إعادة هيكلة استخبارات «الحرس الثوري» الإيراني

توسيع نطاق العمليات في الخارج وتركيز على «الحرب الشاملة» ضد أميركا

إيراني يحمل لافتة كُتب عليها «تسقط أميركا» خلال صلاة الجمعة في أحد مساجد طهران أمس (رويترز)
إيراني يحمل لافتة كُتب عليها «تسقط أميركا» خلال صلاة الجمعة في أحد مساجد طهران أمس (رويترز)
TT

إعادة هيكلة استخبارات «الحرس الثوري» الإيراني

إيراني يحمل لافتة كُتب عليها «تسقط أميركا» خلال صلاة الجمعة في أحد مساجد طهران أمس (رويترز)
إيراني يحمل لافتة كُتب عليها «تسقط أميركا» خلال صلاة الجمعة في أحد مساجد طهران أمس (رويترز)

اتخذت إيران، الشهر الماضي، قراراً جديداً بشأن جهاز الاستخبارات التابع للحرس الثوري الإيراني، ويتعلق القرار بتوسيع نطاق عمليات الجهاز في الخارج، تلك التي تركز على الولايات المتحدة وخوض «حرب استخبارات شاملة».
وأشار الحرس الثوري إلى دمج مديرية الاستخبارات الاستراتيجية تحت مظلة جهاز استخبارات الحرس، باعتبارها من مكونات مهمة الجهاز الموسعة.
وأعلنت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية، في 18 مايو (أيار) الماضي، عن استمرار حسين طيب، رئيس جهاز استخبارات الحرس الثوري في منصبه، مع تعيين حسن مهاجغي نائباً جديداً له، وهو الذي كان يرأس مديرية الاستخبارات الاستراتيجية بالحرس الثوري سابقاً. وصدر القرار بتخفيض منصب النائب الأسبق حسين نجات إلى نائب رئيس الحرس الثوري للشؤون الاجتماعية والثقافية.
ومنذ عام 1979، تاريخ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران، خضع مجتمع الاستخبارات بالحرس الثوري إلى سلسلة تغييرات، واكتساب مزيد من القوة على حساب وزارة الاستخبارات الرسمية. وبعد تولي الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، مقاليد الحكم في البلاد، كانت وحدة الاستخبارات والتحقيقات بالحرس الثوري المسؤول الأول عن أنشطة الاستخبارات في البلاد. وفي عام 1980 وسع الحرس الثوري من نطاق عمليات الاستخبارات العسكرية بسبب الحرب العراقية - الإيرانية. ثم في عام 1983 تشكلت وزارة الاستخبارات من وحدات الأمن الداخلي التابعة للحرس الثوري، تلك الوزارة التي تولت فيما بعد مهام العمليات الخارجية، ثم تغيّر اسم وحدة الاستخبارات التابعة للحرس الثوري إلى مديرية الاستخبارات.
ولعبت وزارة الاستخبارات دوراً رئيسياً، بالتعاون مع «حزب الله» والحرس الثوري، في تنفيذ سلسلة من عمليات الاغتيالات، بلغت نحو 60 عملية في الخارج، في الفترة بين ثمانينات وتسعينات القرن العشرين.
وفي أعقاب الحرب، نحو عام 1990، أنشأت إيران قوة القدس، باعتبارها فرع العمليات الخارجية التابع للحرس الثوري، والمسؤول عن مباشرة العمليات الحربية غير التقليدية، فضلاً عن توطيد أواصر العلاقات مع الجماعات المتطرفة والمسلحة في الخارج. وكان من بين أفراد القوة الجديدة الضباط القدامى في مديرية الاستخبارات و«قاعدة رمضان»، وهي مركز تخطيط وإدارة العمليات الخاصة «خلف خطوط العدو» أثناء الحرب العراقية – الإيرانية، إلى جانب دعم المتمردين ضد النظام العراقي.
وبعد انتخاب الرئيس المعتدل محمد خاتمي، والكشف في عام 1999 عن حوادث القتل العنيفة بحق المفكرين والمثقفين والمعارضين للنظام، قرر المرشد الأعلى علي خامنئي، إثر عدم ثقته في وزارة الاستخبارات، ترقية مديرية استخبارات الحرس الثوري إلى وكالة استخبارات موازية. وبين عامي 2005 و2006 تأسست مديرية الاستخبارات الاستراتيجية من رحم المركز الاستراتيجي للحرس الثوري. وفي أعقاب الاحتجاجات التي اندلعت إثر انتخابات عام 2009 الرئاسية، انتقد المسؤولون الإيرانيون وزارة الاستخبارات لفشلها المتصور في منع الاحتجاجات، وتحدثوا عن الانقسامات الظاهرة داخل الوزارة. وجرى تطهير ضباط الاستخبارات. وقررت الجمهورية الإسلامية ترقية مديرية الاستخبارات بالحرس الثوري إلى مستوى الجهاز، ووسعت من ميزانيته ونطاق أعماله. وتركزت أعمال جهاز استخبارات الحرس الثوري بالأساس على الاستخبارات المضادة والأمن الداخلي.
بالتالي، اكتسبت قوة القدس مزيداً من الأهمية على حساب وزارة الاستخبارات. وفي ردها على عمليات التخريب الأميركية والإسرائيلية لبرنامجها النووي في أوائل عام 2010، أنشأت قوة القدس الإيرانية مجموعة العمليات الخارجية الخاصة بها، والمعروفة باسم «الوحدة 400». حققت تلك الوحدة، جنباً إلى جنب مع تنظيمي «حزب الله» اللبناني و«الجهاد الإسلامي» الفلسطيني، نسب نجاح منخفضة للغاية في سلسلة من الهجمات التي شنتها ضد أهداف أميركية وإسرائيلية في أوائل عام 2010.
وأشار قائد الحرس الثوري حسين سلامي إلى توسيع مهام الحرس الثوري، مع التركيز بصفة خاصة على الولايات المتحدة. وقال سلامي أثناء مراسم تنصيب قائد الحرس الثوري ونائبه، إن جهاز استخبارات الحرس الثوري سيوسع من نطاق أنشطته الاستخبارية في الخارج، وإن مجال عمل الجهاز يتعلق بالنظام بأسره، والثورة الإسلامية، وجغرافية التهديد ضد إيران. وأضاف قائلاً: «نحن في حرب استخبارية شاملة ضد أميركا اليوم، وهذه البيئة تضم مزيجاً من العمليات النفسية والإلكترونية والتحركات العسكرية والدبلوماسية العامة وبث الخوف». واعتبر أنه لا يجب على الحرس الثوري التخلي للحظة واحدة عن تحليل الاستراتيجيات والسلوكيات الأميركية. كما حدد سلامي معيار النجاح بقوله: «يمكننا هزيمة العدو في حرب الاستخبارات، إن نجحنا في تثبيط إرادة العدو استخدام القوة، فإن هذا يعني نجاحنا في تحييد قوته».
ويحمل دمج مديرية الاستخبارات الاستراتيجية ضمن جهاز استخبارات الحرس الثوري كثيراً من التداعيات. وذكرت وسائل إعلامية ذات صلة بالحرس الثوري أن عملية الدمج كانت من الإجراءات المتزامنة مع تعيين حسن مهاجغي نائباً جديداً لجهاز استخبارات الحرس الثوري. وحدث الاندماج على الأرجح للحد من المنافسة القائمة، وتنظيم وحدات الاستخبارات بصورة أفضل للقيام بالمهام الجديدة. ومع ذلك فإن تصور وجود بعض الاحتكاكات ليس أمراً مستبعداً؛ حيث يعتاد حسن مهاجغي جلب رجاله من ضباط الحرس بصحبته إلى جهاز الاستخبارات. ولا يتوفر كثير من المعلومات في المجال العام بشأن مديرية الاستخبارات الاستراتيجية، على الرغم من أن التقارير الإخبارية ذات الصلة بالحرس الثوري قد ربطت أنشطة المديرية ببيان الجنرال سلامي بشأن البيئة المعقدة ومتعددة الأوجه التي يتصدى لها الحرس الثوري، مما يشير إلى أن مهمة المديرية قد شملت التعريف العام بمفهوم الاستخبارات الاستراتيجية، وهو المعني بتحديد التهديدات القائمة على المستوى الوطني، وفي الأنساق العملياتية والتكتيكية.
قد يدور تركيز جهاز استخبارات الحرس الثوري على المنهج المتبع، وتكليفه بمهام استخبارية أكثر أهمية، مع توسيع نطاق حافظة الأعمال في الخارج. وقد يلعب الجهاز دوراً أكبر في تنظيم مثل هذه الأنشطة في الحرس الثوري، والتي تستهدف الولايات المتحدة. ونظراً إلى هيمنة الحرس الثوري على أركان أمن الجمهورية الإسلامية وصناعة القرارات العسكرية، فمن شأن جهاز استخبارات الحرس الاضطلاع بدور أكثر مركزية؛ من حيث دعم السياسات الإيرانية المتبعة في الخارج.
وأفضى تصور التهديدات المحتملة من جانب الولايات المتحدة إلى إجراء التغييرات الأخيرة في هيكل استخبارات الحرس الثوري. ففي عام 2017 ذكرت وسائل إعلام أميركية أن وكالة الاستخبارات المركزية قد أنشأت مركز المهمات الإيرانية لجمع موارد ومعلومات الوكالات بشأن إيران. وكان الجنرال سلامي واضحاً للغاية حين أشار إلى أن الحرس الثوري يعتبر نفسه في حالة حرب استخباراتية مفتوحة ضد الولايات المتحدة، الأمر الذي يشير إلى أن الحرس يستشعر مقدار الضغوط الممارسة عليه. كما تأتي إعادة هيكلة جهاز استخبارات الحرس الثوري في أعقاب إدراجه من قبل الولايات المتحدة على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. وكان هذا هو السبب وراء استبدال الجنرال سلامي للجنرال محمد علي جعفري؛ حيث أطلق الجنرال جعفري تهديدات مباشرة ضد الولايات المتحدة، مثل التهديد بأنه سيتعين على الولايات المتحدة إخلاء قواعدها العسكرية في نطاق يبلغ 1000 كيلومتر من إيران، الأمر الذي وضع طهران في موقف محفوف بمخاطر اندلاع المواجهة العسكرية المباشرة ضد الولايات المتحدة إن توجهت إلى دعم وإسناد التهديد.
ومن شأن مهام جهاز استخبارات الحرس الثوري أن تتداخل مع مهام وزارة الاستخبارات الإيرانية. ومن شأن ذلك أن يخلق تداخلاً في المسؤوليات وقدراً معتبراً من التنافس فيما بينهما. وربما كانت حالة التنافس الراهنة، وما سبقها من حالات أخرى، هي السبب وراء عقد الجنرال سلامي اجتماعاً في شهر مايو الماضي بين وزارة الاستخبارات وجهاز الاستخبارات بالحرس الثوري. وقال خلال الاجتماع إن الجهازين الكبيرين يمثلان عيون النظام الإيراني، وإن كلاً منهما يكمل الآخر. ومن المرجح أن يكون العمل المشترك بين الجهازين في الخارج مزيجاً من التعاون والمنافسة، مع أفضلية خاصة يحظى بها جهاز الاستخبارات بالحرس الثوري.
وكانت وزارة الاستخبارات الإيرانية ضالعة في كثير من المؤامرات الفاشلة في الآونة الأخيرة، مما كان له أثره الواضح أيضاً على قرار تعزيز دور جهاز الاستخبارات بالحرس الثوري. وفي عام 2018 قامت السلطات في ألبانيا والدنمارك وفرنسا باعتقال أو طرد عملاء وزارة الاستخبارات الإيرانية، لاتهامات بالتآمر أو التجسس. وكانت أبرز هذه الحالات مؤامرة تفجير تجمع للمعارضة قرب باريس. كما طردت السلطات الهولندية اثنين من الدبلوماسيين الإيرانيين بعدما خلصت إلى استعانة إيران في عام 2015 باثنين من المجرمين لاغتيال أحد الأشخاص. ولم تذكر السلطات اسم الوكالة التي استعانت بالمجرمين. وألقت عمليات الاعتقال اللاحقة مزيداً من الضوء على الاستعانة بمصادر خارجية في تنفيذ المهام، الأمر الذي أسفر عن تدهور واضح في قدرات الوزارة، مقارنة بنحو 60 عملية اغتيال في الخارج، في الفترة بين ثمانينات وتسعينات القرن العشرين، تم معظمها باستخدام عملاء من «حزب الله»، سواء في التنفيذ أو الإسناد.
ومن شأن جهاز استخبارات الحرس الثوري أن يعمل إلى جانب قوة القدس، إلى الحد الذي تترابط فيه المهام بعضها ببعض، ولا سيما فيما يتعلق بالأهداف الأميركية، رغم أن المجال قد يتسع لظهور المنافسة بينهما. ومن الجدير بالذكر أنه بالإضافة إلى حالات فشل قوة القدس في أوائل عام 2010، ألقت السلطات القبض على عملاء مشتبه بهم في ألمانيا، كما كشفت خلية تابعة في جمهورية أفريقيا الوسطى. ومن غير الواضح ما إذا كان جهاز استخبارات الحرس الثوري سيعتمد على قوة القدس في العمليات، أو يلجأ إلى تشكيل قسم العمليات الخارجية الخاص به.
وأشار توسيع نطاق مهام جهاز استخبارات الحرس الثوري الإيراني إلى هيمنة الحرس الثوري على مجتمع الاستخبارات في الجمهورية الإسلامية. كما تعكس الجهود الجارية اهتماماً إيرانياً بتوسيع حملة الاستخبارات غير المتناظرة ضد الولايات المتحدة الأميركية، والهدف المعلن منها يتعلق بردع الولايات المتحدة عن استخدام القوة العسكرية ضد إيران.



فرنسا لمواجهة «التحدي الاستراتيجي» الإيراني

الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو في أثناء حضورهما تجمعاً بمناسبة مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة وسوبر ماركت يهودي في باريس (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو في أثناء حضورهما تجمعاً بمناسبة مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة وسوبر ماركت يهودي في باريس (رويترز)
TT

فرنسا لمواجهة «التحدي الاستراتيجي» الإيراني

الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو في أثناء حضورهما تجمعاً بمناسبة مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة وسوبر ماركت يهودي في باريس (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو في أثناء حضورهما تجمعاً بمناسبة مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة وسوبر ماركت يهودي في باريس (رويترز)

استكمل وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، اليوم الثلاثاء، «مضبطة الاتهامات» ضد إيران التي طرحها الرئيس إيمانويل ماكرون في كلمته أمام السلك الدبلوماسي، الاثنين، والتي لم تتضمن ملف الرهائن الفرنسيين المحتجزين في إيران منذ عام 2022.

وبذلك، أضاف بارو مدماكاً إضافياً إلى المداميك العديدة التي تؤدي إلى تصعيد التوتر في العلاقات الفرنسية - الإيرانية.

يعكس كلام بارو شكلاً من أشكال الإحباط بسبب فشل باريس في الحصول على الإفراج عن مواطنيها الثلاثة: سيسيل كوهلر ورفيق دربها جاك باريس ومواطن ثالث لم يكشف سوى عن اسمه الأول، أوليفيه، الذين ما زالوا محتجزين في إيران، علماً بأن السلطات الإيرانية قد وافقت سابقاً وفي فترات مختلفة على تحرير عدد من الفرنسيين.

رداً على ذلك، دعا بارو الفرنسيين، الثلاثاء، إلى الامتناع عن التوجه إلى إيران انتظاراً لـ«الإفراج الكامل» عن «رهائن الدولة»، كما تسميهم باريس.

وجاء في تصريحاته حرفياً: «أقول للسلطات الإيرانية: يجب الإفراج عن رهائننا. علاقاتنا الثنائية ومستقبل العقوبات يعتمد على ذلك. أدعو مواطنينا، وحتى يتم الإفراج الكامل عن رهائننا، إلى عدم التوجه إلى إيران».

وأفاد بارو بأنه «منذ انتخاب الرئيس (مسعود) بزشكيان، ورغم الجهود التي بذلناها على أعلى مستوى، فقد تدهورت أوضاعهم».

بارو يُلقي خطاباً بجانب وزير الخارجية البولندي رادوسواف سيكورسكي خلال المؤتمر السنوي للسفراء الفرنسيين الاثنين (رويترز)

وترفض باريس، قطعياً، الاتهامات الموجهة لمواطنيها الثلاثة، ومنها التجسس لصالح قوة أجنبية. ولم يتردد الوزير الفرنسي في اتهام إيران بممارسة التعذيب ضد الثلاثة بقوله: «إن وضع مواطنينا المحتجزين كرهائن في إيران غير مقبول بكل بساطة، فهم محتجزون ظلماً منذ عدة سنوات، في ظروف غير لائقة تندرج بالنسبة للبعض ضمن تعريف التعذيب بموجب القانون الدولي».

دبلوماسية الرهائن

ليس ملف احتجاز الرهائن في إيران جديداً، لا بالنسبة لفرنسا أو للبلدان الأوروبية ولدول أخرى. وآخر ما استجد توقيف الصحافية الإيطالية سيسيليا سالا في طهران يوم 19 ديسمبر (كانون الأول) بحجة «انتهاك القوانين الإيرانية»، الأمر الذي أثار حفيظة الحكومة الإيطالية.

كما أنه ليس سراً أن السلطات الإيرانية تلجأ إلى اعتماد سياسة الرهائن لمقايضتهم بمواطنين إيرانيين مسجونين في البلدان الغربية، والأدلة على ذلك عديدة.

وفي حالة فرنسا، فإن ما يثير استغرابها أن طهران لا تأخذ بعين الاعتبار حرص باريس على استمرار التواصل معها الدبلوماسي على أعلى المستويات. لكن اللافت أن وزير الخارجية ربط، وللمرة الأولى، كما تقول مصادر فرنسية، بين ملف الرهائن، وتواصل العقوبات على إيران. ويبدو أن بارو تعمد الغموض من حيث امتناعه عن تحديد العقوبات التي أشار إليها، وما إذا كانت مرتبطة فقط بمسألة الرهائن أم بالملفات الخلافية العديدة القائمة مع طهران، والتي شكلت لـ«مضبطة الاتهامات» التي فصّلها ماكرون.

أشخاص يشاركون الثلاثاء في وقفة نظمتها نقابة الصحافيين في لاتسيو ورابطة الصحافة الرومانية للمطالبة بالإفراج عن الصحافية الإيطالية سيسيليا سالا المحتجزة في إيران (د.ب.أ)

ماكرون والعودة لـ«سناب باك»

لم تكن المرة الأولى التي ينتقد فيها ماكرون إيران وبرنامجها النووي ودورها الإقليمي، لكن اللافت فيما جاء على لسانه، الاثنين، وصفه إياها بـ«التحدي الاستراتيجي والأمني لفرنسا وللأوروبيين وللمنطقة بكاملها (الشرق الأوسط)، وأبعد من ذلك». وتشمل «مضبطة الاتهامات» برنامج إيران النووي المتسارع الذي يقودنا إلى حافة القطيعة أو «اللاعودة»، في إشارة إلى ارتقائها بتخصيب اليورانيوم، وبالتالي اقترابها من القدرة على امتلاك السلاح النووي.

كذلك، ندد ماكرون ببرنامج إيران للصواريخ الباليستية الذي «يهدد التراب الأوروبي ومصالحنا». وكان لا بد لماكرون أن يشير إلى «انخراط إيران في الحرب الروسية على أوكرانيا»، وهو أمر «مثبت»، وكذلك «توفيرها الدعم للمجموعات الخطيرة» الضالعة في كافة نزاعات وحروب الشرق الأوسط، مدللاً على الميليشيات التي تساندها طهران في غزة ولبنان والعراق واليمن.

وللمرة الأولى، يشير ماكرون لدور إيراني في أفريقيا من خلال «وكلائها»، فضلاً عن اللجوء إلى «ممارسة الإرهاب».

الخلاصة التي توصل إليها ماكرون تقول إن إيران «تشكل خطراً إن لم يتم التعامل معها»، ما يحتّم «القيام بمناقشة شاملة» تضم الملفات الخلافية العديدة: النووي، والباليستي، والأنشطة المزعزعة للاستقرار في المنطقة بما فيها أفريقيا»، والغرض «بناء حلول قابلة للتحقق ولا رجعة فيها».

ثم إن ملفاً بهذه الخطورة يفترض، وفق ماكرون، أن يكون على رأس الملفات الرئيسية المفترض مناقشتها مع الإدارة الأميركية الجديدة من أجل التوصل، بخصوص النووي، إلى «اتفاق أوسع نطاقاً، وهو الخط الذي نسير عليه».

وذكر الرئيس الفرنسي أنه طرح، في عام 2018، على الرئيس ترمب، عوض نقض اتفاق 2018، استكماله ببنود إضافية للتوصل إلى اتفاق أقوى وأوسع. ويريد ماكرون انخراطاً واسعاً لمعالجة الملفات الإيرانية، يشمل بالطبع الولايات المتحدة والأوروبيين، ولكن أيضاً دول المنطقة الرئيسية. أما القنبلة التي فجرها ماكرون والتي يعدّها الورقة الرئيسية الضاغطة على إيران، فعنوانها تفعيل ما يسمى آلية «سناب باك» التي تعني إعادة الملف النووي إلى مجلس الأمن، وما يمكن أن يُفضي إلى إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران.

وقال ماكرون ما حرفيته: «في الأشهر المقبلة، سيتعين علينا أن نطرح على أنفسنا مسألة استخدام آليات إعادة فرض العقوبات من الآن وحتى أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ونحن مستعدون للقيام بذلك، ولكننا بحاجة إلى التزام أوسع نطاقاً من أجل التوصل إلى معاهدة أكثر تشدداً. من وجهة نظري، هذه إحدى القضايا ذات الأولوية في النقاش الاستراتيجي مع الولايات المتحدة والمنطقة بأسرها».

وإشارة ماكرون إلى شهر أكتوبر مردّها لانتهاء الاتفاقية النووية والقرار 2231، رسمياً، في الخريف المقبل.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب في صورة قديمة جمعته في 2020 مع ينس ستولتنبرغ أمين عام حلف شمال الأطلسي وقتها (د.ب.أ)

ترمب والمُعطَى الجديد

ليست المآخذ الغربية على برنامج إيران النووي جديدة ولا حاجة لتكرارها، بيد أن ما يفسر اللهجة «الهجومية» التي يعتمدها الرئيس الفرنسي لا يمكن فصلها، وفق سفير سابق في المنطقة، عن ثلاثة عوامل رئيسية: الأول، عودة ترمب إلى البيت الأبيض وخططه المرتقبة تجاه إيران. والثاني، ضعف النظام الإيراني حالياً بسبب التطورات العسكرية التي تشهدها المنطقة منذ أكتوبر 2023. والثالث فرنسي خالص «ملف الرهائن الفرنسيين في إيران». ولذا، أصبح واضحاً اليوم أن إيران فقدت الكثير من مخالبها التي سعت خلال العقود الماضية إلى تقويتها وفق استراتيجية تطويق إسرائيل وتقوية «الوكلاء»؛ سواء كانوا في غزة أو لبنان أو العراق أو اليمن؛ من أجل حماية النظام.

يضاف إلى ما سبق أن الضربات العسكرية التي وجهتها إسرائيل لإيران، خصوصاً الضربة الجوية الأخيرة، أواخر أكتوبر الماضي، أضعفت قدراتها الدفاعية بسبب القضاء على منظومات الدفاع الجوي التي تمتلكها، ما دفع برئيس الوزراء الإسرائيلي بـ«التباهي» وتأكيد أن سلاح الجو الإسرائيلي يستطيع أن يسرح ويمرح في الأجواء الإيرانية على هواه، ما دفع الدبلوماسي الأميركي السابق المعروف جيمس جيفري إلى القول لقناة «بي بي سي» يوم 22 ديسمبر ( كانون الأول) الماضي، إن ما تعيشه طهران هو «انهيار غير مسبوق لهيمنة إقليمية»، وإن «كافة أحجار الدومينو التي بنتها قد تهاوت»، ما ينعكس حكماً على قدراتها.

بالنظر لما سبق، ثمة قراءة تقول إن «الوقت مناسب للحصول على تنازلات من إيران»، وهو الأمر الذي يفسر قبولها معاودة المفاوضات مع الثلاثي الأوروبي: فرنسا وبريطانيا وألمانيا حول برنامجها النووي في اجتماع ثان سيعقد يوم 13 الحالي استباقاً لتسلم ترمب مسؤولياته رسمياً بعد أسبوعين.

وثمة قناعة لا تتزحزح، قوامها أن ملف إيران اليوم مرهون بما سيقرره ترمب، وليس أي جهة أخرى. من هنا، تتلاطم التكهنات بين من يتوقع ضربة عسكرية إسرائيلية أو أميركية - إسرائيلية للقضاء على برنامج إيران التي اتهمها جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس بايدن، بأنها تعمل على تصنيع القنبلة النووية، ومن يعتقد أن السلطات في طهران، المشغولة أيضاً بخلافة خامنئي البالغ من العمر 85 عاماً، والذي يتحكم بالقرار منذ عام 1989، ستظهر ليونة في التعاطي مع الوضع الإقليمي والدولي الجديد لتجنب الأسوأ.