظام الذكاء الاصطناعي صور الثدي بالأشعة السينية للتعرف على التغيرات الدقيقة التي تتنبأ بالسرطان، مما يتيح تدخلات مبكرة وربما إنقاذ الأرواح.
في عام 2020، حقق برنامج «ألفافولد» من شركة «ديب مايند» إنجازاً تاريخياً: التنبؤ الدقيق بهياكل البروتين من تسلسلات الأحماض الأمينية - وهو تحدٍّ أربك العلماء لعقود. يعد فهم انْثِناء البروتين أمراً بالغ الأهمية لاكتشاف الأدوية وأبحاث الأمراض. تستفيد مختبرات «أيسومورفيك لابس» التابعة لشركة «ديب مايند»، من أحدث نماذج «ألفافولد» وتتعاون مع شركات الأدوية الكبرى لتسريع الأبحاث الطبية الحيوية، مما قد يؤدي إلى علاجات جديدة بوتيرة غير مسبوقة.
سرعان ما تبنى قطاع التمويل ابتكارات الذكاء الاصطناعي. نفذت شركة «باي بال» خوارزميات متقدمة للكشف عن الاحتيال ومنعه في الوقت الفعلي، مما يزيد من الثقة في المدفوعات الرقمية. استخدمت شركات التداول عالية التردد خوارزميات لتنفيذ الصفقات في أجزاء من الثانية. واستخدمت شركات مثل «رينيسانس تكنولوجيز» التعلم الآلي في استراتيجيات التداول، محققة عوائد رائعة. أصبح التداول الخوارزمي الآن يمثل جزءاً كبيراً من حجم التداول، مما يزيد من الكفاءة لكنه يُثير مخاوف بشأن استقرار السوق، كما هو الحال في انهيار عام 2010.
في عام 2014، طوّر إيان غودفيلو وزملاؤه الشبكات التنافسية التوليدية (GANs)، التي تتكون من شبكتين عصبيتين - المُولّد والمميّز - تتنافسان ضد بعضهما. مكّنت هذه الديناميكية من إنشاء بيانات اصطناعية واقعية للغاية، بما في ذلك الصور ومقاطع الفيديو. لقد أنتجت الشبكات التنافسية التوليدية وجوهاً بشرية واقعية، وأنشأت أعمالاً فنية، وساعدت في التصوير الطبي من خلال إنتاج بيانات اصطناعية للتدريب، مما يعزز قوة نماذج التشخيص.
في عام 2017، قدمت هيكليات المحولات «ترانسفورمر» تحولاً كبيراً في منهجية الذكاء الاصطناعي، مما غيّر بشكل جذري من معالجة اللغة الطبيعية. ابتعدت «ترانسفورمر» عن الشبكات العصبية التكرارية والالتفافية التقليدية. وتعتمد كلياً على آليات الانتباه لالتقاط التبعيات العالمية، مما يسمح بالتعامد الفعال ومعالجة السياقات المطولة.
نص بشري يكتبه روبوت
بناء على ذلك، طوّرت شركة «أوبن إيه آي» سلسلة «المحول المُولّد المدرب مسبقاً» (GPT)، وأظهر «جي بي تي – 3»، الصادر عام 2020، قدرات غير مسبوقة في توليد نص يشبه النص البشري مع فهم السياق. على عكس النماذج السابقة التي تتطلب تدريباً محدداً للمهمة، يمكن لـ«جي بي تي – 3» أداء مجموعة واسعة من مهام اللغة مع الحد الأدنى من الضبط الدقيق، مما يُظهر قوة التدريب المسبق غير الخاضع للإشراف على نطاق واسع والتعلم قليل اللقطات. بدأت الشركات في دمج نماذج «جي بي تي» في التطبيقات من إنشاء المحتوى وتوليد التعليمات البرمجية إلى خدمة العملاء. حالياً، تتسابق العديد من النماذج لتحقيق «الذكاء الاصطناعي العام» (AGI) الذي يفهم، ويفسر، ويخلق محتوى متفوقاً على البشر.
الرحلة من الخوارزميات إلى الذكاء الاصطناعي على مدار السنوات الـ25 الماضية هي شهادة على الفضول البشري، والإبداع، والسعي الدؤوب نحو التقدم. لقد انتقلنا من الخوارزميات الأساسية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي المتطورة التي تفهم اللغة، وتفسر البيانات المعقدة، وتُظهر الإبداع. أدى النمو الهائل في قوة الحوسبة، والبيانات الضخمة، والاختراقات في مجال التعلم الآلي إلى تسريع تطوير الذكاء الاصطناعي بوتيرة لا يمكن تصورها.
بالتطلع إلى المستقبل، يشكل التنبؤ بالـ25 عاماً المقبلة تحدياً كبيراً. ومع تقدم الذكاء الاصطناعي، قد يفتح المجال أمام حلول للتحديات التي نعتبرها مستعصية اليوم - من علاج الأمراض، وحل مشاكل الطاقة، إلى التخفيف من تغير المناخ، واستكشاف الفضاء العميق.
إن إمكانات الذكاء الاصطناعي في إحداث ثورة في كل جانب من جوانب حياتنا هائلة. ورغم أن المسار الدقيق غير مؤكد، فإن اندماج إبداع الإنسان والذكاء الاصطناعي يعد بمستقبل غني بالإمكانات. ويتساءل المرء متى وأين قد تظهر شركة «غوغل» أو «أوبن إيه آي» التالية، وما الخير الكبير الذي قد تجلبه للعالم؟